اعتبرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC تطورات الأحداث في الشرق الأوسط مؤخرا مؤشرا على "عاصفة تختمر" بالمنطقة، لاسيما ضد "فريق إيران"، مشيرة إلى أن انتفاضات الربيع العربي، التي اندلعت في 2011، "لم تُخمد نيرانها" رغم القتل والقمع.

واستند محرر شؤون الشرق الأوسط بالهيئة "جيرمي بوين"، في تحليله بموقع BBC عربي، إلى اندلاع الاحتجاجات في العراق ولبنان، وفي إيران نفسها، ما يعود إلى "غضب مشترك تعبر جذوره الحدود جامعة بين الشباب الطامحين إلى الإطاحة بقادة فاسدين وغير أهل للثقة" حسب تعبيره.

ويرى "بوين" أن 2019 هو عام تجدد الربيع العربي، الذي أسفر حتى الآن عن استقالة اثنين من رؤساء الوزراء في كل من لبنان والعراق.

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول انطلقت مظاهرات ضخمة سِلمية في لبنان وأخرى شديدة الدموية في العراق. أما في إيران، فقد سقط المئات رميا بالرصاص خلال تظاهرات شهدتها الأسابيع القليلة الماضية.

ولكل بلد من هذه البلاد أحزانه الخاصة، غير أن المتظاهرين فيها جميعا تجمعهم إحباطات عميقة متجذرة، بحسب "بوين".

فمعظم هؤلاء المتظاهرين شباب؛ وأكثر من 60% من السكان في الشرق الأوسط دون الثلاثين، وهم غاضبون، ومحبطون من البطالة والفساد. يرون في انتظارهم حياة صعبة، بينما تستأثر نُخَب سياسية بالسلطة والمال.

وأشار "بوين" إلى مظاهرة في البنك المركزي ببيروت، ردد خلالها المتظاهرون هتافات عن الثورة، متهمين المسؤولين باللصوصية، فضلا عن ترديد الهتاف الذي ساد في احتجاجات 2011: "الشعب يريد إسقاط النظام".

وأضاف: "هذه محطة للتزود بالوقود في بيروت، عندما حاولتْ إغلاق أبوابها بينما لا تزال الطوابير مصطفة خارجها، ثار ما يشبه الشغب. لقد طفح الكيل بالناس هنا؛ لأنهم لا يستطيعون الحصول على الوقود الذي يقولون إنه موجود في المحطة. وها هو البعض منهم يريد إغلاق الطريق".

وذكر التحليل أن أزمة لبنان تتمثل في أن الناس لا يستطيعون تأمين احتياجاتهم اليومية، وهو أمر ينذر "بوقوع أمر ما في ظل الأعصاب المشدودة، فهناك غضب حقيقي" بحد تعبير "بوين".

وبدأت التظاهرات في الاشتعال في لبنان إثر محاولة لرفع الضرائب والتي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، واستثارت غضبا حقيقيا من أزمة اقتصادية طال أمدها تحت إشراف قادة سياسيين يتهمهم المتظاهرون بالفساد.

وأرسل حليف إيران اللبناني، حزب الله، عناصر لمحاولة إفساد المظاهرات في بيروت، لكنه لم ينجح في تحقيق مسعاه.

لكن هذه ليست نهاية المطاف؛ حسبما يرى "بوين"، فـ "حزب الله قوي ويمتلك أسلحة ثقيلة، ويسعى منذ 40 عاما إلى السيطرة على لبنان ويرتاح للوضع الراهن في لبنان ولا يريده أن يتغير".

وبينما سادت السِلمية معظم الأحداث في لبنان، قتل 400 متظاهر برصاص قوات الأمن في تظاهرات العراق، وأصيب أكثر من 15 ألف شخص.

ويشير "بوين" في هذا الصدد إلى أن الحكومية العراقية تعد إحدى أكثر الحكومات فسادا في العالم، ولذا يواجه المتظاهرون الموت بصدور عارية بعد أن تملّكهم اليأس من أوضاع بلادهم الغنية بالنفط.

ولا يكتفي المتظاهرون بإلقاء اللوم على ساستهم غير الأكفاء، وإنما يستهدفون أيضا ذلك التحالف بين بلدهم وإيران، مضرمين النار في هيئات دبلوماسية تخص طهران في مدينتي النجف وكربلاء المقدستين.

وفي الداخل الإيراني نفسه، اشتعلت تظاهرات ضخمة في الأسبوعين الأخيرين إثر ارتفاع في أسعار الوقود، وقتل أكثر من 200 شخص برصاص النظام، وفقا لما نقلته خدمة BBC الفارسية.

والآن يتطلع الإيرانيون إلى الاستعانة بحلفائهم، واستخدامهم لإظهار قوتهم، وفق "بوين"، الذي أشار إلى أن الإيرانيين في اللحظة الراهنة يواجهون مشكلة حقيقية بعد ما كشفت عنه المظاهرات من مشاعر مناوئة لإيران تتزايد يوما بعد يوم في العراق ولبنان.

وتغذي هذه التظاهرات حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي الذي تموج به أكثر مناطق العالم اضطرابا.