ماذا وراء دعوة الصومال تركيا للتنقيب عن النفط والغاز في سواحلها؟

الأربعاء 22 يناير 2020 11:16 ص

"تركيا ستتخذ خطوات في ضوء الدعوة الصومالية".. هكذا جاء رد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، الإثنين 20 يناير/كانون الثاني الجاري، على دعوة مقديشو لأنقرة للتنقيب عن النفط في مياهها الإقليمية، وفقا لما نقلته قناة "إن تي في" التركية، ما سلط الضوء مجددا على نفوذ تركيا المتنامي في القرن الأفريقي وصراعها المحتدم مع السعودية والإمارات في المنطقة.

وتتزايد أهمية تصريح "أردوغان" بالنظر إلى إطلاقه بعد فترة قصيرة من تفجير تبنته حركة الشباب الصومالية السبت الماضي، استهدف عمال شركة بناء تركية وأسفر عن إصابة 6 أتراك و9 صوماليين، إذ أكد على التزام أنقرة بدعم الحكومة في الصومال في مواجهة القوى الإقليمية الداعمة للحركات الانفصالية وميليشيات العنف المسلح.

من هنا كان "أردوغان" حريصا على التأكيد أن التنقيب التركي "المزمع" عن النفط بمياه الصومال الإقليمية يأتي بـ"عرض من حكومة الصومال"، واصفا ذلك بأنه "أمر مهم جدا بالنسبة لتركيا"، وفقا لما نقلته وكالة الأناضول.

ورغم أن الصومال لا يعد دولة منتجة للنفط، تشير الدراسات الحديثة إلى احتمالات وجود كميات كبيرة من النفط والغاز البحري، وقد أقرت مقديشو مؤخرا قانونا جديدا للبترول لتنظيم عمليات استكشاف الطاقة، وبدأت في البحث عن عقود مع شركات النفط والغاز الدولية.

وبالنسبة إلى أنقرة، يمثل التنقيب البحري في الصومال فرصة لتعزيز نفوذ تركيا الإقليمية في مواجهة الحكومات العربية وتأمين مصادر بديلة للنفط والغاز، ولكن يبقى من المبكر القول إذا ما كانت عمليات التنقيب في المياه الصومالية ستسفر عن كشوف نفطية معتبرة.

علاقات متنامية

 تعود بدايات النشاط الدبلوماسي التركي في الصومال إلى عام 2011 حين قامت أنقرة بتفعيل "دبلوماسية العون والمساعدة"، لتساهم تركيا على مدار السنوات الماضية، في إعادة تنشيط قطاعات عديدة في الصومال المدمر بفعل الحرب الأهلية، جنبا إلى جنب مع إعادة بناء البنية التحتية للبلاد مثل مطار مقديشو الدولي والطرق السريعة، بالإضافة إلى المدارس ودور الرعاية الصحية.

وكانت زيارة "أردوغان" -رئيس الوزراء آنذاك- إلى مقديشو أثناء المجاعة التي ضربت الصومال عام 2011 نتيجة موجات الجفاف المتكررة أحد المفاتيح توطيد العلاقات بين البلدين، حيث أصبحت تركيا لاحقا أكبر مانحي المساعدات للصومال.

وعقب الزيارة بدأت مؤسسات المجتمع المدني التركي بالتعاون مع المؤسسات الحكومية التركية في تقديم يد العون إلى الدولة الصومالية، وقدمت مليارات الدولارات من المساعدات الغذائية والصحية، كما قام الضباط الأتراك بتدريب الجنود الصوماليين كجزء من الجهود المبذولة لبناء جيش البلاد.

ونتج عن ذلك انتقال العلاقات التركية الصومالية إلى مستوى جديد من "التضامن الشعبي" مع تدفق رواد الأعمال وعمال الإغاثة الأتراك، الذين يتواجدون اليوم بكثافة في أنحاء مقديشو، حيث باتت البضائع والأطعمة التركية رائجة بشدة في البلاد.

وبهذه العلاقة المتينة على المستوى الشعبي، رسخت تركيا حضورها في الصومال وهو ما ظهر في اختيار إسطنبول لاستضافة المؤتمر العالمي الثالث للمغتربين الصوماليين حول العالم للمرة الثانية، والإقبال المضطرد للصوماليين على تعلم اللغة التركية.

لاحقا، عززت تركيا هذا النفوذ بتواجد عسكري، حيث أقامت في 2017 أضخم قاعدة عسكرية لها تطل على المحيط الهندي لتدريب الجيش الصومالي، وإعادة بنائه ودعمه وتحسين بنيته التحتية وأنظمته اللوجستية.

معركة النفوذ

وبسبب هذا الحضور التركي الفعال والمؤثر، أبدى المسؤولون الصوماليون في معظم الأحيان انحيازا واضحا لمواقف أنقرة تجاه قضايا المنطقة، حيث رفض الصومال إدانة العملية العسكرية التركية في شمالي سوريا "نبع السلام" رغم ضغوط الدول الأعضاء بالجامعة العربية، وعلى رأسها السعودية والإمارات.

وتسعى أنقرة، عبر تلك العلاقات الوثيقة بالصومال، إلى زيادة نفوذها في القرن الأفريقي لمواجهة خصومها الإقليميين، الذين بذلوا جهودا حثيثة لتفكيك النفوذ التركي في الصومال سواء من خلال دعم الأقاليم الانفصالية المتمردة على سلطة الحكومة المركزية مثل "أرض الصومال"، أو عبر التحركات الاستخباراتية الهادفة لتسهيل أنشطة حركات العنف المسلح التي تستهدف للمؤسسات الصومالية والتركية، خاصة حركة الشباب.

في هذا السياق، لا يعد التفجير الأخير الذي استهدف عمال البناء الأتراك ليس الأول من نوعه، إذ تعرض مجموعة من المهندسين الأتراك، في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، للإصابة إثر انفجار عند نقطة تفتيش في مقديشو، أسفر عن مقتل 90 شخصًا على الأقل.

وفي مواجهة النفوذ التركي، تتبنى الإمارات العربية المتحدة استراتيجية مضادة في القرن الأفريقي تقوم على شراء واستئجار وإدارة موانئ ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوعة؛ كما يظهر في عدن وجيبوتي وإثيوبيا، إضافة إلى بناء القواعد العسكرية؛ كما في "بربرة" شمال غربي الصومال، و"عصب" في إريتريا.

ولجأت الإمارات، منذ الأزمة الخليجية، إلى زعماء الأقاليم الفيدرالية في الصومال؛ بحثاً عن حشد مواقف سياسية ضد تركيا وقطر، حسبما أكد النائب الصومالي وعضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان "محمد عمر طلحة" لوكالة الأناضول، في أبريل/نيسان من العام الماضي.

وإزاء ذلك، استعادت الحكومة الصومالية السيطرة مؤخرا على الموانئ الرئيسية ومراكز التدريب الأمني والمستشفيات، وعدد من المؤسسات التي كانت تخضع لنفوذ أبوظبي.

وفي هذا الإطار، اعتبر "طلحة" أن "الإمارات بددت رصيدها في الصومال بسبب تدخلاتها ومواقفها السياسية المعادية للحكومة المركزية"، وهو ما صب عمليا في صالح النفوذ التركي، وخصم بالتبعية من رصيد محور الرياض - أبوظبي، الذي بذل جهودا ضخما للتأثير في السياسة الصومالية بلغت ذروتها مع إعلان مقديشو قطع العلاقات مع إيران عام 2016 تضامناً مع الرياض، عندما اعتدى محتجون إيرانيون على سفارة السعودية وقنصليتها في إيران، رداً على إعدام رجل الدين الشيعي "نمر النمر".

شراء الذمم

لكن بحلول أبريل/نيسان عام 2018، كان واضحا أن الصومال ضاق ذرعا بجهود الإمارات لإضعاف الحكومة المركزية عبر دعم الأقاليم الانفصالية، وهو ما دفع وزير الدفاع الصومالي السابق "محمد مرسل شيخ عبدالرحمن" لإنهاء الوجود الإماراتي العسكري في بلاده ونقل المهام التدريبية التي تشرف عليها الإمارات إلى قيادة الجيش الوطني.

وجاء هذا الإجراء بعد أيام من مصادرة سلطات مطار مقديشو الدولي 10 ملايين دولار كانت على متن طائرة إماراتية خاصة، واحتجاز طائرة أخرى كانت تقلّ معدّات وأجهزة عسكرية حاول ضباط إماراتيون نقلها إلى الصومال.

وبحسب تقرير لخبراء لجنة العقوبات الدولية المفروضة على الصومال وإريتريا التابعة للأمم المتحدة، الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2018، فإن فريق الخبراء الدوليين رصد اجتماعا بين دبلوماسيين إماراتيين ومسؤول سابق رفيع في الوكالة الوطنية للاستخبارات والأمن الصومالي بمطعم في العاصمة الكينية نيروبي، وذلك قبل يوم واحد من مصادرة قوات الأمن الصومالي حقيبة أموال كانت بحوزة السفير الإماراتي في مقديشو "محمد أحمد عثمان".

وذكر فريق الخبراء في تقريره أن "تقويض الحكومة المركزية كان موضوع الاجتماع؛ وكان من المقرر أن يتم ذلك عبر استقطاب قادة الولايات الفيدرالية والنواب الفيدراليين وقادة الجيش الصومالي عن طريق الرشوة".

كما كشف تقرير للأمم المتحدة آنذاك أن حكومة أبوظبي توجه دعما ماليا ولوجستيا مباشراً إلى "حركة الشباب" الصومالية الموالية لتنظيم "القاعدة".

وربط مراقبون للشأن الصومالي بين ما كشفه التقرير وبين إعلان الناطق باسم حركة الشباب "علي محمد" في رسالة صوتية أن تفجير 18 يناير/كانون الثاني استهدف "موكبا للمرتزقة الاتراك" حسب تعبيره، متهما أنقرة بالسعي إلى "احتلال الصومال".

وفي السياق ذاته، وقَّعت شركة "موانئ دبي"، في مطلع مارس/آذار 2018، اتفاقية مع إقليم أرض الصومال بقيمة 442 مليون دولار لتطوير ميناء "بربرة" على ساحل البحر الأحمر من أجل استخدامه في أغراض عسكرية، وصرح رئيس الشركة "سلطان أحمد بن سليم" بأن الإقليم "دولة مستقلة"، وأن قرار الحكومة الفيدرالية ببطلان الاتفاقية "مجرد تصريحات لا تؤثر، ولا تقف عائقاً أمام الاتفاقية التي يتم الشروع في تنفيذها".

ودفع هذا التصريح الحكومة الصومالية إلى رفع شكوى إلى الأمانة العامة للجامعة العربية تتهم فيها الشركة الإماراتية بالتدخل السافر في الشأن الداخلي للبلاد والسعي لتقويض وحدتها.

من الواضح إذن أن نمو النفوذ التركي في الصومال يقوض مساعي الإمارات إلى توسيع انتشارها العسكري بمضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الأفريقي، ومن المرجح أن تعزيز أنقرة لتواجدها العسكري قبالة السواحل الصومالية سوف يضع مزيدا من القيود على التوسع الإماراتي في هذه المنطقة الحيوية.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

أرض الصومال الصومال بربرة محمد عبدالله فرماجو

الصومال: لن ندخل في أي تحالف ضد قطر وتركيا

حرييت: الإمارات تفتح جبهة الصومال مع تركيا بعد هزيمة حفتر

تركيا تسدد ديون الصومال لصندوق النقد الدولي