هآرتس: السعودية ترغب في أن تصبح مثل الصين

السبت 30 نوفمبر 2019 05:20 م

ربما فوجئ مراقبو الشأن السعودي بسماع نبأ اعتقال 8 مثقفين وكتاب الأسبوع الماضي من قبل الحكومة السعودية.

ولا تتعلق المفاجأة بالطبع بأي حال من الأحوال باعتقال المعارضين في المملكة العربية السعودية، ولكن كانت المفاجأة في القيام بذلك في حين كانت شركة النفط العملاقة المملوكة للدولة "أرامكو" في خضم اكتتاب عام أولي ومحاولة لجذب المستثمرين الأجانب.

ولم يكن أي من المعتقلين الثمانية من المعارضين البارزين للنظام ولم يكونوا يشكلون أي تهديد فوري لاستقرار البلاد السياسي. وفي حين تواجه السعودية بالفعل سجلا إشكاليا للغاية في مجال حقوق الإنسان، تبقى هناك تساؤلات كبيرة حول سر إقدام المملكة على هذه الخطوة في وقت الاكتتاب العام الذي يعاني بالفعل من اهتمام عالمي فاتر، فيما ستقلل التقارير المتعلقة باحتجاز المعارضين من شهية المؤسسات الاستثمارية المحدودة بالفعل.

لكن يصبح كل هذا منطقيا تماما إذا ألقينا نظرة فاحصة على الطريقة التي يقود بها ولي العهد "محمد بن سلمان"، الحاكم الفعلي للبلاد، المملكة.

وبنظرة إلى المواد الترويجية لـ"رؤية 2030"، خطة ولي العهد الاستراتيجية للاقتصاد والمجتمع السعودي، تتخيل شيئا ما مثل ولاية كاليفورنيا لكن في منطقة أكثر دفئا وجفافا. ونعني هنا اقتصاد متطور تكنولوجيا يعتمد على التمويل والسياحة والترفيه يقوده رواد أعمال جريئون، في حين يتم الاعتماد على النفط فقط لتمويل هذا التحول، لكن أهميته تنحسر مع ظهور المملكة العربية السعودية الجديدة.

وتتجاوز رؤية 2030 الشأن الاقتصادي، حيث يقوم ولي العهد بإجراء إصلاحات ليبرالية، مثل السماح للنساء بقيادة السيارات، ودعوة النجوم العالميين لأداء الاستعراضات والغناء على مسارح المملكة، وتطوير المدن الكبرى ذات التكنولوجيا الفائقة، والسماح للسائحين بقضاء إجازاتهم على شواطئ البحر الأحمر.

وبطريقته الخاصة، يريد "بن سلمان" حقا تحويل المملكة. ولكن، حتى لو لم يتم التعبير عن ذلك علنا، فإن نموذجه الحقيقي الذي يتطلع إليه هو الصين.

نموذج التنين

على مدار أكثر من 30 عاما، تصدرت الصين قافلة النمو الاقتصادي العالمي، وابتكرت صناعات غزت العالم مع شركات عملاقة مثل "هواوي" و"علي بابا"، ومدن جديدة على أراضٍ كانت ذات يوم حقولا زراعية. ويعد النموذج الصيني مقنعا لقائد طموح مثل ولي العهد السعودي، ليس فقط لأن الصين نجحت في تحقيق التنمية الاقتصادية، ولكن لأنها فعلت ذلك دون أن تضطر لتطبيق الديمقراطية.

ولا يعبر النموذج الصيني عن بلد يتمتع فيه المواطنون بالحرية والاستقلال الذاتي، لكنه يصلح لصناعة بلد من المستهلكين الذين يتمتعون بمستوى معيشي جيد ولديهم درجة معقولة من الثقافة ويحصلون على خدمات عامة جيدة في مقابل التنازل عن حرياتهم الأساسية للحكومة.

وتعد القومية جزءا مهما من المعادلة أيضا، لأنه حتى المستهلكون يحتاجون إلى مزيد من الولاء حتى يظلوا مخلصين، لكنها قومية متشددة لا تحظى بأي تسامع مع الولاء المزدوج، خاصة الولاء الديني.

وكان الولاء في السعودية في يوم من الأيام يعرف بالإخلاص للعائلة المالكة والنسخة الأصولية الوهابية من الإسلام. والآن، يريد ولي العهد أن يكون الولاء للدولة وحدها، ولم يعد يهتم لرجال الدين مثلما هو غير مهتم بمنظمات حقوق الإنسان.

ويفسر هذا التوجه بعض الإجراءات التي يتبناها "محمد بن سلمان" مثل تقليص صلاحيات الشرطة الدينية واتخاذ موقف أكثر ودية تجاه الأقلية الشيعية في البلاد.

وعلى عكس الكثير من منتهكي حقوق الإنسان، تبقى الصين عضوا محترما في مجتمع الأعمال العالمي، وهذا سبب آخر لتطلع المملكة إلى النموذج الصيني. ويمكن للصين أن تفعل ذلك ببساطة لأنها كبيرة وقوية اقتصاديا لدرجة لا يمكن معها أن يتجاهلها أي شخص. ومثال على ذلك، قامت شركة "علي بابا" الصينية للتو باكتتاب عام عملاق في هونغ كونغ هذا الأسبوع، في الوقت الذي تموج فيه المدينة بالاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية.

ولا يعد الاقتصاد السعودي بنفس حجم الاقتصاد الصيني، لكنه كبير ومهم بما فيه الكفاية لدرجة أنه قد يكون قادرا على ممارسة نفس التوازن. وكمثال على ذلك، وبعد عام واحد فقط من القتل المروع لـ"جمال خاشقجي"، استقطب مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار"، وهو الحدث الاستثماري الأكبر في البلاد، أكبر الشركات ورجال المال في العالم.

وكان لدى ولي العهد الجرأة لتنظيم هذا الحدث في فندق "ريتز كارلتون" بالرياض، نفس المكان الذي احتجز فيه بعض رجال الأعمال الأقوى قبل عامين.

نجاح غير مضمون

وقد يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى تقييد طموحات المملكة، لكن لا يزال أمام ولي العهد الكثير من الأبواب الأخرى للحصول على المال. ولن تخلق الديمقراطية وحقوق الإنسان عقبة مستعصية أمام الشركات الأجنبية التي تتصارع للحصول على دور في اقتصاد المملكة. وتمنح السياسة الودية لإدارة "ترامب" الضوء الأخضر لتطلعات المملكة.

وسواء كان الأمر يتعلق بالصين أو كاليفورنيا كنموذج، فقد لا ينجح الأمر في السعودية. وبعد 3 عقود من النهضة الصينية، لا تزال الصين بلدا متوسط الدخل، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي نحو 8800 دولار، مقارنة مع المملكة التي يبلغ فيها نصيب الفرد 21 ألف دولار.

وللالتحاق بصفوف البلدان الثرية، سيتعين على الصين أن تنتقل إلى اقتصاد عالي التقنية حقا، وليس هناك ما يضمن نجاحها. وأحد أسباب ذلك هو أن النموذج الصيني الذي يعتمد على الحكومة القمعية ليس أرضا خصبة للغاية لاقتصاد الابتكار. ومن الصعب أن تطلب من الناس أن يكونون مبدعين وأن يفكروا خارج الصندوق داخل بيئة العمل فقط، في حين أن يتركوا حريتهم ويبقوا خاضعين عندما يغادرون العمل.

وتعتقد الصين أن بإمكانها تحقيق هذه المعادلة، وكذلك يفعل ولي العهد، لكن من غير المرجح أن ينجح أي منهما.

المصدر | ديفيد روزنبرج - هآرتس

  كلمات مفتاحية

تدريس اللغة الصينية في السعودية.. دبلوماسية ناجحة وطعنة بظهر الإيغور