المملكة الجديدة: التحول المتناقض للمملكة العربية السعودية

السبت 20 يونيو 2015 11:06 ص

لا يشغل حكام المملكة العربية السعودية كثيرا أن ينادى عليهم بلقب «الملك»، حيث إن هناك العديد ممن ينادون بألقاب الملوك في العالم. ويفضل الحكام السعوديون أن يطلقوا على أنفسهم «خادم الحرمين الشريفين»، في إشارة إلى الماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة. ويبدو هذا في شكله متواضعا، لكنه يدل على المطالبة بسلطة تمتد إلى ما وراء حدود المملكة.

مكة المكرمة والمدينة المنورة هما أكثر الأماكن قدسية عند المسلمين، حيث يأتي الناس إليهما من جميع قارات الأرض لزيارتهما، من البوسنة إلى أمريكا الشمالية ومن نيجيريا إلى ماليزيا. وفي عام 2010، حضر ما يزيد على 12 مليون شخص لأداء الحج والعمرة، وهناك توقعات بأن ترتفع الأرقام لتتجاوز إلى 20 مليون في وقت قريب. وهذا يعني أن المسجد الحرام يتطلب عملية توسعة مستمرة.

وتجري الآن عمليات  توسعة على قدم وساق بالفعل بما يكفي لاستيعاب أضعاف ما يمكن أن تستوعبه كنيسة القديس بطرس عدة مرات. يتم إزالة الجبال كلها لتوسيع مبنى يرمز إلى مجد الإسلام، ويشار فيه بالبنان إلى «آل سعود». وسوف يطلق على الجناح الجديد الذي هو في مراحل التخطيط اسم الملك الجديد «سلمان بن عبدالعزيز آل سعود»، بينما يوجد هناك توسعة وضع عليها اسم الراحل الملك «عبدالله بن عبدالعزيز».

لم يمر على جلوس الملك «سلمان» على العرش نصف عام. وبالنظر إلى الحماس الذي يدير به حكمه، فيبدو أنه يريد أن يسجل اسمه في التاريخ باعتباره واحدا من أعظم الملوك الذين جاءوا على مدار التاريخ الإسلامي منذ «صلاح الدين الأيوبي». فقد كان «صلاح الدين» أول «خادم للحرمين الشريفين»، ووحد المسلمين في القرن الثاني عشر، وطرد الصليبيين وحرر القدس.

وفي أقل من خمسة أشهر، قام «سلمان» بإعادة بناء وترتيب مملكته، وبدا أنه يسعى إلى دور القيادة في منطقة الشرق الأوسط. ومن الناحية التقليدية، اعتاد الملوك في المملكة العربية السعودية إخفاء قوتهم بدلا من استعراضها. واستخدموا الثروة النفطية لدعم المجموعات والأنظمة الصديقة، وأنشأوا شبكة من الدعاة الذين ينشرون النسخة المتشددة للإسلام في جميع أنحاء العالم.

في الوقت الراهن، تعمل المملكة دون ضبط نفس. ففي مصر توفر الدعم المالي للجنرالات الذين استولوا على السلطة مرة أخرى. وفي ليبيا وسوريا والعراق تدعم الجماعات المسلحة. وفي اليمن بدأت المملكة حربا ضد مليشيات الحوثي المتحالفة مع منافستها إيران. ولا يوجد أحد، وربما حتى إسرائيل ذاتها، تخشى مخاوف الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط أكثر من المملكة العربية السعودية.

دور الرياض في العالم العربي يبدو مشابها لدور برلين في أوروبا، ولكن على عكس المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل»، فإن الملك لديه بعض من التردد. وبصرف النظر عن مساحتها وثروتها وطموحها، يتساءل المرء: هل يمكن للمملكة العربية السعودية أن تحقق توقعات ملكها الجديد وتصل إلى حيث يريد ويحلم؟

ويبقى من غير الواضح ما إذا كانت هذه القيادة لديها رؤية واضحة لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط، وما إذا كان يمكن تحويل هذا البلد الذي يعتمد على صادرات النفط وحدها إلى دولة تتمتع بمعالم الاقتصاد الحديث. بل يبقى أيضا أن نرى ما إذا كان يمكن تحرير النظام القديم المتمثل في الإمامة وكسر قوة قادتها الدينيين.

الجيل الجديد

قبل أن يصبح ملكا؛ أمضى «سلمان بن عبد العزيز» 50 عاما في منصب حاكم الرياض، وبعد ذلك أصبح وزيرا للدفاع في البلاد. ولم ينتظر «سلمان» دفن سلفه وأخيه غير الشقيق «عبد الله» للبدء في تحويل المملكة. وفي مساء يوم 23 يناير/كانون الثاني، الليلة الأولى له كملك، أطاح بالأعضاء المؤثرين من موظفي الملك «عبد الله»، وخلال أسابيع كان قد أطاح بعدد من الوزراء واستبدل بهم غيرهم. وبعد ثلاثة أشهر ونصف قام بترتيب خط الخلافة.

وخلال القيام بذلك، شرع الملك «سلمان» (79 عاما)، الذي لا يصغر عن سلفه بكثير، في عملية تغيير الأجيال التي طال انتظارها في المملكة. أكثر من ثلثي السكان في المملكة تقل أعمارهم عن الثلاثين. ومات الملك «عبد الله» في سن التسعين من عمره، وكان متوسط العمر في حكومته حوالي 65 عاما.

وكان كل حكام السعودية منذ عام 1953 من أبناء الملك المؤسس «عبد العزيز»، المعروف بـ«ابن سعود». وسوف يكون «سلمان» الأخير من هؤلاء الأبناء الذين يحكمون البلاد، وسوف يكون خليفته أول حفيد. وأطاح «سلمان» بأخيه غير الشقيق الأمير «مقرن» من ولاية العهد وعين بدلا منه ابن أخيه، «محمد بن نايف» البالغ من العمر 55 عاما. كلا الرجلين أعضاء في الفرع السديري المؤثر في الأسرة، وهم أحفاد «ابن سعود» من زوجته المفضلة «حصة بنت السديري». وتلقى ولي العهد الجديد تعليمه في الولايات المتحدة، ويعتبر من أنشط وزراء الداخلية في تاريخ المملكة إن لم يكن على رأسهم. 

لكن القرار الأكثر إثارة الذي أصدره الملك «سلمان» هو تعيين ابنه «محمد» نائبا لولي العهد ليدخل به على خط الخلافة. ومعروف عن الأمير «محمد بن سلمان»، الذي يقف على مشارف إغلاق العقد الثالث من عمره، أنه سريع المزاج ومندفع، لكنه يقبل على ما يبدو سلطة ابن عمه ولي العهد. وخلافا لولي العهد الأول، لم يدرس «محمد بن سلمان» في الغرب مطلقا. ويقول إنه يفضل اليابان، حيث قضى بها شهر عسله. وعندما زار الولايات المتحدة قبل بضعة أسابيع، وصفه الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» بأنه «غزير المعرفة» و«حكمته تفوق سنوات عمره».

وظلت الصحافة في المملكة العربية السعودية تروج لابن الملك على أنه المنقذ لعدة أشهر، كما تناولت ثناء «أوباما» عليه معربة عن امتنانها للرئيس الأمريكي.

حجم السلطة الموجودة في يد ولي ولي العهد لم يسبق لها مثيل في تاريخ المملكة. فهو رئيس للأركان، ورئيس الديوان الملكي، ما يعني أنه لا وصول للملك إلا عن طريقه، كما يرأس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ويدير أيضا شركة النفط المملوكة للدولة، أرامكو السعودية، ويرأس صندوق الاستثمار الحكومي.

بالإضافة إلى هذه الوظائف، فإن «محمد بن سلمان» هو وزير الدفاع. وبصفته وزيرا للدفاع، فقد كان هو صاحب القرار في الحملة الجوية الأخيرة التي أعلن بها توجيه ضربة جوية لمواقع مليشيا الحوثيين في اليمن على مدار الشهرين ونصف الماضيين. وقد شاركت البلاد في العمليات العسكرية في الماضي، كحليف للولايات المتحدة في حرب الخليج عام 1991، وكحليف لمصر والأردن وسوريا في حرب الأيام الستة عام 1967، ولكن في الوقت الحالي صاغت المملكة تحالفها الخاص، ومن ثم أعلنت الحرب.

قناص يتأهب

وتمر الحدود مع اليمن عبر الجبال في أقصى جنوب المملكة، على بعد ساعة بالسيارة من ميناء مدينة جازان. يتمركز «أبو عبيد»، قناص، في نقطة  منذ أوائل أبريل/نيسان. وقال إنه يحرس الحدود من خلال نطاق عمله في أحد التلال المغطاة بالشجيرات، على الجانب البعيد من الحدود. أحيانا قطيع من الماعز يمر عبر مجال رؤيته، وأحيانا راعي ماعز يتبع وراءه، وأحيانا يبصر شاحنة صغيرة في الأفق. ثم يرسل التقرير إلى قائد آخر، والذي يمرره إلى القوات الجوية. ولم يطلق «أبو عبيد» رصاصة واحدة حتى الآن في هذه الحرب. لكنه قال إنه «لن يتردد ثانية واحدة للقيام بذلك متى كانت هناك حاجة».

بدأت قوات التحالف، بقيادة السعودية، حملة من الضربات الجوية على اليمن في أواخر مارس/ أذار. وأعلنت المملكة أن الهدف من الحملة هو وقف تمرد مليشيات الحوثي، وإجبار الفصائل المتصارعة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وقد نجحت إلى حد ما؛ حيث إن بعض الفصائل المعادية قررت حاليا أن تجتمع في جنيف لإجراء محادثات أولية.

ولا تزال عملية القصف مستمرة بعد مرور حوالي عشرة أسابيع، وقد لقي ما يزيد على ألفي مدني مصرعهم، ونصب التركيز على العاصمة صنعاء التي تضرر كل شيء فيها، وتم تشريد أكثر من نصف مليون شخص حتى الآن. ورغم ذلك، لم يضعف الحوثيون بشكل يُذكر، وقد قاموا، في الواقع، خلال الأسبوع الماضي بمهاجمة مواقع الجيش على الحدود وقتلوا أربعة جنود، وهو المكان الذي لا يبعد كثيرا عن تمركز «أبو عبيد».

ويقول «جمال خاشقجي»، أحد أبرز الصحفيين في المملكة والمقرب من العائلة المالكة، تعليقا على ما قام به الحوثيون الأسبوع الماضي: «رغم هذا، فإن الحملة كانت القرار الصحيح الذي تم اتخاذه. لقد أظهرت العملية في اليمن أنه يمكننا أن نتولى مهام القيادة وأن نشكل تحالفات».

ويعيش «خاشقجي» في مدينة جدة، وهي المدينة الساحلية المطلة على البحر الأحمر التي تمتلك طرقا سريعة وناطحات سحاب ومراكز تسوق، وتشبه لوس أنجلوس أكثر من الرياض، المدينة الصحراوية المحافظة المتقشفة. ففي العاصمة، ترتدي النساء العباءات السوداء، وترتكز الحياة الأسرية حول المنزل والمسجد. أما جدة فلديها نواد شاطئية، وتسمع بها موسيقى الهيب هوب التي تخرج من السيارات على طول كورنيش الواجهة البحرية. جدة متعطشة للحياة، فأبرز ما يميزها الإبداع، وينظر سكانها إلى أنفسهم على أنهم أكثر حداثة وعالمية من أقرانهم السعوديين في الرياض. 

لقد أهملت الرياض مسؤوليتها في الشرق الأوسط لفترة طويلة جدا، على حد وصف «خاشقجي». «كل ما قمنا به هو تقديم شكوى عندما وجدنا شيئا خاطئا. وبعد اندلاع الربيع العربي، كنا نظن أن شخصا آخر من شأنه أن يعيد النظام القديم بالنسبة لنا». ولكن الآن، والكلام ما زال لـ«خاشقجي»، تنسحب الولايات المتحدة من المنطقة، وإيران هي التي تعمل على خلق المتاعب من لبنان إلى البحرين، ومن سوريا إلى اليمن. هذا هو السبب في أن هناك حاجة إلى قوة إقليمية جديدة للحفاظ على النظام من وجهة نظر الصحفي البارز الذي تابع: «لقد تحملنا مسؤولية إصلاح هذا الشرق الأوسط المتحطم».

وفي مقال غير مألوف بشكل ملحوظ، ركز «خاشقجي» أفكاره حول صيغة جذابة: مبدأ «سلمان». فقد جادل «خاشقجي» بأن المملكة، التي يقودها رأس جديد أكثر نشاطا، تضع حدا لعصر التقزم العربي، وتعيد ترتيب المنطقة، والأهم من ذلك كله، دحر إيران الشيعية. والحرب في اليمن، كما يقول، هي أول تطبيق لمبدأ «سلمان».

وقبل سنوات اقترح «خاشقجي» تشكيل تحالف مع تركيا لوضع حد للحرب الأهلية في سوريا. «لقد ضحكوا سخرية مني في ذلك الوقت»؛ هكذا قال «خاشقجي». وسألني وقتها شخص بدافع السخرية عن ما إذا كنا نسعى لتحرير فلسطين بهذا التحالف. «واليوم لا أحد يضحك». ففي ظل حكم «سلمان» يبدو أن هذا التحالف أصبح مجرد حقيقة واقعة.

ولا يستطيع «خاشقجي» أن يصف المملكة على أنها قوة حفظ سلام. ومع ذلك فإنه من الواضح أن الصدع بين الرياض وطهران أعمق من أي وقت مضى. وعززت المملكة نفوذها بين أعضاء تحالفها العسكري السني حصرا، ولكن حدث أن تفاقم الصراع مع إيران بسبب الحرب في اليمن، ما عمق الانقسامات الدينية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط. وهذا يطرح مشكلة بالنسبة لبقية العالم، فطالما أن السنة والشيعة، وقادتهم البارزين في المملكة العربية السعودية وإيران لا يتحدثون مع بعضهم البعض، فلن يكون هناك سلام.

وطالما بقي العالم العربي واحدا من المناطق الأكثر تخلفا في العالم، فإنه سيواجه فشلا محققا في الخروج من الأزمة العميقة. ولكي يحدث ذلك، فإن التناقض الحاد بين الثروة المتشددة في دول الخليج والفقر في إفريقيا عليه أن ينحسر، جنبا إلى جنب مع اليأس في أجزاء كبيرة من بلاد الشام والكارثة الإنسانية في اليمن وسوريا.

وحتى الآن؛ فإن المملكة العربية السعودية، التي لديها معدل دخل للفرد أعلى من العديد من الدول الأوروبية، لا تحتاج أساسا للتفكير في نموذجها الاقتصادي. ولم تؤثر ثورات الربيع العربي على قيادتها أو حتى تطالهم بأي سوء، تماما كما حدث مع أنظمة مجاورة في البحرين وسلطنة عمان. ولقد كان ذلك بسبب لجوء الحكام في السعودية إلى توزيع منح وعطايا في جميع أنحاء البلاد تحت مسمى الرعاية الأبوية من الملك. وكان الترتيب غير المعلن هو شراء الطاعة بالمال.

ولكن هذا العقد الاجتماعي منذ فترة طويلة يقترب من نهايته. فالسكان، البالغ عددهم حوالي 30 مليون نسمة اليوم، ينمون بسرعة كبيرة، ويمكن أن يصلوا إلى 45 مليون نسمة بحلول عام 2050. وفي الوقت نفسه؛ فإن سعر النفط انخفض من 140 دولارا للبرميل إلى حوالي 60 دولارا في السنوات السبع الماضية. وتقوم أمريكا الشمالية حاليا بإنتاج الصخر الزيتي، ويمكن لإيران أن تعود بقوة إلى سوق النفط العالمية، ما يجعل التوقعات تصب في تراجع أكبر لأسعار النفط. وتحتاج الرياض إلى سعر نفط ليس دون الــ 100 دولار أمريكي للبرميل للحفاظ على ميزانية متوازنة.

مستقبل النفط

تقع وزارة النفط في مبنى متواضع في مدينة الرياض، مواجهة لمباني شاهقة تتميز بالشكل الجمالي، بينما مبنى الوزارة يغلب الطابع النفعي على الطابع الشكلي الجمالي. كل شيء داخل الوزارة يشبه العمل في حقول البترول، وحتى المصعد الموجود بالداخل أشبه ببرميل نفط. المبنى في مجمله أشبه ببنك أو مستشفى.

ويحتل «إبراهيم المهنا»، مستشار مقرب من وزير النفط السعودي «علي النعيمي»، مكتبا كبيرا في الزاوية. وعلى عكس الوزير الذين كل كلمة منه يمكنها أن تؤثر على مليارات الدولارات في أسواق السلع الأساسية، فإنه يمكن التحدث مع «المهنا» بحرية أكثر. وبالنظر إلى أن النفط كان دائما عنصرا أساسيا في السياسة السعودية، فإنه على دراية واسعة عن الوجهة التي تسلكها البلاد. 

«ينسحب الأمريكيون من الشرق الأوسط في الوقت الراهن. وإذا تركوا وراءهم فراغا في المنطقة، فحتما سيأتي شخص آخر ليملأه»؛ بحسب «المهنا». ويضيف أن هناك ثلاث دول قد تفعل ذلك؛ تركيا أو إيران أو المملكة العربية السعودية. ويتابع بأن المملكة هي الأقوى بين الثلاثة في الوقت الراهن؛ لأنها تمتلك أكبر عدد من الحلفاء.

وعاصر «المهنا» في منتصف الستينيات الكثير من الحروب والأزمات التي جعلته غير منزعج من الفوضى في سوريا، وتفكك العراق وتراجع مصر. لم تتغير نظرته للعالم؛ حيث يقول: سوف تبقى السعودية مستقرة بغض النظر عن مدى عمق الفوضى التي تغرق فيها منطقة الشرق الأوسط. «لقد تم تزويد العالم بالنفط على مدى السنوات الــ 60 الماضية. الطلب في أوروبا آخذ في الانخفاض، واكتشفت الولايات المتحدة احتياطيات من النفط الصخري، ولكن أسواقنا في الصين والهند وإندونيسيا آخذة في النمو». وتصدر السعودية ثلاثة أرباع نفطها إلى آسيا في الوقت الحاضر.

ولم تسلم وزارة النفط هي الأخرى من عملية تغيير الأجيال. وينظر إلى الابن الرابع للملك «سلمان» كخليفة محتمل للوزير، والذي هو في منصبه منذ عام 1995. وأعلنت البلاد مرارا وتكرارا، وحتى الآن لم تنجز وعدها بتغيير جذري لنموذج أعمالها بتقليل اعتمادها على النفط. ولا تزال الحكومة تجني 90% من عائداتها من صادرات النفط.

وحتى يومنا هذا؛ فإنه لدى المملكة العربية السعودية حوالي ثمانية ملايين عامل أجنبي، أو ما يقرب من ثلث السكان. ولا تستطيع المملكة إنجاز أي شيء بدون هذا العدد الضخم من الأجانب. وحتى قبل بضع سنوات؛ كان غالبية السعوديين يفضلون العمل الحكومي ويلجئون إليه، ولكن الآن بالكاد يمكن للمملكة تحمل مثل هذه البيروقراطية الكبيرة. كثير من الشباب عاطلون عن العمل، بينما يعمل المواطنون كبار السن في المكاتب والقصور الفخمة الحكومية.

وقامت معظم البلدان المجاورة بعمليات تطوير للاقتصاد، وتحركت نحو القضاء على الاعتماد الكامل على النفط. وتركز دولة الإمارات العربية المتحدة على الخدمات اللوجستية والطيران والتجارة، في حين أن سلطنة عمان وقطر تشجعان السياحة.

وتخلت المملكة العربية السعودية عن الشواطئ والصحارى الرائعة والمعالم القديمة، ولكن هذه المعالم بالكاد يتم استغلالها أو تسويقها. وتستثمر المملكة مليارات الدولارات في بنيتها التحتية، وتخطط لتطوير صناعتها وجذب الشركات الأجنبية. ومع ذلك؛ فإن هذه التطورات لا تزال في مراحلها المبكرة، وهناك عقبات بيروقراطية كبيرة تحتاج للتغلب عليها. ويمكن للمملكة العربية السعودية أن تظل معتمدة على النفط لفترة طويلة قادمة.

ويقول «المهنا»: «لقد تم الحديث عن نهاية عصر النفط على مدى عقود. نعم ... ذلك سيحدث في يوم ما، ولكن ليس في السنوات الــ 10 أو الــ 20 المقبلة». «آخر قطرة من النفط سوف تأتي من بلده، كما يقول. إنها رسالة ثقة، ولكن ليست رسالة تغيير».

وفي يوم ربيعي بعد حوالي ثلاثة أشهر من اعتلائه العرش، قام الملك «سلمان» بزيارة إلى الدرعية على مشارف الرياض. وتم اختيار الدرعية، العاصمة الأولى للدولة السعودية، كأحد مواقع التراث العالمي لليونسكو منذ خمس سنوات. وفي يوم زيارته؛ أعلن الملك «سلمان» اعتزامه إنفاق الملايين لإعادة بناء المباني القديمة المبنية بالطوب اللبن في البلدة. وكانت الميزانية الإجمالية للمشروع 500 مليون دولار. وتوقعت الحكومة أن الدرعية سوف تجذب عشرات الآلاف من الزوار في غضون عامين بعد الانتهاء من أعمال التجديد.

منذ حوالي 270 عاما، في الدرعية،شكلت قبيلة آل سعود تحالفا مع عشيرة رجل يدعى «محمد بن عبد الوهاب». كان واعظا دينيا مؤثرا أعلن أن أي شيء انحرف مساره عن التفسير الصارم للقرآن الكريم هو عمل من رجس الشيطان. نهى المسلمين عن الاستماع إلى الموسيقى وتقديس الأشخاص أو تأليه المعالم. لقد كان «محمد بن عبدالوهاب» هو المؤسس للعقيدة الوهابية، عقيدة الدولة الجامدة و«تكفير» الثقافة، والتي لا تتورع عن وصم من لا يلتزمون بمثل هذه القواعد بالكفر ومن ثم يجب قتالهم وقتلهم. هذا هو الجوهر اللاهوتي السام الذي يربط الوهابية بالجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة والجماعة التي أعلنت رفعها راية الخلافة؛ «الدولة الإسلامية». 

وتمثل عائلة «آل سعود» التأسيس الدنيوي للمملكة العربية السعودية، بينما تشكل الأيديولوجية الوهابية نخبتها الدينية؛ وذلك هو الميثاق والاتفاق الذي شهدت عليه الدرعية. وحتى صدمة هجمات 11 سبتمبر/أيلول  2001 على الولايات المتحدة، بالنظر إلى أن 15 من بين 19 مهاجما كانوا سعوديين، لا يمكنها أن تقضي على هذا التحالف.

عندما ينتقد الساسة الغربيون ونشطاء حقوق الإنسان المملكة لعدم السماح للمسيحيين ببناء الكنائس هناك، أو حتى إظهار الرموز المسيحية بشكل علني، فإن  الدبلوماسيين السعوديين غالبا ما يلجئون إلى المقارنة، ويقولون إن بلادهم ليست دولة بالمعنى التقليدي. فبصفتها مقرًا للحرمين الشريفين، كما يرددون، فإن المملكة العربية السعودية يجب أن يُنظر إليها على أنها لا تختلف عن الفاتيكان. هذه نظرة البلاد لنفسها، كما أنها لا تتسامح عمليا مع أي معارضة، ليس فقط تجاه المسيحيين، ولكن حتى مع أعضاء الجماعات الإسلامية التي يختلف تفسيرها للإسلام عن التفسير الوهابي. (الصورة: مسجد الإمام محمد بن عبدالوهاب، الدرعية القديمة - الرياض)

إن أي سلوك يحيد عن الإجماع في المملكة يجد العقوبة الصارمة بانتظاره، والفصل بين الجنسين هي سياسة وطنية عامة. ومع ذلك؛ فقد بدأ الشباب السعودي تبني مجموعة واسعة من أنماط الحياة. ولأنهم يسافرون ويجوبون دول العالم المختلفة، ويستخدمون الإنترنت، ويشاهدون القنوات الفضائية، فقد بدأ الشباب يتساءل عن سبب حظر بلادهم لتلك الأشياء التي يسمح بها في دول إسلامية أخرى؛ مثل مصر وإندونيسيا.

السماح بالتعدد  والتنوع يعني النأي عن غموض المذهب الوهابي، وسوف يتطلب شجاعة للتعامل مع الزعماء الدينيين. ولكن الملك «سلمان» لم يبد أي رغبة في تغيير الاتفاق الذي شهدته الدرعية  أو المساس به، بل على العكس تماما. كان سلفه الراحل «عبد الله» إصلاحيا حذرا روّج لتحديث نظام التعليم وتعليم المرأة. وقام بعزل اثنين من الباحثين القانونيين الأكثر تطرفا الذين كان يعارضون الإصلاحات، وأطلقوا فتاوى بقتل أي منتج تليفزيوني ينتج موادا «غير أخلاقية». جدير بالذكر أن الملك الحالي أعادهم إلى مواقعهم.

لقد عين «سلمان» رئيسا لهيئة الأمر بالمعروف شديد التشدد، والذي يوصف بكونه من أولياء الوهابية. وارتفعت حالات الإعدام بشكل حاد تحت حكم «سلمان». وتم قطع رأس ما لا يقل عن 90 شخصا منذ بداية العام، أي أكثر من إجمالي العام الماضي. وتم تأكيد العقوبة القاسية ضد المدون الليبرالي «رائف بدوي»، والذي حكم عليه بالسجن عشر سنوات في السجن وألف جلدة بتهمة «إهانة الإسلام».

ويقول أحد مستشاري الملك السابق إن «سلمان» يريد «توسيع الخيمة مرة أخرى، حتى أن الجميع يجد مكانا تحتها لتظلله. هذه الخيمة، على ما يبدو، ترحب فقط بالأفراد الذين عندما يتعلق الأمر بمستقبلهم يبحثون فقط في دهاليز الماضي».

متمرد مع تناقضات

زيارة مع «محسن العواجي» تؤكد مدى الصعوبة والتناقض الذي عليه اتفاق الحكام مع الوهابيين. ويتكون جدار واحد في مكتب منزله في ضواحي الرياض من 12 شاشة كبيرة. إنها تنقل، في الوقت الحقيقي ومن كل زاوية، صور أي شخص يقترب من المنزل. «أريد أن أكون مستعدا»؛ هكذا يقول «العواجي» ضاحكا، «عندما يأتون لأخذي مرة أخرى».

لقد جاءوا وأخذوني عدة مرات بالفعل من قبل، وبقيت عندهم شهرين أو ثلاثة أشهر في المرة الواحدة. وإجمالا؛ قضى «العواجي» عدة سنوات في السجن. وفي الآونة الأخيرة، تم حبسه لمدة 11 يوما عندما أسقط الجنرالات في مصر حكم الإخوان المسلمين. 

ويتعاطف «العواجي»، صاحب الروح المرحة والدعابة الحاضرة مع جماعة الإخوان المسلمين، وليس هو الوحيد في المملكة الذي يتفق مع مطالب الجماعة. وأضاف «نريد برلمانا منتخبا، وقضاء مستقلا وتوزيعا أكثر عدالة للدخل». ومن ضمن أحلامه؛ أن تتحول المملكة إلى ملكية دستورية يوما ما. «نحن مجتمع قبلي، وهذا هو السبب في حاجتنا إلى العائلة المالكة في هذا الوقت، ولكن هذا لا يعني أننا نحبهم».

وتعد أفكار «العواجي» خطيرة للعائلة المالكة، خصوصا عندما يعلنها على شاشة التلفزيون كما يفعل غالبا. النظام السائد في المملكة العربية السعودية هو النظام الملكي المطلق، فالملك لديه القول الفصل في كل من السياسة الخارجية والداخلية، ويعين أعضاء مجلس الشورى، كما يسيطر رجال الدين على السلطة القضائية.

ومع ذلك؛ فإن «العواجي» أيضا جزء من النظام، مع كل تناقضاته. ينتقد العائلة المالكة، لكنه ملتزم بما تقوله المؤسسة الدينية التي تقوم عليها المملكة، ودائما ما يردد «أنا وهابي».

وبصفته داعية؛ فقد كان يجمع المال منذ الثمانينيات في القرن الماضي لإرساله إلى المجاهدين في أفغانستان وزعيم تنظيم القاعدة السابق «أسامة بن لادن». وهو يعمل الآن نيابة عن السلطات، ويقنع الجهاديين بتسليم أنفسهم للشرطة. كما أنه رجل أعمال كثير السفر، وقد التقاه دبلوماسيون غربيون لفهم كيف يفكر السعوديون.

ومن الصعب أن أشرح، حتى بالنسبة للعواجي، كيف أن كل هذا يتناسب ويتسق مع بعضه. ويقول إن أبناء وطنه، وخاصة أبناء الأسر التقليدية، يعيشون حالة من الاضطراب والخلط. «لسنوات؛ قيل لهم كيف أنه من الشرف أن تجاهد ضد الكفار وضد أعداء الإسلام». وكان هناك تراجع حاد بعد 11/9. «والآن أدركنا فجأة أنه كان علينا أن نحافظ على أفواهنا مغلقة عندما كان قائدو طائرات الهليكوبتر الأمريكية من طراز أباتشي يطاردون الشباب العراقيين مثل البط. والآن أيضا من المفترض أن نبقى صامتين بينما الفرس وعملائهم يضطهدون إخواننا السنة، ويستخدمون الغازات السامة في دمشق، ويسقطون البراميل المتفجرة على حمص، ويخرجونهم من ديارهم في صنعاء».

ويضيف «العواجي» أن تنظيم القاعدة استفاد من هذه التناقضات المختلفة في السابق، و«الدولة الإسلامية» تفعل نفس الشيء اليوم. ربما انضم مئات الآلاف من السعوديين إلى الجماعة الإرهابية في سوريا والعراق، والآن هم يتحولون ضد المملكة نفسها. وفي أواخر شهر مايو/أيار الماضي، هاجم انتحاريان مسجدا شيعيا في الجزء الشرقي من البلاد، ما أسفر عن مقتل 30 شخصا.

ويقول «العواجي» إن على الملك أن يتغلب على كل هذا يوما ما. «المملكة العربية السعودية جزء من المجتمع الدولي، وهذا شيء جيد، ولكن هذه الدولة تأسست على أساس غير أساس المجتمع الدولي: إنه الإسلام في أصله النقي». هو لا يغبط القيادة الجديدة بشأن مهمتها. يقول العواجي «لا أعرف كيف يمكن حل هذا التناقض». 

  كلمات مفتاحية

السعودية الوهابية اليمن الملك سلمان الدولة الإسلامية محمد بن سلمان آل سعود

هل يمثل الأمير «أحمد بن عبد العزيز» تهديدا لخط الخلافة الحالي في المملكة؟

السعودية: رؤية الملك «سلمان» أشد محافظة والسعوديون يحبونه لذلك

«بلومبرج»: نجم ”الفتى الذهبي السعودي“ يتصاعد .. والمملكة تغير استراتيجيتها في المنطقة

«فورين بوليسي»: الملك «سلمان» رجل محافظ في عجلة من أمره

كيف يمكن أن تؤثر عودة ”السديريين“ على السياسة الخارجية السعودية؟

الدولة السعودية الرابعة .. تحديات صعبة وملفات شائكة