المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: تركيا تملأ فراغا تركناه في ليبيا

السبت 28 ديسمبر 2019 03:28 م

في الأسبوع الماضي، احتل الرئيس "رجب طيب أردوغان" عناوين الصحف الدولية بإعلانه استعداد تركيا لنشر قوات في ليبيا كجزء من ترتيب أمني جديد بين أنقرة والحكومة الليبية. وبعد فترة وجيزة من إبرام الجانبين لاتفاقية الحدود البحرية، أصبح قدوم القوات التركية إلى الدولة الواقعة شمال أفريقيا مسألة وقت؛ ما يعني اشتعال الأجواء في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​بسبب حقوق الغاز والخلافات حول مناطق التنقيب.

ولطالما دعمت أنقرة حكومة الوفاق الوطني التي أقرتها الأمم المتحدة ومقرها طرابلس ضد قوات الجنرال "خليفة حفتر"، الذي ما زال القائد الفعلي في شرق ليبيا ويحظى بدعم الإمارات وروسيا وفرنسا. وقبل أسبوعين، استضاف "أردوغان" رئيس الوزراء الليبي "فايز السراج" في اسطنبول للمرة الثانية خلال شهر، وعلى شاشات التلفزيون، كرر الرئيس التركي عرضه بإرسال القوات. وقال: "إذا قدمت ليبيا مثل هذا الطلب إلينا، فنحن على استعداد لإرسال أفرادنا إلى هناك، خاصة بعد إبرام اتفاقية أمنية عسكرية". وبعد التصديق على الاتفاقية العسكرية التركية الليبية من قبل البرلمان التركي، قام "السراج" بطلب تدخل القوات التركية رسميا، وهو ما دفع "أردوغان" لطلب تفويض رسمي من البرلمان لإرسال القوات.

  • ماذا تعني ليبيا لتركيا؟

وبالنسبة لأنقرة، فإن ليبيا هي أكثر من مجرد دولة صديقة في منطقة شمال أفريقيا. وخلال الصيف، ساعد الأتراك حكومة الوفاق في صد هجوم "حفتر" على عدد من الجبهات عبر المستشارين العسكريين والأسلحة وأسطول مكون من نحو 20 طائرة عسكرية. وتعتبر أنقرة مشاركتها الناجحة هناك رمزًا لثقة تركيا المتنامية في نفسها كقوة إقليمية.

ويمثل الصراع في ليبيا أيضا أحد خطوط الصدع الجديدة في الشرق الأوسط؛ حيث تقع كل من تركيا وقطر في جانب، والإمارات والسعودية ومصر في الجانب الآخر. وتتعارض الرؤية التركية للمنطقة مع السياسات الإماراتية والسعودية. ويتم خوض الحرب بالوكالة بين المعسكرين في كل من ليبيا وسوريا.

لكن أهم فائدة لتركيا في هذا التقارب مع ليبيا هي قدرتها على تقييد التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط ​​قبالة ساحل قبرص. ويرسم اتفاق الحدود البحرية التركية مع ليبيا خطًا عموديا عبر البحر المتوسط بين البلدين​​، مما يعطل الخطط المشتركة لكل اليونان وقبرص ومصر و(إسرائيل) للتنقيب عن النفط والغاز.

وتعد قبرص موضوع صراع إقليمي قديم مع تطورات جديدة. وتم تقسيم الجزيرة منذ التوغل التركي عام 1974، ولم تسفر عدة جولات من المحادثات التي توسطت فيها الأمم المتحدة بين الجانبين التركي واليوناني حول توحيد الجزيرة عن أي نتائج. ولتعقيد الأمور، أصبحت قبرص الرومية عضوا في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004؛ مما يجعل من نزاعاتها المعلقة مع تركيا مسألة أوروبية تركية. ومنذ عام 2017، تتصاعد التوترات بشأن حقوق الحفر قبالة الجزيرة. ووقعت قبرص الرومية اتفاقيات استكشافية مع العديد من الشركات الدولية، وهناك خطط لإنشاء خط أنابيب للغاز يربط بين حقول غاز شرق البحر المتوسط ​​والأسواق الأوروبية يمر عبر قبرص الرومية. وفي الوقت نفسه، أرسلت تركيا سفن استكشاف وسفن بحرية خاصة بها قبالة قبرص لمنع محاولات القبارصة الروم للتنقيب. وتقول أنقرة إنه ينبغي تقاسم موارد الطاقة في المنطقة بين جمهورية قبرص الرومية ودولة شمال قبرص التركية.

ولم تكن حكومة "الوفاق الوطني" متحمسة في البداية لإدخال نفسها في مستنقع شرق البحر الأبيض المتوسط، أو استعداء أوروبا؛ لذا فإنها تجاهلت منذ عام 2018 جميع المبادرات التركية للحصول على مذكرة تفاهم بحرية، لكنها شعرت الآن أنه ليس لديها خيار آخر. وعلى الرغم من كونها الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا، إلا أن هذا الاعتراف لم يتحول إلى دعم ملموس، أو حتى خطابي، خلال هجوم "حفتر" المطول على طرابلس.

وفي الواقع، كان من المفترض أن تنهي العملية الممهدة لمؤتمر برلين، التي بدأت في شهر سبتمبر/أيلول، انتهاكات الحظر المفروض على الأسلحة من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكن بدلًا من ذلك، كثف مؤيدو "حفتر" دعمهم له بشحنات الأسلحة والغارات الجوية المتقدمة. وقوبل هذا بصمت دولي معتاد، حتى عندما تعرضت طرابلس لقصف لا هوادة فيه، وحتى مع تدخل المتعاقدين العسكريين الروس أيضًا إلى جانب "حفتر". وزاد كل هذا من الضغط على حكومة "الوفاق الوطني" للعمل مع تركيا.

  • ميزان القوى

وتغير الاتفاقية الأمنية الآن ميزان القوى في ليبيا. وتعطي الاتفاقية دفعة معنوية هائلة للمقاتلين على الخطوط الأمامية في طرابلس، مع تأثيرات واضحة على الأرض. وللمرة الرابعة منذ أبريل/نيسان، أعلن "حفتر" عن "ساعة الصفر" لغزو طرابلس، لكن هذه المرة صدت حكومة "الوفاق الوطني" الهجوم، وتابعته بهجوم مضاد سريع أدى إلى تقدم خطوط قواتها لأول مرة منذ شهور. وتم استخدام أسلحة جديدة خلال هذه الجولة من القتال، بما في ذلك الصواريخ التركية المضادة للدروع.

وبينما يتركز الاهتمام إلى حد كبير على احتمال التدخل التركي المباشر، فإن الجزء الأكبر من الاتفاقية الأمنية يتعلق بالتدريب وبناء القدرات. وعلى الرغم من أن قوات حكومة الوفاق قد طورت هياكل القيادة والتحكم وحسنتها على مدار الحرب، إلا أنها لا تزال تعاني قصورا في ذلك. وكافح وزير الداخلية "فتحي باشاغا" منذ فترة طويلة لكسر قبضة المليشيات الخانقة على حكومة "الوفاق الوطني" وبناء قوة احترافية، وقد طلب مساعدة الأوروبيين في ذلك لكن دون جدوى. ويبدو الآن أن تركيا لن تدافع عن حكومة الوفاق الوطني فحسب، بل ستؤثر في بنيتها الأمنية المستقبلية.

ويبدو من المحتمل أن تكون التعليقات التي يدلي بها "أردوغان" ووزير خارجيته "مولود جاويش أوغلو"، حول إرسال القوات التركية فعليًا موجهة إلى الجهات الدولية الفاعلة المشاركة في ليبيا وليس اللاعبين المحليين. وإلى جانب الاتفاقية الأمنية، تعد هذه التعهدات إشارة واضحة إلى أن تركيا تعتزم البقاء في ليبيا لفترة من الوقت. وفي الواقع، تسعى أنقرة أيضا لاستغلال علاقاتها مع موسكو لإقناع الأخيرة بالتخلي عن دعمها لـ "حفتر". ورغم أنه من غير المرجح أن تتفق تركيا وروسيا على موقف موحد داخل ليبيا، فإن مفاوضاتهما سوف تضع الأساس لاتفاق أكثر شمولًا.

  • تهميش أوروبا

وإذا حدث مثل هذا الاتفاق، فلن يؤدي ذلك إلا إلى زيادة تهميش دور أوروبا في جوارها. ولقد تطورت هذه الديناميكية لأن أوروبا لم تكن قادرة على اتخاذ موقف حازم أو موحد؛ حيث دعمت فرنسا "حفتر" بشكل متزايد وقوي، حتى بعد أن بدأت ألمانيا عملية مؤتمر برلين. وإذا أرادت أوروبا الحفاظ على أهميتها في ليبيا، فستحتاج الآن إلى تطوير موقف موحد في دعم مؤتمر برلين. وسيستلزم القيام بذلك محاولات متضافرة لإقناع فرنسا بأن مصالحها الأمنية قد يتم خدمتها بشكل أفضل عبر منصة أوروبية مشتركة تضغط من أجل الاستقرار، بدلًا من مشاركتها الحالية إلى جانب "حفتر".

علاوة على ذلك، من المرجح أن يكون موقف أوروبا الموحد هو الطريقة الوحيدة لإجبار الولايات المتحدة على توضيح موقفها من الصراع في ليبيا؛ حيث يتطلب الوصول لحل للصراع الليبي تأمين دعم أوروبي وأمريكي مشترك، وممارسة الضغط على الأطراف للمشاركة، ودعم محاولات الأمم المتحدة لبناء عملية سياسية. أما إذا بقيت أوروبا بدلًا من ذلك في موقف المتفرج، فسترى نفسها تفقد نفوذها من شواطئ طرابلس إلى شرق البحر المتوسط.

المصدر | المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية + ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

غاز شرق المتوسط منتدى غاز شرق المتوسط شرق المتوسط دول شرق المتوسط حقول شرق المتوسط حقول الغاز شرق المتوسط

صحيفة: فرنسا تنضم لتحالف مصر واليونان وقبرص بشرق المتوسط

السيسي وبوتين يتفقان على أهمية تسوية الأزمة الليبية