إلى الثائرين بالجزائر والسودان: تعلموا من دروس الثورة المصرية

الثلاثاء 11 يونيو 2019 03:06 م

بعد مرور 8 أعوام على قيام الربيع العربي بهز العالم، أشرق الشرق الأوسط مرة أخرى بالاحتجاج. وفي أبريل/نيسان، أطاحت الاحتجاجات الشعبية في الجزائر والسودان باثنين من المستبدين، هما الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة"، الذي استقال في 2 أبريل/نيسان، والرئيس السوداني "عمر البشير"، الذي تم عزله من السلطة في 11 أبريل/نيسان.

وتظهر هذه الانتفاضات أوجه تشابه واضحة مع ثورة عام 2011 في مصر، التي أدت إلى استقالة الرئيس "حسني مبارك". وفي كلا البلدين، تجمعت الحركات الشبابية، وأحزاب المعارضة، والنقابات العمالية، ومنظمات حقوق الإنسان، معا، لمعارضة الأنظمة الاستبدادية والقمعية. وحوّلت هذه التحالفات المتنوعة المظالم المحلية حول البطالة والتضخم وإساءة معاملة الشرطة إلى دعوات واضحة لإرساء الديمقراطية والإصلاح السياسي. وفي كل من الجزائر والسودان، كما هو الحال في مصر عام 2011، تدخل جنرالات الجيش للإطاحة بالطغاة خارج السلطة، فقط ليتحكموا هم في تحولات بلدانهم بعد الثورة.

وتعد هذه المتشابهات مثيرة للقلق، بالنظر إلى نهاية القصة في مصر. فبعد الإطاحة بـ "مبارك"، أدى التحول إلى الديمقراطية بشكل غير سليم إلى نثر بذور الخلاف بين الثوار في مصر، ومهدت انقساماتهم الطريق لانقلاب ضد الثورة عام 2013 أعاد الحكم العسكري. واستمر مهندس هذا الانقلاب، "عبد الفتاح السيسي"، ليعلن نفسه رئيسا ويؤسس نظاما أكثر عنفا وقمعا من النظام الذي أطاحت به الثورة عام 2011. ومع ذلك، توفر تجربة مصر الديمقراطية الفاشلة دروسا أيضا. وبينما تتخذ الجزائر والسودان أولى خطواتهما الأولية نحو الديمقراطية، يمكنهما الاستفادة من هذه الدروس للمساعدة في الإبقاء على تحولاتهما على المسار الصحيح.

قوة الشارع

ويعد واحدا من أهم الدروس المستفادة من تجربة مصر أن الاحتجاجات في الشوارع لها القدرة على التأثير في قرارات الجيش. وبعد أن أجبر جنرالات مصر "مبارك" على الاستقالة، واستولوا على الحكومة وسيطروا عليها، واجه المتظاهرون المدنيون الذين احتلوا ميدان التحرير في القاهرة وقدموا القوة الدافعة لاستقالة "مبارك" معضلة: هل يتركون الساحة أم يواصلون الاحتجاج؟ وسرعان ما اكتشف القادة الناشطون الشباب، الذين قادوا الحركة المناهضة لـ"مبارك"، أنه خلال مفاوضاتهم مع الجيش حول شروط الانتقال وإنشاء مؤسسات ديمقراطية جديدة، جاء أعظم نفوذ لديهم من قدرتهم على إعادة تعبئة الشارع. ومع استمرار الاحتجاجات، شعر الجنرالات بتهديد أكبر وكانوا أكثر استعدادا لتقديم التنازلات. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2011، على سبيل المثال، أجبرت الاحتجاجات الشعبية في شارع "محمد محمود" بوسط القاهرة الجنرالات على سحب مجموعة من "المبادئ فوق الدستورية"، التي كان من شأنها أن تضمن بعض الحقوق والامتيازات للجيش قبل عملية صياغة الدستور الرسمية.

ويبدو أن الناشطين في الجزائر والسودان يعتمدون استراتيجية مماثلة. ففي الخرطوم، نظمت الحركة اعتصاما هائلا أمام مقر الجيش، ولم يتمكن الجيش فضه إلا باستخدام مستويات غير عادية من القمع العنيف. ومع الشعور بالغضب، رد المتظاهرون بإغلاق الطرق في جميع أنحاء المدينة، ودعا قادة الحركة إلى إضراب عام على مستوى البلاد، وأصروا على أن العصيان المدني لن ينتهي حتى يقوم الجيش بتشكيل حكومة مدنية. وفي الواقع، لولا استمرار وجود الناشطين في الشوارع، لكان الجيش نجح الآن بالفعل في فرض حكومة انتقالية يسيطر عليها الجنرالات.

وفي الجزائر، استمرت الاحتجاجات المنتظمة في أيام الجمعة على مستوى البلاد منذ سقوط "بوتفليقة"، على الرغم من محاولات الجيش حظر المظاهرات وقمع الناشطين. وأثارت هذه الاحتجاجات عددا من المطالب الملموسة، بما في ذلك تأجيل الانتخابات الرئاسية، المقررة أوائل يوليو/تموز، وتطهير كامل للحكومة من أتباع "بوتفليقة" وحلفائه.

لكن إمكانية تلبية هذه المطالب المحددة، وفرص إجبار الجنرالات في كلا البلدين على التخلي عن السلطة السياسية للقادة المدنيين، كلاهما يعتمد على مدى قدرة هذه الحركات على الاستمرار في تعبئة الشارع.

ابقوا معا

وهناك درس آخر من مصر، وهو أنه من المهم أن تظل القوى الثورية موحدة. وكان أحد الأسباب الرئيسية وراء تمكن الجيش المصري من العودة إلى السلطة أن الجناح العلماني للائتلاف الثوري المصري تعارض مع الجناح الإسلامي المتحالف مع جماعة "الإخوان المسلمين" وحكومة الرئيس "محمد مرسي". وفي النهاية، أبدى كلا الجناحين التزاما برؤيته ومصالحه السياسية الخاصة، أكثر من التزامهما بحماية المؤسسات الديمقراطية التي سمحت الثورة بتثبيتها. وتعد التحالفات التي خرجت إلى الشوارع في الجزائر والسودان متباينة تماما، كما كان الأمر في مصر، وتفتقر للتنظيم القوي. وسيحتاج المتظاهرين إلى التركيز على تماسكهم، والبقاء مركزين على الأهداف المشتركة بينهم، مثل إقامة حكم مدني، وبناء مؤسسات ديمقراطية، ومحاسبة مسؤولي النظام القديم. وسيكون استمرار الاحتجاج حول هذه المبادئ المشتركة مهما بشكل خاص عند بدء المهام التي قد تكون فوضوية ومثيرة للانقسام، مثل صياغة الدساتير الجديدة والتنافس في الانتخابات.

ولقد أظهر ثوار السودان، حتى الآن، قدرة رائعة على التحدث بصوت واحد. وشكلوا تحالفا شاملا هو "قوى إعلان الحرية والتغيير"، الذي قدم مجموعة واضحة من المطالب وبرنامجا للإصلاح. ويقع الدور التنسيقي الرئيسي لهذا التحالف على عاتق "جمعية المهنيين السودانيين"، وهي تحالف مؤلف من أطباء ومهندسين ومحامين ومعلمين وحركات شبابية. وفي المفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي، قدم التحالف جبهة موحدة، مصرا على أن تشمل أي حكومة انتقالية مدنيين بعدد أكبر من العسكريين.

ومع ذلك، توجد أيضا بوادر للانقسامات. ويتمتع السودان بتنوع عرقي وديني كبير؛ حيث شملت الانتفاضة ضد "البشير" مجموعات متمردة من مناطق مثل "دارفور" و"جنوب كردفان"، التي تشكك أكثر في نوايا الجيش، واتخذت موقفا أكثر صعوبة في المفاوضات؛ حيث تطالب بالعدالة عن الأعمال الوحشية التي تم ارتكابها خلال الحملات العسكرية في تلك المناطق. وعلى الجانب الآخر، كان "حزب الأمة الوطني"، المحافظ نسبيا، الذي حكم السودان خلال الفترة الديمقراطية الأخيرة من 1985 إلى 1989، وأيد الاحتجاجات ضد "البشير" في يناير/كانون الثاني، مترددا في إبعاد العسكريين بشكل كامل. وفي الآونة الأخيرة، عارض زعيمه "الصادق المهدي" دعوة "جمعية المهنيين السودانيين" إلى إضراب عام لزيادة الضغط على المجلس العسكري.

وكانت الوحدة أكثر هشاشة في الجزائر. ولا تتمتع معظم أحزاب المعارضة الرئيسية في البلاد بمصداقية تذكر، بسبب أعوام من التعاون والتآزر مع نظام "بوتفليقة". وبدلا من ذلك، كان المشاركون الرئيسيون في الاحتجاجات المناهضة للحكومة هم النقابات العمالية ومنظمات حقوق الإنسان والحركات الشبابية، التي لم يضطلع أي منها بدور قيادي رئيسي. واقترح البعض أن يكون محامي حقوق الإنسان الذي يحظى باحترام واسع، "مصطفى بوشاشي"، قائدا مناسبا في حكومة انتقالية، لكنه ادعى أنه ليس لديه أي اهتمام بهذا الدور، وأصر على أن "الشباب الجزائري يجب أن ينظموا أنفسهم".

ويبدو أن المعارضة تتفق على أن عملية الانتقال يجب أن تشمل تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة تشرف على انتخابات برلمانية، يكتب بعدها البرلمان المنتخب دستورا جديدا. وظهرت توترات بالفعل بين الجماعات الناشطة حول الدور الذي ينبغي للأحزاب الإسلامية أن تلعبه في مثل هذه الحكومة المؤقتة. وفي النهاية، إذا كانت هذه الائتلافات الثورية المتنوعة تريد أن تحافظ على وحدتها، فإنها تحتاج إلى التركيز على تحقيق الأهداف التي جمعتها في المقام الأول، وهي إنشاء مؤسسات ديمقراطية دائمة، وتحقيق الحكم بقيادة مدنية.

أصدقاء أقوياء

ويجب على كل من الحراكين الشعبيين في الجزائر والسودان أن يعترف بأهمية تنمية الدعم الأجنبي. وبعد 2011، سرعان ما علم المصريون أن مصير ثورتهم لن يكون بالكامل في أيديهم. وفي البداية، ترددت الولايات المتحدة، حليف مصر الأكثر أهمية، في دعم الانتفاضة، لكنها في النهاية أيدت بحذر الانتقال إلى الحكم الديمقراطي. لكن لم يتمكن الجناح العلماني ولا الجناح الإسلامي للحركة الثورية من الفوز باحترام الدبلوماسيين الأمريكيين. ومن المرجح أن ازدواجية واشنطن تجاه حكومة "مرسي" سهلت انقلاب "السيسي". وفي الوقت نفسه، عملت القوى الإقليمية مثل السعودية والإمارات، التي عارضت بقوة جماعة "الإخوان المسلمين"، بنشاط على منع الديمقراطية من الوصول إلى أراضيها من خلال توفير الموارد والدعم الدبلوماسي للجماعات والحركات المعادية للثورة داخل مصر.

وفي بعض النواحي، قد تكون الجزائر والسودان أسهل من مصر. فلدى الولايات المتحدة عدد قليل نسبيا من المصالح طويلة الأجل في البلدين، وخسارة أقل قد تنتج عن انتقالهما إلى الديمقراطية. وفي الجزائر، تنازلت واشنطن عن القيادة الدبلوماسية لفرنسا، التي تتبنى مقاربة غير متوازنة إلى حد ما تجاه الانتقال؛ حيث تشعر بالقلق من أن أي تدخلات قد يتم تأطيرها باعتبارها تدخلا استعماريا جديدا. وكانت الولايات المتحدة معارضة منذ فترة طويلة لنظام "البشير" في السودان. ورغم أن واشنطن تراجعت عن هذا الموقف في الأعوام الأخيرة، إلا أنها ليست آسفة على رحيل "البشير". ولدى كلا البلدين المزيد من الخوف من القوى الإقليمية، التي تدخلت بالفعل وتركت القليل من الأسئلة حول نواياها. وتحاول مصر استخدام موقعها كرئيس للاتحاد الأفريقي لتجنب وصف إزالة "البشير" بـ "الانقلاب"، وهو الوصف الذي يتطلب من المجلس العسكري إما تسليم السلطة للمدنيين وإما المخاطرة بتعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، كما حدث بالفعل مؤخرا. وبعد أيام فقط من تنحي "البشير"، تعهدت السعودية والإمارات بتقديم 3 مليارات دولار كمساعدة للحكومة العسكرية الانتقالية في السودان.

ويمكن للناشطين السودانيين والجزائريين متابعة مسارين بشأن القوى الأجنبية. الأول هو مقاومة توغلات دول المنطقة مثل مصر والسعودية والإمارات، التي لها مصالح واضحة في منع إقامة ديمقراطيات حقيقية في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، خرج المتظاهرون في السودان إلى الشوارع يعارضون حزم المساعدات السعودية والإماراتية، ويدينون التدخل الأجنبي في المرحلة الانتقالية. ثانيا، يمكن للناشطين، بل ويجب عليهم، تنمية العلاقات مع القوى الأجنبية المتعاطفة المحتملة. ويمكن أن يشمل هذا الاتحاد الأفريقي، الذي كان داعما لإرساء الديمقراطية في أماكن أخرى من القارة منذ التسعينيات، والاتحاد الأوروبي، الذي دعم انتقال تونس الناجح بعد 2011، وحتى الولايات المتحدة.

ومع اندلاع الثورات في الجزائر والسودان، أظهر عدد من الناشطين المصريين، الذين كانوا محوريين في الحراك الاحتجاجي ضد "مبارك"، مزيجا من التفاؤل والندم، وقدموا مشورتهم، وطالبوا الثوار اليوم في الجزائر والسودان بأن يأخذوا حذرهم، في بداية ما قد يكون عملية طويلة وشاقة لبناء أنظمة ديمقراطية جديدة. وما زال من السابق لأوانه القول ما إذا كانوا سينجحون أم لا، لكن تعلم الدروس من مصر قد يساعدهم على توجيه بلدانهم بعيدا عن مصير مماثل.

المصدر | كيليان كلارك - فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

صحيفة: التوتر يشوب علاقات مصر والجزائر