السعودية: رؤية الملك «سلمان» أشد محافظة والسعوديون يحبونه لذلك

الأربعاء 17 يونيو 2015 02:06 ص

من الصعب للغاية أن تصبح المملكة العربية السعودية مكانا ليبراليا، فقط عليك أن تسأل «رائف بدوي»؛ ذلك المدون الشاب المحكوم عليه بعشر سنوات خلف القضبان بالإضافة إلى ألف جلدة بتهمة إهانة الدين الإسلامي، كما أنه على نفس درجة الصعوبة أن يحكمه حاكم ليبرالي.

لقد حظي الملك الراحل «عبد الله بن عبد العزيز» بترحاب وإشادة عالمية نظرا للإصلاحات التي بدأها في العقد الذي سبق وفاته في يناير/كانون الثاني من العام الجاري، ولكن بالنسبة لكثير من رجال الدين والمحافظين الذين يهيمنون على الحياة السياسية والاجتماعية السعودية، فإنه لن يكون الشخص الذي يعلنون أنهم افتقدوه.

«أعتقد على الرغم من أن معظم الناس في الغرب رحبوا بما فعله الملك الراحل عبد الله، إلا إنه كان لا يحظى بشعبية عميقة في المملكة العربية السعودية»؛ على حسب قول «روبرت ليسي»؛ المؤرخ ومؤلف كتاب «المملكة من الداخل» الصادر في عام 2009.

وكان أحد المشاريع التي تركها الملك «عبد الله» هي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST)، مركز للعلوم والتكنولوجيا مختلط من الجنسين بالقرب من مدينة جدة، والذي أراد به العاهل أن يضع المملكة العربية السعودية على الخريطة العلمية العالمية.

وبجانب كون هذا المشروع يتكلف ملايين الدولارات، فإنه أيضا وصف بالأعجوبة المعمارية، حيث حاز على عدد من الجوائز عند افتتاحه في عام 2010، كما قام بتعيين موظفين فيه من مختلف أنحاء العالم. وقال« ليسي» ولكن بعد ستة أشهر من وفاة الملك عبد الله، فإن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا باتت هي «الشيء الذي يبدو وكأنه غير موجود بالنسبة للسلطات السعودية الحالية».

ورفضت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا إجراء مقابلات معهم عندما اتصلت بهم إنترناشونال بيزنس تايمز من المملكة المتحدة.

سياسة الملك «عبد الله » بتضمين 30 امرأة في «برلمان» المملكة العربية السعودية البالغ عدد مقاعده 150، والمعروف باسم مجلس الشورى، أحدثت انقساما، فقد تسبب في خروج رجال الدين والإسلاميين بالفعل إلى الشوارع للدعوة إلى الديمقراطية، وإن كانت للرجال فقط. وقد تعرضت سياسات الراحل «عبد الله» للسخرية من قبل الإسلاميين، لكنها في الوقت ذاته دفعتهم إلى الاصطفاف بجوار الليبراليين في الدعوة إلى مزيد من الديمقراطية.

الرجل المحافظ

أما بالنسبة للمدون الليبرالي «رائف بدوي»؛ ففي الوقت الذي تحول الحكم عليه إلى قصة كبيرة يتناولها الكل بألسنتهم وعلى منابرهم في الغرب، فيكاد يكون الأمر يُذكر على استحياء داخل المملكة العربية السعودية. وفي الوقت الذي تم تناول تأكيد الحكم على «رائف» بالسجن عشر سنوات والجلد ألف جلدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» باللغة الانجليزية بصورة واسعة للغاية، فإنه بالكاد ذُكر باللغة العربية. وكشف تحليل اتجاهات على مؤشر البحث «جوجل» أجراه موقع «إنترناشونال بيزنس تايمز» أن «رائف بدوي» تم الحديث عنه باللغة الإنجليزية ثلاثة أضعاف الحديث عنه بالعربية.

ويمكن القول إن السعوديين ببساطة لا يعيرون قضية مثل «رائف» أدنى اهتمام.

وحتى لو فعلوا ذلك، فإن عدد السكان السعوديين الذين يحملون الفكر الليبرالي محدود للغاية، وبالتالي لن يشغل الملك «سلمان» باله باسترضائهم. المحافظون في المملكة، سواء كبار السن أو صغاره، هم الفئة الغالبة في المملكة، وهم الذين يدعمون الجماعات المتشددة، بل ويسارعون إلى الانضمام إلى مجموعات أمثال «الدولة الإسلامية». ومع ذلك؛ فإن أكبر تهديد لأسرة آل سعود ليس من المدونين الليبراليين، بل هو الإسلام الأصولي.

وتابع «ليسي»: «أعتقد أن سلمان يرى أن أخيه الراحل ضحى كثيرا بالقاعدة المحافظة، وأن عليه أن يسارع إلى سد أي خرق وترقيعه قبل أن يتسع ... الغرب يتحدث عن رائف بدوي والمدونين الليبراليين لكنهم ليسوا على دراية بالبيئة السعودية».

الأمر ليس في مجمله مندرجا تحت بند السياسية وفقط. ومن المعروف أن الملك «سلمان» أكثر ورعا وتدينا من أخيه الراحل، وكان دائما ينظر إليه على أنه برفقة رجال دين أكثر من نخبة رجال الأعمال التي شكلها الراحل «عبد الله» خلال أعوام حكمه العشرة دفعا للتنمية في المملكة. وبما أن الملك «سلمان» أشرف في السابق على كل من التمويل والتجنيد في السعودية، لذا فهو قريب من الشخصيات والجماعات الإسلامية على مستوى مملكته.

ويقول «ماثيسن» إن «الملك سلمان بنى اتصالات مكثفة مع مختلف الفئات في المملكة، والتي ساهم في تشكيلها عندما كان حاكما للرياض منذ عام 1963، بما في ذلك مع القوى الإسلامية. وبالفعل؛ بدا سلمان وإدارته الجديدة التي شكلها بنفسه فور جلوسه على العرش أقرب إلى الإسلاميين في المملكة، بما في ذلك أولئك الذين يعتبرون جزءا من جماعة الإخوان المسلمين».

وهذا يشكل خروجا ملحوظا عن موقف شقيقه الذي كافأ الرئيس المصري الجنرال «عبد الفتاح السيسي» بالملايين من الدولارات في صورة مساعدات بعد أن أطاح بالرئيس المصري المنتخب «محمد مرسي» في يونيو/حزيران 2013. دعم الملك «عبد الله» للانقلاب في مصر أفقده الحظوة بالشعبية بين الملايين من السعوديين الذين شعروا بتقارب مع جماعة الإخوان وحكمها.

ميل الملك «سلمان» تجاه الوسائل التقليدية تعني وللمفارقة القاسية بأنه كلما طال الاحتجاج ضد ما يحدث مع «بدوي»، كلما طالت فترة بقائه في السجن. وتتشابه القضية بشدة مع قضية «حمزة كاشغري»؛ ذلك المراهق الذي اتهم بإهانة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في عام 2012، وحكم عليه بالسجن في وقت لاحق.

ومثل «بدوي»، جذبت قضية «كاشغري» اهتمام وسائل الاعلام بشكل غير مسبوق عندما حاول الفرار إلى ماليزيا قبل أن تعيده ماليزيا إلى السعودية. وعلى عكس «بدوي»؛ فقد تم الإفراج عن «كاشغري» فور أن هدأت الضجة المثارة حوله، وكتب رسائل مختلفة لرجال دين محليين معلنا فيها اعتذاره؛ على حد قول «ليسي» الذي كان على اتصال بعائلة الشاب الذي وجهت له اتهامات بالردة.

«أنا واثق تماما فيما يحب الملك سلمان أن يفعله مع رائف بدوي، ولكن نظرا لأن كل شخص بات يتحدث عنه في كل مناسبة فقد أصبح رهينة للحظ»، بحسب «ليسي».

«وهذا أخر شيء تريده وزارة الخارجية السعودية. هم يدركون تماما ما يفكر به الغرب، ولكن ما يهمهم هو ليس ما يفكر فيه الليبراليون في الغرب، ولكن ما يفكر فيه الأصوليون الذين ربما يؤيدون الدولة الإسلامية في شوارع الرياض».

ومن غير المحتمل أن تنتهي قريبا مغازلة الملك «سلمان» للسلالة السنة المتشددة الذين يأخذون وضعهم كاملا في المجتمع السعودي، في ضوء ظهور «الدولة الإسلامية» في العراق والجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لإخراج المنافس الرئيسي للرياض، إيران، من الثلاجة.

ولا يمكن للحرب في سوريا واليمن والعراق والاضطرابات في شرق المملكة العربية السعودية أن تساعد ولكن لديها طبيعة طائفية، ومن الواضح أن أي جانب من تلك السياج الخاصة بآل سعود سوف يسقط.

وفي نفس الوقت؛ لم يكن هناك أي محاولة تحت «سلمان» لإنهاء المنح الدراسية التي بدأت في عهد الراحل «عبدالله»، والتي جعلت الآلاف من الشبان السعوديين يسافرون إلى الخارج للدراسة، وكذلك فتح سوق الأسهم السعودية في يونيو/ حزيران، المشروع المفضل للراحل، لم يسقط أو ينتهي بمجرد وفاة الملك السابق.

«بدوي» هو دليل مؤسف على أنه عندما يأتي التغيير في المملكة العربية السعودية، فإنه يأتي بهمس أكثر من كونه يأتي بأبواق.

  كلمات مفتاحية

السعودية الملك سلمان الملك عبدالله الدولة الإسلامية رائف بدوي

«ديفيد هيرست»: الملك «سلمان» يعتبر «السيسي» أحد أخطاء حقبة أخيه الراحل

«التايم» الأميركية تختار الملك «سلمان» كأحد الزعماء الأكثر تأثيرا في العالم

«تركي الفيصل» تعليقا على جلد «رائف بدوي»: لسنا الوحيدين ولنتذكر «أبوغريب وغوانتانامو»

«فورين بوليسي»: الملك «سلمان» رجل محافظ في عجلة من أمره

المملكة الجديدة: التحول المتناقض للمملكة العربية السعودية