ناشيونال إنترست: كيف يمكن تفادي الحرب بين أمريكا وإيران؟

الاثنين 24 يونيو 2019 02:06 م

 قبل ستة عشر عاماً، تلاعبت إدارة جورج دبليو بوش بالمعلومات لتخويف الجمهور لدعم حرب عدوانية ضد العراق.

ورفض العراقيون المحررون من حكم "صدام" خطط الولايات المتحدة لإقامة دولة عميلة أمريكية على نهر الفرات وتحولت آثار الحرب إلى كارثة إنسانية وجيوسياسية ما زالت تعصف بالشرق الأوسط.

سقط الآلاف من القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى والمشوهين الأمريكيين، ناهيك عن مئات الآلاف من القتلى العراقيين، والملايين من العراقيين النازحين. ونشب صراع طائفي تسبب في ظهور تنظيم القاعدة في العراق، الذي تحول لاحقا إلى تنظيم الدولة الإسلامية الأكثر فتكا، كما تسببت الحرب في تكريس تأثير إيران.

والآن يبدو أن إدارة "ترامب" تتبع نفس المسار البالي. ويركز الرئيس هذه المرة على إيران، حيث انسحب الاتفاق النووي مع طهران وأعلن الحرب الاقتصادية عليها وكل من يتعامل معها، وهو يدفع أمريكا نحو الحرب بينما يصر على أنه يريد السلام.

بطبيعة الحال، فإن الإدارة تلوم إيران لعدم قبولها العرض السخي المفترض للحديث. ومع ذلك، ليس لدى طهران أي سبب للاعتقاد بأن واشنطن جادة. ولا يتعين على المرء أن يشعر بالاستغراب أن آية الله الشيعي المتشدد لا يرى أي جدوى في التفاوض مع رئيس يبدو أنه مصمم على الاستسلام أو الحرب والذي لا يمكن الاعتماد على التزامه بأي اتفاق يقره.

تاريخ من انعدام الثقة

ولم ينشأ هذا النظام المعادي للولايات المتحدة من فراغ حيث تم تأسيسه على أنقاض ديكتاتورية طويلة الأمد صاغتها الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، فعلت واشنطن الكثير لتشجيع قيام ثورة عنيفة متطرفة في طهران. ولكن المواطن الإيراني العادي صار إلى أمريكا كقوة معادية بشدة مصممة على أن تصيب أمته وشعبه بالضرر في كل منعطف تقريبًا.

ففي عام 1953، دعمت الولايات المتحدة انقلابًا على رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً، "محمد مصدق". ثم ساعدت واشنطن الشاه في توطيد سلطته عبر إنشاء الشرطة السرية، المعروفة باسم "السافاك". وقام بتحديث المجتمع الإيراني الإسلامي بشكل قسري، في حين وحد حكمه الفاسد والقمعي الإيرانيين العلمانيين والمتدينين ضده.

أطيح بالشاه في عام 1979. وعقب مغادرته، دعمت إدارة ريغان الأمريكية "صدام حسين" في العراق حين غزا إيران، مما أدى إلى حرب استمرت ثمان سنوات أسفرت عن مقتل نصف مليون شخص على الأقل وزودت واشنطن العراق بالمعلومات الاستخباراتية للعمليات العسكرية، وقدمت بعض مكونات الأسلحة الكيميائية التي تم استخدامها ضد القوات الإيرانية، وفي عام 1988 أسقطت البحرية الأمريكية طائرة مدنية إيرانية في المجال الجوي الدولي.

وتم فرض العقوبات الاقتصادية على إيران للمرة الأولى عام 1979 وتم توسيعها بعد ذلك، وأقامت واشنطن شراكة عسكرية وثيقة مع السعودية، المنافس الأكثر قمعية لإيران. وفي أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، رفضت إدارة "بوش" عرض إيران بالتفاوض وحتى إدارة "أوباما" هددت باتخاذ إجراء عسكري ضد إيران.

وعلى عكس الافتراض الشائع والمثير للسخرية في واشنطن أن الإيرانيين العاديين سيحبون الولايات المتحدة لمحاولتها تدمير اقتصاد بلادهم من أجل الإطاحة بالنظام، فإن الجولة الأخيرة من العقوبات أدت على ما يبدو إلى ارتفاع ملحوظ في المشاعر المعادية لأمريكا، وتغلبت القومية على معاداة رجال الدين.

كما سمحت العلاقة العدائية مع إيران للمملكة العربية السعودية، التي تقوض بشكل روتيني المصالح والقيم الأمريكية، باكتساب سلطة خطيرة على السياسة الأمريكية.

وكان الرئيس "باراك أوباما" قد يعى لإعادة التوازن لسياسة واشنطن في الشرق الأوسط عبر توقيع تفاق نووي مع إيران. وفي المقابل، كان لدى "دونالد ترامب" رغبة شديدة ومضللة في قلب كل سياسات "أوباما". كما كان هناك دور مهم لاحتضانه الصارم لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، وللعائلة المالكة السعودية، ودفع ذلك "ترامب" في النهاية للانقلاب على سياسة سلفه بشكل تام.

وفي العام الماضي، انسحب الرئيس من الاتفاق وأعقب ذلك إعلان الحرب الاقتصادية ثم تصنيف فيلق الحرس الثوري الإيراني كجماعة إرهابية بشكل سياسي بحت. وادعى الرئيس أنه يريد التفاوض ولا يريد تغيير النظام. لكن الولايات المتحدة طالبت إيران ضمنيا باستسلام غير مشروط لجميع مطالبها، في سياسة يبدو أنها كانت مصممة خصيصا لدفع إيران لرفضها.

وفي حديث مع جمهور مرموق في مؤسسة التراث، حدد "بومبيو" شروط استسلام طهران حيث طالب أن تتخلى إيران عن أي ادعاء بالحفاظ على سياسة خارجية مستقلة وأن تنهي قدراتها الصاروخية الرادعة، وأن توقف دعمها للميليشيات والحكومات الأخرى في المنطقة، ويبدو أن الشيء الوحيد المفقود في تصريحات "بومبيو" هو الإصرار على قبول إيران لحاكم عام أمريكي مقيم.

اكتساب النفوذ

كان من المفترض أن يتم رفض كل هذا وبالتالي تبرير المزيد من الضغط. وعبر مستشار الأمن القومي "جون بولتون" عن موقف مشابه، ومن الواضح أن الإدارة افترضت أن العقوبات الجديدة ستجبر النظام على الاستسلام على طاولة المفاوضات أو الانهيار وسط صراع سياسي واجتماعي.

ولكن شيئا من ذلك لم يحدث ولا يبدو أنه على وشك الحدوث، وبدلاً من الانهيار، يبدو أن إيران تكرر سياستها التي استخدمتها سلفا مطلع الألفية. وبعد أن رفضت إدارة "بوش" المفاوضات، زادت طهران من نفوذها بإضافة أجهزة الطرد المركزي وتوسيع مخزونات اليورانيوم المخصب وفقط بعد أن تخلت إدارة "أوباما" عن تعنتها، بدأت المفاوضات من جديد. ويبدو إعلان طهران الأخير بأنها ستتوقف تدريجياً عن الالتزام بالاتفاق بمثابة بداية لعملية مماثلة.

قد يكون التحرك السري ضد الشحن البحري في الخليج تكتيكًا آخر من إيران لاكتساب النفوذ. ولا تملك واشنطن خيارا للرد على هذه التكتيكات سوى التصعيد الذي يمكن أن يفضي إلى الحرب. كما أن ترديد المزاعم حول العلاقات الإيرانية المزعومة مع المنظمة الإرهابية هو مجرد ذريعة، خاصة وأن الإدارات المتعاقبة تجاهلت الصلات السعودية والإماراتية بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في حرب اليمن وأن إدارة أوباما ساعدت إحدى الجهات التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا.

الأهم من ذلك، أن واشنطن لا تريد خوض حرب مع إيران، وهي أكبر من العراق، ويبلغ عدد سكانها ثلاثة أضعافها، وهي دولة قوية بالمعايير الإقليمية. وعلى الرغم من عدم شعبية النظام لدى العديد من الإيرانيين، إلا أنه أفضل وضعا من ديكتاتورية "صدام حسين".

وتمتلك طهران أسلحة غير تقليدية وصواريخ وحلفاء يمكنهم نشر الفوضى في جميع أنحاء المنطقة. ستكون القوات الأمريكية في سوريا والعراق عرضة للخطر، في حين يمكن أن يتعرض استقرار بغداد للخطر. وإذا أحب الأمريكيون كارثة العراق، فسوف يحبون الفوضى التي من المحتمل أن تنتج عن محاولة تدمير الدولة الإيرانية بعنف.

ولا ترغب إيران أيضًا في الحرب، التي ستخسرها في النهاية. ومع ذلك، فإن سياسات واشنطن الاقتصادية والعسكرية العدوانية تخلق ضغطًا على طهران للرد. خاصة وأن سياسة الإدارة المتمثلة في العقوبات المصممة لتحطيم الاقتصاد، والتحركات العسكرية من المؤكد أنها تركت المتشددين - بمن فيهم فيلق الحرس الثوري الإسلامي - مع نفوذ سياسي أكبر في الداخل الإيراني.

قد يكون المقصود من العمل العسكري الذي تمت معايرته بعناية، مثل هجمات الناقلات، إظهار "العزم" على اكتساب المصداقية. وبالمثل، يبرّر صانعو السياسة في واشنطن باستمرار العمل العسكري باعتباره ضروريًا لإظهار استعدادهم للقيام بعمل عسكري. ولدى إيران تاريخ طويل من الهجمات من ذلك النوع. 

إِشعال النيران

ولكن طهران أنكرت أي دور في الهجمات، وهناك سبب وجيه للتشكيك في مزاعم إدارة "ترامب" حول تورط إيران. ويشير الأوروبيون أيضًا إلى أكاذيب إدارة "بوش" بشأن العراق وحادث خليج تونكين الملفق عام 1964 الذي تم استخدامه لتبرير دخول أمريكا إلى حرب فيتنام.

والأهم من ذلك، أن الإدارة الأمريكية كانت هي من آثار الأزمة الحالية من خلال سحق خطة العمل المشتركة وشن حرب اقتصادية ضد إيران، وتهديد شركاء طهران الاقتصاديين. ويمكننا أن نستنتج بشكل معقول أن الرئيس ومساعديه كانوا يأملون في استثارة رد إيراني عنيف.

ولكن بدلاً من الاستمرار في التصعيد العسكري، ينبغي على واشنطن أن تنزع فتيل التوترات في الخليج عبر استضافة مناقشات متعددة الأطراف مع الدول المستهلكة للنفط، وشركات الطاقة، ومشغلي ناقلات النفط بشأن الأمن البحري في المجاري المائية الحساسة.

وبالنظر إلى الإنتاج المتنامي للطاقة الأمريكية، فإن القضية لم تعد تعتبر مسؤولية واشنطن وحدها وينبغي على الدول الصناعية الغنية الأخرى أن تفعل ما هو ضروري لأمنها الاقتصادي.

يجب على الإدارة أيضًا تقديم اقتراح جاد لإجراء محادثات. وإذا كان الرئيس الأمريكي يرغب بجدية في إجراء محادثات مع طهران كما يعلن، فعليه أن يثبت أنه لا يتوقع استسلامًا مسبقا. ويجب على الإدارة تعليق ضغوطها على إيران أولا واقتراح إجراء محادثات متعددة الأطراف حول تشديد الاتفاقية النووية مقابل تنازلات أمريكية مثل تخفيف العقوبات.

في موازاة ذلك، يتعين على واشنطن اقتراح مفاوضات لتخفيف التوترات في القضايا الأخرى.

وفي مقابل استعداد إيران لتخفيف سلطتها في المنطقة يجب على الولايات المتحدة أن تعرض بالمثل، على سبيل المثال، الإشارة إلى استعدادها لخفض مبيعات الأسلحة للسعوديين والإماراتيين، وإنهاء الدعم للحرب اليمنية، وسحب القوات الأمريكية من سوريا و العراق.

 والأهم من ذلك، يجب أن يلعب صانعو السياسة الأمريكيون اللعبة الطويلة. وبدلاً من محاولة تحطيم الجمهورية الإسلامية، ينبغي على واشنطن تشجيع إيران على الانفتاح، وخلق المزيد من الفرص والتأثير لجيل الشباب الذي يرغب في مجتمع أكثر حرية. وهذا يتطلب مشاركة أكبر، وليس عزلة. ويجب أن يكون هدف واشنطن النهائي هو التحول الليبرالي لإيران، وتحرير الحضارة القديمة لاستعادة دورها الرائد في عالم اليوم، والذي سيكون له تأثير كبير على المنطقة.

ويعد هذا هو البديل الوحيد لحرب كارثية يمكن أن تدمر الشرق الأوسط بأكمله.

المصدر | دوغ باندو - ناشيونال انترست

  كلمات مفتاحية

اتفاق عراقي أوروبي على عقد مؤتمر إقليمي في بغداد