كيف يمكن أن تؤثر عودة ”السديريين“ على السياسة الخارجية السعودية؟

الخميس 5 فبراير 2015 09:02 ص

تعد السعودية واحدة من أهم الدول في العالم وذلك لعدة أسباب منها البعد «الجيواقتصادي»، فهي صاحبة أكبر مخزون نفطي في العالم وفي نفس الوقت هي المصدر الأكبر للنفط والأكثر تأثيرا في منظمة «أوبك»، ويذكر في هذا الإطار أن المملكة تعلب دوراً كبيراً في موجة الانخفاض في أسعار النفط التي بدأت في منتصف العام 2014 وأثرت على عدة دول منها روسيا وإيران.

أما على البعد «الجيوثقافي»، فتكتسب السعودية أهميتها من كونها مهد الإسلام، وفيها أعظم مقدسات المسلمين في مكة والمدينة، وإليها يحج قرابة 1.5 مليون سنويا ويعتمر أضعافهم. وهي تحتضن السياحة الدينية وتستفيد منه هذا ثقافيا واقتصاديا.

وتعد السعودية من أهم الدول في الإقليم وفي المنطقة العربية ويبدو القول المأثور الذي يتم تداوله هنا صحيحا: «لا حرب بلا مصر ولا سلم بلا سوريا، و بدون السعودية لا يوجد تطبيع».

وبفضل إمكاناتها فإن الرياض تعد لاعباً أساسيا في المنطقة سواء كانت طرفا أو وسيطا في أي مسألة، وتحديدا من خلال أدواتها الاقتصادية. ومثال على هذا دورها في مصر، فبعد تنفيذ الانقلاب منتصف 2013 قامت السعودية بدعم النظام بمليارات الدولارات والتي مكنته من الوقوف علىى قدميه ومنعت انهياره.

ومع تقدم الإخوان المسلمين في ليبيا، تم دعم «حفتر» في مقابلهم والذي أدى إلى عدم استقرار البلد ومن ثم أصبحت ليبيا تعيش انقساما حقيقيا بين قوتين متنافستين.

وكذلك، فإن الرياض أصبحت عضوا في مجموعة العشرين وتأتي في المرتبة الثانية بعد تركيا كدولة مسلمة.

ولما تقدم من أسباب اقتصادية وسياسية وثقافية فإن أي تغيير في نظام الحكم أو السياسة السعودية ينعكس بشكل مباشر على القضايا الإقليمية والدولية .

كذلك فإن تغير الحكم في السعودية مهم جدا لدول مثل تركيا وإيران والولايات المتحدة التي  كانت تتعامل المملكة مع كل منها على حدة بسياسات مختلفة.

الملك «عبد الله»

بسبب معاناة الملك «عبدالله» من الأمراض منذ فترة، وتعرضه لـ3 عمليات جراحية على الأقل في السنوات الأخيرة فإن موضوع مستقبل الحكم في المملكة تمت مناقشته كثيرا، وهذا ليس في عهد الملك «عبدالله» فحسب فقد تم مناقشته في السابق أيضا وهو أمر طبيعي.

 بعد وفاة الملك «فهد» الذي جاء للعرش في 1982، وتوفي في 2005 حل مكانه الملك «عبدالله»، الذي كان القائد الفعلي منذ مرض الملك فهد في 1995. ولهذا فإن «عبدالله» قاد البلاد 10 سنوات حتى عام 2005 بشكل غير رسمي، وقادها كملك عشر سنوات أخرى إلى أن جاءته الوفاة في 2015.

وقد وضع الملك «عبدالله» أخاه غير الشقيق الأمير «سلطان» وليا للعهد في 2005، ولكن الأخير توفي في 2011، فوضع أخاه «نايف» الذي توفي في 2012 حتى جاء الدور على الأمير «سلمان» والملك الحالي.

وقد عرف عن الملك «عبد الله» بأنه قائد إصلاحي قام باتخاذ عدد من القرارات الإصلاحية فيما يتعلق بحقوق المرأة والشورى وانتخاب المرأة للبلديات والغرفة التجارية وحقوق تمثيلها في الشورى وكذلك أعطى بعض التسهيلات للأقلية الشيعية.

أما السياسة الخارجية في عهده فقد كانت شاملة ومتعددة الأبعاد، واتخذ عدة خطوات منسجمة مع المجتمع الدولي، وانضمت الرياض في عهده لمجموعة العشرين ومنظمة التجارة العالمية وعلى عكس بقية الملوك فقد خرج في جولات خارجية إلى الشرق والغرب لأهداف مختلفة، منها أهداف براغماتية صرفة وأخرى تتعلق بالحوار والتنسيق فقد زار فرنسا وألمانيا وأسبانيا وإيطاليا وروسيا والهند والصين وباكستان، كما زار الملك الراحل تركيا مرتين في 2006 و2007 وكان أول ملك سعودي يزور تركيا.

بعد وفاة الملك تم مبايعة الأمير «سلمان» ملكا والأمير «مقرن» وليا للعهد، وقد كان «مقرن» وليا لولي العهد فوضع الملك الجديد مكانه الأمير «محمد بن نايف».

وقد ذكر أن الملك الجديد أيضا يعاني من أمراض وبسبب تقدمه في السن (81 عاما)، وبسبب صحته المتردية فإنه سيواجه مشاكل في القدرة على إدارة البلاد.

وقد عاش الملك «عبد الله» شيئا من هذا القبيل، فقام بتعيين ولي لولي العهد واختار أصغر أبناء الملك «عبدالعزيز» وهو «مقرن»، ولكن «مقرن» يعرف عنه أنه شخصية محايدة وغير مؤثرة كثيرا، لذا فإنه من المرجح أن الذي سيقود البلد حاليا هو الأمير «محمد بن نايف».

مع وفاة الملك عاد السديريون للتأثير من جديد، فالملك نفسه سديري، وولي ولي العهد سديري، ووزير الدفاع هو ابن الملك وهو من السديريين، وهذا يجعلنا نقرأ أن السديريين عادوا من جديد. أما موضع «مقرن» فإنه يمكن قراءته بين قوسين وربما سنرى في الأيام القادمة تغييرا في الخطوط التقليدية التي وضعها الملك الراحل.

لقد تم تعيين الأمير «مقرن» في اجتماع هيئة البيعة من قبل الملك في مارس 2014 وليا لولي العهد، وقد أثار تعيينه عدة انتقادات ففي بداية تعيينه تم مدح بعده عن الفساد ثم أثيرت حوله صورة سلبية. ومن الأمور التي أثيرت حوله الجدال حول سبب استحداث منصب ولي ولي العهد، أما الأمر الاخر السلبي في حق «مقرن» وهو في أن أمه كانت جارية يمنية تزوجها الملك «عبد العزيز»، الذي تزوج قرابة 22 زوجة. أما الأمر الثالث فإن تعيين الملك «عبدالله» لـ«مقرن» كان فقط لتمهيد الطريق لابنه الأمير «متعب» للوصول إلى العرش. وأخيرا الحديث عن شحصية «مقرن»، وكونه في حال وصل إلى الملك سيكون أضعف ملك وصل إلى قيادة المملكة.

ولما سبق، ولكون «مقرن» لا يتمتع بنسب جيد من ناحية أمه، فإن هذا الأمر يجعل الطريق أمام وصول «مقرن» للعرش صعبة وربما يتم تحديد الكثير من صلاحياته ليأخذها الأمير «محمد بن نايف» الذي جاء به السديريون إلى مراكز التأثير.

حتى الآن، كان الملك ينتقل من أخ إلى أخيه، وفي العادة كان يأتي الأخ الأكبر، ولكن «عبد الله» وضع «مقرن»، وهو الابن الأصغر لـ«عبد العزيز»، وليا لولي العهد، ولا تكمن المشكلة في هذا، ولكن في أنه لا يوجد  أصغر سنا من «مقرن» بمعنى أن الجيل الثاني والثالث هو من سيحكم وأن أحفاد الملك سيأتون لأول مرة ربما عن طريق «محمد بن نايف» و«محمد بن سلمان».

في عهد الملك «سلمان»، يفتح المجال لأول مرة للأحفاد أن يتقدموا لمسيرة القيادة العليا، ويذكر أن أعداد الأمراء كبيرة، وسيخلق التنافس بينهم قدرا من المشاحنة قد تسبب مشاكل في الوضع الداخلي للعائلة الحاكمة وبالتالي لسياسة المملكة بشكل عام. وسيؤخذ في الاعتبار نسب الأمهات للأمراء فقد تزوج الملك «عبدالعزيز» من 22 زوجة وسيكون مهم معرفة نسب الأم. فمثلا كانت أم الملك «فيصل» تنسب لمؤسس الدعوة الوهابية «محمد بن عبد الوهاب». والأخوة السديريون السبعة ينسبون لحصة السديري وهي ابنة لإحدى أقوى القبائل، وكذلك أم الملك الراحل كانت من قبيلة شمر إحدى القبائل القوية أيضا.

وقد تبوأ السديريون مناصب هامة، فقد كان منهم الملك «فهد»، والملك الحالي «سلمان»، و3 تولوا منصب ولي العهد وتقلدوا مناصب حساسة ورفيعة في الدولة وكانوا يضعون أبنائهم فيها من بعدهم أو في مناصب أخرى مهمة. فمثلا وضع الملك «سلمان» ابنه «سلطان» نائبا لوزير الخارجية «سعود الفيصل» الذي عمل في هذا الموقع لمدة 40 سنة.

يقدر عدد أفراد العائلة المالكة في السعودية بـ7 الاف، وهو عدد كبير جدا، لذا فمع مجئ الجيل الثالث فإن الأمور ستصبح أكثر تعقيدا، وما لم يتم ضبط الأمور بأشكال أكثر مؤسسية لعملية انتقال الحكم فإن السعودية ستعاني من مشاكل داخلية خارجية.

وربما يتم اللجوء لمجلس البيعة الذي أنشأه الملك «عبدالله»، ويعتقد أن الأمراء الشباب لن يقبلوا بتهميشهم؛ حيث أن الأمراء السابقين شغلوا في مناصبهم لسنوات طويلة حتىأ اغلب الأمراء الشباب لم تعرف هوياتهم أو شخصياتهم وقدراتهم.

الملك الجديد

مع مجئ الملك «سلمان»، قام الملك الجديد ببعض التغييرات منها إقالة «التويجري»، الذي كان رئيس الديوان الملكي والشخص المقرب من الملك الراحل، ويعتقد أن هذه الخطوة سيكون لها ما بعدها من انعكاسات في سياسة المملكة داخليا وخارجيا.

على جانب آخر، فإن المملكة تواجه حاليا وضعا في غاية الهشاشة في الجوار الاقليمي في اليمن والعراق وسوريا، لذا فإن سياساتها تحتاج للتوازن من قبل الملك الجديد وفريقه وخاصة مع عودة السديريين الذين قد ينظروا للأمور من جانب مختلف نوعا ما عن السابق.

يحدق بالسعودية خطر عودة الآف الشباب من أصحاب الفكر المتشدد الذين كانوا مع داعش أو في العراق وغيرها، وهو ما يهدد البيئة الاجتماعية في المملكة، ومع دخول الإعلام الاجتماعي والقنوات التي تنتقد العائلة الحاكمة، فقد تنشأ مشكلات داخلية تؤثر في التوازن الداخلي.

أيضا ربما تشهد السياسة السعودية تغييرا في التعامل مع الإخوان، حيث لن تنظر لهم كأعداء، كما أن السياسة المتشددة التي اتبعها «بندر بن سلطان» في سوريا قد تتغير إلى تحسين العلاقات مع الجيش الحر وهذا بالتالي سينعكس على العلاقات مع تركيا بشكل ايجابي.

كما أن العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب هي أيضاً في سياق التغير أيضا بسبب التقارب الأمريكي الإيراني،  في ظل تهديدات أيضا للملكة في اليمن والعراق وموضوع الإرهاب ليس على الرياض فحسب بل على كل دول الخليج.

لذا فٌإن عملية إعادة التوازن لسياسة السعودية الداخلية والخارجية بعد الملك «عبد الله» سيكون مهم، وستتم متابعتها بشكل حثيث في القضايا الإقليمية والدولية.

 

* محي الدين أتمان، بروفيسور في جامعة يلدرم بايزيد التركية

المصدر | محي الدين أتمان، مركز الدراسات السيسية والاقتصادية والاجتماعية (سيتا)

  كلمات مفتاحية

السديريون الملك سلمان محمد بن نايف خلافة الملك عبدالله

«واشنطن بوست»: «محمد بن سلمان» العقل المدبر وراء الأوامر الملكية الأخيرة

الملك سلمان.. وأسئلة المرحلة

مركز «بيجن»: ماذا تعني عودة ”السديريين“ في السعودية؟

ثلاثي القوة السعودي الجديد

الملك الجديد وتصفية تركة سلفه

بعد رحيل الملك «عبدالله» .. 4 رجال يتصدرون المشهد في المملكة العربية السعودية

عودة ”السديريين“: «بن نايف» وليا لولي العهد .. و«بن سلمان» وزيرا للدفاع ورئيسا للديوان الملكي

السعودية: الموافقة على استجواب وزير الخارجية «سعود الفيصل» في «مجلس الشورى»

«فورين بوليسي»: الملك «سلمان» رجل محافظ في عجلة من أمره

ملامح السياسة الداخلية والخارجية للسعودية في عهد الملك «سلمان»

«محمد بن زايد» يصل الرياض بعد فترة من ”الانتظار“!

المملكة الجديدة: التحول المتناقض للمملكة العربية السعودية

إعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية السعودية

ثلاثة ملامح رئيسة للسياسة الخارجية السعودية

من هو نايف السديري السفير السعودي الجديد لدى فلسطين.. وماذا يعني تعيينه؟