هكذا أجهض مهاتير محمد خطة إسقاط ماليزيا

الأربعاء 22 يناير 2020 12:51 م

"دولة لصوص".. كان هذا هو الوصف الذي أطلقه رئيس الوزراء الماليزي "مهاتير محمد" على (إسرائيل) في تصريحات من إسلام آباد، بثتها القنوات التليفزيونية الباكستانية مساء يوم 17 يناير/كانون الثاني الجاري، تزامنا مع إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" نيته الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، رغم مخالفة ذلك للقرارات الدولية.

وأثار هذا الوصف تساؤلات العديد من المراقبين عن خلفية تلك الجسارة النادرة لرئيس حكومة تنتمي إلى العالم الإسلامي بينما تسارع أقطاب هذا العالم التقليدية إلى التطبيع مع دولة الاحتلال، وعلى رأسها السعودية، خاصة مع إعلان حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس"، أن رئيس مكتبها السياسي "إسماعيل هنية"، استقبل وزير الدفاع الماليزي، "محمد سابو" خلال زيارة الأخير إلى قطر في 19 يناير/كانون الثاني.

يوفر لقاء "سابو - هنية" مؤشرا إضافيا على استقلال السياسة الخارجية الماليزية بعيدا عن ضغوط غربية وخليجية لا تدفع باتجاه مقاطعة حركات المقاومة الفلسطينية فقط، بل تضغط لتصنيفها ضمن المنظمات الإرهابية.

وقد بدأت ماليزيا في إظهار هذا النهج من الاستقلال السياسي منذ عودة "مهاتير محمد" مجددا إلى سدة السلطة في ماليزيا في مايو/أيار 2018، لينهي صعوده حقبة تلاعبت خلالها الرياض وأبوظبي بسياسة كوالالمبور في عهد رئيس الوزراء السابق "نجيب عبدالرزاق"، المتورط في قضايا فساد يتعلق بعضها بعلاقته مع الدولتين الخليجيتين.

وكما كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في يناير/كانون الثاني 2017، فإن سفير الإمارات لدى واشنطن "يوسف العتيبة" لعب دورا بارزا في فضيجة صندوق التنمية الماليزي "1MDB"، حيث تلقت شركات مرتبطة به ملايين الدولارات من شركات خارجية، قال المحققون في الولايات المتحدة وسنغافورة إن أموالها اختلست من الصندوق السيادي في كوالالمبور.

واتهمت وزارة العدل الأمريكية آنذاك "جو لو"، وهو شريك تجاري لـ"العتيبة"، بأنه المتآمر الرئيسي في الجريمة التي يصفها محققون ماليزيون بأنها أكبر عملية احتيال في التاريخ.

خطة إسقاط

في عهد "نجيب عبدالرزاق"، لم تدخر السعودية والإمارات جهدا لإفساد السياسة الماليزية، ووفقا للباحث في الشؤون الإسلامية "صلاح القادري"، فإن الجهود السعودية الإماراتية جاءت في إطار مشروع الدولتين الأكبر لإسقاط أي قوة يمكن أن تنحاز للتطلعات الشعبية أو تبدي هوية إسلامية في إدارة شؤون الحكم  والسلطة.

وأشار "القادري" إلى أن محور "الرياض - أبوظبي" يتبنى خطة لمنع نجاح أي تجربة تستند إلى مرجعية إسلامية، مؤشرا إلى وجود تحالف عربي صهيوني ضمني يهدف إلى منع قيام أي أنظمة خارج نطاق الهيمنة الأمريكية الغربية، والقضاء على أي قوى ثورية تنسجم مع تطلعات الشعوب العربية والإسلامية، وفقا لما نقله موقع "الجزيرة نت".

وفي هذا الإطار، جاءت خطة إفساد ماليزيا في عهد رئيس الوزراء السابق، خاصة بعدما حولت حقبة "مهاتير" الأولى البلاد إلى نموذج ملهم للإسلاميين حول العالم، وقد أقر وزير الخارجية السعودية الأسبق "عادل الجبير" بأن العائلة المالكة في الرياض أودعت في حساب "عبدالرزاق" 681 مليون دولار قبيل انتخابات عام 2013.

وإذا كانت السعودية ترى في أي صعود إسلامي خارج إطارها التقليدي السلفي (الوهابي) تهديدا لاستمرار شرعيتها التاريخية، فإن الإمارات ترى فيه خطرا مماثلا، ولكن من منظور مخاوفها الظاهرة من انتشار عدوى الديمقراطية وتداول السلطة، خاصة بعد ثورات الربيع العربي.

ولذا يذهب "القادري" إلى أن محور "الرياض - أبوظبي" لديه مهمتان أساسيتان؛ الأولى هي تصفية القضية الفلسطينية بما ينسجم مع دورهما الوظيفي في دعم الاستراتيجية الأمريكية والغربية في المنطقة، والثانية هي محاصرة القوى الشعبية الصاعدة سواء كانت دولا أو حركات، وهو ما يفسر سعيهما لإفشال التجربتين الماليزية والتركية.

في هذا السياق، يمكن قراءة مواقف وتصريحات "مهاتير محمد" الأخيرة بشأن القضية الفلسطينية، وإعلانه، في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أمام قادة وممثلين من 120 دولة خلال قمة حركة عدم الانحياز الثامنة عشرة بمدينة باكو عاصمة أذربيجان، أن بلاده ستفتح سفارة لتقديم المساعدات للفلسطينيين بسهولة أكبر.

وقال "مهاتير" آنذاك: "نعلم أن (إسرائيل) لن تسمح لماليزيا بفتح سفارة لها في الأرض المحتلة، لذلك سنفتح السفارة في الأردن (..) أود أيضا أن أذكر في هذه المناسبة بالمصير الذي ينتظر إخواننا الفلسطينيين. فلسطين لا تزال محتلة من قبل نظام وحشي. هذا النظام يواصل توسيع المستوطنات غير القانونية على الأرض التي ينتمي إليها الفلسطينيون بحق".

تعاون استراتيجي

بالتزامن مع ذلك، سعى "مهاتير محمد" لتطوير علاقة بلاده مع قطر وتركيا وترقيتها إلى مرتبة التعاون الاستراتيجي، وهو ما سبق أن تنبأ به مدير مركز الحوار الإنساني "مايكل فاتيكيوتس" قبل الانتخابات الماليزية حين قال: "سيتردد تأثير هذه الانتخابات إلى أبعد من حدود ماليزيا".

وفي هذا الإطار، أعلن مدير عام شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية "توساش"، "تمل كوتيل"، في 10 يناير/كانون الثاني الجاري، أن شركته وجهت دعوة لماليزيا من أجل الإنتاج المشترك لمقاتلة محلية.

ولفت إلى أن الشركة وجهت أيضًا دعوة لماليزيا من أجل تصنيع طائرات التدريب، والطائرة الهجومية "حر جيت"، في إطار سعى أنقرة إلى الدخول في مصاف الدول المصنعة لطائرات الجيل الخامس.

ومن هذا المنطلق، جاء إصرار رئيس الوزراء الماليزي على استضافة كوالالمبور للقمة الإسلامية المصغرة في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي، رغم الحرب الإعلامية التي شنتها وسائل الإعلام السعودية والإماراتية ضدها باعتبارها "محاولة للخروج عن إطار منظمة التعاون الإسلامي"، واضطرار رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان" للانسحاب من القمة بسبب الضغوط السعودية، حسبما نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين باكستانيين.

وقد شمل الهجوم الإعلامي شخص رئيس الوزراء الماليزي، ولم يصدر ذلك فقط من وسائل الإعلام السعودية والإماراتية فقط، بل من شخصيات معروفة بقربها من النظام الحاكم في كلا البلدين، على نحو ما كتبه الأكاديمي الإماراتي "عبدالخالق عبدالله"، المستشار السابق لولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، عبر تويتر، معلقا على صورة جمعت "مهاتير" بالرئيس التركي "رجب طيب أردوغان": "من علل هذا الزمان أن أحمق وآخر لا يقل عنه حماقة يودان قيادة أمة قوامها 1.5 مليار مسلم"، على حد وصفه.

 

 

كما أصدر الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي "يوسف العثيمين"، بيانا اعتبر فيه "أن أي عمل خارج المنظمة هو إضعاف للإسلام وللأمة وتغريد خارج السرب".

لكن "مهاتير" لم يتراجع إزاء هذا الهجوم، ولكنه بدأ في اللعب ببطاقاته الخاصة أيضا، وفي 9 يناير/ كانون الثاني أذاعت هيئة مكافحة الفساد الماليزية في مؤتمر صحفي مكالمة صوتية بين ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" ورئيس وزراء ماليزيا السابق "نجيب عبدالرزاق"، طلب خلالها الأخير عقد صفقة وهمية مع أبوظبي للتغطية على قضية فساد مالي.

قدم المؤتمر نص المكالمة بلسان المقال، لكنه قدم نصا آخر بلسان الحال، وهو أن ماليزيا عازمة على ألا يتم طيها تحت النفوذ السعودي - الإماراتي مجددا.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مهاتير محمد محمد بن زايد عبدالخالق عبدالله

دعوة تركية لماليزيا للمشاركة بمشروع المقاتلات الجوية

وزير دفاع ماليزيا يحث الدول الإسلامية على إنتاج سلاحها بنفسها