أتلانتيك كاونسيل: الاحتجاجات الأخيرة جرس إنذار للسيسي

الثلاثاء 22 أكتوبر 2019 09:56 م

يبدو أن مصر تعود إلى طبيعتها بعد عدد من المظاهرات ضد الرئيس "عبد الفتاح السيسي"  بدأت في 20 سبتمبر/أيلول. وقد يكون هذا الهدوء نتيجة لنهج عدم التسامح المطلق الذي تتبعه الحكومة. وخلال أكثر من 3 أسابيع من الاحتجاجات، اعتقلت السلطات المحلية ما يقرب من 3 آلاف شخص، وفرضت حظر تجوال في جميع المدن المصرية الكبرى. وعلى الرغم من محدودية أعدادهم، خرج المتظاهرون إلى الشوارع للاحتجاج على النظام وسوء الإدارة السياسية في مصر، بما يشمل زيادة الفساد، والقمع الوحشي، وعدم الاستقرار الاقتصادي.

  • تهم خطيرة

وخرجت المظاهرات غير المتوقعة بعد مقاطع فيديو نشرها "محمد علي"، وهو مقاول كان متعاقدا في وقت سابق مع وزارة الدفاع المصرية، ويعيش حاليا في المنفى بإسبانيا. وخلال مقاطع الفيديو اتهم "محمد علي "الرئيس المصري ودائرته الداخلية بالاستخدام واسع النطاق للأموال العامة في الاستثمارات الفاخرة والأعمال غير المشروعة. وتعد تقارير الفساد نقطة حساسة للنظام المصري؛ حيث تلعب شبكات العملاء دورا رئيسيا في السياسة والاقتصاد.

ويعد الرئيس نفسه أول المواجهين لتهم الفساد. وفي يونيو/حزيران، افتتح "السيسي" المنتدى الأفريقي الأول لمكافحة الفساد، الذي تم عقده في شرم الشيخ، وذكر أن "مصر قطعت شوطا طويلا في الأعوام الماضية في مكافحة الفساد". وفي الأعوام الأخيرة، تم الحكم على عدد من كبار المسؤولين بتهم تتعلق بالفساد، وتم إجبارهم على ترك وظائفهم. لكن في الواقع، لا تمر جميع حالات الفساد من خلال هيئة الرقابة الإدارية، وهي الهيئة المسؤولة عن مكافحة الفساد في مصر، وتثير الاتهامات التي تظهر الآن تساؤلات حول سلطة الرئيس.

ومع ذلك، أظهرت الاحتجاجات أيضا أنه لا ينبغي اعتبار الاستقرار في مصر أمرا مفروغا منه، وأن الاقتصاد يلعب دورا أساسيا في هذا الأمر. وفي الواقع، يتطور الاقتصاد المصري تدريجيا على مستوى الاقتصاد الكلي؛ حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 5.5%، مع انخفاض التضخم إلى 11.3%، وارتفعت القوة الشرائية للعملة إلى أعلى معدل لها في الأعوام الـ5 الماضية. ومع ذلك، لم يستفد الشعب المصري من هذا الاتجاه الإيجابي، وأصبح يشعر بالإحباط بشكل متزايد في الأعوام الأخيرة؛ بسبب تدابير التقشف التي فرضتها الحكومة، وتخفيضات نظام الدعم، الذي يمثل نحو 10% من الميزانية، وانخفاض قيمة العملة؛ حيث تم خفض قيمة الجنيه بنسبة 32.3% ولا يزال يفقد قيمته. وفي الواقع، وفقا للوكالة العامة للتعبئة العامة والإحصاء، يعيش 32.5% من السكان تحت خط الفقر. وأثارت التدابير الحكومية الغضب والإحباط والسخط بين قطاعات واسعة من السكان؛ ما قد يؤدي إلى ظهور احتجاجات قادمة من الطبقات الأكثر حرمانا.

  • هيمنة الجيش

وفي هذا السياق، يلعب الجيش الدور الرئيسي؛ حيث يمثل المصدر السياسي والاجتماعي والاقتصادي الوحيد للشرعية في البلاد. وبالتالي، فإن أي تغيير في النظام قد لا يكون ممكنا إذا كان هناك تزامن بين مصالح كل من الرئيس والجيش المصري. وأصبح هذا الاعتماد الذي لا ينفصم أكثر وضوحا بعد نجاح الاستفتاء على الدستور في أبريل/نيسان، الذي أعطى الجيش المصري دور الضامن الوحيد للدستور واستقرار الدولة. علاوة على ذلك، عزز الجيش دوره في الأجندة المحلية، وسعى إلى قيادة استباقية للتحولات الاجتماعية والاقتصادية للدولة والحفاظ على مصالحه الاقتصادية. ووفق أرقام غير رسمية، تمثل حصة المؤسسات العسكرية في مصر ما يصل إلى 20 إلى 60% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن حصتها تبلغ فقط 3% من الناتج المحلي الإجمالي وفقا للبيانات الرسمية المتاحة.

وفي ضوء هذا السيناريو، قد يتساءل المرء عما إذا كان النظام السياسي المصري على وشك الانهيار. وهل يمكن للجيش قلب التوازن. بالتأكيد، هناك غضب بين بعض فصائل النظام وتضارب كبير في المصالح؛ حيث تابعت القوات المسلحة المصرية الاحتجاجات بقلق لأن مزاعمها تقوض الصورة التاريخية والبطولية للجيش في الخيال الشعبي. وكما هو الحال دائما، يرغب الجيش في تجنب عودة الاحتجاجات والفوضى السياسية والاقتصادية، فضلا عن تغيير رأس النظام؛ حيث قد يكون ذلك ضد مصالحه أيضا. وفي الوقت نفسه، لا تزال النخبة العسكرية تتمتع بعلاقات اقتصادية مع الرئيس، وتتمتع بالحماية والاحتفاظ بمواقعها بدعم من "السيسي".

ومن أجل تقوية سلطته ومنع أي تمرد محتمل، من الممكن أن يواصل "السيسي" التعديل الذي بدأ منذ بضعة أشهر داخل الجيش والبيروقراطية وأجهزة المخابرات، من أجل تكثيف سيطرته على مؤسسات الدولة. ويشمل ذلك تعيين أعضاء دائرته الداخلية في المواقع الحساسة لمنع خطر تغيير النظام. لكن على المدى الطويل، قد يغذي هذا الغضب الكامن تجاه السياسات الاستبدادية للرئيس. وفي هذا السياق، من الواضح أن مكافحة الفساد تتطلب أكثر من إلقاء القبض على عدد قليل من المسؤولين، ويجب أن تتعلق بدور الجيش في الاقتصاد. ولا ينبغي لأحد أن ينسى أن إثراء الذات لزمرة فاسدة من رجال الأعمال المرتبطين بالرئيس المصري السابق "حسني مبارك" كان ما تسبب في الإطاحة بنظامه عام 2011.

وبالتالي، تعد الاحتجاجات الحالية في مصر جرس إنذار يجب على السلطات ألا تقلل من شأنه. وقد تؤدي موجات احتجاج أخرى إلى عواقب وخيمة على القطاع الاقتصادي، وعلى الاستقرار السياسي نفسه. وهذا هو التحدي الرئيسي للرئيس، لكنه أيضا مجال اختبار مهم لمدى المرونة الاستراتيجية لهذا النظام الغريب.

المصدر | أليسيا ميلكانجي وغوسيب دينتس - أتلانتيك كاونسيل

  كلمات مفتاحية

احتجاجات على السيسي احتجاجات مصر عبدالفتاح السيسي

وورلد بوليتكس: كيف كشفت الاحتجاجات الأخيرة هشاشة نظام السيسي؟