طابور الإعدام في مصر.. تعذيب حتى الاعتراف

الخميس 1 أغسطس 2019 07:33 م

"أشهد الله أني بريء من دم ابنك. والكل يعلم ذلك ... وادعي لي وأنا مسامحك".. نص رسالة الشاب المصري "لطفي إبراهيم"، الذي اعتقل في ربيع 2015، وتم إعدامه شنقا في يناير/كانون الثاني 2018، بتهمة قتل ثلاثة من طلبة الكلية الحربية في تفجير قنبلة بأحد الشوارع.

تقول والدته عندما تمكنت من زيارته: "نزّل كمه عشان ما نشوفش آثار التعذيب ... بس أنا شفت حروق على دراعه". وأضافت أن وجهه كان شاحبا وكان حليق الرأس.

ووفق الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (حقوقية مستقلة)، فإن المحاكم المصرية أصدرت أحكاما بالإعدام على أكثر من 3000 شخص منذ 2014 عندما تولى الرئيس "عبدالفتاح السيسي" السلطة. 

ومن الصعب الحصول على إحصاءات عن عدد أحكام الإعدام التي تم تنفيذها. ولا تنشر مصر أرقاما رسميا كما أن أفضل مصادر المعلومات التفصيلية هي الصحف والمنافذ الإعلامية التي تربطها صلة وثيقة بالحكومة.

وأحصت "رويترز" إعدام ما لا يقل عن 179 شخصا في الفترة من 2014 إلى مايو/أيار 2019 بالمقارنة مع عشرة أشخاص في السنوات الست السابقة.

ومن الجرائم التي تصدر أحكام بالإعدام على المتهمين بارتكابها تشكيل جماعة إرهابية واستخدام المتفجرات والاغتصاب.

وتمثل عقوبة الإعدام جانبا من حملة أوسع نطاقا على الإسلاميين يشنها نظام "السيسي".

وقال مؤسس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ومديرها، "جمال عيد": "أرقام غير مسبوقة ... ده انتقام سياسي".

وحاورت "رويترز" أسر سبعة شبان أعدموا أو ينتظرون تنفيذ أحكام بالإعدام. وقال والدا "إبراهيم" إن ابنهما لم يكن ينتمي للإخوان المسلمين رغم أن والده عضو في الجماعة.

وقالت كل أسرة من هذه الأسر إن ابنها تعرض للتعذيب لإجباره على الاعتراف وحرم من الاتصال بمحام. ولأسابيع أو لشهور ظلت الأسر لا تعرف شيئا عن مكان احتجاز الشبان. وتقول منظمات حقوق الإنسان إن إعدامات كثيرة نُفذت بعد محاكمات شابها قصور.

وقال "تيموثي قلدس" الزميل غير المقيم بمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط إن توقيت الإعدامات "يشير إلى اتجاه مزعج من جانب الحكومة يبدو فيه أن الإعدامات أدوات انتقام في أعقاب هجمات إرهابية وليست جزءا من نظام جنائي منظم للعدالة".

عليها أن تقدم جثثا

وقال الناشط الحقوقي :محمد زارع"، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وهو منظمة أهلية متخصصة في البحوث والتحليلات، إن السلطات تشعر "أنها مضطرة لتقديم شيء ما للرأي العام. وعليها أن تقدم جثثا. وليس مهما إن كانوا قد نفذوا الهجوم أم لا".

فقد أُعدم "إبراهيم" وثلاثة شبان آخرين في واقعة تفجير القنبلة التي أودت بحياة طلبة الكلية الحربية بعد أربعة أيام من هجوم مسلحين من تنظيم "الدولة الإسلامية" على كنيسة وعلى متجر يملكه مسيحي في القاهرة مما أسفر عن مقتل 11 شخصا على الأقل.

وقالت "منى سيف" التي شاركت في تأسيس جماعة "لا للمحاكمات العسكرية"، وهي جماعة مستقلة تهتم بالمدنيين الذين يحاكمون أمام المحاكم العسكرية إن "الاتجاه لإصدار أحكام الإعدام بدأ قبل قتل النائب العام في 2015 لكنه تصاعد بعد الاغتيال".

وبنهاية عام 2016 كانت أحكام الإعدام تنفذ كل شهر تقريبا. 

"أحمد الدجوي" طالب الهندسة واحدا من عشرات الشبان الذين ألقت قوات الأمن القبض عليهم في الأسابيع التي أعقبت مقتل النائب العام الراحل "هشام بركات".

وقالت والدته "غادة محمد" إن السلطات احتجزته دون أن تتيح له الاتصال بمحام وعذبته بالصدمات الكهربائية وحرمته من الحصول على دواء مرض السكري الذي يعاني منه. 

وأضافت الأم أن ابنها من أنصار جماعة الإخوان المسلمين غير أنه لا تربطه صلة بـ"بركات" سوى أنهما يعيشان في حي واحد بالقاهرة.

وشهد متهم آخر اسمه "محمود الأحمدي" في المحاكمة الجماعية في قضية اغتيال "بركات" بأن المتهمين تعرضوا للتعذيب.

وقال في مقطع فيديو تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي " معانا كهربا تقضي (تكفي) مصر لمدة 20 سنة".

وأدين 28 رجلا في مقتل "بركات" وحكم عليهم بالإعدام في 2017.  وأيدت محكمة النقض الحكم الصادر على الاثنين في أواخر 2018.

وعلقت "غادة": "احنا في بلد مافيش قيمة للبني آدم فيه. فوضى قانونية وسياسية. والبلد كده داخلة على نفق مظلم".

طابور الإعدام

قدمت مصلحة الطب الشرعي المصرية أدلة على تعذيب متهم آخر هو الطالب "عصام عطا" للمحكمة التي حاكمته لكن هذا الدليل لم يفده في قضيته.

ففي اليوم الذي سلم فيه نفسه للشرطة لاستجوابه في واقعة إطلاق النار على شرطي توجه والده إلى قسم الشرطة ومعه بعض الطعام.

وقال "عصام" لأسرته إنه لم يرتكب خطأ. وكان والده واثقا من عودته للبيت بسرعة وطلب منه تسليم نفسه.

لكن الشرطة ردت بشكل آخر، ونفت أنه محتجز في الداخل.

غير أنه يؤكد أنه سمع صوت ابنه يصرخ داخل المبنى. ويضيف "قطّعني من جوه. رحت سايب المكان ورحت ماشي ما دريتش".

وأضاف: "أنا باندم إني سلمته. أنا كنت فاكر إن البلد فيها قانون وإن هما هيسمعوا لروايته. بس هو اتعرض للإهانة والصعق بالكهرباء".

وبعد عدة أيام ظهر "عطا" وستة رجال آخرين على شاشة قناة تليفزيونية مؤيدة للحكومة بمظهر أشعث وعليه آثار كدمات وقد بدا عليه الضعف قبل أن يعترف بدوره في قتل الشرطي. 

وينتظر "حازم محمد صلاح" الذي حوكم في تلك القضية تنفيذ حكم الإعدام فيه في سجن الأبعادية في دمنهور. وقال لأسرته إنه تعرض للتعذيب عدة أيام ثم نقل إلى مكتب وكيل النيابة.

وقالت شقيقته هبة إن وكيل النيابة طلب منه الجلوس وعرض عليه كوبا من الكركديه وطلب منه التوقيع على الاعتراف دون أن يوجه إليه سؤالا واحدا. وأضافت أن حازم شرب الكركديه ووقع في هدوء.

والآن وبعد مرور ست سنوات ينتظر "عصام" الذي أصبح في أوائل العشرينيات من العمر تنفيذ الحكم بإعدامه.
 

المصدر | الخليج الجديد + رويترز

  كلمات مفتاحية

عمليات الإعدام مصر السيسي

في مصر.. التعذيب ممنهج والإفلات منه قانوني

مصر.. 6 أحكام بالإعدام و41 بالمؤبد لمدانين بتأسيس خلية مسلحة

81 مصريا ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام

مركز حقوقي: 42 مواطنا بمصر حكموا بالإعدام في سبتمبر