جدل تجديد الخطاب الديني يعود.. والأزهر يرد على اتهامات بالإرهاب

السبت 14 ديسمبر 2019 01:29 م

عاد الجدل من جديد في مصر حول تجديد الخطاب الديني ودور الأزهر فيه، خلال الأيام الماضية، وسط اتهامات للأخير بإنتاج بذور للتطرف، ورد للمؤسسة الدينية الأعلى في البلاد بالاستنكار والتنديد.

ولم تتوقف، طوال الأسبوع الماضي، مشاركات المتابعين للقضية، من جمهور القراء وكتاب الرأي في صحف مصرية عدة، الذين عبّر بعضهم عن "دعمهم لتطوير الخطاب"، بينما رأى آخرون أن "حملة ما ضد الأزهر وراء الأمر".

  • بذور التطرف

اندلع الجدل، بحوار أجراه الأكاديمي المصري والناقد الأدبي "صلاح فضل"، مع صحيفة "المصري اليوم"، مطلع الشهر الجاري، حمل خلاله مناهج المعاهد الأزهرية المسؤولية عما قال إنه "إنتاج بذور للتطرف".

ودخل على الخط في الإطار نفسه، كاتب المقال الشهير في الصحيفة نفسها، الذي يوقع باسم "نيوتن"، وتبعه معلقون آخرون من الكتاب والقُراء.

وعلى الجانب الآخر، اشتبك رئيس تحرير جريدة "صوت الأزهر" التي تصدر عن المشيخة "أحمد الصاوي"، مع تلك الأطروحات، وردّ في مقال مطول، الأسبوع الماضي، تضمن أفكاراً مختلفة، وكان من بينها تساؤل عن كيف يمكن "لرأس مؤسسة (أحمد الطيب) تقولون إنها تقذف بالمتطرفين إلى الحياة، أن يجاور البابا (فرنسيس) بهذه الحميمية بين القامتين الكبيرتين في العالم؟".

وقبل أسبوعين، بعث "الطيب" و"فرنسيس" رسالة مشتركة إلى الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش"، حددا خلالها الرابع من فبراير/شباط من كل عام يوما عالميا للأخوة الإنسانية.

ويركز الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، منذ وصوله إلى سدة الحكم في عام 2014 على قضية "تجديد الخطاب الديني"، وكثيرا ما تتضمن خطاباته الرسمية ومداخلاته في المناسبات العامة حضا لعلماء الدين على تفعيل تلك المساعي.

وقال "السيسي"، في عام 2017، إن مسألة تجديد الخطاب الديني "قضية حياة أو موت لهذا الشعب (المصري) وهذه الأمة (الإسلامية)".

يقول "فضل"، لصحيفة "الشرق الأوسط"، إن دعوته التي أثارت كل هذه الردود، هي "تربوية بالأساس، وتهدف لدمج التعليم الديني بالمدني، ووقف (الانفصام التعليمي) في المجتمع"، حسب توصيفه.

ويضيف: "يجب أن تتضمن المناهج التي يتلقاها الطلاب في مراحل التكوين قبل الجامعي، جرعة من العلوم المعاصرة التي تحض على التفكير في المسائل بصورة أوسع"، معتبرا أن "الكتب التي يتم تقديم مناهجها لطلاب المعاهد الأزهرية هي بنت عصور (ما قبل العلم)".

لكن في المقابل يرد عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر "عبدالله النجار" عليه بالقول إنه "تحدٍّ لأي شخص يهاجم مناهج الأزهر، أن يحدد بدقة ودون إلقاء اتهامات عامة، منهجا أو كتابا أزهريا في أي مرحلة من المراحل يمكن أن يكون بذرة للتطرف، أو تشجيعا على الإرهاب".

ويتابع: "من يحمّلون المناهج الأزهرية مسؤولية عن التشدد، لا يملكون معلومات مُحدثة أو مُوثقة عما يتم تدريسه الآن، ويرددون افتراضات لا تقوم على تقصٍ أو دراسة حقيقية".

و"النجار"، الذي شارك مع آخرين في إعداد تطوير المناهج الأزهرية، شرح أن "الموقف الثابت والراسخ الآن للأزهر بشأن القضايا التي يستغلها المتطرفون، هي على النقيض التام من هؤلاء".

ومع إقرار "فضل" بأن "وثائق الأزهر قدمت وجها مضيئا للمؤسسة"، فإنه يرى أن "ما يُدرس في مناهج المعاهد الأزهرية بعيد عن الوثائق".

  • "السيسي" والمرأة

الأمر لم يقتصر على تجديد الخطاب الديني فحسب، بل شهدت الساحة، خلال الأسبوع الماضي، جدلا واسعا حول مقترحات مقدمة إلى البرلمان لمشروع قانون الأحوال الشخصية، من أكثر من جهة، بينها الأزهر وبرلمانيون والمجلس القومي للمرأة.

ويعتبر نواب داخل البرلمان وكتاب وجهات مهتمة بشؤون المرأة أن الأزهر ليس جهة اختصاص في اقتراح تعديلات قانونية، لافتا إلى أنهم بانتظار مشروع القانون الذي ستقدمه الحكومة بهذا الخصوص.

بينما رد رئيس جامعة الأزهر السابق "إبراهيم الهدهد"، على الانتقادات الموجهة للأزهر في هذا الصدد، قائلا إن الأزهر هيئة إسلامية مستقلة، وله وحده دون غيره إبداء الرأي فيما يتعلق بالشؤون الإسلامية، وأحكام الأسرة الإسلامية هو شأن الإسلام، ومن أجل هذا فإن الأزهر هو المنوط بإصدار الرأي في هذا الشأن بناءً على طلب الدولة.

وأضاف "الهدهد"، خلال مداخلة تليفزيونية الأربعاء، أن "الأزهر قام بدوره (إبداء الرأي) وقدم مشروع قانون الأحوال الشخصية، أما الموافقة على القانون أو رفضه فهي سلطة البرلمان، والأزهر لا ينافسه فيها؛ فالبرلمان جهة تشريع، والأزهر جهة إبداء رأي لا يستطيع أن يتخلى عن دوره".

وأمام ذلك، قال "السيسي"، الخميس، إنه لن يوقع على مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي يجري مناقشته حاليا "إذا تبين أنه لا ينصف المرأة".

ويُنظر إلى تصريحات "السيسي" تلك، وفق مراقبين، على أنها رسالة إلى "الطيب"، التي تشهد علاقته مع الرئيس المصري توترا، والذي يرى أن الأزهر له وحده حق إبداء الرأي فيما يتعلق بأحكام الأسرة باعتبارها شأن إسلامي.

  • مقطع قديم

تزامنت هذه الحملة، مع إعادة تداول مقطع فيديو "قديم"، لـ"الطيب" تحدث فيه عن احتمال وجود "حملة" ضد المؤسسة الدينية الأبرز ببلاده والعالم.

وتناقلت صحف وفضائيات مصرية وعربية المقطع، الذي كان يتحدث فيه "الطيب" عبر التلفزيون الحكومي بمصر، قبل أن يظهر توضيح رسمي بأن الفيديو يعود إلى 3 سنوات.

وقال رئيس تحرير جريدة الأزهر، الصادرة عن مشيخة الأزهر، "أحمد الصاوي" في تصريحات صحفية، إن الحديث قديم من 3 سنوات، معتبرا إعادة نشره "محاولة لافتعال توتر".

بينما أرجع خبير مصري بارز ذلك التصعيد دون التحقق من الأمر إلى أنه صنيعة لأزمة جديدة بين النظام لأسباب مرتبطة بأن "شيخ الأزهر لا يروق دوره لكثيرين"، لم يسمهم.

وعادة ما أشادت الرئاسة والبرلمان في مصر بدور شيخ الأزهر ومؤسسته، رغم الحديث الإعلامي عن خلافات بين الجانبين.

وحسب مقطع الفيديو، اشتكى "الطيب" قائلا: "لو أردنا أن نرد بمقال على مقال يشتم الأزهر لا يُسمح لهذا المقال بالنشر، إلا بعد عناء شديد وإذا أردنا أن يخرج واحد ثاني في القناة ليتحدث، فبصعوبة شديدة وكثيرا ما يرفض".

وأضاف: "كأنّ هناك حملة على الأزهر الشريف وهذه الحملة لا تصب والله إلا في فلسفة ونظام وحرب داعش (تنظيم الدولة)".

  • صدام مستمر

ووفق رصد سابق، فنقاط العتاب والانتقاد بين آراء شيخ الأزهر والسلطة ومؤيديها التي يراها مراقبون "اصطداما"، على النحو الآتي:

رغم مشاركة "الطيب" في مشهد 3 يوليو/تموز 2013 برفقة 14 شخصية، حينما وقف وزير الدفاع آنذاك "عبدالفتاح السيسي"، يتلو بيان عزل أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في البلاد "محمد مرسي" من منصبه، إلا أنه لم يوافق على فض اعتصام رابعة بالقوة.

ويوم فض اعتصام رابعة العدوية قبل 5 سنوات، وعلى النقيض من كافة مؤسسات الدولة، استنكر "الطيب" فض الاعتصام، داعيا جميع الأطراف إلى ضبط النفس وحرمة الدماء.

يناير/كانون الثاني 2017، سأل "السيسي" شيخ الأزهر، في لقاء متلفز على الهواء مباشرة، عن إمكانية إصدار قانون ينظم حالات الطلاق الشفوي، بعد تزايد نسب الطلاق، قبل أن يضيف جملته الشهيرة: "تعبتني يا فضيلة الإمام".

وعقب اقتراح "السيسي"، خلصت هيئة كبار العلماء في الأزهر في بيان حينها، إلى صحة "وقوع الطلاق الشفوي "، فيما بدا أنه مخالفة لرأي الرئيس المصري.

شنت صحف حكومية هجوما على الطيب، حيث تصدرت صورته بمجلة "روز اليوسف" الحكومية أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2018 تحت عنوان "الفقيه الذي عذبنا.. وهذه معاركك الحقيقية يا فضيلة الإمام".

وينص الدستور على أن الأزهر هيئة مستقلة تتمتع بشخصية اعتبارية، ويظل شيخ الأزهر في منصبه حتى سن الثمانين، ثم يعود من جديد لشغل مقعده في هيئة كبار العلماء، وينتخب شيخ جديد من أعضاء الهيئة، ولا يحق لرئيس البلاد عزله أو تغييره كما كان يحدث سابقا.

وكان أبرز تلك الخطوات المناوئة للأزهر في أبريل/نيسان 2017، عقب شروع البرلماني المؤيد للسلطة "محمد أبوحامد"، في التقدم بمشروع قانون إلى مجلس النواب مدعوما بتأييد العشرات، مطالبا بتعديلات جوهرية على قانون الأزهر، قبل أن يغلق بإشادة من البرلمان والرئاسة بالأزهر.

كنت تقارير صحفية كشفت، مؤخرا، أن شيخ الأزهر رفض محاولات حثيثة بذلها وسطاء من جانب النظام المصري لإصدار رسالة دعم للرئيس والنظام خلال الفترة الراهنة.

وجاءت الوساطات، حسب صحيفة "العربي الجديد"، في محاولة لدعم "السيسي"، الذي يواجه معارضة متنامية، ولرأي الصدع بينه وبين "الطيب".

وأوضحت المصادر، أن "الطيب" تحدث بشكل واضح مع الوسطاء، بضرورة عدم الزج بالأزهر وشيخه، في قضايا سياسية ليس له علاقة بها.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

تجديد الخطاب الديني مشيخة الأزهر مناهج الأزهر أحمد الطيب عبدالفتاح السيسي

كارنيغي: 4 ملفات وراء صراع السيسي وشيخ الأزهر

شيخ الأزهر ينتقد دعوات تجديد الخطاب الديني: غامضة وملتبسة