إعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية السعودية

الأربعاء 22 يوليو 2015 11:07 ص

من خلال مطالعة ما نشر في الأيام الأخيرة وتحديدا بعد إعلان الاتفاق النووي مع إيران حول زيارة وفد حماس بقيادة «خالد مشعل» للسعودية ولقاء صحيفة السفير مع الكاتب الصحفي «محمد حسنين هيكل» وخطاب «خامنئي» غداة عيد الفطر والأعمال الصحفية لعدد من الكتاب الخليجيين والمصريين يمكننا الوقوف على عدة نقاط من أهمها أن هناك قناعات لدى الأطراف الفاعلة في المنطقة أن هناك تبدلا يحدث في أولويات السياسة الخارجية السعودية.

لقد كانت السعودية تستشعر التنافس مع إيران دائما وكانت واشنطن تغذي هذا الشعور بشكل كبير، وفيما كانت الرياض منشغلة بما كان يزين لها  من الإمارات ومخابرات عربية أخرى أن التغيير المصاحب لثورات الربيع العربي في المنطقة هو المهدد الأول الذي يستهدفها ويسعى لزعزعة استقرارها ويزحف إليها لا محالة، كان الأمريكان يطبخون على نار هادئة في مكان آخر صيغة الاتفاق مع إيران.

إيران هي الاخرى كانت مدركة لهذا الانشغال، وبالرغم من انشغالها هي الأخرى في الدعم اللا منقطع للأسد في سوريا كانت مستمرة في التغلغل في عدة بلدان عربية مثل لبنان والعراق واليمن وما زالت تحاول في البحرين وفلسطين وغيرها وقد بدا الحرص على الاستمرار بهذه السياسة   بشكل واضح في كلمة  مرشد الثورة الإيرانية «علي خامنئي» في خطبة عيد الفطر .

لقد كان لسيطرة الحوثيين على عدة محافظات في اليمن من ضمنها العاصمة صنعاء دورا مهما في إعادة تحريك دولاب أولويات السياسة الخارجية السعودية أو أجراء تغييرات فيه خاصة بعد تغييرات داخلية على مستويات كبيرة مثل الملك وولي العهد ونائبه وعدد من المسئولين واستبدالهم بآخرين كانت لهم علاقات جيدة مع الرئيس اليمني  المخلوع «صالح» ومع القيادة الاماراتية والجيش المصري.

ومن هنا فإن إيران باستمرار تعتبر نفسها خصما للسعودية وتعد للمواجهة معها في كل وقت بل قد تقدمت من خلال الخطط الاستباقية التي تسيطر من خلالها على عدة عواصم عربية، لكن الذين يرون أنفسهم قد يخسرون بشكل رئيس  من أي تبدل في أولويات الرياض هم مصر والإمارات وبعض الجهات التي يدعمونها في تونس وليبيا وأماكن أخرى، وربما أيضا السلطة الفلسطينية التي تدعم الإمارات خصمها «دحلان» وتفتح الرياض أبوابها مجددا لحركة حماس.

لذلك فإن هؤلاء يدركون أن السعودية تريد حشد كل الجهود الدولية والشعبية بما فيها الحركات الإسلامية لمواجهة التمدد الإيراني لكنهم يخافون أن يكون هذا على حسابهم ويحاولون الضغط بكل الوسائل لمنع هذا حتى لو أخذت إيران كل المنطقة ويضعون في حسابهم أن السعودية إذا صممت على هذا الخيار أن يكون هذا في أضيق نطاق بحيث تكون العملية مؤقتة ولا تستفيد الحركات الإسلامية من هذه التغييرات.

ويريدون أن تبقى الحركات الاسلامية عدوة للسعودية ولو بدرجة أقل في أصعب الظروف وتعود بسرعة إلى سلم أولويات العداء وإلا فإنهم يستخدمون أسلحتهم في مواجهة هذا وسيستخدمون أسلحة أخرى مع فرضية استمرار الرياض في هذا الخط.

أحد الأسلحة التي تستخدمها هذه الاطراف هي التشويه مثل الادعاء بأن قرارات القيادة  السعودية ساذجة وأنها تقوم بمغامرات هناو هناك وغير ناضجة كما فهم من  تصريحات «هيكل» و«عبد الخالق عبد الله» و«ضاحي خلفان»، أو ايقاع الوقيعة  بين السعودية والحركات الإسلامية مثل القول أن السعودية تريدهم كأدوات لأهدافها، والعمل على منع التقارب من خلال التذكير بمواقف سابقة مثل إحياء قضية فشل اتفاق مكة والوقوف عثرة أمام كل إجراءات التقارب.

أما السلاح الآخر فهو التلويح بالتقارب مع إيران وروسيا ووكلائهم في المنطقة  للضغط على السعودية بالقبول بما يريدون وإلا يتركون السعودية ويراكمون معضلاتها من خلال التوجه نحو إيران وروسيا .

ومثالا على ما سبق علاقات الإمارات مع «صالح» وأولاده وتهنئتها لإيران بالاتفاق النووي وما نشر عن علاقات مصرية إيرانية سرية، وحديث «هيكل» الموغل في الإطراء لإيران و«حزب الله»، الذي تنكر فيه لأفكاره القومية بشكل مبتذل والذي ينم عن توجه حقيقي نحو إيران، ثم انتقاداته للقيادة السعودية و الحديث عن خطط للحل في سوريا بالتعاون مع الحكومة العراقية تكرس بقاء «الأسد».

ويضاف إلى ما سبق الفيتو المصري والإماراتي على تقارب سعودي تركي، وبالتالي فإن السعودية في مواجهتها مع إيران بين أن تتجه إلى محور يضمها مع تركيا وقطر والحركات الإسلامية أو تبقى في وضعها الحالي، أو تجد صيغة خارقة تضم العالم السني المنقسم إلى صفها وهذا صعب جدا.

لذا فإن السعودية تعيش معركة في تحديد أولويات سياساتها الخارجية وتحدي الثبات عليها وتعيش معارك تزداد وتيرتها تدريجيا مع الجهات التي تشعر أنها تخسر من تغيير مرتقب بشكل أكبر في السعودية.

وقد تدخل في هذه المعركة أسلحة قذرة يتم من خلالها القيام بأعمال تخرب على المنطقة تحت مسميات مختلفة منعا لإحداث أي تغيير وربما يتم بعض من هذا تحت غطاء تنظيم الدولة ولكن لا يوجد على هذا أدلة ملموسة سوى النظر إلى  الأطراف المستفيدة من ورائها.

وحتى لا نكون مبالغين فإن التغييرات التي تحدث ببطء في سياسة الرياض خاصة تجاه الحركات الإسلامية ليست جوهرية ولكنها مهمة وفي تصاعد والأهم إدراك السعودية أن سياستها في الأعوام السابقة لم تجلب لها أي فوائد بل على العكس والشواهد على ذلك أكثر من أن تعد ومنها الاتفاق مع إيران وعدم ضرب الأسد والمراوغة الأمريكية تجاه ما يجري في اليمن وخيانة «صالح» للرياض وتحوله من حليف إلى عدو وهذا ما تخشاه الرياض أن يتخلى عنها من دعمت سياساتهم وتوجهاتهم في السابق ليصبحوا من أشد أعدائها في ظل ارتفاع نبرة التهديدات وتزايد الخلافات.

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران مصر علي صالح اليمن الإمارات روسيا الملك سلمان الإخوان حماس

«هيكل»: «سلمان» ليس حاضرا والصغار متكبرون والنظام السعودي غير قابل للبقاء

مصر والإمارات ضد الانفتاح السعودي على تركيا والإخوان و«السيسي» يتنبى دورا انتقاليا لـ«الأسد»

«خالد مشعل» يصل إلى السعودية في زيارة تنهي سنوات الفتور

وثيقة: السعودية تعمّق اتصالاتها بتركيا وقطر وتجمّد خطط ملاحقة «الإخوان»

كيف يمكن أن تؤثر عودة ”السديريين“ على السياسة الخارجية السعودية؟

«كارتر» : الملك «سلمان» يزور واشنطن في سبتمبر المقبل .. وإيران تهديد مشترك

في الـتحــول السـعــودي

من الذي يوجه «آل سعود»؟

«جلوبال ريسك»: القيادة السعودية تواجه أزمات محدقة

ثلاثة ملامح رئيسة للسياسة الخارجية السعودية