أشعب.. ما أغفله النقاد عن مهرج المجتمعات العربية

الاثنين 28 أكتوبر 2019 09:46 ص

فرق شاسع بين الصورة الذهنية التي تنقل عن شخص ما، وبين حقيقته، فكما يقال دوما إن "الناس لها الظاهر"، وكثير من مبدعي العرب ورجالاتهم في السياسة والأدب والتصوف وغيرها، نقلت عنهم صور ذهنية مشوشة بسبب تصرفاتهم التي لم تسوعب المجتمعات ظاهرها، ومن هؤلاء الشخصية الفكاهية "أشعب بن جبير"، الذي اقترن اسمه بالشره والطمع في آن واحد.

اختلفت المصادر التاريخية في أصل "أشعب"، وإن اتفقت جميعها أن أبوه كان مولى من موالى "عبدالله بن الزبير"، وأن التي تولت تربيته هي "عائشة بنت عثمان بن عفان" رضي الله عنه، ويقال إن أبوه خرج مع "المختار الثقفي" فقتله "مصعب بن الزبير".

ويروي "الأصمعي" على لسان "أشعب" قوله: "نشأتُ أنا وأبو الزناد في حِجر عائشة بنت عثمان، فلم يزل يعلو وأسفل حتى بلغنا هذه المنزلة".

في كل الأحوال، فإن بدايات "أشعب" كانت في بيت من بيوت العلم، وبسببها أتقن القرآن ونقلت عنه بعض الأحاديث، حيث حدّث عنه "معدي بن سليمان" و"حميده"، وفقا لرواية "بن حجر" عنه.

بدايات "أشعب" في بيت عائشة كانت تشير إلى رجل علم يحفظ الحديث والقرآن، له صوت حسن في القراءة، لكن الطريق الذي سار فيه كان مغايرا ويبدو أنه اختار تحت ضغط الحاجه والفقر أن يمضي في المسار الذي رسمه له المجتمع.

فتلبس الشخصية التي استحسنها الناس منه، شخصية المهرج الشره ذو اللسان السليط، والتي كانت تُضحك كل من حوله، وساعده على ذلك البنية الجسدية التي تثير الضحك حتى دون أن يتحدث، فوفقا لما ورد عنه من صفات؛ أنه كان طويل القامة أزرق العينين مع حول ظاهر وصلع، وهي هيئة شكلية جعلت منه نمؤذجا نمطيا للرجل الفكاهي.

حالته الاجتماعية والطبقية

وأضحى الرجل رائدا للكوميديا الارتجالية في تاريخ العرب، ويسبق بها كل من "نجيب الريحاني" و"علي الكسار" اللذان بدءا هذا الفن في العشرية الأولى من القرن الماضي.

نقلت لنا كتب التراث كـ"البيان والتبيين" لـ"الجاحظ" و"الحيوان" لـ"الدميري"، و"ابن كثير" في "البداية والنهاية"، و"الأغاني" لـ"الاصفهاني"، مواقف ونوادر "أشعب"، لكنها لم تتناول بالنقد الحالة الاجتماعية للطبقات، فالرجل نقل لنا أحلام طبقته المتوسطة وحالتها وطموحاتها، كما نقل أيضا مساوئ الطبقة المخملية عبر مواقفه الارتجالية ومسرحياته التي تنتمي إلى تلفزيون الواقع بمقاييس عصرنا.

وباستعراض نموذجين من الطرائف، فإن الأول هو ما رواه "توفيق الحكيم" عن في كتابه الذي وضعه عن نوادره يحكي فيه: "لبث أشعب يسير في الأسواق في غير شيء، ينتظر أن يوافيه أحد بخبر عرس أو وليمة وهو ينشد ويغني، وطال انتظاره، ووقف على رجل يحمل طبقا من الخيزران فقال له: أسألك بالله أن توسعه قليلا وأن تزيد فيه طوقا أو طوقين، فرفع الخيزراني رأسه وقال له: وما غرضك من ذلك، أتريد أن تشتريه؟، فقال أشعب: لا، ولكن ربما اشتراه شخص يهدي إليّ فيه شيئا ذات يوم".

وفي الثاني ما حكاه "الأصفهاني"، أن "أشعب" حضر على مائدة أحد الأمراء فقدم للأكل جِديا مشويا، فانهال عليه "أشعب" وجعل يسرع في الأكل بنهم وشراهة، فقال له صاحب الدعوة: "أراك تأكل الجدي بغيظ وحرد وكأن أمه نطحتك"، فردّ أشعب: "وأنا أراك تشفق عليه، وكأن أمه أرضعتك".

ومن الموقفين يتضح لك الحالة الاقتصادية للطبقتين، بين طبقة تنتظر لهدايا والصدقات، وطبقة تلقي باللحم على موائد طعامها لتضحك وتسمع الطرئف، وكلى الموقفين تم في إطار دراما الواقع.

إن وجها آخر  لـ"أشعب" اختفى وأغفلناه طوال سنوات في قراءة نوادره والضحك عليها وسماعها في الإذاعة وكتابتها كمواقف كارتونية لإضحاك أطفالنا وتحذيرهم من البخل والطمع، وهو وجه الناقد الاجتماعي والمؤرخ الشعبي للطبقات المختلفة التي عايشها.

فقد جالس الأمراء والفقراء وأبناء طبقته الوسطى، وتفاعل معهم وتفاعلوا معه، وسلقهم بلسانه وفضح فساد مفسديهم وترف مترفيهم؛ لكننا توقفنا فقط عند النمط الذي قدمته كتب التراث؛ "أشعب الطماع الشره".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

طرائف نوادر قصص

رقصة حليمة بولند بالبرقع تثير غضب متابعين