استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أميركا والعراق: العودة إلى تسويق الاحتلال (1)

السبت 13 يونيو 2015 06:06 ص

قبل نحو عامين، صدر كتاب عن أفغانستان، «العاصفة والعمامة»، تلخص محتوياته عنوان مقالة كتبت عنه: «جمهورية بلا نصر، وإمارة بلا هزيمة». والوقائع الراهنة في العراق تظهر للبعض أنها تقترب من العنوان المذكور.

على أن البعض ما زال يحيل الفشل في أفغانستان والعراق إلى أسباب خاصة بالبلدين حصراً. وهذا ما عبّرت عنه بشكل مدوٍّ المقالة الأخيرة للصحافي الجوال روبرت كابلان في «فورين بوليسي»، في 25 أيار المنصرم. وقد توصلت المقالة عملياً إلى استنتاج قاطع، مفاده أن الاستقلال هو الفوضى.. فيما الاحتلال والامبريالية هما النظام!

أسطورة الرجل القويّ

وفي التجربة العراقية الأخيرة ومنذ عقدين تقريباً، تؤكد كرونولوجيا التحليلات بأن كابلان يقف في قلب السرديات الاستعمارية المغلقة، والتي لا تخطئ فقط في المصطلحات، وإنما تضلل أيضاً في مقايساتها حين تستخدمها في الملمّات.

فالعراق بالنسبة إليه والمدرسة التي ينتمي إليها، فكرة وليس أمة. وهو جزء من مستوطنات مبعثرة في خرائط الأطالس. وحالته العضوية تشبه الوحش الجميل «ريغوليتو» في «أوبرا فيردي»، حيث لا يمكنه أن يحقق مصداقيته إلا من خلال تمتين الصلة مع قلوب دامية ونفوس ميتة.

وهو حين يناقش وضع العراق قبل الاحتلال، حين دعا إلى الغزو جهاراً نهاراً، والآن حين يدعو مجدداً إلى إعادة احتلاله، يحاكي قول الجاحظ حول المغفل الذي أرسل جارية مع عنزتها إلى تيّاس، فعادت الجارية حاملاً والعنزة حائلاً.
إن كابلان نموذج وحيد القرن في تصنيفات المثقف التحليلي، ويعاني بحدة من مرض فقدان الذاكرة الانتقائي. وهو إذ يستعرض، ودائماً بعجالة، المشكلة الأساسية، يتناسى الربط بين الأسباب والنتائج، ويفقد الشهية حين يتحدث عن التأثيرات المتبادلة بينهما.

وحين يغوص كابلان في التحليل المباشر، لا يعثر سوى على الرجل القويّ في الشرق الذي يحمي الحدود ويحافظ على الاستقرار ويحرس الوحدة الديموغرافية. لكن كل الذين يشير إليهم بسبابته اللجوجة، ذهبوا قبض ريح. بل إن السياق الحقيقي للتاريخ الشخصي لهؤلاء، يعاند كل تمنياته بأن يكون هذا الرجل القوي، يمثل القدوة التي ينشدها كابلان في برنامجه الكرتوني.

ولأن كابلان أمينٌ للجانب الاستعماري المظلم للنظام الرأسمالي، الذي يحبذ الاحتكار والانتشار، وينبذ الوجه المستنير للحضارة الرأسمالية الكونية وعطاءاتها، كما يجزم آدم سميث في نظرية «المشاعر الأخلاقية»، تراه ليّناً مع الطغاة الذين يقودون مجتمعاً متماسكاً في الجزيرة العربية السعودية، ومتشدداً مع المستبدين الذين يتجاوزن خطوط خرائطه، من نمط الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وبين النموذجين، تظلّ النوستالجيا الامبريالية تقوده باستمرار إلى رئيس الحكومة العراقية المعروف نوري السعيد.

العقيدة في خدمة التحليل

تصل معظم تحليلات كابلان إلى مستوى العقيدة. محتوى النص لديه مقدس، وهو أهم بكثير من الحدث ومسبباته. نجده يركز على دور الحشود وقوتها في خلق الحدث وطاقتها في تحويله إلى صياغة تاريخية ملموسة، لكن مرتبطة بكل أبعادها بالتجربة الإمبراطورية الأميركية. وهو حتى في تركيباته اللغوية، يسيء التصرف بالمفردات التي يستخدمها لتقديم تحليل ملموس. ذلك أنه يمارس خدمة ذليلة.

فهو يقول للمؤسسات ما تريد سماعه، وللدول ما ترغب بفعله. علماً أنه شارك مع وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد ونائبه السابق بول وولفويتز، وبحضور أحمد الجلبي، في الاجتماع الشهير في منتصف 2002، من أجل الإعداد لغزو العراق واحتلاله.

وقد لخّص الحرب بقوله آنذاك إنها ستكون عنواناً للقرن الحادي والعشرين. هكذا، وضع مع الآخرين خطة تدمير الدولة العراقية وإعادة بناء البلاد «من تحت»، وتوحيدها اسمياً «من فوق»، عبر انتخابات احتلالية ودستور ملفق، ليعود بعد عقد ونيّف ليقول لم يكن هناك عراق بل فسيفساء ديموغرافية مصطنعة وطغاة عور العيون، ثم ليشرب بعدها من البئر الذي بصق فيها، ويتحذلق قائلاً إن الخروج الأميركي الاستعماري أدّى إلى فراغ، والفراغ امتلأ بالاستبداد والدولة المركزية الخانقة، وبما أن أي رجلٍ قويٍ من المجموعات المتناحرة لم يظهر ليحافظ على الحدود ويحقق الاستقرار، فلا بد إذاً من عودة الامبراطورية. إنه الشاطر في قصص الخيال الذي يحلم ويفسّر أحلامه في وقائع انكساره!

وقد تجاهل كابلان أن بعض مثقفي أوروبا أمضوا سنين من حياتهم لتسجيل تاريخ العراق وحياة شعبه، مستنتجين خلاف ما يقوله. من بين هؤلاء رايدر فيسر، الباحث النرويجي القدير الذي لطالما دافع عن وحدة العراق في التاريخ والجغرافيا، وكتب العديد من المطالعات والأبحاث التي تثبت بالأدلة الدامغة استنتاجاته تلك. من هنا، فإن تسليط الضوء على أكاذيب كابلان يعدّ مكمّلاً للشروح التي كتبها باحثون من نمط ايدوين بلاك، وويليم بولك، وبيتر غران، برغم عثراتها وفجواتها.

إذ إن هذه الإنجازات أكثر صدقاً من ذاك الكذوب المزمن. لقد كانت منطلقات هؤلاء جميعاً تبدأ من نقطة مفصلية، أطلق عليها ويليم بولك تسمية «المقص التروتسكي» لتفسير التطور الحر للتاريخ العراقي المعاصر، مع ملاحظة دور التدخلات الهمجية للقوى الأجنبية في مسيرة هذا التطور. على أن كابلان اختار، على العكس من ذلك تماماً، مقاربة لاهثة، عبّر فيها عن توقه الامبريالي لإنهاء المعركة لمصلحة بلاده بسرعة. فوفق رؤيته، العراق بوضوح شديد هو المنصة بعد الغزو والاحتلال. بعدها، تختار واشنطن بروية معالم الطريق الجديد.

في البدء كانت البونابرتية العسكرية

في 14 تموز 1958، زلزلت الأرض في العراق والإقليم. وشهدنا مسرحية الدموع لوزير الخارجية البريطاني سلوين لويد في مجلس العموم البريطاني، وهو ينعى سقوط الملكية العراقية، وقتل «الرجل القوي» نوري السعيد في اليوم التالي في شوارع بغداد.

في تشرين الثاني 2002، وفي مجلة «أتلانتيك»، كتب كابلان مقالة يرسم فيها سيناريوهات ما بعد صدام. لم تكن الدوافع هي الثقة بحصول الغزو أو نجاح الاحتلال، إنما تمثّلت في مخطط «بقاء» العراق بعد العملية الجراحية الأميركية. وقد جزم كابلان في مطالعته أن الحل الوحيد المطلوب، يتمثل بوجود، أو خلق، رجل قوي في بغداد من نمط الديكتاتور العلماني نوري السعيد.

لم يكن كابلان مضطراً للإسهاب كثيراً في الحديث عن مناقب السعيد في «التحالف» (إقرأ «التبعية») الاستراتيجي مع الغرب، وتحديداً بريطانيا، قبل أن يكتشف السعيد ابتعــادهما عنه وتغمره عواطف النفور من أميركا بالذات وسياستها المتعرجة والاستعلائية. 

بيد أن التاريخ المدوّن لتلك الحقبة كما آلاف الأوراق والوثائق، تشير إلى أن تمنيات كابلان تغفل كل ما سبقها من تسجيلات. فمجيد خدوري مثلاً، في كتابه «العراق الجمهوري»، ينقل عن السكرتير الشرقي في السفارة البريطانية في بغداد صموئيل فول، أنه كتب مذكرة يطالب فيها بترحيل الوصي على العرش العراقي آنذاك عبد الإله سفيراً إلى واشنطن وتشكيل وزارة عسكرية مع القوى الوطنية وإبعاد نوري السعيد عن الحكم. ويؤكد الجمالي ذلك بقوله إن الأميركيين كانوا على علم بحركة عسكرية انقلابية في العراق.

وفي الصياغة نفسها يشير عبد الكريم الأزري في كتاب «العراق في مذكرات ديبلوماسيين بريطانيين»، إلى أن بريطانيا كانت تعرف بالانقلاب، وهي أرادت التخلص من نوري السعيد لمحاولاته ضم الكويت إلى الاتحاد العربي. كما تشير محاكمة عائلة الاسترابادي التي حاولت تهريب السعيد، بأنه كان يصرخ هائجاً ويقول: «غدروني الإنكليز»!

 

  كلمات مفتاحية

العراق أمريكا الاحتلال الأمريكي للعراق الدولة الإسلامية

«سي إن إن»: كيف أسهم الاحتلال الأمريكي في تفكيك جيش العراق؟

العراق: تضخم «دولة الميليشيات» لمصلحة من؟

واشنطن في موقف شائك وسط أحاديث عن تقسيم العراق

القوة الأمريكية يمكنها تقسيم العراق لكن لا يمكنها توحيده!

بشير نافع: لماذا فعلا ينهار عراق ما بعد الغزو والاحتلال؟

الولايات المتحدة تنفق 9.1 مليون دولار يوميا لمحاربة «الدولة الإسلامية»

أميركا والعراق: العودة إلى تسويق الاحتلال (2)