احتجاجات الحمرا.. رسائل المال والعنف في لبنان

الخميس 16 يناير 2020 04:22 م

يبدو أن الحراك في لبنان، المتواصل منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يتجه إلى تصعيد لافت، وربما مستوى جديد من العنف، وسط مخاوف من انجرار البلاد إلى متاهة اللاعودة، مع استمرار التعثر السياسي والاقتصادي للبلاد.

ومع تحول "شارع الحمرا" الذي يضم المقر الرئيسي لمصرف لبنان المركزي وعشرات المصارف والمؤسسات التجارية، إلى مسرح لمواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقوى الأمنية، تتزايد التساؤلات حول فرص لبنان في النجاه من أسوأ أزمة اقتصادية تمر به منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.

ومما يعزز هذه التوقعات المتشائمة التعثر الذي تعانيه عملية تشكيل الحكومة الجديدة، حيث يعتقد بعض المحللين أن هناك قوى لبنانية تعمل على إطالة الأزمة، بدعم من بعض القوى الخارجية التي تدير الأمور في لبنان من وراء الكواليس.

الأزمة تتواصل

خلال الأشهر الأخيرة، تطور الحراك اللبناني تدريجيا من تظاهرات سلمية إلى احتجاجات يشوبها الكثير من مظاهر العنف المتدرجة التي شملت قطع الطرق وكسر واجهات المصارف، وتحطيم أجهزة الصراف الآلي، ما تسبب في وقوع العديد من الجرحى في صفوف المتظاهرين وقوى الأمن، الأمر الذى ينذر بانفلات الأوضاع إلى مزيد من العنف.

ويشعر المتظاهرون بالنقم على المصارف التي فرضت في الأشهر الثلاثة الأخيرة قيودا مشددة على عمليات السحب، خصوصا بالدولار الأمريكي، وسط تسريبات من الحكومة السويسرية عن تهريب مليارات الدولارات إلى بنوكها من قبل سياسيين لبنانيين ورجال أعمال مرموقين.

ويعتبر المحلل السياسي اللبناني "أمين قمورية" هذا التطور رسالة من الحراك الشعبي مفادها أن "سلمية الثورة" لم تعط نتائج وبالتالي لا بد من الضغط على السلطة.

ويضيف لـ"الجزيرة.نت" أن ما جرى في الشارع من مواجهات مؤشر على أن الانتفاضة الشعبية قد تصبح أكثر عنفاً ما لم تسرع قوى السلطة في إيجاد حلول.

ويرى مراقبون أن صدامات "الحمرا" قد تكون رسالة قوية للطبقة السياسية التي تعمل لصالح منظومة المصارف والبنوك، مع الأخذ في الاعتبار أن الحراك يدخل شهره الرابع على التوالي، وأن استمراره ليس في صالح دوائر الحكم.

والشهر الماضي، كشف الخبير الاقتصادي اللبناني "مروان إسكندر"، أنه التقى مسؤولة سويسرية، ونقلت إليه تفاصيل تحويلات مالية بالدولار إلى الخارج لست شخصيات سياسية لبنانية قاربت 6.5 مليار دولار، وهو الأمر الذي بات موضع تحقيق من قبل مصرف لبنان، وسط مطالبات برفع الحصانة السرية المصرفية عن الوزراء والنواب؛ لاستعادة الأموال المنهوبة.

انقسامات كبيرة

اللافت أن هذا التصعيد المطالب بتنحي رجال الساسة والمال، ووضع حد للأزمة الاقتصادية، لا يحظى بقوى على قدر المسؤولية، تدرك خطورة الوضع، وتتجاوز الخلافات حول تشكيل الحكومة الجديدة.

يفسر ذلك حالة الانقسام في الشارع اللبناني، الذي ترى أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية "ليلى نقولا"، أنه ليس شارعا واحدا وإنما شوارع متعددة، ما يصعب الاتفاق على رؤية موحدة، خاصة مع وجود النظام السياسي الطائفي الذي يقضي بتعيين مسيحي ماروني في منصب الرئيس، ومسلم سني كرئيس للوزراء، ومسلم شيعي في موقع رئيس البرلمان.

وتذهب "نقولا" إلى الإشارة خلال مقابلة مع "DW عربية"، إلى خطورة "وجود التمويل الخارجي والتدخلات الخارجية والتي تجعل الممول يملي شروطه ويفرض أجندته ما يعقد الأمور أكثر".

يظهر ذلك جليا، في اعتراف رئيس الحكومة المكلف "حسان دياب" الذي تعهد بتشكيل حكومة مصغرة من التكنوقراط، بتعرضه لـ"ضغوط"، دون أن يحدد طبيعتها، أو هوية الضاغطين.

ويواجه "دياب" أزمة في الاصطدام بكتل سياسية مؤثرة تطالب بتشكيل حكومة تكنوسياسية، وترفض تقديم تنازلات بشأن نظام المحاصصة، فضلا عن ضغوط من عواصم عربية وغربية تريد استقطاب الحكومة الجديدة نحوها، بعد استقالة حكومة "سعد الحريري"، المقربة من السعودية ومصر وفرنسا.

كذلك فإن "دياب" وعلى الرغم من أنه سني غير سياسي نسبيا، لكنه يواجه مقاومة قوية من حركة الاحتجاج التي ترى أنه مقرب جدًا من "حزب الله"، وبالتالي فهو لا يحظى برضا اللبنانيين.

تعطيل المسار

بموازاة تأثيرات الأجندات الخارجية على المشهد اللبناني، تظل التجاذبات الداخلية قائمة بين تحالف "8 آذار" الذي يقوده "حزب الله"، وتحالف "14 آذار" الذي تنتمي إليه حركة "المستقبل" التابعة لـ"الحريري".

ويصر "الحريري" على أن يترأس الحكومة اختصاصيين فقط (تكنوقراط)، بينما يتمسك خصمه "حزب الله" بتشكيل حكومة لا تقصي أي فريق سياسي رئيسي، وسط اتهامات للحزب الشيعي بمحاولة إطالة أمد الأزمة، كونه المستفيد من سيولة الأوضاع في الداخل اللبناني.

يعزز تلك الاتهامات تربص الحزب بالحراك، وتعرض ساحات التظاهر لاعتداءات من قبل مناصرين له ولحركة "أمل" الشيعية، لاسيما وأن مطالب الشارع اللبناني تشمل إقرار قانون مدني موحد للأحوال الشخصية بدلاً من القوانين المتعددة في الطوائف المختلفة، إضافة إلى قانون انتخابي جديد يلغي نظام المحاصصة الطائفية.

لكن "حزب الله" الذي لا يريد خسارة مكاسبه في انتخابات مايو/أيار 2018 نفى سعيه لتعطيل المسار، قائلا على لسان نائب الأمين العام "نعيم قاسم": "إذا كان الخيار بين فيتو التعطيل وبين الحكومة، فنحن مع الحكومة، وإذا كان الخيار بين الفوضى وبين البدء بالحل، فنحن مع الحل".

ورغم أن "دياب" (60 عاما) يواجه صعوبة جديدة في تحقيق توافق سياسي بين الفصائل المختلفة، يبقى نجاح حكومة وزير التعليم السابق ضرورة ملحة لانتشال البلاد من دوامة التدهور، والانزلاق إلى العنف، وسط مخاوف من تحول لبنان لساحة حرب بالوكالة في ضوء تداعيات مقتل قائد فيلق القدس الإيراني "قاسم سليماني" بغارة أمريكية، ومطالبة "حزب الله" بالانتقام لمقتله.

وقد تكون احتجاجات الحمرا، رسالة إنذار شديد اللهجة، من أن الحال قد يؤول للفوضى حال استمرار مسلسل تعطيل تشكيل الحكومة، ما يبقى السياسة في البلاد في غرفة "العناية الفائقة"، وفق تشخيص "دياب" للأزمة.

يبدو لبنان في مواجهة "سيناريو يوناني" مع شبح الإفلاس الاقتصادي يخيم في الأجواء، بخلاف مخاوف الدخول في موجة عنف أكثر شراسة حال عدم تلبية مطالب المحتجين في حكومة مستقلة، وانتخابات نيابية مبكرة، واستعادة الأموال المنهوبة، ومحاسبة الفاسدين.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

ستراتفور: لبنان على حافة دوامة العنف

اشتباكات بين محتجين وقوات الأمن أمام مجلس النواب في بيروت

عون يطالب الأمن بحماية المتظاهرين والحريري يحذر من الخراب

العنف في لبنان.. هل تنزلق الاحتجاجات إلى مستنقع الطائفية؟