ستراتفور: مأزق لبنان الحالي.. مهمة حكومية شبه مستحيلة

الجمعة 24 يناير 2020 06:00 م

أخيرا أصبح لدى لبنان حكومة جديدة، ولكن لا يبدو أن هناك طريقا واضحا للخروج من مأزقها، فقد عين رئيس الوزراء "حسان دياب" حكومته في 22 يناير/كانون الثاني، فيما لا تزال هناك عقبات كبيرة، خاصة وأنه من غير المرجح أن تتحسن المشكلات الاقتصادية والأمنية في البلاد في أي وقت قريب.

على الصعيد المحلي، يجب على الحكومة الجديدة مواجهة حركة احتجاج مستمرة مع تحمل الانتقادات من المنافسين الذين اختارت استبعادهم من السلطة.

وخارجياً، تواجه البلاد الآن عقوبات محتملة وتخفيضات في المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة، فضلاً عن عزلة دبلوماسية محتملة في وقت يحتاج فيه الاقتصاد إلى كل مساعدة يمكنه الحصول عليها.

وبوضع هذه العقبات في الاعتبار؛ فإنه ليس من الواضح إلى متى ستستمر الحكومة الجديدة. والأكثر إثارة للقلق بالنسبة للمنطقة، أن العدوى الاقتصادية والسياسية اللبنانية يمكن أن تصيب البلدان المجاورة التي تعتمد على الروابط الاقتصادية مع بيروت، وخاصة سوريا.

  • وجوه جديدة بانتماءات قديمة

ظاهريا؛ تمثل حكومة "دياب" الجديدة كل القطاعات الطائفية في لبنان، حيث تضم أعضاء من مجموعة متنوعة من الطوائف العرقية والدينية في البلاد، ولكن في الوقت نفسه، يقلب مجلس الوزراء العديد من عادات لبنان السياسية.

فمن ناحية، يعتمد التشكيل الجديد على تحالف "8 آذار" - وهو تجمع الأحزاب المؤيدة لسوريا وإيران (تضم حزب الله)، وعلى الرغم من أن العديد من وزرائه ينتمون إلى خلفيات أكاديمية أو غير سياسية، فإن معظمهم لديهم صلات مع لاعبين رئيسيين في هذا التحالف أو يعتمدون على نفوذهم.

بالنسبة لوزير الخارجية "ناصف حتي" على سبيل المثال، فإنه دبلوماسي محترم وذو خبرة في جامعة الدول العربية، ولكن للحفاظ على منصبه، سيتعين عليه الالتزام بخط "8 آذار".

ينطبق الشيء نفسه على وزيرة الدفاع "زينة عكر"، والتي برغم كونها وجهًا جديدًا؛ لا تزال تعتمد على "8 آذار" للحصول على الدعم السياسي والحلفاء.

أزعج تأثير "8 آذار" الكثيرين في حركة الاحتجاج في لبنان، الذين أرادوا تغييرا سياسيا أكبر من التغيير الذي عرضه "دياب". ومع عدم تلبية مطالبهم؛ سيستمر المحتجون في التظاهر، وقد يصعّدون تكتيكاتهم أكثر.

كما أن استبعاد "دياب" لأعضاء تحالف "14 آذار" المناهض لسوريا وإيران (والذي يشمل رئيس الوزراء السابق "سعد الحريري")، يضيف بعدًا سياسيًا إضافيًا إلى مأزق لبنان الحالي، حيث قد يحاول "14 آذار" الاستفادة من الاستياء الشعبي لمحاولة تهيئة نفسه لاحتمال الانهيار المحتمل لـ "8 آذار" أو لانتخابات مبكرة.

وفي غياب أي تمثيل من "14 آذار" في مجلس وزراء "دياب"، اعتبر بعض المراقبين الدوليين بالفعل أن الحكومة الجديدة يسيطر عليها "حزب الله". وسيكون لدى القوى الخارجية التي تتطلع إلى مواجهته - خاصة الولايات المتحدة - الكثير من الأسباب لمحاولة عزل الحكومة الجديدة وحتى معاقبتها أملاً في إسقاطها مبكرًا.

في العام الماضي، قدمت الولايات المتحدة للبنان حوالي 162 مليون دولار من المساعدات، معظمها من أجل الأمن، لكنها أجلت بعض المساعدة في الخريف، للضغط على الحكومة و"حزب الله" وفق ما أوردته الأنباء؛ ولن يكون مفاجئًا أن تفكر واشنطن في هذا التكتيك مرة أخرى في عام 2020.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تفكر في توسيع قائمة العقوبات لتشمل أجزاء من الدولة اللبنانية بعد فرض تدابير على البنوك التي لها صلات مزعومة بـ"حزب الله" في البلاد.

قد يحاول لبنان اللجوء إلى فرنسا - التي فتحت دفتر شيكاتها للمستعمرة التي كانت تابعة لها في الماضي في كثير من الأحيان - لكن ليس من المؤكد أنها ستتدخل كمورد للمعونة الأمنية هذه المرة.

علاوة على ذلك، أوضحت باريس وآخرون في مؤتمر "سيدر"، الذي يجمع الدول التي عرضت التمويل على بيروت، أنهم ما زالوا يتوقعون من لبنان تنفيذ إصلاحات اقتصادية قبل أن يوافقوا على دفع أي من الـ 11 مليار دولار التي خصصوها للبلاد.

  • صداع الأمن

في الوقت نفسه، من المرجح أن يتدهور أمن لبنان مع استمرار الاحتجاجات المناهضة للحكومة في بيروت وأماكن أخرى في البلاد، ما يزيد من احتمال وقوع المزيد من العنف والتخريب والاضطرابات والحواجز على الطرق، فضلاً عن حملة قمع أكثر قوة من قبل قوات الأمن.

ومع تشكيل حكومة جديدة، يمكن أن يكون لدى السلطات حافزاً أكبر لإنهاء الاضطرابات، التي أدت إلى تفاقم مشاكل البلاد الاقتصادية.

وعلى الرغم من أن حكومة "دياب" الجديدة لن تزيد من خطر نشوب صراع آخر بين (إسرائيل) و"حزب الله"، فإن احتمال حدوث مثل هذه المعركة سيظل خطرًا مستمرًا له تأثير عميق على كل من (إسرائيل) ولبنان.

علاوة على ذلك؛ فإن تهديد الصراع الإيراني الأمريكي الأوسع سوف يلقي بظلاله على الحكومة الجديدة، بالنظر إلى الاحتمال المستبعد - والوارد في الوقت ذاته - بإمكانية قيام طهران باستخدام "حزب الله" كسلاح ضد (إسرائيل) في حالة تصعيد خطير بين واشنطن والجمهورية الإسلامية.

  • الأزمات الاقتصادية

تتمثل إحدى أولويات حكومة "دياب" في تحقيق الاستقرار للاقتصاد الذي ترنح من أزمة إلى أخرى خلال العام الماضي. وتعتبر الأزمة الاقتصادية اللبنانية عميقة للغاية لدرجة أنها قد تؤثر على الجيران الذين تربط لبنان بهم صلات مالية مثل سوريا.

وبدون شك؛ سيكون لاحتمالية فرض عقوبات أمريكية جديدة ضد حلفاء إيران الإقليميين، مثل "حزب الله"، تأثير ممتد على بقية الاقتصاد اللبناني؛ ما يخلق صداعاً لـ"دياب"، بالنظر إلى التكوين الكثيف المؤيد لـ"حزب الله" في حكومته.

ولكن، بصرف النظر عن تكوين مجلس الوزراء، فإن معضلة الحكومة الأكثر إلحاحًا -سواء اتخاذ تدابير لتخفيض الديون أو الاعتماد عليها أكثر لاستيراد السلع الرئيسية - ستكون صعبة الحل.

لتحقيق التوازن؛ ستحتاج الحكومة الجديدة إلى اتخاذ قرارات سريعة بشأن عدد من القضايا الاقتصادية الرئيسية.

أولاً: يتعين على الحكومة أن تقرر ما إذا كانت ستمضي قدمًا في اقتراح للبنك المركزي مؤخرًا لمطالبة حاملي السندات اللبنانيين بمبادلة سنداتهم الأوروبية التي سوف يحين موعد دفعها في الأشهر المقبلة؛ للحصول على أوراق دفع ذات تاريخ استحقاق أطول.

هذا من شأنه أن يخفف بعض الضغط على الموارد المالية الحكومية من خلال تمديد المواعيد النهائية لاسترداد حدود ائتمان بيروت، ويمكن أن يتحول في نهاية المطاف إلى طلب بأن يقوم حاملو السندات الأجانب أيضًا بمبادلة أوراق الدفع (لدى الأجانب 40% من سندات اليورو اللبنانية في ديسمبر/كانون الأول).

ويتعين على وزير المالية الجديد "غازي وزني"، وفريقه أن يقرروا كيف يتعاملون مع الضغوط المتصاعدة على العملة اللبنانية. فقد اعترف "وزني" في 22 يناير /كانون الثاني بأن المسؤولين قد يحتاجون إلى مراجعة ربط العملة الحالي لإبطاء أي انخفاض مستقبلي لاحتياطيات البلاد من العملات الأجنبية.

وبالنظر إلى شدة الاحتجاجات الحالية، ستحاول الحكومة أن تميل نحو تحديد أولويات حل للمظاهر الأكثر وضوحًا للأزمة المالية في البلاد، والتي تتمثل في مواجهة الشركات والمواطنين اللبنانيين لصعوبات جمة في الوصول إلى الدولار لإجراء عمليات الشراء، فضلاً عن السوق السوداء لصرف العملة لليرة اللبنانية.

يبلغ سعر الصرف غير الرسمي الآن حوالي 2500 ليرة لبنانية مقابل الدولار، أي بزيادة الثلثين عن السعر الرسمي، وهي حقيقة تجعل من الصعب الحصول على سلع مادية بسعر معقول.

وأدت ضوابط رأس المال التي فرضت في الأشهر الأخيرة إلى تباطؤ الاستهلاك والنشاط التجاري في البلاد، كما أدت التقارير غير الموثوقة عن زيادة البطالة إلى تدهور المعنويات الاقتصادية والقلق.

وكلما زادت قوة حركة الاحتجاج كرد فعل على حكومة "دياب"، كلما زاد الطلب على حلول على المدى القريب لاستيراد البضائع الضرورية وتخفيف الشكاوي الاقتصادية اليومية.

ومع ذلك، فإن مثل هذه الخطوة ستجعل من الصعب على لبنان سداد ديونه العميقة، والتي سيحين موعد استحقاق 2.5 مليار دولار منها في عام 2020 وحده، ليدفع ذلك لبنان إلى تحمل المزيد من الديون.

لا يضع هذا فقط لبنان على أرض مالية متزعزعة على المدى الطويل - ناهيك عن تنفير الاستثمار الأجنبي – بل قد يؤدي التعثر إلى مزيد من عدم الاستقرار الاجتماعي الذي يمكن أن ينتشر في جميع أنحاء المنطقة.

المصدر | إيميلي هاوثرن/ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحكومة اللبنانية حزب الله اللبناني حسان دياب

ستراتفور: هل ينجح حسن دياب في كسر الجمود السياسي بلبنان؟

بعجز متوقع 7% من الناتج المحلي.. برلمان لبنان يقر ميزانية 2020

بروكينجز: حكومة لبنان الجديدة ستصفي المعارضين بدعوى مكافحة الفساد

الصحة والتعليم تحت طائلة أزمات لبنان الاقتصادية