قواعد تركيا العسكرية.. حماية لمصالحها ومواجهة للتحديات

الأحد 18 أغسطس 2019 11:14 ص

حتى قبل سنوات قليلة، لم تكن تركيا تملك قواعد عسكرية خارج أراضيها، ما عدا الوجود العسكري في شمالي قبرص، ولكن إحساس السلطات المتزايد بالتهديد والمحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2015، كانا عاملين أساسيين وراء السعي التركي المحموم لإقامة قواعد في عدة دول.

جاء تدشين القواعد العسكرية التركية، استمرارا لتغييرات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي التركي، منذ وصول الرئيس "رجب طيب أردوغان"، إلى الحكم، عام 2002.

ولعل أبرز هذه التغييرات رؤية تركيا لدورها الإقليمي على ضوء ما تشهده المنطقة المحيطة مباشرة بها من اصطفافات جديدة وتوترات وصراعات ومواجهات في أكثر من منطقة، ترى أنقرة أنها تمثل مصدر خطر عليها وتمثل تهديداً لمصالحها الآنية وعلى المدى البعيد.

وخلال السنوات الأخيرة، ومع تصاعد التوترات في المنطقة، أقامت تركيا العديد من القواعد العسكرية الخارجية في دول بالشرق الأوسط وأفريقيا، ما مكنها من نشر أسلحة جوية وبرية وبحرية كبيرة في مناطق تعتبرها مهمة لحماية مصالحها الاستراتيجية خارج حدودها، وكذلك مواجهة منافسيها الإقليميين، كالسعودية والإمارات.

وباتت تمتلك تركيا، قواعد عسكرية في كل من الصومال وقطر وقبرص، وكانت بصدد إقامة قاعدة بحرية في جزيرة سواكن السودانية، إلى جانب وجود عسكري غير معلن في ليبيا.

أول قاعدة

ولعل أول قاعدة عسكرية خارجية تركيا، تعود لعام 1974، عندما أرسلت أنقرة آلاف الجنود إلى الجزيرة، بدعوى حماية الأقلية التركية هناك.

وهذه الخطوة ألقت بظلالها لسنوات عديدة على علاقاتها مع الولايات المتحدة، وغيرها من الدول الغربية، التي لم تعترف بجمهورية شمال قبرص، التي أعلنتها تركيا من جانب واحد.

وتحتفظ تركيا بحوالي 30 ألف جندي في شمال قبرص، كما تقوم القطع البحرية التركية الحربية بمرافقة سفن التنقيب التركية عن الغاز والنفط التي تنشط في المياه الإقليمية لقبرص، رغم معارضة من الاتحاد الأوروبي، باعتبار أن هذه الإجراءات ستبدد الآمال في التوصل إلى حل سياسي لأزمة قبرص وتوحيد الجزيرة المقسمة.

وقالت وسائل إعلام مقربة من الحكومة التركية، إن أنقرة تنوي بناء قاعدة بحرية في الجزء الذي تسيطر عليه من الجزيرة.

كما تشعر تركيا بالقلق من التنسيق المتزايد بين قبرص واليونان ومصر، والذي يشمل مجال الطاقة، خاصة بعدما انضمت إليهم (إسرائيل) مؤخرا.

وفي حال عثور تركيا على كميات تجارية من النفط أو الغاز في الحيز البحري الذي تنقب فيه، فإن ذلك سيضع تركيا في موقف أقوى، ويرجح أن تصبح أقل استعداداً لتقديم تنازلات للطرف القبرصي في أي مفاوضات مستقبلية.

مواجهة الأكراد

أما قواعد تركيا في سوريا والعراق، لها دور وظيفي محدد، وهو مرتبط فقط بمنع أكراد سوريا من تحقيق أي نوع من الاستقلال أو الحكم الذاتي، وهذا موقف الدولة التركية منذ ولادة الجمهورية التركية على يد "مصطفى كمال أتاتورك" قبل نحو قرن.

كما تهدف هذه القواعد إلى التصدي لنشاط عناصر حزب العمال الكردستاني، سواء في العراق أم في سوريا، ونقل الحرب إلى هناك بدلاً من مواجهتهم داخل تركيا.

ومع تصاعد النشاط العسكري لحزب العمال الكردستاني، في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، حتى خروج قيادة الحزب من سوريا، انشغلت تركيا بهذا الصراع الدامي داخل حدودها غالبا، رغم فترات الهدوء القليلة التي شهدها هذا الصراع من حين إلى آخر.

وكانت القوات التركية تتوغل داخل إقليم كردستان العراق، في حملات مطاردة لعناصر الحزب حتى خلال عهد الرئيس الراحل "صدام حسين"، بموجب اتفاق بين البلدين، دون أن تقيم قواعد ثابتة في الإقليم.

لكن الوضع اختلف منذ سقوط حكم "صدام"، وإقامة حزب العمال الكردستاني قواعد ومقرات ثابتة في جبال قنديل الواقعة في مثلث الحدود بين العراق وإيران وتركيا.

وأقرت تركيا، العام الماضي، بوجود 11 قاعدة عسكرية تركية داخل العراق، وأنها تنوي زيادة عدد قواتها المتمركزة في هذه القواعد رغم احتجاج الحكومة العراقية من حين إلى آخر.

لكن العدد الحقيقي لهذه القواعد يصل إلى أكثر من 15 قاعدة عسكرية، وبعضها يقع على عمق 30 كيلومترا داخل إقليم كردستان العراق، حسب تقارير حديثة.

ومن بين هذه القواعد قاعدة بعشيقة الواقعة على أطراف مدينة الموصل وهي تبعد أكثر من 140 كيلومتراً عن الحدود التركية العراقية.

وتضم القاعدة نحو ألفي جندي وعشرات الدبابات ومدافع بعيدة المدى، رغم أن المنطقة لا تعتبر منطقة نشاط لحزب العمال الكردستاني.

كما أن لتركيا عدداً من المقرات الأمنية يتمركز فيها عناصر الاستخبارات التركية، دون أن تكشف عنها.

ويمكن لهذه القواعد أن تقوم بوظيفة ردع القوى والأحزاب الكردية في سوريا والعراق عن التفكير في الانفصال عن سوريا أو العراق، وهو ما تجلي خلال الاستفتاء الذي جرى في إقليم كردستان العراق عام 2017، إذ سارعت أنقرة إلى التعاون مع بغداد وفرضت حصاراً برياً وجوياً على الإقليم.

أما في سوريا فقد أقامت تركيا 12 نقطة مراقبة داخل محافظات إدلب وحماة وحلب بالاتفاق مع الجانب الروسي، بهدف إقامة ما يعرف بمنطقة خفض التصعيد، لكن ذلك ظل حبراً على ورق، فالمعارك لم تتوقف فيها بين قوات المعارضة والقوات السورية المدعومة بالطيران الروسي.

وقامت تركيا بتعزيز هذه النقاط التي تحولت إلى قواعد عسكرية حقيقية في عمق سوريا مثل تلك الواقعة قرب بلدة مورك وسط سوريا وعلى بعد 88 كيلومترا عن الحدود التركية خاصة بعد تعرضها أكثر من مرة للقصف من جانب القوات التركية.

كما تحتفظ تركيا بعدد من القواعد العسكرية في مناطق الباب وجرابلس واعزاز وعفرين، وهي مناطق واقعة على الحدود التركية السورية، وتسيطر عليها تركيا وتديرها مع قوى المعارضة.

وجود مستتر

كما أن لتركيا وجود عسكري غير معلن في ليبيا، حيث تقدم المساعدة العسكرية لحكومة "الوفاق الوطني"، المعترف بها دوليا، والتي تخوض صراعا عسكريا ضد قوات الجنرال "خليفة حفتر" الذي تدعمه الإمارات ومصر والسعودية.

وأرسلت تركيا، مؤخرا، عدداً من حاملات الجنود التي تنتجها إلى قوات حكومة طرابلس.

ورغم أن هذه الإمدادات لن تغير موازين القوة لصالح حكومة طرابلس على الأرض، لكنها رسالة إلى مصر والامارات والسعودية مفادها أنها لن تترك هذه الدول تنفرد بصياغة مستقبل ليبيا، والقضاء على أي دور أو نفوذ تركي في ليبيا، كما جرى الأمر في مصر عندما جرت الاطاحة بحكم الرئيس المصري "محمد مرسي"، عام 2013.

كما سبق أن كشف مسؤول حكومي ليبي، أن تركيا نشرت عدداً من الطائرات بلا طيار في ليبيا، لمساعدة حكومة طرابلس، التي تفتقر إلى أي قوة جوية.

وأعلنت قوات "حفتر"، إسقاط أربعة منها خلال الأشهر القليلة الماضية.

وهذه الطائرات، وهي من إنتاج تركيا، يحمل بعضها ذخائر وأسلحة إلى جانب مهام الاستطلاع والمراقبة على جبهات القتال مثل "TB2" القادرة على التحليق لمدة 24 متواصلة، وعلى ارتفاع تسعة آلاف متر.

يذكر أن الأمم المتحدة تفرض حظراً على توريد السلاح إلى الأطراف المتصارعة في ليبيا.

قطر

أما في قطر، فتمتلك تركيا قاعدة عسكرية منذ عدة سنوات، حيث بات لها موطئ قدم في الخليج، لكن الوجود العسكري التركي تعزز ونما عدداً وعدة في أعقاب فرض السعودية والإمارات والبحرين ومصر، حصارأ على قطر في صيف 2017.

وأعلنت تركيا مؤخرأ أنها بصدد افتتاح قاعدة جديدة لها في قطر، وسيتم تدشينها قريبا إضافة إلى قاعدة "طارق بن زياد" الحالية.

ومن المتوقع أن يزداد عدد الجنود الأتراك في قطر بشكل كبير، ليصل إلى نحو 5 آلاف جندي، حسب ما قالت بعض وسائل الاعلام.

وقد أنفقت تركيا 39 مليون دولار على القاعدة التي تم افتتاحها عام 2016، وهي قادرة على استقبال 3 آلاف جندي، إضافة إلى قوات بحرية وجوية وقوات كوماندوز.

ومع تدشين القاعدة الجديدة، سيكون بمقدور تركيا نشر مزيد من الجنود والعتاد والأسلحة في قطر.

وتعتبر قطر، أن القاعدة التركية تلعب دورأ في الحفاظ على الاستقرار في منطقة الخليج وغيرها من المناطق.

لكن وسائل الإعلام التركية تقول أكثر من ذلك، فقد كتبت الصحفية التركية "خاندا فرات" في صحيفة "حريات" قبل أيام، في إطار تحليل خبر قرب افتتاح القاعدة التركية الجديدة في قطر إن "الدول الخليجية وخاصة السعودية غير مرتاحة للتعاون القطري-التركي، ورغم ذلك تسعى تركيا إلى إقامة بنية أمنية ومنطقة نفوذ سياسي وعسكري دائم".

الصومال

وبعد عام ونصف، من افتتاح قاعدتها في قطر، أقامت تركيا في الصومال قاعدة عسكرية كبيرة لتدريب الجنود الصوماليين.

وبلغت نفقات إقامة القاعدة حوالي 50 مليون دولار، حسب بعض المصادر، ويمكنها أن تأوي حوالي 1500 جندي، وتقديم التدريب لهم في وقت واحد، لمساعدة الحكومة الصومالية في التصدي لجماعة "الشباب" المسلحة.

وتبلغ مساحة القاعدة أربعة كيلومترات مربعة، وهي قادرة على استقبال قطع بحرية وطائرات عسكرية إلى جانب قوات كوماندوز.

وتقدم تركيا السلاح والعتاد للقوات التي تقوم بتدريبها في الصومال.

وترافق الوجود العسكري التركي في الصومال مع قيامها ببناء مدارس وطرق ومستشفيات.

وما يلفت الأنظار أن النشاط التركي في الصومال، تزامن مع ترسيخ الامارات لنفوذها في الإقليمين الصوماليين اللذين انفصلا عن الصومال، وهما "أرض البونت" و"أرض الصومال".

فقد استثمرت الامارات 440 مليون دولار في ميناء بربرة في أرض الصومال، و336 مليون دولار في ميناء بساسو في أرض البونت.

لكن طموحات تركيا في ترسيخ وجودها العسكري في القرن الأفريقي تبقى تحت رحمة الجانب المصري، الذي يتحكم بقناة السويس، ويمكنه منع السفن والبواخر التركية من المرور عبر القناة، في حال تحول التنافس بين البلدين إلى مواجهة.

نكسة السودان

وأخيرا، واجهت تركيا نكسة كبيرة في مساعيها لتوسيع دائرة نفوذها الإقليمي عقب الاطاحة بحكم "عمر البشير" في السودان، بينما لعبت الإمارات والسعودية دوراً أساسياً في رسم مسار الأحداث التي تلت الاطاحة بـ"البشير"، إن لم يكن قبل ذلك بوقت طويل، ونجحت في ضمان إبعاد القوى الإسلامية عن لعب أي دور خلال المرحلة الانتقالية.

ويدور كبار القادة العسكريين الذين يحكمون السودان حالياً، مثل "عبدالفتاح البرهان" أو الشخصية الأكثر سطوة قائد قوات الدعم السريع "محمد حمدان دقلو" الملقب بـ"حميدتي"، في فلك كل من السعودية والامارات.

وذكرت بعض الأنباء، أن السلطات السودانية قد طلبت من الجانب التركي وقف العمل في جزيرة سواكن بشكل كامل، وكان يتضمن إقامة قاعدة بحرية فيها لأغراض عسكرية ومدنية وغيرها من الأعمال حسب الاتفاق الموقع بين البلدين عام 2017.

المصدر | الخليج الجديد + بي بي سي

  كلمات مفتاحية

سانا: تركيا تبني قاعدة عسكرية بريف رأس العين بسوريا

باتفاقيات الدفاع والقواعد العسكرية.. هكذا أصبحت تركيا في طليعة التحالفات الأمنية الخليجية