بروكينجز: حكومة لبنان الجديدة ستصفي المعارضين بدعوى مكافحة الفساد

الثلاثاء 28 يناير 2020 08:20 م

إلى جانب الاقتصاد المنهار، تواجه الحكومة اللبنانية الموالية لسوريا مشكلة تأسيسية. وتستغل القوى السياسية التي تقف خلف الحكومة الجديدة، وعلى رأسها الرئيس اللبناني "ميشال عون"، الفرصة لإطلاق العنان لسلطات الدولة ضد خصومها السياسيين المؤيدين للغرب.

لكن المتظاهرين الغاضبين، والمواطنين اليائسين على نحو متزايد، يتوقعون من الحكومة الجديدة معالجة مظالمهم السياسية والاقتصادية غير الحزبية. وردا على ذلك، كواحدة من أولى أعمالها، ستعلن الحكومة الجديدة عن حملة شرسة لمكافحة الفساد، تهدف إلى تهدئة الشوارع بعد 100 يوم من الاحتجاجات. فبعد كل شيء، يتم الاعتراف على نطاق واسع بالفساد المستشري باعتباره مستوطنا في جميع الأطياف السياسية تقريبا، وتغذيه عقود من المصالح الطائفية الخاصة وانعدام الشفافية.

ويمكن لمحاربة الفساد من الناحية النظرية أن توفر الدعم الشعبي لحكومة جديدة مشكوك في مصيرها. لكن من حيث الممارسة العملية، ستستغل هذه الحكومة شعارات مكافحة الفساد لإخفاء مهمتها الحقيقية المتمثلة في مطاردة "ساحرة قبيحة".

  • مكافحة الفساد

ويجب أن تحدد صرخة الاحتجاج اللبنانية، "الكل يعني الكل"، التي تطالب بطرد الحرس القديم بأكمله من المناصب الوزارية، من يواجه الفساد. لكن أجندة الحكومة الجديدة لمكافحة الفساد ستكون انتقائية. وسيكون بمثابة انتقام ضد الشخصيات السياسية اللبنانية التي كانت لديها جرأة للوقوف أمام رؤية "عون" و"حزب الله" ودمشق المناهضة للغرب في لبنان، والتي يجسدها مجلس الوزراء المقبل.

وسيتم استهداف رئيسي الوزراء السابقين "سعد الحريري" و"فؤاد السنيورة"، وزعيم الدروز "وليد جنبلاط"، وحلفائهم، ووزير الخارجية المنتهية ولايته "جبران باسيل" ورفاقه، ورئيس البرلمان "نبيه بري"، وبعض الصغار المرتبطين بمحور "عون - حزب الله - دمشق".

ولن ينظر أي أحد على محمل الجد في صفقات الوقود والكهرباء الضبابية التي تفاوض عليها وزراء من حزب "الحركة الوطنية الحرة" الموالي لـ"عون". ولن يضطر "حزب الله" إلى دفع الضرائب على أنشطته الاقتصادية الواسعة، أو فتح سجلاته الخاصة بنظام الاتصالات السلكية واللاسلكية السري وعمليات التهريب.

وهناك تاريخ وراء هذا. فمنذ عودته إلى لبنان، في 7 مايو/أيار 2005، بعد أكثر من 14 عاما في المنفى في فرنسا، كشف "عون" عن نيته استخدام تهم الفساد لتحقيق أهداف حزبية. وكانت القوات السورية قد غادرت لبنان قبل 11 يوما فقط، وأجبرها على الخروج مزيج من الضغط الخارجي والمظاهرات الداخلية الضخمة التي أثارها اغتيال رئيس الوزراء السابق "رفيق الحريري" في 14 فبراير/شباط 2005.

ورأى "عون" أن بموت "الحريري" أنجز ما فشل هو في تحقيقه من فرنسا خلال 14 عاما، وهو طرد القوات السورية.

وفي تجاهل للملصقات العملاقة لـ"الحريري" التي ملأت شوارع بيروت، وفي تحدٍ للعرف السائد في ذلك الوقت، المتمثل في وضع إكليل من الزهور على قبر "الحريري"، للاعتراف بتأثير وفاته في توحيد معظم لبنان ضد القوات السورية، لم يستخدم "عون" خطابه الأول بعد العودة للوطن لإدانة قتلة "الحريري"، أو التغني برحيل القوات السورية، لكن استخدمه في مهاجمة الفساد.

وكان هذا، كما اعترف الجميع في ذلك الوقت، إشارة لاعتزامه ملاحقة عائلتي "الحريري" و"جنبلاط" لعدم دعم "عون" كمنقذ للبنان.

من جانبه، كشف وزير الخارجية السابق "جبران باسيل"، صهر "عون" ووريثه السياسي المفترض، عن عدم معرفته شيئا عن حقيقة تدابير مكافحة الفساد في الآونة الأخيرة، في المنتدى الاقتصادي العالمي لهذا العام. وبعد الضغط عليه من "هادلي جامبل" من "سي إن بي سي" حول كيفية تغطية الوزير السابق في بلد مفلس تكلفة السفر بطائرة خاصة إلى "دافوس"، جرب "باسيل" عدة تفسيرات، قبل أن يشير في النهاية لأصدقاء مجهولين كرماء.

ومع وجود "باسيل" في مناصب وزارية تحافظ على مصالح أتباع حزبه وحلفائه، وبينما يقود كتلة الأغلبية البرلمانية (الضيقة)، يبدو أن الحاجة إلى الشفافية الكاملة ستنطبق على الآخرين، وليس عليه.

  • على جدول الأعمال

ويجب أن نتوقع أيضا تجدد الجهود من جانب الحكومة القادمة لطرد اللاجئين السوريين، في تحدٍ للمعايير الدولية للعودة الآمنة والكريمة والطوعية. وبالنظر إلى المشاكل الاقتصادية في لبنان، فقد عاد بعض السوريين بالفعل إلى سوريا، ويرحب معظم اللبنانيين بتسريع العودة، سواء كان هذا التسارع يتوافق مع المعايير الدولية أو لا.

ولا شك أن دمشق ترحب بالحكومة الجديدة باعتبارها الحكومة اللبنانية الأقرب "للون الواحد" الأكثر تأييدا لدمشق منذ حكومة "عمر كرامي" المشؤومة في أواخر عام 2004 وأوائل عام 2005، بتحركها المريب لاستخدام الجرافات لمحاولة تدمير الأدلة الكامنة وراء اغتيال "الحريري". ولا شك أن دمشق وأتباعها في لبنان سوف يشعرون بالارتياح لأن هذه الحكومة، بالنسبة لهم، تسير عكس اتجاه انسحاب القوات السورية المهين عام 2005.

ورغم أن أغلب الوجوه الوزارية جديدة، على الأقل بالنسبة للمجتمع الدولي، إلا أنه بنظرة خاطفة على الخلفيات والداعمين والأقارب، نجد أن الحكومة تتألف من سياسيين وحلفاء موالين لسوريا و"حزب الله" و"عون"، إلى جانب حفنة من الانتهازيين اللبنانيين الذين هبطوا على الساحة بعد غموض وتناقضات "حديث الوحدة الوطنية" الأخير.

  • دور واشنطن

لكن هل يجب على الحكومة الأمريكية وغيرها أن تحاول العمل مع مجلس وزراء لا يمثل جميع أطراف الطيف السياسي اللبناني المنقسم؟. حسنا، يبدو أن واشنطن ليست لديها أية مخاوف بشأن التعامل مع "باسيل" على الرغم من دوره كمهندس لصفقة فبراير/شباط 2006، التي ربطت بين حزب والد زوجته بـ"حزب الله".

ولا يتحمل أي شخص مسؤولية مثل "باسيل" في توسيع نفوذ "حزب الله" السياسي والقانوني بما يتجاوز الحصة الدستورية الشيعية الضيقة المسموح بها بموجب الاتفاقات الطائفية؛ حيث مكّن "باسيل" حزب الله من الظهور كممثل لقاعدة وطنية مواجهة للقوى السياسية الصديقة للغرب.

لكن الولايات المتحدة بقيت على اتصال مع لبنان حتى في ظل توسع "حزب الله" بوساطة "باسيل"؛ لأن الولايات المتحدة لديها مصالح في لبنان تتطلب التعاطي لحمايتها وتعزيزها. وتبقى هذه الحقيقة كما هي اليوم، مهما كانت القوى وراء الحكومة الجديدة.

وفي الواقع، سيخدم تخفيض العلاقات الأمريكية مع لبنان الآن مصالح "حزب الله" ودمشق في إخراج الولايات المتحدة من لبنان، مع ملء روسيا وإيران وسوريا الفراغ الناتج.

ويريد محور "عون - حزب الله - دمشق" أن تنتهي الشراكة الأمريكية مع القوات المسلحة اللبنانية؛ لأن القدرات المعززة للجيش اللبناني، المرتبطة بالتدريب والمساعدة الأمريكية، هي الأداة الأكثر فعالية المتاحة لتقويض رواية "حزب الله" المضللة حول حماية لبنان، في الوقت الذي عرضت فيه الصواريخ الإيرانية لبنان للخطر.

وتتراوح المصالح الأمريكية في لبنان بين عدم الرغبة في رؤية الروس يسيطرون على 3 موانئ شرق البحر المتوسط، ومكافحة الإرهاب، والهيدروكربونات، وما وراءها.

لذلك دعونا لا نجعل رؤية "عون - حزب الله - دمشق" للبنان سهلة التنفيذ، خاصة عندما نعلم أن الشعب اللبناني في الغالب يفضل التوجه الغربي، وليس السوري الإيراني. ونحن نتعامل مع العديد من أمراء الحرب في أفغانستان وأماكن أخرى؛ أي أننا بحاجة إلى البقاء في المنافسة لحماية مصالحنا والرد على هؤلاء الذين ينوون الإضرار بمصالحنا، وقد يكون ذلك في بلد معقد ومقسّم مثل لبنان. وإلا، سيتحول اللبنانيون إلى أي قوة يعتقدون أنها تستطيع حمايتهم.

وتمنح الأزمة المالية والاقتصادية الحادة في لبنان النفوذ للولايات المتحدة. فحتى لو كان "حزب الله" يعتقد ببساطة أنه من الممكن انتظار مرور الأزمة، فإن الحكومة الجديدة ستضطر إلى الاستجابة للنداءات الشعبية.

ويستعد المصرفيون والاقتصاديون لتقليص حجم الاقتصاد اليوناني هذا العام، بنسبة 25% أو أكثر، لكن بدون المرونة الداخلية اليونانية أو الشراكات الخارجية مع الاتحاد الأوروبي كانت الأزمة ستصبح أسوأ من هذا.

وتقدر نسبة البطالة في لبنان بـ25%، وقد تصل إلى 50%. ويجب أن تتضمن أي حدود ائتمانية، أو تدابير إبداعية لتخفيف الانهيار، أو برامج قروض صندوق النقد الدولي، نوع الرقابة والمساءلة الصارمين اللذين رفضهما لبنان حتى الآن، لكن لن يكون أمامه خيار سوى قبول ذلك كشرط لأي مساعدة.

وتماما مثل عام 2005، عندما لم تمنح المظاهرات الداخلية والضغوط الخارجية السوريين أي خيار سوى سحب القوات، فإن المظاهرات والمطالب الداخلية اللبنانية، مقترنة بالضغط الخارجي القاسي على مجلس الوزراء لمعالجة تلك المطالب، ستؤثر بشكل بناءً على تصرفات الحكومة المقبلة.

وإذا تم اختصار عمر هذه الحكومة البائسة، كما يتنبأ أو يأمل الكثيرون، فإن قائمة الوزراء البديلة ستواجه نفس التحديات. وبعد كل شيء، لم نشهد انهيار الحكومة اللبنانية مع استقالة "سعد الحريري" في نوفمبر/تشرين الثاني، لكنها انهارت، باستثناء مؤسسات قليلة مثل الجيش اللبناني، قبل أعوام إن لم يكن عقود، وقد تجلى ذلك في مستوى تقديم الخدمات لمواطنيها وحماية المصالح الوطنية.

  • السياسة مثل المعتاد

وتعد أحد المفارقات في الأزمة الحالية هو أن "عون" كرئيس و"باسيل" بصفته زعيم الأغلبية البرلمانية، سيترأسان ما قد يكون أكبر هجرة للمسيحيين اللبنانيين إلى الخارج منذ الحرب الأهلية في لبنان.

وقد نظر كل من "عون" و"باسيل" إلى حماية المسيحيين في الشرق الأوسط كمشروع جوهري ودافع لسياساتهم المشكوك فيها في البلاد. وفي الواقع، فإن "باسيل"، الذي اعتبر "حزب الله" مفتاحا لطموحاته السياسية، برر علنا دعمه لـ"حزب الله "على أساس المخاوف المسيحية. وأشار إلى أن الشيعة أقلية أيضا، وإن كانت في لبنان مسلحة جيدا، وادعى حاجة المسيحيين لإيجاد حليف قوي ضد الإرهاب السني والموجة الديموغرافية السنية التي يفاقمها اللاجئون الفلسطينيون والسوريون الذين لجأوا إلى لبنان.

والآن، بدلا من الفرار من أعمال العنف والجحافل السنية التي توقعها "باسيل"، يفر مسيحيو لبنان من النظام الذي اعتمد عليه زعماؤهم، بمن فيهم "عون" و"باسيل"، لإبقاء أنفسهم في السلطة.

وقبل عام 2005، كان يمكن لـ"عون" أن يدعي أنه خارج النظام، لكن الآن، بعد 15 عاما، أصبحت مثل هذه الادعاءات غير مجدية. وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، عندما حاول "باسيل" في منتدى الدوحة تقديم نفسه كشخص يشارك المحتجين اللبنانيين مطالبهم، توتر الجمهور. وأبدى شخص واحد من الجمهور، في همس، ملاحظة أن "باسيل" يلهم المحتجين؛ حيث ينجح في إشعال غضبهم.

وخارج الكواليس، مع انتهاء عملية تشكيل الحكومة، تظهر دراما أخرى، وهي مسألة من سيحل محل "عون" كرئيس لبناني عندما تنتهي ولايته في أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وبينما يبدو أن الطموحات الرئاسية تكمن في أذهان جميع المسيحيين "الموارنة"، من المرجح أن يزداد التنافس بين "باسيل"، على أمل تكرار نجاح وصول صهره إلى الرئاسة عبر ورقة دعم "حزب الله"، و"سليمان فرنجية"، حفيد الرئيس السابق، الذي هو واحد من أقرب حلفاء دمشق في لبنان.

لكن هذه السياسة المرهقة كالمعتاد لن تحل مشاكل لبنان. وفي غضون ذلك، سيستمر المواطنون اللبنانيون العاديون في المعاناة، في ظل نظام يعاني منذ فترة طويلة من خلل وظيفي، لكنه الآن في حالة قاتلة.

لقد انتهت القدرة الغريبة للاقتصاد اللبناني على تحدي الجاذبية، وبدأ الانهيار بالفعل. ولسوء الحظ، ستجد الحكومة الجديدة أنه لا يمكن مقاومة هذا الانهيار، وسيكون أسهل عليها ملاحقة الخصوم السياسيين بدلا من إنشاء نظام أكثر استدامة وتمثيلا يسمح للبنانيين بالنمو في وطنهم كما فعلوا في العديد من الأماكن في الخارج.

المصدر | جيفري فلتمان/ بروكينجز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحكومة اللبنانية جبران باسيل حزب الله اللبناني

مطالبة دولية للبنان بإقرار إصلاحات سياسية واقتصادية

معهد عبري: حكومة لبنان الجديدة تهدد أمريكا ودول الخليج وإسرائيل

لبنان.. هذا ما تخبرنا به عقود من نظام المحاصصة الفاسد