الحراك العراقي يكشف أزمة المرجعيات الدينية

الأحد 6 أكتوبر 2019 01:07 م

تشهد مدن عراقية كثيرة موجة احتجاجات تختلف نوعيا عن سابقاتها من حيث حجم المشاركة الشعبية فيها ومن حيث استخدام العنف المفرط في قمعها، حيث بلغ عدد القتلى، وفق منظمات حقوق الإنسان العراقية، أكثر من 40 شخصا إلى جانب إصابة واعتقال المئات.

وصب المحتجون جام غضبهم على الحكومة والنخبة السياسية التي يتهمونها بالفساد وعدم فعل شيء لتحسين أحوالهم المعيشية، وطالبوا بتوفير فرص عمل وتحسين الخدمات و"إسقاط النظام"، أي نظام "المحاصصة الطائفية" في العراق.

وتظهر الاحتجاجات أن محاولة رئيس الحكومة "عادل عبدالمهدي" إرضاء الجميع لم تكن سوى محاولة لتأجيل الصدام، الذي كان مرتقبا في اي لحظة في العراق ومنذ سنوات طويلة، بحسب "دويتشة فيله".

لكن التناقضات التي يعيشها العراق ليست بالسهلة كي يتمكن سياسي مخضرم تجاوزها من خلال كسب الوقت فقط، كما فعل "عبدالمهدي" خلال العام الأول من ولايته.

فالحكومة تتألف من قوى شيعية مع بعض القوى السنية لها أغلبية في البرلمان لتواجه معارضة شيعية وأخرى سنية والقليل من العلمانيين، ومعهم عموما شارع عريض يجمع الطوائف مع بعضها في أهداف محددة أبرزها: مكافحة الفساد وتوفير فرص العمل وتحسين الخدمات لعموم السكان وتقليص الامتيازات للنخبة السياسية المتنفذة.

في نفس الوقت تجد المرجعية الشيعية الدينية نفسها في موقف حرج أيضا، إذ أن الحكومة هي نتاج للمحاصصة الطائفية التي لا تجد عيبا فيها، ولكن كيف يمكن لها أن تطعن في حكومة يشكل الشيعة الجزء الأكبر منها.

لكن المرجعية تعلم أيضا أن الطائفة الكبيرة في البلاد منقسمة على نفسها سياسيا وتنظيميا. وربما تشكل هذه الحقيقة مخرجا للمرجعية "السيستانية" في النجف كي تخرج على الملأ بموقف واضح.

والجمعة الماضي، أعلنت مرجعية آية الله "علي السيستاني" عن موقفها وطالبت الحكومة بالعمل على تحسين الخدمات وتوفير فرص العمل للشباب وكل العاطلين والابتعاد عن المحسوبية والمنسوبية ومحاسبة المقصرين، أي بعبارة أخرى محاسبة الفاسدين في السلطة بكل مستوياتها.

وقال معتمد المرجعية "أحمد الصافي" في خطبة صلاة الجمعة في صحن الإمام الحسين بمدينة كربلاء، إن "الحكومة عليها أن تنهض بواجباتها لتخفيف معاناة المواطنين وعليها أن تبتعد في المحسوبيات بملف التعيينات الحكومية".

لكن السؤال المهم في هذا الإطار يكمن في معرفة موقف رجل الديني الشيعي الشاب "مقتدى الصدر" الذي يعود الفضل إليه في تعيين "عبد المهدي" في موقع رئاسة الوزراء بعد أن نالت قائمته الانتخابية "سائرون" أغلبية برلمانية في الانتخابات الأخيرة ووعد الناخبين بإصلاحات واسعة، بما في ذلك مكافحة الفساد وإبعاد النخبة "الفاسدة" من السلطة من خلال تشكيل حكومة تكنوقراط بقيادة "عبدالمهدي"، الذي خرج من عباءة الأحزاب الدينية وبات ينشط على مستواه الشخصي في الكتابة والنشر بعيدا عن النخبة حتى تمت دعوته ليكون رئيسا للوزراء من قبل "الصدر".

"الصدر" يقف في موقف محرج بين دعم حكومته، التي ناضل من أجل تشكيلها بلا هوادة، وبين حراك شبعي لا يسيطر عليه بأي شكل من الأشكال ولا يبقى أمامه سوى الدعوة إلى إعلان سريع لخطوات حكومية على طريق حل مشاكل الشعب والدعوة إلى السلطات الأمنية بعد استخدام العنف المفرط في مواجهة المتظاهرين.

وأخيرا ربما أيضا القيام بخطوة رمزية تتمثل في تجميد نشاط كتلته البرلمانية لحين حل مشاكل البلاد دون مشاركتهم.

لكن "الصدر" يقف محرجا أيضا أمام المرجعيات الشيعية الكبيرة، التي خاض ضدها صراعا عنيفا منذ سقوط نظام صدام حسين، حيث وصف المرجعيات الدينية الشيعية بالمرجعيات الصامتة "لأنها تلتزم الصمت إزاء المشاكل الكبيرة في البلاد".

إذن الحلول التي تقدمها الحكومة حاليا لا يمكن إلا أن تكون وقتية هدفها امتصاص النقمة مؤقتا وإلى حين وبانتظار موجة أخرى من الاحتجاجات في المستقبل القريب.

في هذا السياق، يقول المحلل السياسي الألماني والخبير بالشأن العراقي "دانييل غيرلاخ" إن الحلول ستكون في الغالب محاولة لترضية الشارع نسبيا، لأن المشاكل جذرية وعميقة لا يمكن حلها بسهولة ومن خلال وعود سريعة لاحتواء موجة غضب شعبي.

ويتوقع "غيرلاخ" أيضا إجراء بعض التغييرات على المناصب الحكومية السياسية وعلى بعض المناصب الأمنية والعسكرية "لتوليد انطباع بأن هناك تغييرا يجري فعلا. ولكن كما قال عبدالمهدي بنفسه لا توجد حلول سحرية لحل المشاكل بين ليلة وضحاها"، كما يقول المحلل السياسي الألماني.

إلى ذلك يضيف "غيرلاخ" أنه من الضروري بمكان أن يتم منح "عبدالمهدي" الفرصة لمواصلة سياسة جديدة على طريق إصلاح الأوضاع العامة في العراق، لأن "عبدالمهدي" سياسي خارج إطار الأحزاب السياسية ويمكن له أن يشق طريقا خاصا بحكومته يختلف عن مشاريع حكومية سابقة في البلاد.

وتجد الحكومة صعوبة في السيطرة على هذه الاحتجاجات، إذ لا يشارك أي فصيل أو حزب سياسي فيها علنا، ما يعني صعوبة التواصل مع حراك دون قيادة معروفة سياسيا.

المصدر | الخليج الجديد + دويتشة فيله

  كلمات مفتاحية

مظاهرات العراق المرجعيات الدينية مقتدى الصدر آية الله علي السيستاني

إيران: السعودية وأمريكا دربتا عناصر مندسة في احتجاجات العراق

إقالة محافظ بغداد على وقع أعنف احتجاجات يشهدها العراق

الداخلية العراقية: 104 قتلى منذ بدء الاحتجاجات بينهم 8 شرطيين

الحكومة العراقية تعيد 108 آلاف جندي مفصول إلى الخدمة

كان عنوانا للسلام والمحبة.. واشنطن تعزي بوفاة المرجع الشيعي محمد سعيد الحكيم