استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أميركا والعراق: العودة إلى تسويق الاحتلال (2)

الثلاثاء 16 يونيو 2015 03:06 ص

كان الهاجس المشترك لبريطانيا وأميركا يتمثل بمنع ارتباط العراق في أواخر خمسينيات القرن الماضي بالجمهورية العربية المتحدة، بمعزل عن مواقف القوى السياسية في البلاد أو الكتل العسكرية داخل الجيش. وكان وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس واضحاً في تصريحاته، فهو يريد في العراق زعيما تثق واشنطن به في مقابل عبد الناصر. 

ذلك أن ناصر، من وجهة نظر الأخيرة، أراد الاستيلاء على نفط العراق والشرق الأوسط. وقد طالب دالاس في اجتماعه مع نظيره البريطاني سلوين لويد بـ «ضرورة إنهاء فكرة التدخل في العراق»، لكن مع الحفاظ على مواقع النفط في الإحساء والكويت، حتى ولو بالقوة والاحتلال.

وفي 2 آب 1958، وصل روبرت مورفي مساعد دالاس ومبعوث الرئيس الأميركي أيزنهاور إلى بغداد، وقال في اجتماعه مع عبد الكريم قاسم: «نحن لسنا دولة استعمارية ونتعاطف مع القومية العربية». وقد أسهب في حديثه عن «تجارب البلدان التي بدأت بقبول المساعدات السوفياتية وانتهت بفقدان الاستقلال». لكن قاسم أجابه، بحضور وزير الخارجية العراقي عبد الله الجومرد، بأنه «لم يجازف بالقيام بالثورة بقصد تسليم العراق إلى الاتحاد السوفياتي، وأنه وزملاءه لم يجازفوا بحياتهم ليجعلوا العراق خاضعا لمصر».

وقد غضب الجومرد من أقوال قاسم. وكان انطباع مورفي أن قاسم يلعب على الحبلين بين موسكو والقاهرة. وفي مقابلة سكرتير السفارة البريطانية سام فول مع صديق شنشل، وزير الإرشاد الذي استقال مع وزراء آخرين ذوي ميول قومية من الحكومة العراقية في العام 1959 إثر خلافهم مع قاسم، أكد شنشل أن «النظام الجديد مستعد للابتعاد عن الشيوعية في حال أظهر الغرب استعداداً للتعاون معه»، وأن النظام بوسعه أن يوفر جسراً بين الغرب وناصر ويساعده في إقامة علاقات ودية بينهما. وقد أفاد فول في برقيته بأن الأمور «اذا سارت بصورة جيدة، فإن النظام الحالي يمكن أن يخلق مشكلة لناصر أكثر مما كان النظام القديم يفعل، ولذلك، بإمكاننا أن نتعاون معه».

أحلام الوحدة وانفراط «حلف بغداد»

جدير بالذكر أن الموظف الكبير في السفارة البريطانية في القاهرة أرنولد سميث التقى بعبد الناصر في 15 أيار 1959، وتم الحديث حول زيارة كامل الجادرجي (زعيم «الحزب الوطني الديموقراطي» الذي كان مقرباً من قاسم قبل أن يختلف معه لاحقاً) في 14 أيلول 1958، حيث طالب الجادرجي عبد الناصر بالاتحاد الفيدرالي الفوري لإزالة المشاكل العالقة مع بغداد، فأجابه الأخير بأن «ليس على جدول أعمالنا وحدة أو اتحاد».

وقد شرح ناصر اعتراضه قائلاً: «إن أي انتخابات ديموقراطية في اتحاد فيدرالي يضم مصر وسوريا والعراق، ستجلب حكومات متضاربة البرامج: في مصر ترغب بالتفاهم مع الغرب، وفي سوريا ذات غالبية مع «حزب البعث»، وفي العراق مع «جبهة الاتحاد الوطني» ذات الغالبية الشيوعية. فكيف يمكن لـ «حكومة فيدرالية» أن تمسك بوضع كهذا؟

في صبيحة 16 تموز 1958، حصل اجتماع مهم لدول «حلف بغداد» بعد الانقلاب في العراق، حيث التأم شمل قيادات من باكستان وإيران في تركيا، وطالب الثلاثة الغرب بالتحرك سريعاً من أجل احتلال العراق وسوريا والأردن. رفضت أميركا ذلك. وبدأت تركيا تثير مخاوف من استقلال «دولة كردية»، وهددت بالدخول إلى شمال العراق وحماية الموصل والدفاع عن الأقلية التركمانية، في كركوك بالذات.

وناقشت أميركا وبريطانيا مسألة العراق مع الجمهورية العربية المتحدة. وتوصلت الدولتان إلى خلاصة مفادها أنه في حال نجاح عبد الناصر في تأمين علاقات جيدة بـ «دولة كردية» وليدة، تربط بينه وبين الاتحاد السوفياتي، فإنهما يشجعان إيران وتركيا على الاستحواذ بكردستان كلها واقتسامها بينهما. 

الكويت والنفط

تشير الوثائق إلى أن قادة النظام الملكي كانوا تقريبا على نسق واحد في موقفهم من قضية الكويت وتصوراتهم للعلاقة بين الكويت و «الاتحاد العربي»، وهو الاتحاد الكونفيدرالي الذي جمع العراق بالمملكة الأردنية مطلع العام 1958. فقد صرح رئيس البرلمان عبد الوهاب مرجان في بداية 1958 بأن «الكويت تشكل وحدة طبيعية مع العراق»، وأن نوري السعيد أصر على تسمية «الاتحاد العربي» بدل الهاشمي لكي تنضم الكويت إليه، وأنه يفكر مستقبلاً في مصير سوريا. وفي آذار 1958، قال نوري السعيد لوزير الخارجية البريطاني سلوين لويد: «إما أن تتخلى بريطانيا عن علاقاتها الخاصة بالكويت وترغمها على الدخول في الاتحاد، أو أن العراق سيستمر بالمطالبة بالكويت».

وكانت غاية السعيد في إنجاح الاتحاد ضرب عصفورين بحجر واحد: ضم الكويت وتحقيق اختراق ما في سوريا. وقد أرسلت وزارة الخارجية في الاتحاد العربي وثيقة كاملة إلى السفارة البريطانية في بغداد، تثبت فيها أن الكويت قضاء تابع للبصرة إدارياً. وقد تقرر عقد مؤتمر في لندن في 24 تموز 1958 بين بريطانيا والعراق لتحديد الشكل النهائي للعلاقة بين البلدين، وذلك لتحقيق إحدى المسألتين: إما معاهدة أخوة وتحالف بين الكويت و «الاتحاد العربي»، أو انضمام الكويت المستقلة إلى الاتحاد.

وفي 2 أغسطس/آب، أي بعد انقلاب قاسم، قال صديق شنشل لمندوب الحكومة البريطانية أنتوني ناتنغ، في محاولة لطمأنته، إن العراق لا يرغب في ابتلاع الكويت. لكن وصول وفد شعبي كويتي إلى بغداد في 28 آب برئاسة أحمد الخطيب عن «حركة القوميين العرب»، أطلق بالونات ملونة في سماء العلاقات العراقية ـ الكويتية، وزاد من التوتر على الصعد المحلية والإقليمية والدولية.

فقد طالب الوفد بإقامة وحدة فورية بين العراق والجمهورية العربية المتحدة، وتحدث أعضاؤه مع عبد السلام عارف قائلين إن هناك ضباطاً كويتيين «قادرون على إتمام الوحدة». علما أن الزيارة التي قام بها شيخ الكويت عبد الله السالم الصباح، في 25 تشرين الأول 1958، لم تبدد هواجس الكويتيين، خاصة أن قاسم حذر الصباح من «مؤامرات» ناصر و «حركة القوميين العرب» لناحية «الإعداد لانقلاب» في إمارته.

قاسم بين أميركا وبريطانيا

يشير السفير البريطاني الجديد بعد انقلاب تموز، همفري تريفيليان، إلى أن سياسة بريطانيا كانت تقوم على الاحتفاظ بالعلاقة مع قاسم «المعتدل»، حيث أن «قليلاً من الشيوعية لا يضر». فالمهم أن يكون قاسم بعيدا عن ناصر، علماً أن قاسم و «المعتدلين في حكومته، جديرون بمقاومة النفوذ الشيوعي المتعاظم».

أما أميركا، فقد كانت مقتنعة بوجوب إبعاد ناصر عن العراق، لكنها تعتقد أن نسبة متواضعة من القومية العربية في العراق لا تهدد مصالحها العامة، وأن المخاطر المباشرة تأتي من النفوذ الشيوعي. لذلك، يجب إسداء النصح اللازم لقاسم حتى يكون حاذقاً في الموازنة المطلوبة بين موسكو والقاهرة، برغم من إدراكها صعوبة تحقيق ذلك.

وفي 15 كانون الأول 1958، زار مبعوث أيزنهاور الشخصي راونتري بغداد وبعدها في 23 من الشهر نفسه زار القاهرة. وقد استنتج أيزنهاور من تقرير راونتري أن ناصر يريد ثمنا من أميركا لمحاربة «النفوذ الشيوعي» في العراق، وأن الثمن هذا على حساب إسرائيل، أي أن ناصر يعتبر أن «الخطر الإسرائيلي» أكبر من «الخطر الشيوعي». وثمة ما يفيد بأن أميركا وبريطانيا طالبتا السعودية بأن يكون لها دور الوساطة بين قاسم وناصر. على أن السعودية رفضت ذلك، وطالبت باحتلال العراق وإطاحة النظام السياسي في الجمهورية العربية المتحدة.

خـلاصــــة

أخيراً، وبعد استعراض جانب من تاريخ العراق الحديث، أين يختبئ «الرجل القوي» الذي يريد روبرت كابلان إعادة إنتاجه في العراق، كما بيّنا في الجزء الأول من هذه المقالة؟

هل له أو لأي «خبير أميركي في شؤون العراق»، من المقربين من دوائر صنع القرار في واشنطن، أن يظهره لنا في ثنايا هذا الصراع المركب؟

وأين هو الخيط الرفيع الذي يربط بين العروبة والنفط والشيوعية والكويت والأمن الإسرائيلي؟

علما أن في العراق، ومنذ الملك غازي مروراً بنوري السعيد وعبد الكريم قاسم وصدام حسين، وكلهم نحروا، لم يكن ثمة «رجل قوي» بمــقاييس كابلان التي يسوّقها وأمثاله في واشــنطن، لخدمة مصالح الأخيرة في عراق اليوم.

 

  كلمات مفتاحية

العراق أمريكا الاحتلال الأمريكي الدولة الإسلامية عبد الكريم قاسم عبد الناصر بريطانيا النفط الكويت إسرائيل

أميركا والعراق: العودة إلى تسويق الاحتلال (1)

مصادر: «تنظيم الدولة» بالموصل يعدم 14 عراقيا مدانين بـ«التجسس»