استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

التواصل الاجتماعى كأداة استغلال

الجمعة 23 أغسطس 2019 10:56 ص

التواصل الاجتماعى كأداة استغلال

تعديل التصرفات والسلوكيات الحيوانية والبشرية بدأته وطورته مدارس علم النفس في القرنين الماضيين.

يستثمر أصحاب منصات التواصل الإلكترونية بضعة ملايين بدايةً ليكونوا ثروات تقدر بمئات مليارات الدولارات.

جيل المستقبل العربى مقبل على أمواج هائلة من الكذب والتلاعب بغرائز وأفكار البشر والهيمنة على حريتهم واستقلالهم الشخصي.

أصبحت المعلومات الشخصية عن ملايين الأفراد بضاعة تباع وتشترى لتجني قلة صغيرة من جمعها وبيعها وتأجيرها مليارات الدولارات.

*     *     *

موضوع وسائل ومحتويات وتلاعبات وأخطار التواصل الاجتماعى أصبح أحد مواضيع الساعة بامتياز.

لو زرت المكتبات فى عواصم الغرب لترى عشرات عناوين الكتب، واستمع لبرامج مستجدات تقنية التواصل الإلكترونى اليومية عبر محطات الإذاعات الغربية الناطقة بالعربية لتعرف أن موضوع التواصل الاجتماعى أصبح حديث الساعة المختلَف حول فوائده وأضراره حتى فى أوطان الذين اخترعوا أدواته وبرامجه.

هناك كتابات وأحاديث الهلع والمبالغة من قبل البعض، وهناك نتائج الدراسات والأبحاث الموضوعية المقلقة من قبل البعض الآخر. ما يهمنا هو الصورة الثانية العلمية الموضوعية المنذرة بالأخطار القادمة، التى يجب إيصالها إلى وعى وعقول شابات وشباب أمة العرب.

نذكر بأن أغلب الأوائل، من الذين اخترعوا وسائل الاتصالات الإلكترونية ووضعوا البرامج التى ستنظم عملية وسائل الاتصالات تلك، أرادوها أن تحقق هدفين:

- جعل المعلومات ونتائج المعرفة متيسرة لكل البشر من جهة،

- وتيسير وتشجيع التواصل والتفاعل بتسامح فيما بين الأفراد والجماعات من جهة أخرى.

تحقيق الهدفين كان سيتم فيما بين جهتين فقط: طالب ومطلوب، مرسل ومتلقى، فرد أو جماعة في مقابل فرد أو جماعة.

لم يكن فى ذهن أولئك الأوائل إقحام جهة ثالثة لنفسها، لكي تخلق برامج ذهنية حسابية (ألغوريثمات أو خوارزميات) توجه وتتلاعب بذلك التواصل والتفاعل الاجتماعى.

وتقلب التواصل الاجتماعى فى المحصلة إلى وسيلة لتكديس ثروات مالية هائلة فى أيادٍ قلة جشعة بصورة وأحجام وسرعات لم يعرف التاريخ لها مثيلا قط.

الجهة الثالثة تلك، بمسمياتها المختلفة من مثل منصات "فيسبوك" و"تويتر" و"غوغل" و"واتساب" وعشرات غيرها، اختصرت موضوعا إنسانيا وحلما مثاليا جميلا فى شعار انتهازى هو:

اجمع كل معلومة تفصيلية عن أفكار ومشاعر وميول المتواصلين والمتفاعلين، ثم استعملها من خلال برنامج ألغوريثم حسابى معقد وشديد الغموض لمعرفة المشترك فيما بين المتواصلين، ومن ثم قم بمحاولة تعديل تلك الأفكار والمشاعر والميول وتوجيهها الوجهة التى تريدها تلك الجهة الثالثة.

وذلك حتى يسهل عليها تقديم المعلومات التى جمعتها وصنفتها بشأن الملايين من المتواصلين تقديمها كبضاعة لمن يريد شراءها أو استئجارها لأجل مصالح ترويجية تجارية أو استخباراتية تجسسيه أو تلاعبات انتخابية لمصلحة هذه الجهة أو تلك.

النتيجة النهائية هي أن يقوم مستثمرو ومالكو تلك المنصات التواصلية الإلكترونية باستثمار بضعة ملايين فى البداية لينتهوا، خلال فترة وجيزة قياسية، بجمع ثروات تقدر بمئات مليارات الدولارات، وليصبحوا من بين عليه القوم ومتخذى القرارات الوطنية العالمية الكبرى.

وهكذا تصبح المعلومات الشخصية عن الملايين من الأفراد بضاعة تباع وتشترى، لكى تجنى قلة صغيرة من وراء جمعها وبيعها وتأجيرها مليارات الدولارات، دون أن يستفيد على الإطلاق أى من أولئك الملايين من الأفراد لا ماديا ولا معنويا. إنها سمة الاستغلال العولمى الجديد الذى قلب كل معلومة إلى سلعة.

تعديل التصرفات والسلوكيات الحيوانية والبشرية ليس بالجديد. فلقد بدأته وطورته العديد من مدارس علم النفس عبر القرنين الماضيين. وكان يستعمل فى المختبرات والعيادات النفسية لدراسة أو علاج أوضاع فردية.

أما فى عصرنا الحالى فإنه يستعمل على نطاق واسع ليطبق على الملايين، وذلك من قبل برامج وأفراد يقبعون وراء ستائر المنصات التواصلية ــ التفاعلية التى يستعملها بلايين البشر دون أن يشعر هؤلاء بأنهم يحركون كالدمى ويوجهون كالخراف، من داخل حجرات مظلمة ومن قبل أشباح لا يعرفونهم.

إن الفضائح التى انفجرت مؤخرا فى وجه العديد من المنصات التواصلية هى فقط جزء صغير من رأس كتلة الجليد التى تقبع داخل هذا المحيط الاستغلالى المرعب.

السؤال الأساسى: كيف تستطيع تلك المنصات للتواصل الاجتماعى القيام بكل ذلك؟

والجواب ببساطة هو من خلال البرنامج الحسابى ــ الذهنى الذى ذكرنا من قبل. ما يهم البرنامج هو إبقاء الملايين مشدودة إلى ومدمنة على استعمال المنصة التى يخدمها.

على سبيل المثال: لو أن البرنامج لاحظ أن لديك ميولا غاضبة نابعة من اصطفافات وتعصبات طائفية أو قبلية أو أيديولوجية، ما على البرنامج إلا أن يرسل لك الرسائل، التى نشرها الغير، والتى تزيد من تأجيج ذلك الغضب أو من جعلك تنغمس فى صراعات وعبثية الشتم والاستهزاء، حتى يقوم البرنامج من جديد بإرسال ما كتبته أو قلته إلى من يخالفونك الرأى ليحتدم النقاش، أو إلى من يتفق معك لتتكون كتلة يتعاضد ويتواصل أفرادها من خلال استعمال المنصة.

هكذا يزداد عدد المستعملين لمنصة فيس بوك أو تويتر أو غيرهما وتكبر كمية المعلومات والملفات التى ستبيعها الشركة المالكة للمنصة لأية جهة راغبة فى الشراء.

نفس دورة الحلقة السابقة يمكن تطبيقها من خلال إثارة البرنامج لمشاعر الفرح والحزن، أو الأمل واليأس، أو التسامح والتعصب.. إلخ، مما لا حصر لها ولا عد.

المهم هو الازدياد المستمر لعدد مستعملى منصة التواصل، وإدمانهم استعمالها، والتلاعب بميولهم وسلوكياتهم، وتصنيفها فى صورة بضاعة قابلة للبيع، واستمرار تكدس الثروات الهائلة فى أيادى القلة المالكة للمنصة.

وتعاظم نفوذ ومكانة هؤلاء فى العالم كله، وانتقالهم إلى خلق مؤسسات رأسمالية ربحية من أمثال أمازون وأوبر، واحتكارهم لبحوث وتطوير صناعات من مثل الذكاء الاصطناعى أو الروبتات.

ما يهمنا هو أن يدرك جيل المستقبل العربى بأنهم مقبلون على أمواج هائلة من الكذب والتلاعب بغرائز وأفكار البشر والهيمنة على حرية الأفراد واستقلاليتهم الشخصية.

إنه مستقبل لن يرحم، وعليهم الاستعداد. مثلا، هل عليهم إغلاق حساباتهم واشتراكاتهم فى بعض المنصات المليئة بالفضائح والانتقال إلى منصات أقل تلاعبا بإنسانية البشر؟

* د. علي محمد فخرو مفكر وكاتب بحريني

المصدر | الشروق المصرية

  كلمات مفتاحية

أكثر الدول قضاء للأوقات على مواقع التواصل الاجتماعي