فرنسا والحجاب: هستيريا دائمة ومرض عضال

الأربعاء 30 أكتوبر 2019 10:00 م

فرنسا والحجاب: هستيريا دائمة ومرض عضال

«عادت الفاشية بالأمس كان اليهود واليوم المسلمون»

فرنسا مصابة بهستيريا الحجاب فما تهدأ عاصفة حول واقعة حتى تهب زوبعة تالية حول حادثة جديدة.

خصوصية فرنسية تتغذى على فكر يمين عنصري متطرف يشتغل على إشعال المخاوف من الآخر.

تستمد الهستيريا زخما من تيارات ترفع راية «التشدد العلماني» وتفسير القيم الجمهورية بمعايير جامدة تفتقد التسامح والتعددية.

انخراط قطاعات واسعة في سجالات الحجاب يغمض الأعين عن مشكلات أفدح ويمنح التطرف والفاشية والعنصرية فرصاً للانقضاض.

*     *     *

نقلت صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية عن موقع لتدقيق المعطيات على القنوات الإخبارية المستمرة في فرنسا أنّ خمسة من هذه القنوات استضافت، خلال أسبوع واحد، 286 تدخلاً حول موضوع وحيد هو ارتداء الحجاب في فرنسا، وأنّ نصيب رأي النساء المحجبات كان مشاركة واحدة يتيمة.

وكانت وسائل الإعلام الفرنسية، المرئية والمسموعة والمقروءة، قد غرقت مجدداً في مسألة الحجاب بعد أن تعرّضت أم محجبة لاعتداء من أحد ممثلي حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، طالبها بخلع الحجاب أو مغادرة قاعة اجتماع لمجلس محلي في إحدى المدن الفرنسية.

وخلال هذه المداخلات الـ286 كان طبيعياً أن يشتط بعض المتدخلين، كأن يعلن صحافي في الـ«فيغارو» العريقة أنه يكره الإسلام ويغادر أي وسيلة نقل عامة إذا وجدت فيها امرأة محجبة، أو أن يسبقهم في الشطط بعض مقدمي البرامج أنفسهم، كما حين تساءل أحدهم إذا توجب على السلطات أن تمنع ارتداء الحجاب على غرار منع زي الضباط النازيين.

وكان منطقياً كذلك أن يخرج النقاش عن حجمه الطبيعي المتصل بقانون ساري المفعول يحظر ارتداء الرموز الدينية في المدارس، فيبلغ مستوى تأثيم الإسلام كديانة وثقافة، وتجريد المسلمين من وضعية المواطنين متساوي الحقوق في ظل التقاليد الجمهورية.

صحيح أن مشكلة الحجاب لا تقتصر على فرنسا بل تجتاح أوروبا بدرجات مختلفة من الحدة، حتى في بلد مثل بريطانيا يمكن أن يُتسامح مع شرطي يرتدي عمامة السيخ، إذ لم يمض زمن طويل على لجوء رئيس الوزراء البريطاني الحالي بوريس جونسون إلى تشبيه النساء المحجبات بـ«سارقي المصارف» و«صناديق البريد» في مقال كتبه في 2018، وتضاعفت بعده حوادث مضايقة المسلمين بنسبة 375 في المئة.

وشهدت الفترة ذاتها حملة قامت خلالها مجموعة بإرسال رسالة بعنوان «عاقب مسلما» على عناوين لمسلمين سواء في البيوت أو في العمل، وكان نواب مسلمون من بين من تلقوا نسخا من الرسالة التي تتحدث عن مكافآت لكل من يضايق مسلما، وتقدم اقتراحات من بينها ضرب المسلمين وانتزاع غطاء الرأس عن النساء.

صحيح أن الظاهرة مرتبطة بصعود تيارات اليمين المتطرف في أوروبا عامة، وفي فرنسا وإيطاليا وهنغاريا والنمسا بصفة خاصة.

وصحيح أن الركيزة الكبرى في فلسفة هذه التيارات هي العداء للمهاجرين وللإسلام والمسلمين على وجه التحديد.

وصحيح ثالثاً أن جذور الرهاب من الإسلام تضرب في عوامل الركود الاقتصادي والبطالة والفقر وعواقب العولمة، حيث يجري تحويل الجاليات والأديان والثقافات «الغريبة» إلى كبش فداء لإلهاء الناس وتحويل الأنظار عن المعضلات الفعلية الخانقة.

لكن فرنسا، وعلى نحو خاص ومنفرد، مصابة بما يشبه الهستيريا إزاء مسالة الحجاب، إذ ما تكاد تهدأ عاصفة حول واقعة ما في فترة محددة، حتى تهب زوبعة تالية حول حادثة أخرى جديدة (آخرها إقدام رجل ثمانيني على إطلاق نار قرب مسجد في بايون جنوب غرب فرنسا يوم أمس).

فتنخرط وسائل الإعلام في إذكاء سجالات طاحنة وعقيمة لا تعالج أياً من عناصر الجوهر بقدر ما تزيد في المرض العضال.

ولعل الخصوصية الفرنسية في هذا المضمار تتغذى أولاً على فكر اليمين العنصري المتطرف الذي يشتغل على تسعير المخاوف من الآخر، ولكنها للمفارقة تستمد الزخم من تلك التيارات التي ترفع راية «التشدد العلماني» وتفسير القيم الجمهورية وفق معايير جامدة وأحادية ومفتقرة إلى التسامح والتعددية الحقة.

ومؤخراً شهدت العاصمة الفرنسية مظاهرة للتضامن مع النساء المسلمات ضحايا هستيريا الحجاب ومرض رهاب الإسلام، فلم يخطئ المنظمون عندما رفعوا لافتة تقول «عادت الفاشية، بالأمس كان اليهود واليوم المسلمون».

إذ لا يخفى على أحد أن انخراط قطاعات واسعة من الفرنسيين في سجالات الحجاب لا يغمض الأعين عن مشكلات المجتمع الأفدح فقط، بل يمنح قوى التطرف والفاشية والعنصرية فرصاً ثمينة للانقضاض.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تركيا تدين إقرار الشيوخ الفرنسي مشروع قانون يحظر حجاب الأمهات

جدل يغذيه الانفعال والجهل يشتعل حول الإسلام في فرنسا

استطلاع: تنامي العنصرية والتمييز بحق مسلمي فرنسا آخر 5 سنوات

نواب فرنسيون يغادرون جلسة بالبرلمان لوجود طالبة محجبة

بسبب التمييز ضدهن.. محجبات يغادرن فرنسا للعمل في بريطانيا