لماذا يعزز السيسي دعمه لنظام بشار الأسد؟

الأربعاء 4 ديسمبر 2019 04:06 م

مع تحول النظام الجيوسياسي للشرق الأوسط نحو روسيا بشكل متزايد، يبدو أن الشراكة المصرية السورية في حقبة الحرب الباردة بدأت تعود إلى حد ما.

ومع تحقيقها للنصر ميدانيا في معظم المناطق، تعمل الحكومة في دمشق على إعادة دمج نفسها تدريجيا في الساحة الدبلوماسية للعالم العربي.

وبعد 8 سنوات من تعليق عضويته في جامعة الدول العربية، مع إغلاق عشرات البعثات الدبلوماسية الأجنبية في العاصمة السورية، تمكن نظام "بشار الأسد" من إعادة تطبيع علاقاته مع عدد متزايد من الدول العربية.

وتبقى هناك دولة عربية واحدة ترحب بشدة بهذا التطور أكثر من غيرها من الدول، وهي مصر.

في الواقع، منذ صعود الرئيس "عبدالفتاح السيسي" إلى السلطة في انقلاب عسكري منتصف عام 2013، انحازت القاهرة بوضوح إلى "الأسد" في الصراع السوري.

ولكن في الفترة الأخيرة على وجه التحديد، أصبحت الحكومة المصرية أكثر دعماً لنظام "الأسد" وللجهود الإقليمية لدفع عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

ويمكن تفسير ذلك بشكل رئيسي في ضوء تداعيات عملية نبع السلام التركية في شمال شرقي سوريا، والتي لعبت دورًا في تعزيز رواية القاهرة بأن دعم نظام دمشق يخدم المصالح الجماعية الحيوية للدول العربية ضد تهديد "عثماني جديد" تمثله سياسة أنقرة الخارجية الطموحة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

العامل التركي

انضمت مصر إلى عشرات الدول العربية في إدانة التوغل العسكري التركي في 9 أكتوبر/تشرين الأول، وأعلن مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون العربية في ذلك التوقيت أن دعوة القاهرة لعقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية كانت مدفوعة بالحاجة إلى موقف عربي موحد ضد الحملة العسكرية الأخيرة لتركيا في سوريا. 

بخلاف ذلك، انتقدت لجنة برلمانية في مصر "العدوان التركي على الأراضي السورية" في بيان لها، وخلال الأسبوعين الأولين من توغل أنقرة في شمال شرق سوريا، استضافت نفس اللجنة سفير دمشق في القاهرة.

وبعد بضعة أيام، قام حزب مصري بزيارة إلى السفارة السورية في القاهرة للتعبير عن تضامنه مع حكومة "الأسد" في مواجهة الحملة العسكرية التركية.

بالإضافة إلى ذلك، عقد المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب في 27 أكتوبر/تشرين الأول جلسة طارئة بحضور السفير السوري، حيث دعا المشاركون إلى إعادة سوريا إلى الجامعة العربية ومقاطعة المنتجات التركية ردا على عملية نبع السلام.

العامل الخليجي

في الوقت نفسه، تعد القاهرة متلقيا كبيرا للمساعدات من ممالك شبه الجزيرة العربية، وهي مساعدات تؤثر في العديد من الحالات على تحركات مصر على الساحة الدولية.

ورغم أن دعم مصر لحكومة "الأسد" في وقت سابق من الأزمة السورية أدى إلى درجات من الاحتكاك بين القاهرة وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، فإن دعم مصر للنظام السوري في الوقت الحالي أقل إثارة للجدل في علاقات القاهرة مع دول الخليج العربي.

ومنذ 9 أكتوبر/تشرين الأول، لم يكن انفتاح مصر المتزايد حول دعم نظام "الأسد" مرتبطا فقط بمعارضة دول مجلس التعاون الخليجي للعملية التركية في سوريا، ولكن أيضًا بالاتجاه السائد بين دول الخليج العربي بإعادة الاعتراف بشرعية الحكومة السورية.

مع عدم قيام سلطنة عمان بقطع العلاقات مع سوريا، وانضمام البحرين إلى الإمارات العربية المتحدة في إعادة فتح بعثاتها الدبلوماسية في دمشق، واحتفاظ الكويت "بنهج الانتظار والترقب"، فإن الحكومة السورية لم تعد منبوذة من قبل مشيخات شبه الجزيرة العربية.

وعلى الرغم من أن قطر لا تزال تعارض بشدة إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق، لكن الخبراء يؤكدون أن المملكة العربية السعودية من المرجح أن تكون بدأت التقارب مع "الأسد" في وقت ما قبل فترة طويلة.

وتبقى الإمارات هي العضو الرئيسي في مجلس التعاون الخليجي الذي يقود عملية إعادة دمج دمشق في الساحة الدبلوماسية للعالم العربي.

مع تحالف القاهرة المتنامي مع أبوظبي وموسكو بشأن معظم القضايا الأمنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من المفهوم أن دعم مصر المتنامي للحكومة السورية يحظى بقبول كبير بين حلفائها الإقليميين.

ومثل أبوظبي، فإن وجهات نظر القاهرة تجاه حكومة "الأسد" ترتبط بشكل كبير بمواقف "السيسي" الشخصية من قضايا بعينها مثل أجندة تركيا في العالم العربي ودور الإخوان المسلمين، فضلاً عن الجماعات الأكثر تشددا مثل "الدولة الإسلامية"، و"القاعدة".

في نهاية المطاف، يأتي تحرك دول الخليج العربي نحو إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق ضمن السياق الجيوسياسي الأعظم لقوة روسيا المتنامية في الشرق الأوسط، ومع تهافت دول مجلس التعاون الخليجي على موسكو، خاصة على خلفية تراجع الثقة في الولايات المتحدة كضامن أمن موثوق به، اتجهت الحكومات الملكية العربية ببطء إلى النظر إلى المصالحة مع الحكومة السورية بوصفها أمرا ضروريا لتحسين علاقاتها مع الكرملين.

من خلال التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا ابتداء من سبتمبر/أيلول 2015، نجحت موسكو في إنشاء حقائق على أرض الواقع في الدولة التي مزقتها الحرب ودفعت أعداء نظام "الأسد" في دول مجلس التعاون الخليجي إلى التخلي عن طموحاتهم في الإطاحة بالحكومة السورية.

ومع ذلك، على عكس معظم عواصم الخليج العربي، بدأت القاهرة في إعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع حكومة "الأسد" بعد فترة وجيزة من الانقلاب الذي وقع في مصر عام 2013.

وفي حين أدانت القيادة السياسية السعودية ورجال الدين البارزون داخل المؤسسة الدينية في المملكة بشدة تدخل روسيا في سوريا عام 2015، فإن مصر دعمت حملة موسكو الجوية التي هدفت لإمالة ميزان القوى لصالح "الأسد".

وهكذا، من منظور حكومة "السيسي"، أدى الضغط الروسي على حلفاء مصر من دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بالنزاع السوري إلى تعزيز مصالح القاهرة ودفع الدول العربية السنية الرئيسية إلى تبني أجندتها في تطبيع العلاقات مع نظام "دمشق".

العامل الأيديولوجي

لكن دعم القاهرة المفتوح لحكومة "الأسد" يتجاوز عملية "نبع السلام" والعلاقات المتينة بين ومصر والمانحين في مجلس التعاون الخليجي.

في الواقع، هناك الكثير من العوامل التي تجعل النظام السوري شريكًا طبيعيًا لمصر، ونظرا للكراهية المتبادلة من قبل كلا البلدين تجاه الإخوان المسلمين، تتطلع الحكومتان في القاهرة ودمشق إلى الكثير من القضايا المتعلقة بالإسلام السياسي والتطرف والإرهاب.

ففي الأيام الأولى للإطاحة بالرئيس الراحل "محمد مرسي" في عام 2013، أشاد "الأسد" بالانقلاب حيث قال في مقابلة مع صحيفة رسمية أن ما يحدث في مصر هو سقوط للإسلام السياسي، وأضاف "الأسد" خلال المقابلة: "في أي مكان في العالم، كل من يستخدم الدين لتحقيق أهداف سياسية سوف يسقط. لا يمكنك خداع كل الناس في كل وقت، ناهيك عن الشعب المصري الذي لديه حضارة عمرها آلاف السنين، والذي يتبنى الفكر القومي العربي".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، صرح "السيسي" بوضوح أن حكومته تدعم "الأسد" في الحرب الأهلية في سوريا، وقال الرئيس المصري إن أولوية بلاده "هي دعم الجيوش الوطنية"، وعندما تم الضغط عليه للإفصاح عما إذا كانت حكومته تدعم نظام "الأسد"، أجاب السيسي بالموافقة.

ومع ضمان نظام "الأسد" "النصر" عسكريا وسياسيا، وبالنظر إلى حقيقة أن النظام في مصر لا يواجه أي تحد ذي مصداقية (على الرغم من بعض الاحتجاجات القصيرة الأجل في وقت سابق من هذا العام)، فإن الحكومتين السورية والمصرية تركزان على تعزيز القوة مع استخدام التكتيكات الاستبدادية لاستعادة "الاستقرار".

وقد ترك "موت" ثورات الربيع العربي في كل من سوريا ومصر قادة الدولتين مع شعور من الارتياح بعد انتصارهم على الإخوان المسلمين وغيرهم ممن يعتبرونهم وكلاء للتطرف.

بخلاف ذلك، يرى كل من "الأسد" و"السيسي" نفسيهما كحصنين أخيرين ضد التطرف الإسلامي والاضطرابات الواسعة النطاق في العالم العربي.

وتعتقد كل من القاهرة ودمشق أن الفوضى التي اندلعت في جميع أنحاء المنطقة في عام 2011 كانت نتيجة لفشل الدول العربية في أن تكون قاسية ومخيفة بما فيه الكفاية عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع المحتجين، وكانت الدروس المستفادة من وجهة نظر كلا النظامين هي أن التنازلات تؤدي إلى عدم استقرار خطير.

وكما كتب "حسن حسن": "ليس لدى المستبدين في المنطقة العربية الكثير ليقدموه في طريق تلبية مطالب الناس. بالنسبة لهم، لا توجد دروس يمكن تعلمها من الانتفاضات بخلاف الحاجة إلى مزيد من القمع، بدلاً من ذلك، فهم يشيرون عادةً إلى وحشية الدولة الإسلامية والدمار الشامل في سوريا والعراق".

وفي حين يتم تحويل انتباه العالم العربي إلى التهديد "العثماني الجديد" المزعوم الذي تشكله تركيا وإمكانية عودة تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الشام، تسعى مصر إلى حث المزيد في المنطقة على إعادة قبول "الأسد" كزعيم عربي من جديد.

وعلى جانب آخر، يبدو من الواضح أن مصر قد انتقلت بشكل ملحوظ إلى موسكو وبعيدًا عن واشنطن في علامة أخرى على نفوذ روسيا المتزايد في العالم الإسلامي.

المصدر | جورجيو كافييرو - إنسايد أرابيا / ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

روسيا: مقتل 47 من قوات الأسد و51 مدنيا خلال يومين

إيدي كوهين: بشار الأسد سيغادر حكم سوريا يوليو المقبل

مباحثات مصرية سورية لترتيب لقاء بين السيسي والأسد