دراسة: الحرب دمرت جيش اليمن وجعلته متعدد الولاءات

السبت 2 نوفمبر 2019 12:55 ص

دمرت الحرب الدائرة في اليمن، منذ 5 أعوام، قدرات الجيش الوطني في البلاد، وأحدثت به استقطابًا حادًا، وتعددًا في الولاءات على أسس قبلية ومناطقية ومذهبية وحزبية.

ولن يتعافى هذا الجيش ما لم تنته الحرب، وتعرف البلاد بوصلتها الجديدة ويُعاد تكوينه وتسليحه ليصبح جيشًا مهنيا، حسبما ذكر تقرير أعده مركز "الجزيرة" للدراسات.

واستعرض التقرير، التحديات التي تواجه الجيش الوطني في اليمن، والمتطلبات التي يحتاجها راهنًا ومستقبلًا، ليسهم بدوره المنتظر في إقرار الأمن والدفاع عن وحدة واستقلال أراضيه.

  • محطات التطور

ولفتت الدراسة، إلى أن الجيش اليمني مر بمحطات كثيرة في تاريخه، تعرض خلالها لإعادة تشكيله، خاصة في أعقاب الحروب والصراعات التي خاضها.

وتركت تلك الحروب على الجيش اليمني، آثاراً عديدة، سواء من ناحية التكوين البشري أو القدرات العسكرية والاستعدادات القتالية.

مع كل مرحلة يصنعها تحول سياسي في شطري البلاد، طرأ على الجيش تغيرات في نسيجه البشري، وأسماء وحداته العسكرية، وقادتها.

خلَق وضع اليمن في دولتين، مناخًا تنافسيًّا بينهما، وأحيانًا عدائيًّا، واستدعى معه صدامات مسلَّحة بين جيشي الدولتين.

وتجلت مظاهر هذا التنافس في سباق التسلح بينهما، غير أن الجنوب استطاع أن يكون أكثر تفوقًا في قواته البحرية، والجوية، والدفاع الجوي.

ومع الوحدة، في 1990، تشكل جيش الجمهورية اليمنية، الشمالي (عاصمته صنعاء)، والجنوبي (عاصمته عدن)، اندمج جيشا الشطرين، شكليًّا، في جيش واحد، وبات ذلك الجيش رقمًا صعبًا في منطقة الجزيرة العربية، وعلى مستوى الإقليم، لاسيما مع امتلاكه منظومة صواريخ باليستية.

وفي عام 2014، احتل الجيش اليمني، المرتبة السادسة عربيًّا، والخامسة والأربعين عالميًّا، بناء على معايير القوة العسكرية وعدد السكان.

  • صنوف الجيش

وتشكَّل الجيش اليمني، خلال مراحل مختلفة، في 3 صنوف وهي القوات البرية، والبحرية، والقوات الجوية.

وظل هذا التقسيم سائدًا حتى عام 2013، حيث أُضيف إلى هذه القوات صنف رابع، هو قوات حرس الحدود، وذلك في إطار خطة إعادة هيكلة الجيش، التي تبنَّاها الرئيس "عبدربه منصور هادي".

أما العقيدة العسكرية للجيش، فيما يتعلق بالتسليح والتدريب، فكانت تدور في فلك حلف "وارسو"، الذي تتزعمه روسيا، في ظل انفتاح محدودة نحو حلف شمال الأطلسي "ناتو"، من قِبل قوات الحرس الجمهوري، والقوات الخاصة.

  • مشكلات

وأدت الثورة الشعبية التي اندلعت في فبراير/شباط 2011، إلى انقسام الجيش في 21 مارس/آذار 2011، حيث تعزز هذا الانقسام مع تقدم مقاتلي "الحوثيين" من صعدة إلى صنعاء، وسيطرتهم عليها عام 2014.

مكّن ذلك الحوثيين من إحكام السيطرة على كافة الوحدات العسكرية التي كانت ضمن تشكيل "الفرقة الأولى المدرعة".

أدى تقدم الحوثيين جنوبي اليمن، عدا محافظتي حضرموت والمهرة، في مارس/آذار 2015، إلى تعميق انقسام الجيش، ولم يعد الانقسام على مستوى الوحدات والكتائب، بل صار فرديًّا؛ بناءً على الانتماء المناطقي، والمذهبي، والحزبي.

تزايد ذلك بعد تدخل التحالف السعودي الإماراتي، في 26 مارس/آذار 2015، وتوسع دائرة الحرب في البلاد، ما نتج عن ذلك قيام جيشين متقاتلين: جيش الحكومة الشرعية، ويقع مركز عملياته بمدينة مأرب، وجيش سلطة الحوثيين، ويقع مركز عملياته بالعاصمة صنعاء.

برهن هذا الانقسام، وهو امتداد لانقسامات عام 2011، على أن الجيش لم يكن يتصف بالمهنية؛ لأنه اقتحم الأزمة السياسية وصار جزءًا من أطرافها.

  • تدخل التحالف

وحسب الدراسة، فخلال السنوات الأربع والنصف من تدخل التحالف، عززت الحكومة الشرعية، وبدعم من التحالف، قدراتها العسكرية إلى حد ما.

على نحو ذلك اجتهد الحوثيون، وبدعم حلفائهم الإقليميين، مثل: إيران، وحزب الله اللبناني، وبرزت تشكيلات مسلحة أخرى، يدَّعي بعض منها أنه جيش مستقل بذاته، وذلك ما تجاهر به التشكيلات المسلحة الموالية لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، الساعي إلى الانفصال.

ولا تخضع هذه التشكيلات، على نحو كامل، لقيادة وزارة دفاع الحكومة الشرعية، وتحظى بدعم وتأييد إماراتي.

ظهرت تشكيلات مسلحة أخرى، متدنية التدريب والخبرة، ذات ميول سلفية، مدعومة سعوديًّا، تنتظم في ألوية وكتائب مشاة.

بقي الجيش المؤيد للحكومة الشرعية يفتقر للكثير من مقومات القوة، لاسيما القوات الجوية التي باتت أغلب قواعدها وطائراتها مدمَّرة.

أما القوات البحرية في كلا الطرفين، فلا تزال تعمل ولكن بأقل الإمكانيات، فيما تفتقر القوات البرية إلى الدبابات، وعربات المشاة القتالية المدرعة.

كل ذلك جاء نتيجة للحرب التي استهلكت ما بحوزة الجيش في الطرفين المتقاتلين، وعدم تمكن أي منهما من تعويض ذلك.

  • تحديات

وعن أبرز التحدي أمام إعادة بناء جيش يمني، على أسس وطنية ومهنية، هو استمرار الحرب الراهنة، واستمرار استقطاب المقاتلين بين أطراف الحرب.

فمن جانب الحكومة الشرعية، لا يزال الجيش يتمحور حول "هادي"، بوصفه جنوبيًّا، وحول نائبه "علي محسن الأحمر"، بوصفه شماليًّا.

ومن التحديات أيضا، نزعات القوات المؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي، نحو هويات محلية متعددة، يطوقها نكران للهوية اليمنية، وبروز هوية الجنوب العربي، في وسط توغل العقيدة العسكرية الإيرانية في صفوف مقاتلي اللجان الشعبية التابعة للحوثيين، والجيش المؤيد لهم.

وتمثل السيطرة الحزبية على مختلف قوات الأطراف المتحاربة، أحد التحديات القائمة، أمام أية خطوة نحو بناء جيش مهني متحرر من الحزبية.

كما باتت جماعة الحوثيين، هي المهيمن الحزبي على الجيش المؤيد لها، وعلى اللجان الشعبية، التي تعد الجيش الفعلي للحركة، على نمط "الحرس الثوري الإيراني".

الحال كذلك بالنسبة إلى قوات الحزام الأمني، وقوات النخبة؛ حيث يمثل المجلس الانتقالي الجنوبي وعاءها الحزبي.

ومع اقتراب نهاية العام الخامس للحرب، يبدو الجيش اليمني جيشا هشيمًا مشتتًا بين أطراف عدة، وقد ازداد وضعه سوءًا بعد أن التحق به مقاتلون جدد بولاءات مختلفة.

وختمت الدراسة، بالقول إنه "ربما لا يكفي تجاوز التحديات التي تواجه الجيش عقدان من الزمان، غير أن مفتاح مواجهة هذه التحديات يبدأ من وقف الحرب وإحلال السلام، والانطلاق نحو بناء جيش وطني مهني، يخضع لحكومة مركزية، وبرلمان منتخب، وتتحقق فيه عدالة التمثيل لكل مناطق البلاد، وأن يكون متجردًا من كل الولاءات الضيقة التي تتصادم مع ولائه الوطني ومهنيته".

المصدر | الخليج الجديد + الجزيرة

  كلمات مفتاحية

الحرب في اليمن الحوثيون الجيش اليمني

دمج «المقاومة الشعبية» اليمنية.. نواة لجيش وطني أم «ملشنة» عسكرية قادمة؟

قائد عسكري كبير يحذر من انقسام الجيش اليمني وفق سيناريو ليبيا