مأساة الموصل.. عراقيون يروون كيف فقدوا سمعهم بسبب الحرب

الأحد 26 مايو 2019 03:05 م

يلاحظ ارتفاع أعداد المصابين، بمشاكل في السمع، تتراوح بين الطنين إلى الصمم الكامل، في مدينة الموصل العراقية، نتيجة لما تعرضت له المدينة خلال السنوات الماضية، من الغارات الجوية، وسقوط القذائف الصاروخية والانفجارات.

تحكي "علية علي"، إنه خلال معارك استعادة مدينة الموصل بشمال العراق من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية"، قبل نحو عامين، أغارت طائرة حربية على منزل، ما أفقدها زوجها وسمعها.

حال "علية"، مشابه للالاف من سكان المدينة الشمالية التي عادت إلى سيطرة الدولة في يوليو/تموز 2017، ممن يعانون من اضطرابات في السمع وصفير في الأذنين، أو أصيبوا بصمم تام.

أسفرت 9 أشهر من غارات القوات العراقية مدعومة بطيران التحالف الدولي، إضافة إلى السيارات المفخخة والطائرات المسيرة والعبوات الناسفة التي كان يفجرها الجهاديون، عن تزايد المشاكل في السمع لدى سكان الموصل.

تقول "علية": "فقدت سمعي تقريبا قبل سنتين، بعدما قصفت طائرة منطقتنا أيام تحرير الساحل الأيمن (الشطر الغربي من الموصل)".

ومنذ ذلك الحين، باتت "علية"، مضطرة إلى التكيف مع العالم الخارجي الذي لا تسمع له صوتا، وغير قادرة على تلقي علاج بعدما فقدت كل ما تملك خلال القصف.

كما يؤكد "فتحي حسين"، إصابته بمشاكل سمعية بسبب دوي الانفجارات والقذائف، ويقول: "كنا نجلس في المنزل عندما بدأت قذائف الهاون تتساقط علينا، سقطت ثلاث قذائف هاون على منزلنا.. بعد ذلك  فقدت سمعي".

ويشير "صلاح محمود"، وهو والد طفل مصاب، إلى أن "إحدى الغارات الجوية استهدفت الشارع الخلفي.. صعدنا إلى السطح ووجدنا قطعًا كبيرة من الأنقاض التي سقطت على سطح منزلنا، لقد فقد ابني محمد السمع بسبب الصوت العالي، علينا أن نصرخ أو نستخدم لغة الإشارة عندما نريد التحدث إليه لأنه لا يسمعنا".

ويتابع: "بدأت أذنه تنزف وكان يعاني من الألم، لذلك أخذناه لتلقي العلاج وقال (المختصون) إنه عانى من ثقب طبلة الأذن بسبب القصف، ومستويات عالية من الضوضاء، ودوي الطائرات الحربية".

ووفق مراقبين، فإنه بسبب ما شهده الجانب الأيمن من الموصل، من هجمات وعمليات عسكرية، يكاد لا يخلو منزل من مصاب بأمراض سمعية.

إمكانيات محدودة

ورغم الوعود الكثيرة التي قطعتها الحكومة العراقية بتوفير الخدمات الطبية والأدوية للمستشفيات والمراكز الصحية في الموصل، لكنها لم تجد طريقها إلى أرض الواقع بعد.

باتت العيادات الخاصة البديل الوحيد المتوفر في الموصل اليوم، بعدما أسفرت الحرب عن تراجع أعداد أسرة المستشفيات ستة أضعاف، وهناك اليوم نحو ألف سرير لقرابة مليوني شخص.

بإمكانياته المحدودة، يحاول مستشفى الجمهوري التعليمي معالجة المرضى.

في وقت تولت منظمة "داري" الإنسانية، العام الماضي إعادة تأهيل وافتتاح أجنحة عدة في مستشفيات المدينة، لاستقبال الحالات الطارئة والولادات. وافتتحت أيضا مركز استقبال مجانا لمشاكل السمع.

وتبذل الكوادر الطبية والتمريضية في الموصل جهوداً كبيرة لمعالجة المرضى من كل الأعمار، الذين تكتظ بهم قاعات الانتظار.

يقول أخصائي السمع والتخاطب "محمد سعيد": "استقبلت وحدة السمع والتخاطب في المستشفى الجمهوري أكثر من ألفي مصاب باضطرابات ناتجة عن القصف والتفجيرات من كلا الجنسين من مختلف الأعمار، ووزعت عليهم ألفي سماعة منذ افتتاح الشعبة قبل عام تقريبا".

ويضيف أن الحالات الأخرى "المستعصية" يتم تحويلها إلى مستشفيات بغداد، لزراعة قوقعة الأذن الإلكترونية غير المتوفرة حاليا في الموصل.

ويؤكد "سعيد"، أن "الأعداد أكبر بكثير من المسجلة لدينا، لأن بعض المصابين راجعوا عيادات خاصة أو أخرى خارج الموصل والعراق.. وهناك آخرون لم يراجعوا المستشفى حتى الآن".

وحسب مصدر طبي في الموصل، شهدت المستشفيات المؤقتة ومستشفى الموصل العام خلال الأسابيع التي أعقبت استعادة المدينة، توافد بين 15 إلى 20 مراجعا يوميا يعانون مشاكل في السمع.

أزمة أطفال

قد تكون الحالات عابرة بالنسبة للبعض، لكن "بعض المصابين قد لا يحالفهم الحظ في الشفاء"، وفق الطبيب "محمد صلاح"، أخصائي الأنف والأذن والحنجرة.

وأعاد "صلاح" السبب إلى أن "الخلايا العصبية السمعية تمزقت جراء الأصوات الشديدة القوة" في الحرب الضروس التي صنفت بين الأعنف في التاريخ.

ويؤكد "صلاح"، أن عددا كبيرا من هؤلاء، وبينهم أطفال، تعرض إلى "نزف دموي عند سماع دوي سقوط القذائف، من دون أن يتعالجوا".

واليوم، رغم مرور عامين على انتهاء المعارك، لا تزال العيادات الخاصة تغص بالمراجعين الذين يعانون من مشاكل سمعية.

وغالبا ما يتطلب العلاج سواء بالمعدات أو بالأدوية، وقتاً طويلاً خصوصا بالنسبة للأصغر سناً.

ويقول "سعيد"، إن "فقدان السمع يعني غالبا اضطراب النطق أيضا لدى الأطفال.. وهم في حاجة إلى علاجات أخرى غير متوفرة لدينا الآن" في الموصل.

يعاني "مهند" (5 سنوات) من صعوبة في النطق، لكنه يقول بكلمات متلعثمة وهو يتوارى خلف أمه الحزينة "أريد الذهاب إلى المدرسة مثل ابن جارنا أحمد".

تعرب أمه عن قلقها على مستقبل ابنها، رغم محاولاتها العديدة لعرضه على المختصين لعلاجه، وقد يحرمه الصمم من مواصلة دراسته الابتدائية، في بلد تندر فيه المدارس التي تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة.

وتقول بحسرة: إن "الفقر وعدم وجود مستشفيات تخصصية حالت دون معالجته".

رغم ذلك، تخوض هذه المرأة سباقا مع الوقت، أملا في أن يتمكن "مهند"، من الالتحاق بباقي الأطفال، والجلوس على مقعد في العام الدراسي المقبل الذي ينطلق في موسم الخريف.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

غربي نينوى.. الليل لتنظيم الدولة والنهار للأمن العراقي

المالكي يتهم سنة العراق بإسقاط الموصل بيد تنظيم الدولة 

الموصل.. خبايا معركة بالوكالة لا تتيح للمدينة النهوض من عثرتها

أوبزيرفر: سنة الموصل ممنوعون من العودة لبيوتهم