معهد الشرق الأوسط: حزب الله يقود الثورة المضادة في لبنان

الأربعاء 30 أكتوبر 2019 11:43 م

عندما خرج أكثر من مليون شخص في لبنان إلى الشوارع في 14 فبراير/شباط 2005 للمطالبة بالإطاحة بالقوات السورية من البلاد، توقع عدد قليل منهم أن يحققوا هدفهم.

فبعد كل شيء، كانت سوريا تحكم لبنان بقبضة حديدية منذ نهاية الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.

ومع ذلك فقد نجحوا، وبشكل مذهل أظهروا شجاعة وتضامن هائلين في مواجهة العنف وألهموا إخوانهم العرب بإظهار أن الطغيان ليس بالضرورة مصيرهم.

ولكن رغم أهمية "ثورة الأرز"، فإنها فقدت مجتمعا رئيسيا مهما للغاية، وهم الشيعة في البلاد.

ولأنه لم يكن متحمسا بشكل كبير بشأن انسحاب سوريا، وكان قلقا على مستقبله، أمر "حزب الله" قاعدة دعمه الشيعية بأن تنأى بنفسها عن الاحتجاجات.

ولم يكن لدى الكثير من الشيعة في لبنان أي حب لسوريا، حيث اشتبكوا مع قواتها في الماضي، لكنهم أيضا لم يكونوا مستعدين للمخاطرة بعلاقاتهم مع الحزبين الرئيسيين، "حزب الله" و"حركة أمل"، خوفا من المجهول.

ويبدو أن الانتفاضة الحالية في لبنان، التي تعد أكبر من "ثورة الأرز"، وتمتد جذورها عميقا عبر المظالم الاجتماعية والاقتصادية طويلة الأمد، قد قللت هذا الخوف إلى حد كبير.

وكان الأمر هذه المرة فريدا من نوعه، حيث اتحد المتظاهرون في جميع أنحاء البلاد عبر الطيف الاجتماعي شديد التنوع في دعواتهم للتغيير السياسي الأساسي.

وهذه المرة، انضم الشيعة إلى هذا الكفاح.

لكن هذه ليست نتيجة جيدة لـ "حزب الله". ولا شيء يهز ثقة المجموعة، بل ويهدد وجودها، أكثر من الخلاف داخل مجتمع الشيعة، ولا حتى (إسرائيل)، عدوها الأول.

وفي الواقع، سوف يذهب "حزب الله" إلى أقصى حد قد يصل له مع الشيعة في لبنان.

وخلال الانتخابات الوطنية لعام 2018 في لبنان، عبر العديد من الشيعة في "البقاع" و"بعلبك"، وهي مناطق تعتبر معاقل لـ "حزب الله"، عن استيائهم من الحزب بسبب تناقص قدرته على تزويدهم بالسلع والخدمات الأساسية، بعد مشاركته في الحرب السورية.

وفي حين كان إحباط الشيعة اللبنانيين من "حزب الله" حقيقيا، فإنه لم يمثل - حتى وقت قريب - صدعا جادا في الصلة الخاصة بين المنظمة وبين غالبية مؤيديها، كما يتضح من حقيقة أن "حزب الله" قد حقق فوزا كبيرا في الانتخابات البرلمانية. لكن استمرار تدهور الظروف المعيشية وإهمالها من قبل الحزب يغير الأمور بشكل واضح الآن. 

ولا يزال مدى السخط في المجتمعات الشيعية اللبنانية غير واضح، لكن منتشر جغرافيا. 

وهذه المرة، لا يقتصر الأمر على البقاع وبعلبك، فقد خرج أهالي صور والنبطية وصيدا، وحتى أجزاء من الضواحي الجنوبية لبيروت، وهي مناطق لم يكن المرء يتوقع فيها أي نشاط شيعي ضد حزب الله وحركة أمل، وقد مزق الناس في صور زعيم حركة أمل "نبيه بري"، وأدانوا أمين عام حزب الله "حسن نصر الله"، ولم يحدث هذا من قبل.

وعبر "نصر الله" عن تعاطفه مع مطالب المحتجين، لكنه أصر على بقاء الحكومة، حيث قال نعم للإصلاحات، ولكن لا لإنشاء نظام سياسي جديد قبل أن يصعد نبرته ضد المحتجين في وقت لاحق.

وقد عمل "حزب الله" بجد من أجل خلق واستمرار التيار الحالي منذ خروج سوريا من لبنان عام 2005.

وهدد "نصر الله" بإرسال مؤيديه إلى الشوارع لقمع الانتفاضة.

ومع ذلك، لم يتزحزح المتظاهرون في البلاد، بما في ذلك الشيعة، وزاد عددهم بشكل كبير، وفقا لشهود عيان، بعد وقت قصير من خطاب "نصر الله" الصارم.

على سبيل المثال، اقتحم المئات من مؤيدي "حزب الله" و"حركة أمل" وسط بيروت في 21 أكتوبر/تشرين الأول، لتخويف المتظاهرين.

لكن الجيش اللبناني أوقفهم، في ما سيُذكر بأنه موقف جريء لا يُنسى في هذه اللحظة التاريخية في تاريخ لبنان.

ودفعت الاحتجاجات رئيس الحكومة "سعد الحريري" إلى الاستقالة في النهاية ما يضع "حزب الله" في مأزق غير مسبوق منذ أربعة عقود تقريبا من وجوده.

ولا يمكن للحزب تحمل المواجهة مع مجتمعه، ولا يمكنه أيضا تحمل عواقب انهيار الحكومة التي صممها بنفسه. 

لكن هناك مخرج من هذه الأزمة لـ"حزب الله"، وللبنان بشكل عام، وهو إحداث انتعاش اقتصادي يرضي جميع اللبنانيين.

لكن هذا حلم صعب المنال، لأن الزمرة الفاسدة في السلطة، التي يدعمها حزب الله، أثبتت لعقود من الزمان أنها غير قادرة على إدارة الاقتصاد.

ولا شيء من هذا يعني أن نهاية "حزب الله" قريبة.

ولا يزال الحزب يمتلك أنصارا متشددين، وتحالفا قويا مع إيران، وأسلحة أكثر من الجيش اللبناني.

لكن التطورات يشير إلى أن "حزب الله" أصبح معزولا وغير آمن.

والأهم من ذلك، أنه لم يعد في سلام أو يملك سيطرة تامة على دائرته الانتخابية.

ويبقى من غير الواضح كيف سيتعامل "حزب الله" مع هذه الحلقة، لأن هذه أرض جديدة مجهولة بالنسبة له.

وقد يقبل خسائره ويمضي قدما دون رادع، وربما يضاعف من استخدام العنف للحفاظ على الوضع الراهن، أو يمكنه أن يعيد تقييم خططه خوفا من تكرار السيناريو العراقي المخيف، حيث تهدد معركة داخلية بين الشيعة، بين أولئك الذين يدعمون والذين يعارضون عراقا تهيمن عليه إيران، بنشوب حرب أهلية جديدة في البلاد.

المصدر | بلال صعب - معهد الشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية

مظاهرات لبنان سلاح حزب الله «حزب الله» اللبناني

استقالة الحريري تسبب صدمة لحزب الله.. وباسيل يشكل أزمة

مناهضو مظاهرات لبنان يحرقون مجسم نبض الثورة

السعودية والإمارات وإيران رأس الثورة المضادة للربيع العربي الثاني (تحليل)