أنقرة تناوش القاهرة وحلفاءها بالاتفاق مع حكومة طرابس.. لماذا؟

الجمعة 29 نوفمبر 2019 10:55 م

أزمة سياسية تلوح في الأفق، أطرافها متعددة بين مصر وتركيا وليبيا وقبرص واليونان.

يأتي ذلك على إثر توقيع اتفاقية مثيرة للجدل بين تركيا وليبيا، تضمنت تعاونا أمنيا وترسيماً للحدود البحرية.

ووقعت حكومة الوفاق الليبية وتركيا اتفاقيتين إحداهما حول التعاون الأمني وأخرى في المجال البحري، خلال لقاء جمع رئيس الحكومة الليبية "فايز السراج" والرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في إسطنبول، جدد خلاله الرئيس التركي استمرار دعم بلاده لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً.

ورفضت اليونان الاتفاق ووصفته بأنه "أمر مناف للعقل من الناحية الجغرافية"، لأنه يتجاهل وجود جزيرة كريت اليونانية بين الساحلين التركي والليبي.

واستدعت الخارجية اليونانية السفير التركي لديها، وأدانت الاتفاق، مشيرة إلى أنه لا يمكن أن ينتهك سيادة دولة ثالثة، وأن "هذا الإجراء انتهاك واضح لقانون البحار الدولي ولا يتماشى مع مبدأ حسن الجوار الذي يحكم بين الدول".

لكن وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو"، قال إن بلاده وقعت الاتفاقية "لحماية حقوق تركيا النابعة من القانون الدولي".

فيما قالت الرئاسة التركية إن الاتفاق الخاص بالمجال البحري جاء "لحماية حقوق البلدين في السيادة على المناطق البحرية".

ويرى الدكتور "بشير عبدالفتاح"، الخبير المصري في الشؤون التركية والباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، أن تركيا لا تعترف بجزيرة كريت ولا ترى قبرص، وبالتالي فهي ترى أن حدودها المائية تمتد حتى الحدود المائية الليبية ما يعني أن إقليم شرق المتوسط يمكن اقتسامه مناصفة مع ليبيا استناداً إلى مبدأ "الجرف القاري"، وليس مبدأ الحدود البحرية أو المياه الإقليمية.

وهذا الجرف القاري يمتد لمسافة 200  ميل بحري، فإذا كان عرض المتوسط يقترب من 400 ميلاً بحرياً، فيمكن للطرفين تقاسمه متجاهلين بذلك كلا من قبرص واليونان.

  • لماذا هذه الاتفاقية؟

ويضيف الخبير المصري في الشؤون التركية، أن ما يهم تركيا في ليبيا، عدة اعتبارات أولها تأمين مصدر للطاقة، "فتركيا دولة غير منتجة للطاقة وتستورد 95% من احتياجاتها منها ما يكفلها سنويا نحو 50 مليار دولار، وتريد وقف هذا النزيف على الطاقة وأن يكون لها منابع نفط وغاز.

كما أن تركيا، بحسب "عبدالفتاح"، لديها فقط 12 ميلاً بحرياً، وفقا لاتفاقية البحار لعام 1982 كحدود بحرية ليس متوفر بها أي مصادر للطاقة، لذا تريد التوسع في الجرف القاري لعلها تجد بغيتها، "خصوصا وأن المسح الذي جرى لهذه المنطقة أكد وجود منابع نفط وغاز تتمركز في المثلث الواقع بين قبرص و(إسرائيل) واليونان، أي شرق وجنوب قبرص وليس شمالها القريب من تركيا".

وتريد تركيا اقتسام إقليم شرق المتوسط مناصفة مع ليبيا، استناداً إلى مبدأ "الجرف القاري"، وليس حسب مبدأ الحدود البحرية أو المياه الإقليمية

ويضيف "عبدالفتاح"، بأن التموضع العسكري التركي في ليبيا، هو رغبة تركية قديمة لتضمن لنفسها فرصة في جهود إعادة الإعمار، والتي قد تحقق جزءًا من التوازن للاقتصاد التركي المهزوز، فضلاً عن النفط الليبي في أراضي ليبيا.

ويتابع أن "أنقرة تريد أيضا دعم الإخوان المسلمين والميليشيا الموالية لها بما يخدم مشروع أردوغان لإحياء العثمانية الجديدة ودعم جماعات الإسلام السياسي بالمنطقة، والاقتراب من الحدود المصرية وإرباك وإزعاج القاهرة"، على حد قوله.

أما "تيم إيتون"، خبير الاقتصاد السياسي والصراع الليبي في معهد تشاثام هاوس في لندن، فيرى أن الاتفاقية تأتي في الوقت الذي تتكثف في المعارك حول طرابلس، بجانب الشكوى المستمرة من حكومة الوفاق بافتقارها للأسلحة الكافية لدعم جهودها، وهو عكس ما يحدث مع جيش "حفتر".

ويضيف "إيتون"، أنه فيما يتعلق بالدعم السياسي، فإن تركيا أقل نفوذاً مقارنة بالدعم السياسي الذي تلقاه الجيش الوطني الليبي من الإمارات ومصر بشكل صريح ومن فرنسا بشكل غير صريح، "لذا يرى الجانبان أنهما بحاجة إلى مثل هذا الإعلان لتصبح تركيا رسمياً هي مصدر إمدادات الأسلحة في هذا الوقت الهام من الصراع".

ويتابع بأن "هذه الخطوة ربما تكون قد أتت أيضاً رداً على زيارة وفد من شرق ليبيا برئاسة علي الهبري، رئيس البنك المركزي في الشرق غير المعترف به دولياً، إلى اليونان، بهدف الإعداد لخطة إعادة إعمار بنغازي ليأتي هذا الاتفاق رداً على الأمر".

  • مصر.. رفض وغضب

من جانبها، انتقدت مصر الاتفاقية "كونها تتعدى صلاحيات رئيس مجلس الوزراء الليبي، فضلاً عن أنها لن تؤثر على حقوق الدول الشاطئية للبحر المتوسط بأي حال من الأحوال" حسب بيان لوزارة الخارجية المصرية.

لكن الرفض المصري للاتفاقية، قد يكون له أسباب أخرى غير معلنة، فبحسب محللين فإن مصر تخشى من اختلال الكفة في ليبيا ما يضعف من شوكة "حفتر" الذي تدعمه مصر بقوة.

ويقول "عبدالفتاح"، الخبير المصري في الشؤون التركية، إن ما أثار مصر هو اتفاقيات تعيين الحدود البحرية، وليس فقط الدعم العسكري والأمني التركي لحكومة الوفاق، والحديث عن ترسيم حدود بحرية بين حكومة ليست على ود مع دول كمصر والإمارات والسعودية، وأيضاً اليونان وقبرص، كحلفاء لمصر حاليا.

ويتابع: "إلى جانب أن اتفاقية ترسيم الحدود لا نعلم أي تفاصيل عنها، ولا نعرف ما المرجعية التي استندت إليها، هل هي اتفاقية البحار؟، أم على أساس الجرف القاري أم وفقاً للمناطق الاقتصادية الخالصة".

ويشير "عبدالفتاح"، إلى أن "التسريبات الواردة من تركيا تفيد بأن الحدود البحرية ستصل إلى 200 ميل بحري تدخل فيها مياه قبرص واليونان ومصر، لأن تركيا محكومة بالوقوف عند الأراضي اليابسة".

و"هذه الأرض هنا هي قبرص والتي لا تعترف بها تركيا أصلا بالتالي ستكون الحدود عن ليبيا"، يضيف "عبدالفتاح".

أما "إيتون"، فيرى أنه "من غير الواضح إلى الآن ما إذا كانت الاتفاقية ستنتهك المصالح المصرية في حوض البحر الأبيض المتوسط، خاصة أن المنطقة غنية بموارد الغاز الطبيعي، وهو أمر يحتاج الى التحقق منه خصوصاً مع الغموض المحيط بتفاصيل الاتفاقية".

  • ليبيا.. مسرح مفتوح

ومؤخراً صعّدت واشنطن من موقفها المعارض للتدخل الروسي المساند لـ"حفتر"، إلا أنها لا تريد مواجهة موسكو بشكل مباشر.

وفي هذا السياق، يرى محللون أن واشنطن منحت ضوءاً أخضر لأنقرة، العضو في الناتو، للتدخل، في إشارة واضحة لموقف الحلف الرافض للمساعي الروسية لوضع قدم في حوض المتوسط.

ويرى "عبدالفتاح"، أنه ما من شك في أن المنافسة الروسية الأمريكية، أمر قائم، وأن تركيا لديها رغبة جادة في منع وجود تموضع روسي طويل الأمد في المناطق الدافئة، وفي شرق المتوسط، كما أن أمريكا مستاءة للغاية من تموضع روسيا في شرق المتوسط وقد تستخدم تركيا كذراع في هذا الأمر.

ويستدرك "عبدالفتاح" قائلاً: "لكن هناك تحدي في هذا الشأن، هو العلاقات التركية-الروسية، فتركيا من الأصل لا تريد الاصطدام بروسيا التي تتقارب معها استراتيجياً، وتعتبرها احتياطي استراتيجي لها في مواجهة أمريكا والغرب الذين هم أصلاً حلفاء تركيا".

ويتابع: "لكنهم (الغرب) يعاملون تركيا كحليف من الدرجة الثانية، بدليل وجود مشروع لصفقات تسلح جديدة بين الطرفين مثل إس-400 فضلاً عن مقاتلات سوخوي 35 و57 في حال فشل صفقة إف-35 الأمريكية والتعاون في مشروع (South Stream 2) لنقل الغاز من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا فكل هذه المشاريع تخشى تركيا أن تتهاوى إذا ما اصطدمت بروسيا".

ويرى "إيتون"، أن "إمدادات الأسلحة التركية لحكومة الوفاق كانت قد تراجعت استجابة لمحاولة دولية لتخفيف حدة الصراع، وكذا قدمت طلبات مماثلة بتخفيض كميات الأسلحة التي يتم تزويد الجيش الوطني الليبي بها لزيادة فرص نجاح التسوية السياسية في المحادثات المزمع عقدها في برلين".

ويضيف بأن ما حدث مع حكومة الوفاق لم يحدث مع "حفتر"، "فما زلنا نرى عدداً متزايداً من الغارات الجوية باستخدام الطائرات دون طيار والمقاتلات فوق طرابلس، ويبدو أن كثير من الغارات التي نفذت فوق طرابلس قامت بها قوات أجنبية دون وجود تأكيد رسمي بذلك"، مضيفاً أنه في نوبة الصراع الأخيرة تلك لم يُطلب من حفتر تقديم تنازلات بل إنه يواصل تكثيف الهجمات على طرابلس".

المصدر | دويتشه فيله

  كلمات مفتاحية

حكومة الوفاق الوطني حكومة الوفاق الوطني الليبية العلاقات التركية الليبية

تركيا توقع اتفاقا مع الوفاق الليبية لترسيم الحدود البحرية بالمتوسط

التدخل الروسي في ليبيا.. واشنطن تتحرك دبلوماسيا

بعيدا عن عدسات الصحفيين.. أردوغان يلتقي السراج بإسطنبول