رسائل السيسي.. غاب الإصلاح وحضر التخويف

الاثنين 14 أكتوبر 2019 09:51 ص

"البلد كشفت ضهرها وعرت كتفها، دخلنا مرحلة الفقر المائي، 25 يناير وراء أزمة سد النهضة، ما يحدث في سوريا سببه أهلها، وسائل التواصل تبالغ، حروب الجيل الرابع تحد كبير، الجيش فعل ما يفوق الخيال، أنا مطمن أوي".. أبرز الرسائل التي حضرت في خطاب الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، في الندوة التثقيفية الـ31 للقوات المسلحة.

سيطرت لغة التحذير والتخويف من مصير بلدان مجاورة، وغابت وعود الإصلاح السياسي والاقتصادي، حضر التصفيق، وغاب الرأي الآخر، وظلت (السوشيال ميديا) في قفص الاتهام، ومن خلف الكواليس كان المقاول والفنان "محمد علي" حاضرا بقوة في المشهد. 

محاكمة ثورة يناير

خلال أكثر من ظهور لـ"السيسي"، خلال الشهور الماضية، بات معتادا اللعب على وتر اتهام ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، التي أطاحت بالرئيس المصري المخلوع "حسني مبارك"، بأنها وراء أزمة "سد النهضة" المتنازع عليه مع إثيوبيا.

هكذا تحدث "السيسي" قائلا: "لو مكنتش 2011، كان هيبقى عندنا فرصة كي يتم التوافق على بناء السد، لكن لما البلد كشفت ضهرها وعرّت كتفها، لو مأخدتوش بالكم هيتعمل أكتر من كدة".

وفي محاولة لتبرئة نفسه من المسؤولية عن شرعنة بناء السد بتوقيع اتفاق إعلان المبادئ في مارس/آذار 2015، والذي اعتبر اعترافا من القاهرة بحق أديس أبابا في بناء "سد النهضة"، تجاهل الرئيس المصري بنود الإعلان، مذكرا فقط بحق بلاده في اللجوء إلى وسيط لحل الخلاف بين الجانبين.

لكنه عاد مقرا بالأمر الواقع، ولجوء الدولة منذ العام 2014، إلى خطة طموحة لتدوير مياه الصرف الصحي، وإنشاء محطات تحلية ضخمة، تم إنفاق 200 مليار جنيه عليها، على أن تصل التكلفة الإجمالية إلى 900 مليار جنيه، بحلول العام 2037.

الخطير إعلان "السيسي" عن قرب قطع مياه النيل عن محافظات الساحل الشمالي والبحر الأحمر (الإسكندرية، دمياط، كفر الشيخ، مطروح، شمال سيناء، جنوب سيناء، السويس، بورسعيد، الإسماعيلية، البحر الأحمر)، واستخدام محطات التحلية التي بدأت إنتاجها بالفعل، بحجم إنتاج 1.5 مليون متر مكعب يوميا. 

حروب الجيل الرابع

لا يكاد يخلو خطاب أو تصريح لـ"السيسي" من رسائل تخويف للمصريين، من المصير الذي آلت إليه بلدان مجاورة مثل سوريا والعراق وليبيا، في محاولة للتحذير من محاولات الخروج على حكمه، والمطالبة برحيله.

تساءل الرئيس المصري، من فعل هذا في سوريا، ولماذا حدث التوغل التركي في شمالها (عملية نبع السلام)؟، وأجاب: "أهلها"، في إشارة إلى خروجهم في تظاهرات مناوئة لحكم رئيس النظام السوري "بشار الأسد" في 2011.

وواصل "السيسي" هجومه على مواقع التواصل، متهما مستخدميها بالمبالغة في الأمور، مكررا نغمة التخويف من حروب الجيل الرابع، وهز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، في إشارة إلى تداول فيديوهات "علي" الذي كشف وقائع فساد بمليارات الجنيهات داخل مؤسستي الرئاسة والجيش المصري. 

ويمكن القول إن "علي" حضر بقوة خلف الكواليس، وباتت فيديوهاته وتسريباته مصدر إزعاج للرئيس المصري، الذي دعا كل أب وأم إلى مراقبة أبنائهم، قائلا: "كل أب وأم محتاج يفهم أولاده بأن ما يتعرض له على السوشيال ميديا مش مظبوط.. والكلام بدون أى أساس علمى.. غير الاستهداف من جانب أجهزة وكتائب إلكترونية.. احنا شغالين فى النقطة دى.. جزء كبير يعتمد على توعية المواطنين.. والنهاردة بنشوف أهالى بيحطوا التليفونات قدام الأطفال الصغار.. وجزء كبير من الموضوع يعتمد على التوعية".

التهديد بالفوضى

"أنا أو الفوضى"، كانت الرسالة المبطنة التي حرص "السيسي" على توجيهها مرارا خلال خطابه، الذي كان طويلا، ومرتجلا، وحضره قادة الجيش، يتصدرهم وزيري الدفاع السابقين، المشير "حسين طنطاوي"، والفريق "صدقي صبحي"، وآخرين، وسط مديح متكرر لإنجازات المؤسسة العسكرية، بدا جليا في تكريم أبطال فيلم "الممر"، والمطالبة بفيلم كل 6 شهور لإبراز بطولات الجيش المصري.

واعتبر الرئيس المصري، أن ما حدث في الشهرين الماضيين، في إشارة إلى تسريبات "علي"، أنها "حملة هدفت إلى تشويه الجيش المصري والتقليل من أهميته وقدراته، وهز الثقة بينه وبين الشعب المصري".

وأضاف مستعيدا نغمة الحرب على الإرهاب، "أثناء لما كنت في نيويورك لمدة أسبوعين ما تعملش عمل إرهابي لمدة أسبوعين.. أول ما المسألة فشلت في مصر (مظاهرات سبتمبر) كانت العملية في نفس اليوم.. يوم الجمعة (27 سبتمبر/أيلول الماضي) خلي بالكم.. هما واحد خلوا بالكم من النقطة دي.. سكتوا علشان يهدوا الناس وما يخلهمش يتفاعلوا مع عمل إرهابي علشان يتحركوا الناس .. طيب فشلت عملية التحريك يلا العملية الارهابية تبدأ بقى".

وعاد "السيسي" ليحذر المصريين من الخروج ضد نظام حكمه، قائلا: "التحدى الحيقيقى الذى يجابه الدول المنطقة هو تماسك شعوبها وعدم الخروج ضد دولته.. أى حاجة سهلة إلا انكم يا مصريين تضيعوا بلدكم".

وفي محاولة لتبييض سمعة الجيش من اتهامات الفساد، علق "السيسي" قائلا: "الفترة اللى فاتت شهدت إساءة للجيش.. طب تصدقوا.. اللى الجيش عمله فى 10 سنين اللى فاتوا.. مش بس الدفاع هنا ولا هنا.. ما أنا قولتلكم.. لما اتفقت معاهم.. قولولى تترشح.. قولتهم هتشتغلوا زى ما أنا عايز تحت رجلين المصريين.. ولا أقصد بها تعبير سلبى.. ولكن أقصد بها العمل لصالح مصر.. اللى اتعمل من الجيش لبلده فوق الخيال.. ويتكتب فى التاريخ".

لا إصلاح

غاب الملف السياسي تماما عن خطاب "السيسي"، عكس ما تم ترويجه خلال الأيام الماضية، عن حزمة إصلاحات ستجري لتنشيط الحياة السياسية في البلاد، وتفعيل أداء مجلس النواب، واحتواء قوى 30 يونيو/حزيران (التظاهرات التي مهدت للانقلاب العسكري في 2013)، وإحداث انفتاح إعلامي لسماع الرأي الآخر.

كذلك غاب ملف المعتقلين السياسيين، والإجرات القمعية التي اتخذت بحق متظاهري 20 و 27 سبتمبر/أيلول الماضي، المطالبين برحيل "السيسي"، الذي رفض مقاطعته من أحد الحضور الذي انتقد تهجير سكان رفح والشيخ زويد، بمحافظة شمال سيناء، شمال شرقي البلاد.

ولم يبد الرئيس المصري اهتماما بالجلوس مع الإعلاميين والمثقفين، حسب مطالبة الإعلامي والبرلماني "مصطفى بكري"، مطالبا من يريد الجلوس معه بأن يكون ملما بالموضوع "عشان ميضيعش وقته".

وتابع: "كنت مهتم بمصر وأنا صغير أوى.. أكثر من 40 سنة.. ولابد أن نعلم كل التفاصيل عن القضايا.. ولما أقعد مع حد للحوار لازم يكون ملم بكل الموضوع.. واللى يقعد معايا لازم يبقى عارف القضية كويس.. حتى نصل إلى إجراءات واضحة لصالح الدولة".

واختتم "السيسي" رسائله للقوة المعارضة له، بالقول: "أنا مطمن.. أوي"، في إشارة إلى بقاءه وعدم رحيله عن سدة الحكم، بدعوى أنه "يسعى للإصلاح"، وأن الله يساعده، قائلا: "انتوا بتصدقوا أن فيه حد يقدر يخدع ربنا.. ياترى ربنا بيساعد المفسد ولا الصالح؟.. ربنا مطلع على مصر وأهلها.. إنها بيسعوا فى الإصلاح والبناء والتنمية".

لا جديد إذن في خطاب "السيسي"، لا وعود بإصلاح، لا وعود بتغييرات حقيقية في المشهد السياسي والحقوقي والاقتصادي، فقط تبقى لغة التحذير والتخوف من تكرار سيناريو يناير، وهو الكابوس، الذي لا يريد الرئيس المصري أن يراه ثانيا. 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السيسي عرى مصر.. ناشطون يردون على الوصف المهين لبلدهم

أتلانتيك كاونسيل: الاحتجاجات الأخيرة جرس إنذار للسيسي

وورلد بوليتكس: كيف كشفت الاحتجاجات الأخيرة هشاشة نظام السيسي؟