«جلوبال ريسك»: أربع ملامح هامة حول زيارة «السيسي» لألمانيا

الأربعاء 17 يونيو 2015 03:06 ص

ظلت المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» ترفض استضافة الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، ولكنها رضخت في نهاية المطاف. بصفتها أكبر اقتصاد في أوروبا ويواصل ممارسة القوة الناعمة، فكيف يمكن لدولة هي الأكبر في العالم العربي من حيث عدد السكان أن تنصهر في البوتقة؟

لا تزال ألمانيا مستمرة في حكمها وهيمنتها كقوة اقتصادية وسياسية في الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الشهر، اجتمعت مجموعة السبع الاقتصادية في شلوس إلماو في بافاريا لمعالجة قضايا تتراوح بين ديون اليونان ومحاربة الإرهاب.

ومع ذلك؛ فإنه قبل اجتماع المجموعة عقد اجتماع من نوع آخر في مكان آخر. أعلن الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» أن مكافحة الإرهاب هي السياسة المركزية لحكومته. ورغم ذلك؛ فإن المستشارة الألمانية كانت مترددة في استقبال الزعيم المصري بسبب النفور الألماني الذي طال أمده نتيجة لانتهاكات حقوق الإنسان، والتي لا تخفى على أحد منذ اللحظات الأولى للنظام الحاكم الجديد في مصر.

وكانت زيارة ألمانيا انتصار وخسارة في وقت واحد لهجمة العلاقات العامة الدولية لمصر. لقد نجحت الدولة في تأمين صفقة تجارية أساسية، ولكن تراجعت جهود ضمان سلاسة أكثر في تمرير ممارسات انتهاكات حقوق الإنسان.

هناك أربعة مجالات من شأنها أن تهيمن على العلاقات الألمانية المصرية مع استمرار هاتين الجهتين الإقليميتين الفاعلتين على التكيف مع التحديات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط:

1. الشرعية الدولية لمصر

ينظر الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» إلى الرحلة كوسيلة لحشد التأييد في الخارج وفي الداخل. وكان قد اصطحب معه في زيارته وفد كبير من رموز قطاعات الترفيه والفن والأعمال في مصر.

وعلى الرغم من الأحكام القضائية الأخيرة لصالح «مبارك» وغيره من الشخصيات الحكومية السابقة، فإن النظام يعمل جاهدا من أجل ضمان استمرار الجيش في المحافظة على النظرة التي تمثل مصالح شعبية؛ والتي ظهرت في الثورة التي أطاحت بـ«حسني مبارك» في عام 2011. ويدل هدم مقر الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم سابقا في القاهرة إلى أن النظام الحالي يريد أن ينأى بنفسه عن الحرس القديم من حقبة «مبارك» حتى لا يُحسب عليه ومنه.

الدعم التقليدي من الولايات المتحدة متذبذب. ووافق الرئيس «أوباما» مؤخرا على 1.3 مليار دولار سنويا من المساعدات العسكرية لمصر، ولكنه لم يسلم من انتقادات لاذعة. ونتيجة لذلك، تحول النظام «السيسي» إلى روسيا على أمل زيادة النفوذ والحصول على مكانة اقتصادية وسياسية لدى الاتحاد الأوروبي، ودور ألمانيا هو تحقيق التوازن في مكانة مصر الدولية في الوقت الذي يقف فيه الغرب ضد روسيا.

2. تشكيل القوى وتوسيع الهيمنة

عززت سياسة «القيادة من الوسط» من وجود إجماع أوروبي، ولكنها حتى الآن أثمرت عن نتائج محدودة بالكاد تُذكر. ففي الوقت الذي قلصت فيه المملكة المتحدة وفرنسا مشاركتها، كان على ألمانيا أن تقود أوروبا من خلال أزمتها مع روسيا بشأن أوكرانيا. تركت ألمانيا بصورة متزايدة لأدوات سياستها الخارجية.

وفي الوقت الذي ينمو فيه انعدام الثقة الثنائية والتوتر مع  الولايات المتحدة حول قضية التجسس، فإن ألمانيا تسير في مسارها الخاص للعمل مع العالم العربي. ومصر، كونها مركز منطقة الشرق الأوسط، هي المكان المثالي لبناء هذه العلاقة.

ووفقا لما ذكرته الغرفة الألمانية العربية للتجارة، فقد بلغ حجم التجارة بين ألمانيا ومصر خلال عام 2014 حوالي 4.5 مليار يورو. وليس من المستغرب أن تقرر «أنجيلا ميركل» المضي قدما في الزيارة على الرغم من أن المشهد السياسي في ألمانيا كان منقسما بشأن هذه المسألة. وكان رئيس البرلمان «نوربرت لاميرت»، وهو عضو في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي ترأسه «ميركل»، قد أعلن عدم استقباله للسيسي لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان.

ولا تزال أوروبا في مرحلة الصراع مع مستقبل مجتمعها المسلم. وتأمل ألمانيا أن علاقاتها القوية مع مصر سوف تسمح لها بمنع الهجمات الإرهابية التي تحدث داخل الاتحاد الأوروبي. وما يقدر بنحو 5.8٪ من عدد سكان ألمانيا من الجالية المسلمة، وفي الوقت ذاته؛ فإن البلد موطن لأحد أهم الحركات المعادية للإسلام في العالم؛ حركة بيغيدا.

من ناحية أخرى؛ فإن المخاوف في ألمانيا من المواطنين العائدين إلى ديارهم بعد الاقتراب أو الانضمام إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا يؤدي إلى زيادة التعاون مع الأنظمة الاستبدادية والمعادية للإسلاميين؛ مثل مصر.

3. الطاقة والسياحة

تعاني مصر منذ فترة أزمة في مجال الوقود والطاقة. ويقدر دعم الوقود بحوالي 13 مليار دولار سنويا للحكومة المصرية. ولا تزال مصر تعتمد بنسبة تقترب من 90٪ على الوقود الأحفوري، على الرغم من الاتجاه نحو الطاقة الشمسية.

وتم توقيع اتفاقية بقيمة تسعة مليارات دولار أمريكي بين مصر وشركة سيمنز لبناء محطة جديدة لتوليد الكهرباء في خليج السويس ومناطق غرب النيل. ويعد هذا بمثابة دفعة قوية لقطاع هندسة الطاقة في ألمانيا منذ أن تحولت ألمانيا بعيدا عن الوقود الأحفوري والطاقة النووية.

ولا تزال الطاقة الشمسية المصرية في مرحلة التطوير. وقدم وزير الكهرباء المصري، «محمد شاكر»، خطة «تعريفة التغذية» للتشجيع على استخدام الطاقة الشمسية في القطاع الخاص. وحيث إن الطلب على الألواح الشمسية يزيد بالنسبة للشركات المصرية مثل كلام سولار، تستعد ألمانيا أيضا للحصول على اتفاقيات في ذلك المجال حيث إن اتفاق سيمنز يتضمن خططا لتوسيع فرص الحصول على الطاقة الشمسية.

وتواجه مصر مهمة شاقة لإحياء صناعة السياحة. وبما أن ألمانيا جزء حيوي من جهود مصر لجذب السياح، فإنه إذا استمرت هجمات مثل تلك التي حدثت في الأقصر مؤخرا، فإن الألمان سيكونون مترددين في زيارة البلد. وفي عام 2014؛ عادت السياحة الألمانية على مصر بحوالي ملياري جنيه مصري.

4. حقوق الإنسان وجماعة الإخوان المسلمين

تعطيل المؤتمر الصحفي من قبل نشطاء أوضح أنه على الرغم من كون مصر شريكا في جهود الأمن في أوروبا، إلا إن استخدام النظام للسجن والتعذيب والترهيب ضد المعارضين السياسيين سوف يعيق عملية نهوض الشراكة الثنائية الألمانية المصرية.

وتستمر الحملة الشرسة ضد جماعة الإخوان المسلمين، ولكن الأمر مسألة وقت قبل أن تعم رياح التغيير منطقة الشرق الأوسط بكافة أرجائها. وتظهر كل من تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر، الداعم الرئيسي للإخوان المسلمين، علامات على زيادة التعاون في العراق وسوريا. وهذا يمكن بدوره أن يؤدي إلى توبيخ إقليمي قاسي لسياسة النظام المصري القاسية ضد الإخوان.

وخلال زيارته لبرلين؛ أشار الرئيس «السيسي» إلى أن أحكام عقوبة الإعدام ضد قيادات الإخوان المسجونين ليست نهائية. وقد بدأت مصر في تغيير دوران التروس فيما يتعلق بموقفها حركة «حماس» الفلسطينية في قطاع غزة؛ وهي الحركة التي تنتمي لجماعة الإخوان. وفي المجمل؛ فإن قضايا حقوق الإنسان لن تمنع ألمانيا من السعي لتطوير العلاقات التجارية.

ولتلبية الاحتياجات الأمنية والتجارية في ألمانيا، فإن مصر شريكا لا غنى عنه. لكن في الوقت الذي تضطلع فيه ألمانيا بدور دبلوماسي دولي أكبر، فسيكون عليها أن تضع في الاعتبار تاريخها في الشرق الأوسط، وأن تتعامل بحذر عبر المنطقة.

  كلمات مفتاحية

السيسي ألمانيا حماس الإخوان المسلمين

هل تضغط ألمانيا على «السيسي» لوقف حكم إعدام «مرسي»؟

الإعلام المصري يعتبر رئيس البرلمان الألماني «خلية إخوانية نائمة» بعد رفضه لقاء «السيسي»

رئيس البرلمان الألماني يلغي مقابلة «السيسي» احتجاجا على انتهاكات حقوق الإنسان في مصر

10 منظمات حقوقية دولية: السلطات المصرية تجدد الحملة القمعية على المنظمات المستقلة

«أردوغان» ينتقد توقيف ألمانيا لـ«أحمد منصور» .. وخبير قانوني يستبعد تسليمه لمصر

رجلهم في السفارة