إيكونوميست: ماذا بعد فشل حملة حفتر العسكرية على طرابلس؟

السبت 6 يوليو 2019 05:15 م

في طرابلس، عاصمة ليبيا، يلعب الأطفال على الشاطئ وتمتلئ المقاهي حتى وقت متأخر من الليل، ويعلن مدير صالون تجميل أن عمليات إزالة الشعر بالليزر في ازدياد. وتقول "خيرية دغمان": "لم تلغ الحرب الأعراف". وعلى بعد نحو 15 كم، يقاتل جيش من المتمردين للاستيلاء على العاصمة. ولكن بعد 8 أعوام من الحرب الأهلية، سئم الليبيون قصف المدفعية.

وكانت هناك عدة محاولات لتحقيق الاستقرار في ليبيا منذ الإطاحة بـ "معمر القذافي" عام 2011. وفي عام 2016، قامت الأمم المتحدة بالاعتراف بـ "حكومة الوفاق الوطني" في طرابلس التي تدعمها المليشيات في الغرب. ويسيطر "خليفة حفتر"، قائد ما يعرف بـ"الجيش الوطني الليبي"، على الشرق والكثير من الجنوب، بما في ذلك أكبر حقول النفط في ليبيا.

وكان "حفتر" قد دخل في محادثات رتبها وسطاء للتوصل إلى سلام بينهما في أبريل/نيسان الماضي، لكنه شن هجوما مفاجئا على العاصمة. وليس لدى "حفتر" مصلحة تذكر في التفاوض على تسوية. ويعتقد الجنرال السابق، البالغ من العمر 75 عاما، أن ليبيا ليست مستعدة بعد للديمقراطية، وأنها بحاجة إلى رجل قوي، ويرى في نفسه هذا الرجل.

حرب إقليمية

وكان "حفتر" قد عاد من المنفى في أمريكا بعد سقوط "القذافي"، وقاد قوة قوامها 20 ألف مقاتل تقريبا. ووعد أنصاره مرارا وتكرارا بأنهم سيطهرون العاصمة من الفوضى التي تسودها بسبب وجود "الميليشيات الإرهابية". وكان هدفه من التسلل للعاصمة هو انتزاع طرابلس بسرعة. لكن بعد 3 أشهر من القتال تم طرد قواته.

وفي الوقت الذي كانت فيه الميليشيات تقاتل بعضها البعض، فقد احتشدت ضد هجوم "حفتر". وفي 26 يونيو/حزيران، استولوا على "غريان"، وقطعوا خط إمداداته مع الجنوب. ويترك هذا قواته على بعد أكثر من 1000 كيلومتر من قاعدتهم الرئيسية في "الرجمة". وفي حين يمكن للمدافعين عن طرابلس العودة إلى منازلهم والاستحمام في نهاية يوم من القتال، تبقى قوات "حفتر" موجودة في الصحراء. وتحجم القبائل التي تدعمه عن إرسال المزيد من الرجال.

ومع ذلك، يبقى لدى "حفتر" أصدقاء أقوياء. وتوفر المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة لـ "حفتر" الأسلحة والطائرات المقاتلة والمال لدفع رواتب المجندين. وهم يعتبرون "حفتر" حليفا في ثورتهم المضادة ضد الانتفاضات الشعبية التي أطلقها الربيع العربي عام 2011. وهم يرون أن النفط والأراضي والموانئ في ليبيا تعد أصولا استراتيجية يريدون الاحتفاظ بها بعيدا عن أيدي خصومهم الإقليميين، لاسيما تركيا وقطر.

وبدعم من هذه الكتلة، يأمل "حفتر" في تكرار ما فعله في بنغازي ثاني أكبر مدن ليبيا التي استولى عليها عام 2017 بعد 3 أعوام من القتال، ولكن فقط بعد تدميرها وتقليص عدد سكانها.

وفي الوقت نفسه، أرسلت تركيا وقطر الأسلحة والشاحنات المدرعة لتعزيز الحكومة الشرعية في طرابلس. ويقول كلا البلدين إنهما يدعمان قوى التغيير الديمقراطي والشعبي، وفي نفس الوقت هما يدعمان الجماعات المسلحة التي تشاركهما أيديولوجيتهما الإسلامية.

ويزيد التدخل الأجنبي من خطر تحويل الحرب الأهلية في ليبيا إلى حرب إقليمية. وفي يونيو/حزيران، هدد رجال "حفتر" بضرب جميع السفن التركية في المياه الليبية. واحتجزوا 6 بحارة أتراك، ولم يفرجوا عنهم إلا بعد أن هددت تركيا بعمل عسكري مضاد.

انقسام عالمي

وقد أصبح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منقسما أكثر من اللازم حول كبح جماح جميع الأطراف. ويدعم حكام الدول الاستعمارية السابقة في ليبيا، وهي فرنسا وإيطاليا، أطرافا متعارضة، بدافع من المصالح النفطية المتباينة. وتمتلك شركة "توتال" الفرنسية معظم حقولها في الشرق؛ بينما تتركز أعمال شركة النفط الإيطالية العملاقة "إيني" في الغرب. وقدمت روسيا، التي تفضل الاستبداديين في جميع أنحاء المنطقة، دعمها لفريق "حفتر".

أما أمريكا، التي كان من الممكن أن تكون حكما في هذه المرحلة، فإنها تقف موقف المتفرج. ومنذ رئاسة "باراك أوباما"، اختارت الولايات المتحدة أن "تقود من الخلف". واتصل "دونالد ترامب" لتهنئة "حفتر"، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، عندما بدا أن هجومه سيكون ناجحا.

وفيما دعمت أمريكا في السابق الدعوات لوقف إطلاق النار في الأمم المتحدة، فقد هددت فجأة باستخدام حق النقض ضدها. ومنذ فشل هجوم "حفتر"، يبدو أن اهتمام "ترامب" قد تضاءل في حرب أخرى ضمن ما أسماها "الحروب الغبية" في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من الصراع، استقر الدينار الليبي. ويقترب إنتاج النفط من ذروته منذ عام 2011، حيث بلغ 1.1 مليون برميل يوميا، وقد تكسب ليبيا بالأسعار الحالية 27 مليار دولار هذا العام. وفي القتال الحالي، يتجنب كلا المعسكرين أي شيء قد يلحق الضرر بحقول النفط، لأن إيراداتها تدفع رواتب الجماعات المسلحة في كل جانب.

وبينما يحاول "حفتر" استعادة موقعه المبادر، فقد يتغير ذلك. وعلى الرغم من أنه يسيطر على معظم الحقول، إلا أن الحظر المفروض على المبيعات غير الحكومية يمنعه من تعزيز خزائنه الخاصة وتقليص خزائن الحكومة. وقد تم إحباط الجهود السابقة لبيع النفط بشكل مستقل من قبل أمريكا، ولكن "حفتر" يدرس المحاولة مرة أخرى.

وقد يصبح جهد "حفتر" أيضا أكثر تدميرا. فمنذ فقد "غريان"، صعد قصفه لطرابلس. ولقد دمر القتال بالفعل مطارا واحدا ويقع الثاني تحت التهديد. وفي 3 يوليو/تموز، أسفر هجوم عن مقتل 44 مهاجرا أفريقيا في مركز احتجاز على حافة طرابلس.

وتقع خطوط الكهرباء والأنابيب التي تجلب المياه في مرمى النار. وانخفضت ساعات تشغيل الكهرباء إلى 9 ساعات في اليوم. ويشكو تلاميذ المدارس من هذه الفوضى في وقت الاستعداد للامتحانات. وغادر أكثر من 100 ألف شخص الضواحي النائية بالعاصمة إلى وسط المدينة.

ويريد معظم الناس في طرابلس حكومة قادرة على جمع القمامة ووضع حد لابتزاز الميليشيات. ويقول مسؤول حكومي في طرابلس: "يشبه هذا ترويض القطط الوحشية في السيرك".

وربما يكون البعض قد رحب في السابق بالنظام الذي وعد "حفتر" باستعادته، لكن قصفه قد حطم هذه الآمال، ويثير سلوكه وترقيته لأبنائه في مناصب خاصة ودعمه من أتباع النظام السابق مخاوف من أن تكون ليبيا بصدد "قذافي" جديد.

وفي هذه الأثناء، يستمر الرعب. فقد تعرضت المستشفيات الميدانية وسيارات الإسعاف التي تنقل الجرحى، للهجوم. وفي توسل للراحة من ممرضة تقيم في مدرسة مع أطفالها، بعد أن دمر القصف منزلها، تقول في يأس: "لماذا لا يرحل الطرفان فقط؟".

المصدر | إيكونوميست

  كلمات مفتاحية

قوات حفتر طرابلس نفط ليبيا

جاويش أوغلو: حفتر يعادي تركيا لأنها تدعم الحق في ليبيا

محللون: واشنطن اختارت دعم حفتر والدليل موقفها بمجلس الأمن

أردوغان: حفتر مجرد قرصان

اشتباكات بين مسلحين تشاديين وقوات حفتر جنوبي ليبيا