ما الذي ربحته واشنطن من المساعدات العسكرية لمصر؟

السبت 6 يوليو 2019 09:53 م

تعد وفاة الرئيس المصري السابق "محمد مرسي" قبل أسابيع قليلة من الذكرى السادسة للانقلاب العسكري الذي أطاح به من منصبه حدثا مؤسفا، ولكنه كان مناسبة لانتقال مصر رسميا إلى الحكم الاستبدادي.

وبعد عقد من الزمن من الاضطرابات والثورة والثورة المضادة، كان هناك شيء واحد ظل ثابتا، وهو التدفق السنوي من مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر.

برنامج محصن

وتعاملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع المعونة العسكرية لمصر كبرنامج مستحق غير قابل للمراجعة. وبينما نظرت الإدارات الأمريكية السابقة إلى مصر باعتبارها حيوية للحفاظ على الاستقرار الإقليمي، تستوجب ذكرى الانقلاب الدموي وحكم "عبد الفتاح السيسي" القمعي الوحشي عملية إعادة تقييم جدية لهذه العلاقة في واشنطن.

ومنذ سبعينيات القرن الماضي، قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية كبيرة لمصر، كجزء من اتفاقية السلام بين مصر و(إسرائيل) المنصوص. وبين عامي 1946 و2019، زودت الولايات المتحدة مصر بمبلغ 83 مليار دولار كمساعدات خارجية. وفي عام 2019 وحده، حصلت القاهرة على 1.307 مليارات دولار كمساعدات عسكرية أمريكية.

ولسوء الحظ، على الرغم من هذا الاستثمار المذهل، وجدت الولايات المتحدة نفسها غير قادرة على منع عنف انقلاب عام 2013، الذي دعمته إلى حد كبير المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وعلى الرغم من زعم ​​وزير الخارجية "جون كيري" أن أحداث عام 2013 كانت تدور حول "استعادة الديمقراطية"، إلا أنه من الصعب النظر إليها على أنها أي شيء آخر غير انقلاب عسكري ضد حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا.

انتهاكات غير مسبوقة

وعلى هذا النحو، كانت الولايات المتحدة ملزمة قانونا بتعليق كل المساعدات المقدمة لمصر، بموجب قانون المساعدات الخارجية. وفي عرض مثير للإعجاب للنفاق اللغوي، لم يشر الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" مطلقا إلى أحداث 3 يوليو/تموز 2013 باعتبارها انقلابا، ولم يعلق أكثر من مبلغ رمزي من المساعدات.

وفي الوقت نفسه، شهدت البلاد في أعقاب ذلك مستوى غير مسبوق من انتهاكات حقوق الإنسان.

وفي محاولة لتهدئة المخاوف الدولية بشأن انقلاب مصر لم يتخذ "أوباما" موقفا من الانقلاب على الديمقراطية في القاهرة، وعلق على الموقف قائلا: "لم تكن حكومة مرسي شاملة، ولم تحترم وجهات نظر جميع المصريين". وهو معيار غير متناسق في الحكم على الموقف.

وكانت استجابة "أوباما" لمجزرة رابعة العدوية، حيث تم قتل أكثر من ألف متظاهر عندما قام الجيش بتفريق الاعتصام، فضلا عن أعمال عنف أخرى أعقبت الانقلاب، مخزية. ولم يجمد "أوباما" المساعدات العسكرية حتى أكتوبر/تشرين الأول 2013، أي بعد نحو شهرين من بدء الحملة العنيفة.

ومع ذلك، لم تكن النسبة المجمدة من المساعدات بهذا القدر من الأهمية، ولم تتجاوز بضع مئات من ملايين الدولارات، مع تعليق شحنات أنظمة الأسلحة الكبيرة. وفي الوقت نفسه، استمرت مصر في تلقي مساعدات عسكرية تتجاوز 1.2 مليار دولار في عام 2013، وأكثر من 1.3 مليارات دولار في عام 2014.

علاوة على ذلك، في زيارة لاحقة إلى مصر، طمأن "كيري" الجيش المصري بمواصلة التعاون، مما قوض قيمة ومعنى التجميد الجزئي للمساعدات.

وتم رفع التجميد عام 2015، على الرغم من عدم إحراز أي تقدم في مجال حقوق الإنسان أو الديمقراطية.

وعلى الرغم من وحدوث تعليق مؤقت للمساعدات إلى مصر في عام 2018 أصدره وزير الخارجية "مايك بومبيو"، إلا أن مصر تلقت أكثر من 9 مليارات دولار كمساعدات عسكرية بين عامي 2013 و2019. وأصبحت دورة حجب المساعدات عن مصر جزءا أساسيا من نمط منتظم في العلاقة بين البلدين.

مهدئات عامة

ويشير هذا النمط إلى أن الولايات المتحدة مهتمة أكثر باستخدام الحجب المؤقت لنسبة رمزية من المساعدات بهدف تهدئة للرأي العام بدلا من توبيخ سلوك النظام والتأثير عليه بشكل واضح. ولم يكن هذا "التجميد" كافيا من حيث النطاق أو المدة للتأثير بشكل كبير على سلوك مصر.

وفي مايو/أيار 2019، أثارت "هيومن رايتس ووتش" مخاوف بشأن المساعدات العسكرية التي تديم انتهاكات حقوق الإنسان في سيناء باسم مكافحة الإرهاب. وفي وقت سابق، قام الجيش المصري بقتل مجموعة من السياح المكسيكيين باستخدام طائرات الهليكوبتر أمريكية الصنع من طراز أباتشي.

وفي أواخر يونيو/حزيران، نشرت منظمة العفو الدولية تقريرا حول "موجة من الاعتقالات التعسفية" استهدفت العديد من الناشطين العلمانيين ونائب سابق في البرلمان. ومع ذلك، لا تظهر الإدارة الحالية سوى القليل من العلامات على تغيير سياستها. وعلى هذا النحو، أصبحت المساعدات العسكرية لمصر برنامجا مستحقا يسهل في كثير من الأحيان انتهاكات حقوق الإنسان، بغض النظر عن المصالح الاستراتيجية الأمريكية.

مبارك جديد

وتحت قيادة "السيسي"، تم عكس التقدم المحرز في أعقاب أول انتخابات ديمقراطية في مصر، بل ذهبت مصر إلى الأسوأ. وبين استهداف الأقباط والصحفيين والإسلاميين والليبراليين، تدهورت ممارسات حقوق الإنسان في مصر بسرعة.

وربما يشبه "السيسي" نسخة جديدة من "مبارك"، لكنه من وجهة نظر الكثيرين يدير نظاما أكثر قمعا.

وفشلت الولايات المتحدة في استخدام المساعدة العسكرية كأداة لمحاسبة شركائها. وكان من الواجب تقديم قضايا حقوق الإنسان والإصلاح على التعاون مع الجيش المصري.

وبدلا من ذلك، تواصل الولايات المتحدة الاستثمار في شراكتها مع حكام لا يهتمون كثيرا بإصلاحات الحكم طويلة الأجل. وكما يوضح نموذج مصر، تتلقى بعض الدول الشريكة للولايات المتحدة المساعدات كل عام بغض النظر عن سلوكها.

وقد تعلم "السيسي" كيف يتعامل مع سياسات القوة العظمى، وزاد واردات الأسلحة من فرنسا وروسيا، وبالتالي قلل التأثير المحتمل للمساعدة الأمريكية. وهناك مخاوف كثيرة من أن فرض الشروط وخفض المساعدات العسكرية الأمريكية من شأنه أن يهدد بشكل دائم العلاقات الأمريكية المصرية، وأن "السيسي" سوف يستبدل الأسلحة أمريكية الصنع لصالح أسلحة روسية. ومع ذلك، يدل تاريخنا في تعليق شحنات الأسلحة إلى مصر على أن هذا قد لا يكون الواقع.

وإذا تحكمت هذه المخاوف في السياسة الأمريكية وجعلت واشنطن تتورع عن خفض المساعدات، أو على الأقل وضع شروط لها، فسوف تنخفض قيمة العائد من المساعدات، وسوف تفشل الولايات المتحدة باستمرار في الاستفادة من معوناتها لتعديل سلوك الشركاء وتحسين ممارسات حقوق الإنسان في العالم.

وفي ضوء الذكرى السادسة للانقلاب، وتزايد انتهاكات حقوق الإنسان، وموت الرئيس "مرسي"، يجب على أعضاء الكونغرس ومستشاري السياسة الخارجية أن يسألوا أنفسهم: "هل يساوي عنف وقمع المجتمع المصري المكاسب المفترضة التي يتم تحقيقها من التعاون مع نظام السيسي؟".

وفي الوقت الحالي، تنفق الولايات المتحدة أكثر من 1.3 مليار دولار سنويا لدعم استبدادي يبرر انتهاكات حقوق الإنسان بأنها مجرد تدابير لمكافحة الإرهاب.

المصدر | ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

أمريكا تمنح مصر المساعدات العسكرية كاملة

بدون المساعدات الأمريكية.. أين ستتجه مصر؟

فورين أفيرز: آن أوان قطع التمويل الأمريكي عن الاستبداد المصري