استراتيجية ترامب في الشرق الأوسط تحير حلفاء أمريكا وخصومها

الأربعاء 8 يناير 2020 05:28 م

إذا لم يكن البنتاجون نفسه يعرف هل سيخرج من العراق أم سيذهب إليها، فقد يكون من الصعب إلقاء اللوم على بقية العالم لأنه مرتبك قليلا بشأن استراتيجية الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في الشرق الأوسط.

وفي الوقت الذي سقطت فيه الصواريخ الإيرانية على قواعد تواجد القوات الأمريكية، فجر الأربعاء، ردا على الضربة التي نفذتها طائرة بدون طيار الأسبوع الماضي أسفرت عن قتل أقوى جنرال في إيران، سارعت الإدارة لشرح مهمتها وأهدافها في المنطقة وسط فوضى التصريحات المتضاربة والإشارات المتقاطعة والرسائل المختلطة.

والآن، يرسل "ترامب"، الذي وعد بإعادة القوات إلى الوطن من الشرق الأوسط، المزيد من تلك القوات. وبعث البنتاجون برسالة يقول فيها إنه كان ينسحب من العراق فقط لأن الاستمرار به كان خطأ. وقد تحدثت وزارة الخارجية عن "وقف التصعيد"، بينما دق "ترامب" طبول الحرب واصفا كل الطرق التي سيدمر بها إيران إذا أضرت بمزيد من الأمريكيين. واضطر الرئيس إلى التراجع عن تهديده باستهداف المواقع الحضرية الإيرانية بعد أن قال وزير دفاعه علنا إن ذلك كان سيتم اعتباره جريمة حرب.

وبالمثل، تباين تفسير الإدارة لتفويض هجوم الأسبوع الماضي تبعا للحظة. وفي البداية، أكد المسؤولون أنه تم القضاء على اللواء "قاسم سليماني"، قائد قوات الأمن والمخابرات الإيرانية، لمنع أي هجوم "وشيك" قد يودي بحياة المئات من الأمريكيين. ولكن بعد ذلك بأيام، ركز "ترامب" وآخرون بشكل أكبر على أن العملية كانت انتقاما من هجمات "سليماني" السابقة على الأمريكيين.

وقال "ديفيد لابان"، الناطق السابق باسم وزارة الأمن الداخلي والذي يعمل الآن في مركز سياسات الحزبين الجمهوري والديمقراطي: "لقد كانت الرسائل فوضوية. لقد كان الجميع في حالة ارتباك. وفي وقت لديك فيه مثل هذا الحدث الخطير للغاية، تكون بحاجة إلى معلومات واضحة. وبدلا من ذلك، فإن ما وصلنا إليه كان متناقضا ومربكا من جانب إدارة تعاني بالفعل من عجز في الثقة".

ومع "ترامب"، فإن الكثير من فترة رئاسته اتسمت بالظرفية، فهو يتنقل بسيارة على الطريق من أزمة إلى أخرى، والكثير منها خلقها بنفسه، ونادرا ما يتوقف مؤقتا لتحديد مسار مباشر، ولكن لا ينقصه أبدا الطاقة والرغبة في الاحتكاك بالمركبات الأخرى. وبغض النظر عن عدد المساعدين الذين يحاولون تنظيم عملية صنع القرار، فإنه لا يزال يفضل إدارة المشهد، وترك المستشارين يحاولون التكيف.

لقد قال "ترامب" منذ فترة طويلة إنه يحب أن لا يمكن التنبؤ به، ويرى ذلك نقطة قوة، ويعني هذا، من وجهة نظره، أنه يمكنه أخذ أعدائه على حين غرة، كما فعل في قتل ثاني أهم شخصية في إيران. لكنه يترك الحلفاء أيضا في وضع التخمين بنفس القدر الذي يفعل مع الخصوم، مما يجعل من الصعب بناء الدعم لقرارات "ترامب".

وقال "جون جانز"، كبير محرري الخطابات السابق في البنتاجون، ومؤلف كتاب "محاربو البيت الأبيض": "تفسر العملية الفوضوية اليوم الفوضى التالية، من تفسيرات التهديد والبيانات العامة غير المنظمة والجهود الدبلوماسية والعسكرية المتعجلة. لقد قللت تلك الفوضى من فعالية السياسة الخارجية وجعلتها أكثر خطورة على البلد والرئيس".

وقالت "ميشيل فلورنوي" وكيل وزارة الدفاع السابق في عهد الرئيس "باراك أوباما"، التي رفضت فرصة العمل كنائب لوزير الدفاع في إدارة "ترامب"، إن الطبيعة الفوضوية للسياسة الخارجية الحالية تنبع من رئيس "متهور وغير متسق"، دون عملية أمنية وطنية فعالة تضمن مراعاة "العواقب من الدرجة الثانية والثالثة" مراعاة كاملة.

وأضافت: "لا توجد استراتيجية حقيقية أو إطار عمل مشترك، لذلك يتم اتخاذ القرارات التكتيكية في الفراغ، وتكون غير مرتبطة بأهداف الأمن القومي الأمريكي الأوسع".

ويستبعد مسؤولو الإدارة أسئلة حول الرسائل المتضاربة، قائلين إن استراتيجية "ترامب" في الشرق الأوسط مبنية على حماية المصالح الأمريكية.

وقال وزير الخارجية "مايك بومبيو" للصحفيين، الثلاثاء: "في النهاية، تتعلق سياستنا تجاه إيران بحماية الوطن والدفاع عنه وتأمين حياة الأمريكيين. ما أعرفه هو أن الجهود التي بذلناها، ليس فقط الأسبوع الماضي بالهجوم ضد سليماني، لكن الاستراتيجية التي استخدمناها ككل، أنقذت أرواح الأمريكيين".

وفي بعض الجوانب، اعتبر مستشارو "ترامب" العملية ضد "سليماني" قرارا تصحيحيا لقرارات الرئيس السابقة بعدم الانتقام من إيران بسبب استفزازات مختلفة، وهي القرارات التي أصبح فريقه مقتنعا أنها قد أُسيء فهمها في طهران. وبهذا المعنى، كانت العملية عبارة عن محاولة لإعادة ضبط سياسة "ترامب" لتبدو أقوى.

لكن على عكس "أوباما" أو "جورج دبليو بوش"، اللذان ألقى كل منهما خطبا طويلة وشاملة لشرح طريقة تعاملهما مع حروب الشرق الأوسط، نادرا ما يستغرق "ترامب" الوقت لصقل تفكيره بشيء من العمق. وبدلا من ذلك، يخرج على حسابه على "تويتر" بتغريدات موجهة للأمريكيين أو في لقاءات قصيرة مع المراسلين، تاركا للآخرين تخمين استراتيجيته، على الرغم من أنه قيل إنه كان يخطط لبيان صباح الأربعاء.

وحتى الآن، كان الشخص الرئيسي الذي خرج للناس بتفسير، منذ قتل "سليماني"، هو "بومبيو"، على الرغم من أن نائب الرئيس "مايك بينس" من المنتظر أن يلقي خطابا الإثنين يصف سياسة الإدارة تجاه إيران، في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مجموعة قادت المعارضة ضد حكومة طهران.

وكان "بومبيو" مدافعا عنيفا وقويا عن كل من "ترامب" عموما وعملية قتل "سليماني" على وجه التحديد، ولكن سرعان ما وجد نفسه، هو وآخرون مثل وزير الدفاع "مارك إسبر"، وهم يحاولون تصحيح أشياء قالها الرئيس بالفعل. فعندما هدد "ترامب" باستهداف المواقع الثقافية الإيرانية، في انتهاكٍ للقانون الدولي، أصر "بومبيو" على أن هذا ليس هو ما كان يقصده، بينما أوضح "إسبر" بلطف أن الجيش لن يفعل ذلك دون شك.

ولقد تم الضغط على "بومبيو" لشرح الأسباب وراء الهجوم في هذا الوقت، بالنظر إلى أن "سليماني" كان مسؤولا عن مقتل الجنود الأمريكيين في العراق منذ أعوام عديدة. وقد طُلب من "بومبيو"، الثلاثاء، توضيح الهجوم "الوشيك" الذي وصفه سابقا، لكنه انتقل بدلا من ذلك إلى تصرفات "سليماني" السابقة، مشيرا إلى هجوم صاروخي شنته قوات مرتبطة بإيران على قاعدة عراقية أسفرت عن مقتل مقاول مدني من الولايات المتحدة.

وقال "بومبيو": "إذا كنت تبحث عن الهجوم الوشيك، فلن تحتاج إلا إلى الرجوع والبحث في الأيام التي سبقت الهجوم الذي استهدف سليماني".

وبالنسبة لـ "إسبر"، في ظهوره أمام الصحفيين يوم الثلاثاء، شكك في فكرة أن المواجهة مع إيران تنتقص من العمليات ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، على الرغم من أن القوات على الأرض أعلنت في يوم آخر أنها أوقفت هذه العمليات لحماية نفسها من الأعمال الانتقامية الإيرانية المتوقعة.

وقال "إسبر": "لم أتلق أي تقرير من القائد الميداني يقول إنه كان للهجوم تأثير مادي على القدرة على مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية".

ولا تزال الأسئلة الأوسع تتمحور حول خطط "ترامب" الأكبر للشرق الأوسط. هل يخطط للانسحاب أم البقاء؟ وكان قد ندد بكارثة التدخل الأمريكي في المنطقة منذ غزو "بوش" للعراق عام 2003، فيما يهدد بحرب جديدة ضد إيران إذا أساءت التصرف.

وكان "ترامب" قد خسر وزير دفاعه السابق "جيمس ماتيس"، بعد أن قرر فجأة سحب القوات من سوريا، ثم انتهى به الأمر إلى الاحتفاظ ببعض القوات هناك على أي حال. وقد فاجأ في وقت لاحق حلفاء أمريكا الأكراد بسحب القوات من شمال سوريا، مما سمح لتركيا بطرد الأكراد من المنطقة. وفي آخر مرة أعطى فيها إذنا بتوجيه ضربة ضد إيران، ردا على إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار، ألغى "ترامب" العملية فجأة قبل تنفيذها بـ10 دقائق.

ويحاول حتى أفضل أصدقاء "ترامب" في المنطقة معرفة أين يتجه في هذه المرحلة. وقد التقى "ترامب" سرا في البيت الأبيض، الإثنين، مسؤولا زائرا من المملكة العربية السعودية، وتحدث هاتفيا مع أمير قطر، ولم يتم الكشف عن أي محادثة من قبل البيت الأبيض حتى أبلغت عنها الدول الأخرى.

وقال "شالوم ليبنر"، المستشار السابق لـ7 رؤساء وزراء إسرائيليين، إنه حتى رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، أحد أقوى حلفاء "ترامب" في الشرق الأوسط، كان لديه "صدمة" من أحدث خطوات "ترامب"، بعد أن افترض أن الرئيس الأمريكي لن يتخذ قرارا حاسما بالعمل ضد إيران هذا العام.

وأضاف "ليبنر": "يتدافع الجميع الآن لفك تشفير نوايا ترامب، خشية أن يغادر المنطقة تماما ويترك حلفاء أمريكا يدافعون عن أنفسهم وحدهم".

المصدر | يويورك تايمز - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

استراتيجية ترامب العلاقات الإيرانية الأمريكية حرب العراق مقتل سليماني

الجارديان: هجوم إيران على القواعد الأمريكية بالعراق قد يرضي الطرفين