حصار قطر يعزز العلاقة البراغماتية بين الدوحة وطهران

الاثنين 17 يونيو 2019 05:06 ص

على الرغم من الارتفاع الأخير في التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، فإن قطر تتقارب مع جارتها المثيرة للجدل في الوقت الذي يبدو فيه أن الحصار المفروض على قطر من قبل الدول العربية البارزة أصبح سمة دائمة للمشهد الجيوسياسي الإقليمي.

النزاع الصفري

ومر عامان منذ أن قطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر جميع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر، وفرضت حصارا جويا وبريا وبحريا على الإمارة الغنية بالغاز. واتهمت الدول الأربع الدوحة بدعم الإرهاب، والحفاظ على علاقات وثيقة للغاية مع إيران، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تسوء فيها العلاقات بين قطر وجيرانها في شبه الجزيرة العربية. فمنذ التسعينيات، غذت سياسة قطر الخارجية المستقلة وحرصها على تأكيد استقلاليتها عن الظل السعودي الاحتكاكات بين الدوحة وعواصم أخرى في مجلس التعاون الخليجي. وبحلول عام 2014، سحبت السعودية والإمارات والبحرين سفراءهم من قطر بحجة أن الأخيرة كانت تساعد المنظمات المسلحة، وكان هذا تتويجا لتوترات متزايدة، نشأت عن دعم قطر للإسلام السياسي وبث قناة "الجزيرة" التي أثار محتواها في كثير من الأحيان غضب بعض قادة الدول العربية، وكذا عن دعم الدوحة لحركات الربيع العربي في عام 2011، التي ناهضتها ممالك الخليج الأخرى بشدة.

وتبقى التوترات في الخليج مرتفعة مع عدم وجود حل للأزمة الأخيرة في الأفق. وتسبب الحصار -الذي قوض مجلس التعاون الخليجي- في خلق نزاع صفري، لكنه فشل في الضغط على الدوحة لتقديم التنازلات المطلوبة، تاركا الرياض وأبوظبي في موقف صعب مع انكشاف حدود سلطتهم بشكل كامل. وخلافا لمصالح دول الحصار؛ دفعت المقاطعة قطر للتقارب مع إيران مع تداعيات ذلك على النظام الجيوسياسي المعقد في الشرق الأوسط.

علاقة براغماتية

مثل تركيا والصين وباكستان؛ لا يمكن إنكار أن إيران لعبت دورا رئيسيا في مساعدة قطر على الحفاظ على استقلالها على مدار العامين الماضيين. وتستخدم قطر المجال الجوي الإيراني وطرق الشحن للالتفاف على الحصار، وبين عامي 2016 و 2017، زادت الصادرات الإيرانية إلى قطر بنسبة 181% كما تضاعفت التجارة الإيرانية القطرية في السلع غير النفطية. ومن الناحية الأخلاقية والدبلوماسية أيضا، كانت القيادة في طهران سريعة في الاصطفاف إلى جانب قطر، حيث أدانت بشدة الحصار المفروض على الدوحة من بداية الأزمة. لذلك لم يكن مفاجئا أنه بعد أقل من ثلاثة أشهر من بدء الكتلة التي تقودها السعودية والإمارات في محاصرة قطر؛ أعادت الدوحة سفيرها إلى طهران، بعد أن كانت قطر قد استدعته في عام 2016 كعلامة تضامن مع الرياض وسط أزمة العلاقات الإيرانية السعودية إثر إعدام السعودسة لزعيم شيعي بارز، هو الشيخ "نمر باقر النمر"، وهجوم من قِبل المتظاهرين الإيرانيين على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران .

في حين وصلت العلاقات الإيرانية القطرية إلى آفاق جديدة، فمن غير الواضح إلى أي مدى يمكن للدولتين تعميق علاقاتهما، فقطر -بصفتها البلد المضيف لأكبر منشأة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط- لا تنحاز دائما لإيران، التي تعتبر الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة تهديدا خطيرا.

بالإضافة إلى ذلك، ففي الوقت الذي نمت فيه العلاقات التجارية بين قطر وإيران منذ منتصف عام 2017، لم تكن هذه العلاقات مثمرة كما توقع البعض في الأصل. وفي الواقع، استفادت تركيا أكثر من ترقية شراكتها مع قطر. علاوة على ذلك، فإن نظام العقوبات الحالي ضد البنوك الإيرانية يمنع تبادل العملات، في الوقت الذي يشكل فيه الجمود في السوق الإيراني عقة أمام زيادة النشاط الاقتصادي. وأخيرا، أدى نقص الحاويات المبردة على القوارب الإيرانية إلى إعاقة تصدير الفواكه والخضروات.

في نهاية المطاف، فإن منظور قطر للعلاقة مع إيران يشبه فهم القيادة الكويتية للجمهورية الإسلامية، حيث تعتقد الإمارتان أنه من الحكمة التعاون مع إيران واستيعابها، إلا أن الدوحة والكويت لديهما مخاوف بشأن ملء إيران لمزيد من فراغات النفوذ الإقليمي بطريقة ترفع حرارة الطائفية وتؤدي إلى عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

وبكن بالنظر إلى علاقات الدوحة المتردية مع جيران الحصار الخليجيين، فإنه يجب على القطريين تبني نهج براغماتي للغاية تجاه إيران. وببساطة، لكي تحافظ قطر على استقلالها، لن يكون لدى الدوحة أي خيار سوى الحفاظ على شراكتها القوية مع تركيا، التي كانت حليفا مهما من منظور الدعم العسكري والأمن الغذائي، وكذلك إيران. وهناك احتمالات جيدة باستمرار العلاقات الإيرانية القطرية في التعزز حتى لو اتفقت كل من طهران والدوحة على ألا تتفقا بشأن بعض القضايا مثل شرعية الرئيس السوري "بشار الأسد".

وأكد الرئيس "حسن روحاني" خلال قمة طاجيكستان في 15 يونيو/حزيران أن تحسين العلاقات مع قطر يمثل أولوية قصوى لصانعي السياسة الإيرانيين. وفي اجتماع على هامش المؤتمر، أخبر "روحاني" أمير قطر أن "استقرار وأمن بلاده يتشابك مع استقرار وأمن الدوحة"، وشدد أمير قطر بدوره على أن الدوحة تسعى إلى شراكة أقوى مع الجمهورية الإسلامية.

تعتبر قضية الطاقة في قطر عاملا آخر من شأنه أن يدفع الدوحة وطهران إلى التقارب أكثر في المستقبل، ففي ديسمبر/كانون الثاني الماضي أعلنت قطر انسحابها من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وهي مؤسسة تسيطر عليها السعودية، كان قرار قطر معززا برغبتها في مواصلة تطوير قطاع الغاز الطبيعي المسال. وفي الواقع، شرعت قطر للبترول في مشاريع مشتركة مع شركة إكسون موبيل، واتخذت إجراءات لتوسيع تخزينها للغاز الطبيعي المسال، مما يبيّن بوضوح استعداد قطر لاتباع مسار مستقل عن أوبك. وتعاونت قطر أيضا مع إيران في قطاع الطاقة بشكل كبير، حيث كان البلدان يعملان معا للحفاظ على حقل الشمال الذي يتقاسمانه والذي يحوي أكبر احتياطي للغاز في العالم.

مهارة الموازنات

تخبرنا أي نظرة واقعية على النظام الجيوسياسي للخليج أن أزمة مجلس التعاون الخليجي قد تصبح دائمة، وعلى الرغم من بعض الإشارات التي تشير إلى أن النزاع قد ينتهي، مثل الاتصال الهاتفي الذي أجراه وزير الخارجية البحريني بأمير قطر وقرار الملك "سلمان" بدعوة رئيس الأمير لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي الشهر الماضي، إلا أن المصالحة بين الدوحة والرباعي تبدو غير مرجحة. وضمن هذا السياق، من الصعب تخيل أن قطر لن تتطلع إلى إيران لمزيد من التعاون، على الرغم من أن الضغوط الأمريكية ستحد من قدرة الدوحة على التحرك نحو علاقة أعمق مع الجمهورية الإسلامية.

وستستمر قطر في تلقي إدانة دول الحصار والصقور المعادين لإيران في واشنطن باعتبار أن الشراكة بين الدوحة وطهران تعج دلييلا على حرص قطر على الحفاظ على العلاقات الدافئة مع الجهات الفاعلة العدوانية التي تهدد الأمن الإقليمي. ومع ذلك، لا جدال في أن قرار ثلاث دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي بحصار قطر خلق الظروف التي تركت الدوحة بلا خيار عدا اللجوء إلى إيران إذا رفض القطريون الاستسلام لمطالب الحصار.

بالنسبة لقطر، يتمثل التحدي الرئيسي للسياسة الخارجية في مواصلة شراكتها التعاونية والبراغماتية مع طهران مع الاستمرار في علاقات طيبة مع إدارة "ترامب". وللحق فإن الدوحة يبدو أنها تعمل على موازنة مصالح واشنطن وطهران بمهارة دون إثارة غضب أي من الجانبين، مما يبرز حقيقة أنه "لم يتم تصنيف أي كيان مقره في قطر من قبل الولايات المتحدة كمنتهك للعقوبات المفروضة على إيران"، وفقا لخدمة أبحاث الكونغرس.

في خضم ارتفاع حاد في التوتر بين البيت الأبيض وإيران، تجد قطر نفسها تحت ضغط جيوسياسي متزايد. لكن بالنسبة للإمارة المحاصرة، فإن الانضمام إلى تحالف معادٍ للولايات المتحدة أو مناهض لإيران في المنطقة لا يمكن اعتباره خيارا قابلا للتطبيق. وتولي قطر ببساطة أهمية كبيرة للحفاظ على علاقات جيدة مع كل من القوتين، التي تعد إحداهما الضامن الأمني للإمارة، والأخرى جارها المباشر وشريكها الاقتصادي.

في نهاية المطاف، تترك هذه الديناميات الدوحة مع حوافز قوية للمساعدة في تهدئة التوترات بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية من خلال العمل كقناة خلفية بين المسؤولين الأميركيين والإيرانيين. وتجلت هذه الوساطة في مايو/أيار 2019، عندما تبادلت قطر وكبار الدبلوماسيين الإيرانيين الزيارات. ويبقى أن نرى ما إذا كانت القيادة القطرية يمكن أن تكون بمثابة جسر دبلوماسي فعال. وحتى الآن، فإن المسؤولين في قطر مصممون على حث الجانبين على التهدئة، إلى جانب نظرائهم في ألمانيا والعراق واليابان وعمان وروسيا وسويسرا.

المصدر | أتلانتيك كاونسيل

  كلمات مفتاحية

هل قارب حصار قطر على الانتهاء؟