دول الخليج العربية ما زالت قلقة من اندلاع حرب أمريكية إيرانية

الاثنين 27 يناير 2020 05:53 م

على الرغم من المواقف القوية المناهضة لإيران في العديد من دول الخليج العربية، دعا جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي واشنطن وطهران إلى ممارسة ضبط النفس بعد قتل الولايات المتحدة لقائد "فيلق القدس" الإيراني "قاسم سليماني" في أوائل يناير/كانون الثاني.

وكانت الرغبة في تجنب اندلاع حريق في منطقة الخليج هي الموقف الموحد داخل مجلس التعاون الخليجي المتصدع منذ أن نشبت "أزمة قطر" في يونيو/حزيران 2017.

وكان هناك شعور بالارتياح لأن الرئيس "دونالد ترامب" والقيادة الإيرانية لم يصعدا الأمور منذ الضربات الانتقامية الإيرانية على القواعد العراقية التي تضم أفرادا عسكريين أمريكيين.

ومع ذلك، لا تزال دول الخليج العربية تشعر بالقلق من أن المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران قد يتم استئنافها من جديد، وهي مواجهة قد تشمل استهدافها أو ستؤثر على مصالحها الاقتصادية سلبا على الأقل.

وتنبع تخوفات هذه الدول من شعورها بالضعف، وحقيقة أنها تنظر إلى الولايات المتحدة بشكل متزايد على أنها حليف غير موثوق به ولا يمكن التنبؤ به.

وعلى الرغم من مئات المليارات من الدولارات التي أنفقتها على الدفاع عن نفسها، فإن دول الخليج العربية غير متأكدة من الطريقة التي يمكنها من خلالها دفع جيوشها ضد إيران.

علاوة على ذلك، فإن الحرب في الخليج لن تؤدي فقط إلى تعطيل التدفقات النفطية المهمة، بل ستؤدي إلى تراجع المكاسب التي حققتها الدول في بناء مشاريع البنية التحتية الهائلة.

وكانت هذه هي السمة المميزة لتطور الخليج على مدى العقود القليلة الماضية، وقد يؤدي التراجع المالي والاقتصادي إلى صراع طائفي داخل بعض بلدان المنطقة.

رسالة موحدة لضبط النفس

ومباشرة بعد الضربة الأمريكية ومقتل "سليماني"، استخدمت دول الخليج العربية الدبلوماسية واللغة الهادئة في محاولة لنزع فتيل الأزمة، وأوفدت المملكة العربية السعودية نائب وزير الدفاع والسفير السابق في الولايات المتحدة، "خالد بن سلمان"، إلى واشنطن، حيث التقى بالرئيس الأمريكي وغيره من كبار المسؤولين، وكانت رسالة "بن سلمان" هي حث الولايات المتحدة على ممارسة "ضبط النفس"، ويبدو أن هذه هي الرسالة التي كانت تتردد في كل مكان.

وزار وزير الخارجية القطري "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني" إيران، والتقى بالرئيس الإيراني "حسن روحاني"، وحث إيران على ضبط النفس أيضا، وتبعت زيارته لطهران تلك التي قام بها الأمير القطري نفسه.

وفي الوقت نفسه، أدلى "أنور قرقاش"، وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات العربية المتحدة، ببيان عام دعا فيه جميع الأطراف إلى تقديم "الحكمة والتوازن والحلول السياسية على المواجهة والتصعيد".

ويبدو أن تجنب التصعيد العسكري في منطقة الخليج كان رسالة موحدة اتفقت عليها جميع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث لا يزال مجلس التعاون الخليجي نفسه منقسما في أعقاب المقاطعة الاقتصادية والسياسية لقطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين، إلى جانب مصر من غير أعضاء المجلس، منذ يونيو/حزيران 2017.

وعلى الرغم من بذل بعض الجهود لإصلاح الأمور في الأشهر الأخيرة بين قطر وجيرانها، لا يزال التقارب الحقيقي بعيد المنال، ومع ذلك، فإن حقيقة أن قطر قد أقامت علاقات أوثق مع إيران منذ بدء المقاطعة تعمل بشكل مفيد لصالح دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، لأنه يمكن استخدام أسهم دول الخليج المختلفة لدى واشنطن وطهران للمساعدة في تهدئة الوضع.

وعلى الرغم من اللغة القاسية والعدائية خلال الأعوام القليلة الماضية بين الرياض وطهران، وكذلك بين الأخيرة وأبوظبي، فقد بذلت كل من السعودية والإمارات جهودا لفتح قنوات خلفية مع إيران في الأشهر الأخيرة، وربما كان هذا يرجع جزئيا إلى إدراك أن حرب اليمن، التي كانت الدول الـ 3 تقاتل فيها بدرجات متفاوتة من المشاركة، لا يمكن حلها عسكريا، وأن اليمن بحاجة إلى حل سياسي لإنهاء كابوسه الإنساني.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الخلافات الحادة بين السعودية والإمارات في اليمن جعلت التحالف العسكري بقيادة السعودية أقل قابلية للتطبيق في الأشهر الأخيرة، ما جعل الحل السياسي أكثر استحسانا.

وكانت حقيقة أن مقتل "سليماني" قد حدث في الوقت الذي كانت فيه دول المجلس تحاول الوصول إلى إيران قد جعلت الأزمة الأمريكية الإيرانية أكثر إثارة للقلق، لأنها هددت بإخراج التوترات الخليجية الإيرانية عن مسارها.

وفي الواقع، أخبر رئيس الوزراء العراقي "عادل عبدالمهدي" البرلمان العراقي أنه كان يتوسط بين إيران والسعودية، وأن "سليماني"، قبل وقت قصير من مقتله، كان ينقل رسالة للسعوديين من إيران.

وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" قد أنكر هذا الادعاء، لكنه كان صحيحا، ويفسر هذا أيضا سبب حرص السعوديين بشكل خاص على عدم رؤية مواجهة عسكرية في منطقة الخليج.

وتجدر الإشارة إلى أن عُمان، الدولة الواقعة ضمن مجلس التعاون الخليجي، والتي كانت تقليديا قناة بين واشنطن وطهران، لم تكن في وضع يسمح لها بلعب دورها التقليدي كوسيط في هذه الحالة، لأن الأزمة الأمريكية الإيرانية تزامنت تقريبا مع وفاة السلطان "قابوس" سلطان عمان.

وفي حين أكد الزعيم العماني الجديد، السلطان "هيثم بن طارق آل سعيد"، أن العلاقات الخارجية لبلاده ستستمر في نفس المسار الذي تركه السلطان الراحل، لكنه لم يكن في وضع يؤهله للعب دور الوسيط في الأزمة الأمريكية الإيرانية، بعد صعوده إلى العرش مباشرة.

الخوف من الضربات العسكرية الإيرانية

وكانت دول الخليج العربية قد طورت بشكل كبير مؤسساتها العسكرية في العقود الأخيرة، مستخدمةً عائدات النفط الوفيرة لدفع ثمن المعدات العسكرية والتدريب الغاليين للغاية.

ومع ذلك، كما أظهرت حرب اليمن، لا يُترجم التدريب والمعدات بالضرورة إلى قوات عسكرية فعالة. وقد أوضحت حملة القصف السعودي ضد المتمردين الحوثيين في اليمن حدود هذه الاستثمارات الضخمة، حيث تسببت العديد من القنابل الخاطئة في مقتل مئات المدنيين، وفقا للأمم المتحدة.

وفي حين قد تكون دول الخليج العربية قادرة على السيطرة على دول أو مجموعات في شبه الجزيرة العربية، في حالة الاشتباكات الحدودية المحتملة على سبيل المثال، لكنها تخشى ألا تكون قادرة على الوقوف أمام قوة إقليمية كبرى مثل إيران، التي لديها مؤسسة عسكرية أكبر بكثير وأكثر قوة من تلك الخاصة بها، والتي تم اختبارها في المعركة.

علاوة على ذلك، استخدمت إيران القوة بالفعل في المنطقة كوسيلة للإشارة إلى قوتها المتفوقة على دول الخليج العربية، وفي العام الماضي، لم تقم إيران باستهداف مياه الخليج وناقلات النفط فحسب، بل هاجمت منشآت النفط السعودية مباشرة في البر الرئيسي السعودي بالصواريخ والطائرات بدون طيار في سبتمبر/أيلول الماضي، ما تسبب في أضرار جسيمة للبنية التحتية للنفط في البلاد.

ولم ترد الإمارات أو السعودية عسكريا على هذه الهجمات والاستفزازات، ويقال إنهما، ودول الخليج العربية الأخرى، كانا يعتمدان على الولايات المتحدة لتقديم مساعداتها عبر مهاجمة بعض المنشآت العسكرية الإيرانية ردا على ذلك، وعندما لم يحدث ذلك، حتى بعد الهجوم الإيراني على منشآت النفط السعودية، بدأت تلك الدول في إعادة تقييم وضعها.

رؤية الولايات المتحدة كشريك غير موثوق به

ولقد أدركت دول الخليج العربية أن الولايات المتحدة سترد عسكريا على إيران فقط إذا تعرض مواطن أمريكي للأذى، كما ظهر جليا عندما تم قتل مقاول أمريكي في العراق على أيدي ميليشيا موالية لإيران.

ومع ذلك، ردت واشنطن باستهداف هذه الميليشيا و"سليماني"، ولم يكن "سليماني" مسؤولا إيرانيا رفيع المستوى فحسب، بل كان أيضا مسؤولا يحظى باحترام الشيعة في جميع أنحاء العالم، ومن المحتمل أن هؤلاء القادة العرب في الخليج لم يكونوا متأكدين من أن "ترامب" فهم تداعيات أمره، ولم يفكر الرئيس في خطواته اللاحقة.

لذلك، وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلها "ترامب" للبقاء على علاقة طيبة مع دول الخليج العربية، لا سيما السعودية، فقد أصبح يُنظر إليه من قبل المسؤولين في هذه البلدان على أنه غير موثوق به ولا يمكن التنبؤ به، وإذا كان يمكنه أن يأمر بقتل "سليماني"، فماذا قد يفعل أيضا؟

وقبل وقت قصير من الرد العسكري الإيراني على مقتل "سليماني"، كان العديد من المحللين السياسيين في واشنطن والمنطقة يتكهنون بأن طهران قد تحول غضبها نحو بعض دول الخليج العربية، وهو ما قد يكون اقتراحا أقل خطورة في نظر الإيرانيين من هجوم إيران المباشر ضد هدف أمريكي، حيث قد يسفر عن قتل الأمريكيين العاملين في المكان.

ويجب أن تجعل مثل هذه المناقشات قادة دول الخليج في حالة من التوتر الشديد، ومن وجهة نظرهم، من الواضح أن الاعتماد فقط على المظلة الأمنية الأمريكية لم يكن رهانا آمنا، وكان الخيار الأفضل هو محاولة تهدئة الأمور قبل أن يخرج الوضع عن السيطرة وتصبح دولهم أهدافا لسخط إيران.

علاوة على ذلك، مع بدء الانتخابات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني، قد يختار الناخبون الأمريكيون رئيسا جديدا من المحتمل أن يكون أقل ودية من "ترامب" تجاه الحكومة السعودية.

على سبيل المثال، وصف نائب الرئيس السابق "بايدن" المملكة بأنها دولة منبوذة؛ في حين دافع "ترامب"، من جانبه، عن الرياض سياسيا، وأرسل المزيد من القوات الأمريكية إلى المنطقة.

إذن، قد تبدو فكرة الاعتماد على واشنطن للحماية ضد إيران أقل أمانا مع الوقت.

الكثير لتخسره

وعلى الرغم من أن التوترات المتصاعدة في الخليج أدت مؤقتا إلى ارتفاع أسعار النفط لفترة من الوقت في أوائل يناير/كانون الثاني، الأمر الذي مكّن دول الخليج العربية من جمع المزيد من العائدات، لكن التكاليف الاقتصادية تفوقت على المكاسب قصيرة الأجل.

أولا، كان هناك ارتفاع كبير في تكلفة شحن النفط الخام عبر مضيق "هرمز"، وأوقفت شركة ناقلات النفط السعودية الشحنات عبر هذا الممر المائي الحيوي لفترة من الوقت.

ثانيا، انخفضت أسهم "أرامكو" السعودية، التي تم طرحها مؤخرا في السوق العالمية، والتي دخلت منحنى هبوطي منذ ذروتها في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2019، بنسبة 1.7% بعد مقتل "سليماني"، مع قلق المستثمرين من ضربة إيرانية أخرى على منشآت "أرامكو".

ويمكن حتى لانخفاض صغير في قيمة هذه الأسهم أن يكلف المملكة مئات الملايين من الدولارات، والأهم من ذلك، أن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" يعتمد على عائدات هذه الأسهم للمساعدة في بناء القطاعات غير النفطية في الاقتصاد السعودي كجزء من حملته التنويع "رؤية 2030".

بالإضافة إلى ذلك، قامت دول الخليج باستثمارات هائلة في كل من البنية التحتية المادية والمالية في العقود الأخيرة، وهي قلقة جدا من أن تؤدي الحرب الأمريكية الإيرانية إلى عواقب وخيمة، ونُقل عن مسؤول مخابرات أمريكي سابق لم يذكر اسمه، كان قد عاد لتوه من الخليج، قوله: "يخشى الجميع، من الكويت إلى عُمان، التصعيد، يدرك الجميع أن الصراع العسكري قد يكون كارثة".

ثم أضاف هذا المسؤول السابق أنه إذا ضرب صاروخ إيراني برج مكتب في دبي، فستصبح "سمعتها كمركز مالي في خطر".

ولا يتعين على المرء الحصول على الكثير من المعرفة لفهم أن كل الجهود المبذولة لإنشاء مركز تجاري على الطراز الغربي في الخليج، مثل دبي، التي استقطبت رجال الأعمال والسائحين من جميع أنحاء العالم، قد ينهار إذا اندلعت الحرب.

وتشعر العديد من دول الخليج بالقلق من أن يؤدي اندلاع حرب أمريكية إيرانية إلى إشعال الفتنة الطائفية التي طفت إلى السطح في الفترة 2011-2012، لا سيما في البحرين، التي يبلغ الشيعة 60% من سكانها، لكنها تخضع لسيطرة ملكية سنية.

والسعودية، التي يقيم معظم سكانها الشيعة في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، وعلى الرغم من أن معظم الشيعة في دول الخليج العربية ليسوا موالين لإيران، إلا أن بعض الجماعات المتشددة تفعل ذلك، وقد تثير مشكلة في حالة نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران، وقد تتصاعد الجهود المبذولة لقمع مثل هذه الجماعات إلى اشتباكات طائفية تعطي النظام الإيراني ذريعة للتدخل، وهو أمر تريد دول الخليج العربية تجنبه بأي ثمن.

القلق بشأن المستقبل

وكان هناك ارتياح كبير في دول الخليج من أن الضربات الانتقامية الإيرانية على القواعد العراقية التي تضم أفرادا عسكريين أمريكيين لم تؤد إلى مقتل أمريكيين، ما مكّن "ترامب" والقادة الإيرانيين من التوقف عند هذا الحد.

ومع ذلك، لا يعني هذا أن الأزمة قد انتهت بالكامل، فمع تعرض النظام الإيراني لضغوط هائلة بسبب حملة "أقصى ضغط" الأمريكية، فقد يبدأ اللجوء لاستهداف الأصول الأمريكية في المنطقة، أو استهداف المصالح الاقتصادية لدول الخليج العربية مرة أخرى.

ولا يزال الوضع الإقليمي متوترا للغاية؛ لذا فمن المؤكد أن افتراض وجود صدام آخر بين الولايات المتحدة وإيران ليس بعيدا عن المعقولية. ولا يزال الخطاب في كل من طهران وواشنطن في هذه المرحلة مشحونا بالعدوانية.

ولتخفيف القلق في دول الخليج، يحتاج هذا الخطاب إلى التراجع، ويجب على المسؤولين الخليجيين الاستمرار في حث كلا الجانبين على ضبط النفس.

وعلى الرغم من أنها ليس لديها أي مشاعر إيجابية تجاه إيران، فقد أدركت دول الخليج العربية أن الحرب التي من المحتمل أن يتم خوضها ستكون لها عواقب وخيمة على اقتصادها وأمنها وعلى شعوبها.

وكحد أدنى، يجب على صانعي السياسة في الولايات المتحدة ألا يتدخلوا في تواصل هذه الدول مع إيران، الذي قد يساعد بالفعل في نزع فتيل التوترات؛ فبعد كل شيء، قال "ترامب" إنه لا يسعى إلى الحرب مع إيران، وكان قد شن حملة ضد تورط الولايات المتحدة في مستنقع شرق أوسطي آخر، وهو شعور لا يزال يتردد صداه مع الشعب الأمريكي.

المصدر | جريجوري أفتاندليان | ريسبونسيبول ستيتكرافت - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

جيوبوليتكال فيوتشرز: ما الذي ينتظر إيران؟

سفن أمريكية تعبر مضيق هرمز باتجاه الخليج