فورين أفيرز: هل يمكن تجنب الحرب بين أمريكا وإيران؟

الأحد 30 يونيو 2019 12:06 م

بمرور الوقت تدخل الولايات المتحدة وإيران في صراع أعمق.

وحتى الآن، يحرص الجانبان على تجنب فكرة الحرب. لكن احتمال حدوث نزاع مسلح يزداد مع كل استفزاز إضافي، سواء كان هجوما على ناقلة للنفط، أو جولة أخرى من العقوبات.

وكانت إدارة الرئيس "دونالد ترامب" قد بدأت حملة "أقصى ضغط" ضد إيران، وفرضت عقوبات اقتصادية خانقة وحظرت تصدير النفط والغاز.

واتبعت إيران استراتيجية "أقصى مقاومة"، وشنت هجمات على خطوط الشحن، وأسقطت طائرة أمريكية دون طيار فوق الخليج العربي، ورفضت إجراء محادثات لإزالة التصعيد مع واشنطن قبل رفع العقوبات. ومع عدم رغبة أي من الدولتين في التراجع، يستمر المسير نحو الحرب.

مصدر عميق للنزاع

ويعد تدهور العلاقات الثنائية إلى هذه الدرجة أمرا لافتا للنظر. ومنذ 4 أعوام فقط، وقعت واشنطن وطهران اتفاقية تاريخية متعددة الأطراف قلصت برنامج التخصيب النووي الإيراني، مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية.

لكن لم ينه الاتفاق عدم الثقة بين البلدين، كما أنه لم يحل الخلافات القائمة منذ فترة طويلة حول السياسة الخارجية الإيرانية في الشرق الأوسط، لكنه خلق آلية تمس الحاجة إليها للمشاركة الدبلوماسية، والتي اعتبرها مؤيدو الاتفاق ضرورية لتجنب الحرب.

وكان "ترامب" ناقدا صريحا للاتفاق في حملته الانتخابية. وبعد توليه منصبه، بدأ في زيادة الضغط على طهران. ورغم كل أخطائها، بدا أن إدارة "ترامب" تدرك حقيقة مهمة، وهي أنه على الرغم من أن البرنامج النووي الإيراني أصبح نقطة محورية للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أنه لم يكن أبدا المصدر الحقيقي للخصومة بين البلدين.

وتكمن جذور هذه التوترات بشكل أعمق في دعم إيران الجماعات المسلحة التي تخوض حربا مع (إسرائيل)، مثل حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني وحزب الله في لبنان، وفي علاقاتها مع خصوم حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، مثل "الحوثيين" في اليمن، وكذا دعمها للميليشيات العراقية التي قتلت المئات من الأفراد العسكريين الأمريكيين في ذروة حرب العراق، والتي لا تزال تهدد القوات الأمريكية هناك.

وعلى أمل إحداث تغيير في سلوك الجمهورية الإسلامية، انسحب "ترامب" من الاتفاق في عام 2018، وبدأ حملة "أقصى ضغط".

وقدمت إدارته إلى طهران قائمة تضم 12 مطلبا، معظمها يتعلق بأنشطة إيران الإقليمية، ويتعلق الباقي ببرامج الصواريخ الباليستية في البلاد.

وإذا ما تم النظر في شروط "ترامب" مجتمعة، فقد طلب بشكل أساسي من إيران التخلي عن استراتيجيتها الكبرى، وتسليم أكثر أسلحتها العسكرية الرادعة قيمة.

وفي المقابل، وعدت الولايات المتحدة ليس فقط برفع العقوبات عن إيران، ولكن أيضا بالمساعدة في استعادة اقتصادها لعافيته، وتطبيع العلاقات الدبلوماسية.

وليس من المستغرب أن إيران رفضت هذه المطالب بشكل مباشر. وتوجهت طهران إلى أوروبا وروسيا والصين، على أمل أن يضغط بعض أو جميع هؤلاء الممثلين على إدارة "ترامب" للتراجع عن مطالبها أو توفير وسيلة لتجاوز نظام العقوبات الأمريكي.

ومع ذلك، يبدو أن إيران لم تجمع ما يكفي من النفوذ اللازم لتأمين الدعم الأجنبي ضد الولايات المتحدة. وبهذا كان النظام الإيراني يحارب وحده.

منطق التصعيد

ومع بدء فرض العقوبات الأمريكية، كان على إيران أن تجد طريقة للخروج من هذا الحصار. وكان لديها 3 خيارات؛ الأول أن تستسلم لمطالب الولايات المتحدة، أو على الأقل أن ترضي واشنطن بالسعي إلى الحوار. ويتمثل الخيار الثاني في احتمال العقوبات على أمل أن يفقد "ترامب" منصبه حين يخوض جولة إعادة انتخابه عام 2020. أما الخيار الأخير فهو خوض المغامرة وتحمل المخاطر من خلال إظهار الاستعداد للتصعيد.

وبالحكم على سلوكها الحديث، يبدو أن الجمهورية الإسلامية اختارت الخيار الثالث. ويعتقد الكثيرون على نطاق واسع أن إيران كانت مسؤولة عن الهجوم على السفن التجارية في خليج عمان في 12 مايو/أيار.

وحذر المسؤولون الأمريكيون مرارا من أن إيران قد تخطط لمثل هذه الضربة، وتوقع العديد من المراقبين أن الحادث سيؤدي إلى رد عسكري أمريكي. ولكن بدلا من التصعيد، ردت الولايات المتحدة بدعوات للحوار دون شروط مسبقة.

وعلى افتراض أن إيران كانت وراء الهجوم بالفعل، فقد كانت العملية نصرا واضحا لطهران. ومن خلال شن هجوم مكلف ولكن غير مميت على ممرات الشحن المدنية، فإنها حولت السياسة الأمريكية من التصعيد إلى الحوار.

وتلا ذلك مطالبة "ترامب" لرئيس الوزراء الياباني "شينزو آبي" بتسليم رسالة إلى المرشد الأعلى لإيران، "علي خامنئي"، يعرب فيها عن رغبته في إجراء محادثات. ولكن عندما التقى "آبي" "خامنئي" في طهران في 13 يونيو/حزيران، تم رفض كل من الرسالة وعرض الحوار.

وفي نفس اليوم، تعرضت ناقلتان للنفط، بما في ذلك سفينة ترفع العلم الياباني، لهجوم في خليج عمان. واتهمت الولايات المتحدة مرة أخرى إيران باعتبارها الجاني المحتمل، وفي هذه المرة قدمت البحرية الأمريكية مقطع فيديو يظهر فيه أفراد الحرس الثوري الإسلامي الإيراني على متن سفينة دورية يقومون بإزالة لغم يشتبه أنه إيراني من جسم إحدى الناقلات.

كسبت إيران فرصة للحوار وأهدرتها على الفور. وحتى لو كانت المبادرة الأمريكية غير صادقة، كما افترض قادة إيران على الأرجح، فلم تهتم إيران أبدا باختبارها. وكان من شأن الظهور بصورة المنفتح على الحوار أن يعطي إيران ورقة ضغط على الولايات المتحدة ويكسبها التعاطف من المجتمع الدولي.

وبدلا من ذلك، رفض "خامنئي" التهدئة التي تم عرضها عليه صراحة، ما أحرج رئيس وزراء قوة أجنبية محايدة، وزاد مخاطر نشوب حرب مفتوحة مع الولايات المتحدة.

ولمثل هذا السلوك نتائج عكسية وخطيرة، لكنها لا تكون غير متوقعة على الإطلاق، بالنظر إلى الحدود المشددة التي فرضها "خامنئي" على كيفية التعامل مع الولايات المتحدة؛ حيث يرفض الزعيم الإيراني سياسة إدارة "ترامب" تماما ويرفض الدخول في محادثات بينما لا تزال العقوبات مستمرة. ومع عدم استعداد واشنطن بتخفيف العقوبات، لا يبقى لدى إيران سوى خيار واحد، وهو التصعيد واختبار عزم إدارة "ترامب".

وتمشيا مع هذا المنطق، شرعت إيران في 20 يونيو/حزيران في إسقاط طائرة استطلاع تابعة للبحرية الأمريكية فوق المياه الدولية.

وتزعم إيران أن الطائرة دون طيار كانت تحلق فوق المياه الإقليمية الإيرانية.

ومن المرجح أن يشير اختيار هدف دون طيار إلى رغبة طهران في التصعيد ضمن حدود معينة، لكن تحركها لا يزال يفرض ردا أمريكيا محتملا.

ويقال إن "ترامب" أمر بسلسلة من الضربات الأمريكية ضد مواقع الصواريخ والرادار الإيرانية، لكنه أوقف العملية في اللحظة الأخيرة.

وبدلا من ذلك، زعمت الولايات المتحدة أنها نفذت هجمات إلكترونية محدودة استهدفت مركز القيادة والتحكم في أنظمة الصواريخ الإيرانية.

كما أعلنت إدارة "ترامب" عن فرض عقوبات إضافية على مجموعة مالية ضخمة يسيطر عليها "خامنئي" ومجموعة من قادة البحرية في الحرس الثوري الإيراني، وحذرت من فرض عقوبات مستقبلية ضد وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف".

ويظهر رد "ترامب" أن واشنطن أصبحت محاصرة مثل طهران.

وأدت سياسات رئيس الولايات المتحدة إلى وقوف واشنطت على شفا حرب مع إيران، وأدى سلوك إدارته، وخاصة التهديد بفرض عقوبات على أكبر دبلوماسي إيراني، إلى التقليل من صدق دعواته المتكررة لإجراء محادثات.

ويبدو أن العقوبات هي الأداة الوحيدة التي تشعر الإدارة الأمريكية بالارتياح معها. لكن في هذه المرحلة، لم تعد العقوبات الجديدة بنفس القوة، حيث إن العقوبات الأكثر إضرارا للاقتصاد الإيراني قد تم سنها منذ فترة طويلة. ومع ذلك، فإنها تجعل المفاوضات أكثر صعوبة؛ ففي أعقاب الجولة الأخيرة من العقوبات، أعلن المسؤولون الإيرانيون أن أي نافذة للدبلوماسية قد تم إغلاقها نهائيا، وهو إعلان له خطورته في ضوء رفض إيران السابق للدخول في محادثات.

وخلال الأسبوع الماضي، ذهب خطاب كلا الجانبين إلى مستوى التهكم الذي قد تجده في فصل مدرسي. وقال الرئيس الإيراني "حسن روحاني" إن "البيت الأبيض أصبح يعاني من إعاقة عقلية". وربما يرد "ترامب" واصفا "روحاني" بوصف مماثل.

ويبقى الوضع أن هناك دولتين غير راغبتين في التسوية، وغير قادرتين على الجلوس للحديث معا، وتشعران بالفخر للتراجع في العلاقات بينهما. ولا يبدو أن أي من الطرفين يريد حربا، لكن كلاهما يتحرك بثبات في هذا الاتجاه، محاصرا بسياساته القصوى وتعنته. لكن السلام لن يتحقق من خلال مهاجمة السفن أو إطلاق النار على الطائرات في السماء.

ويتطلب الحل الدائم للأزمة الوصول لنقطة اتفاق وسطى ووضع حد لسياسة إيران الخارجية المزعزعة للاستقرار في المنطقة. وفي هذه الأيام، يبدو أن احتمال أن تتبع إيران هذا المسار يصبح أقل فأقل، لكنه يبقى المسار الذي يستحقه الشعب الإيراني.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

اتفاق عراقي أوروبي على عقد مؤتمر إقليمي في بغداد