انسحاب فودافون من مصر.. هل يخطط الجيش لتأميم قطاع الاتصالات؟

الجمعة 31 يناير 2020 08:24 م

لماذا أعلنت شركة "فودافون" للاتصالات انسحابها من السوق المصرية؟ وما هي دلالة اتجاه شركة الاتصالات السعودية "STC" للاستحواذ على أسهم الشركة العالمية؟ وما هي المآلات المتوقعة لهذا الاستحواذ في حال حدوثه؟.

تصدرت هذه الأسئلة اهتمامات مراقبي الشأن المصري وخبراء الاقتصاد، خاصة أن بيانات فودافون مصر؛ تشير إلى أن الشركة تحتل المركز الأول في عدد المشتركين في خدمة الهاتف الجوال في البلاد، كما تعد الفرع الأكثر ربحية لمجموعة فودافون في قارة أفريقيا.

لم يقدم بيان المجموعة الأم جوابا، واكتفى بتوضيح اتجاه الشركة المستقبلي، عبر الإشارة إلى عقد عدد من اتفاقات التخارج تهدف إلى تقليص الأعمال في عدة مناطق حول العالم "للتركيز على الأسواق الأوروبية".

وفي هذا الإطار، أعلنت فودافون مؤخرا عن بيع فرع الشركة في نيوزيلندا مقابل (2.23 مليار دولار) إلى ائتلاف "كونسورتيوم" التجاري الذي يضم شركة "إنفراتيل ليمتد" ومقرها نيوزيلندا وشركة "بروكفيلد" لإدارة الأصول في كندا، كما قامت في العام الماضي ببيع شركة فودافون مالطا لشركة "موناكو تيليكوم"، وتشير تقارير إلى أنها تنوي التخارج من السوق الهندي أيضا هذا العام.

ويقيّم الخبراء قيمة أسهم فودافون مصر بنحو 5 مليارات دولار، تملك فودافون العالمية 55% منها، بينما تحوز الشركة المصرية للاتصالات (حكومية) النسبة الباقية (45%).

وتؤكد بيانات فودافون مصر أنها حققت أرباحا بقيمة 4.9 مليارات جنيه (244 مليون يورو) قبل احتساب الفوائد والضرائب بنهاية النصف الأول من العام المالي 2018-2019، مقارنة بـ 4.3 مليارات جنيه خلال الفترة ذاتها من 2018.

وبلغ عدد مشتركي الشركة في مصر نحو 39.35 مليون عميل، وفق إحصاء وزارة الاتصالات لشهر أغسطس/آب الماضي، وتبلغ حصتها السوقية نحو 42% من إجمالي السوق المصرية، ما جعلها تحتل الصدارة بين الشركات الأربعة المقدمة لخدمات المحمول في مصر.

أسباب الخروج

تبرر شركة فودافون مصر قرارها الخروج من السوق المصري بأسباب اقتصادية بحتة تتعلق بوضع المجموعة الأم والخسائر الكبيرة التي منيت بها مؤخرا.

وتشير التقديرات إلى أن مجموعة فودافون العالمية سجلت خسائر خلال النصف الأول من العام المالي المنتهي بلغت قيمتها 7.8 مليارات يورو؛ ما دفعها لاتخاذ قرار بتركيز استثماراتها وترشيد نفقاتها، وهو ما أبلغ به الرئيس التنفيذي للشركة "نيكولاس ريد" رئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي".

وأوضح "ريد"، في بيان لاحق للقاء، أن خطوة التخارج "تتماشى مع تقليل أعباء الديون الصافية، وأولويات فودافون في تعظيم الفائدة من استثماراتها في الأسواق العالمية".

ورغم ذلك، يبدو أن الأسباب الاقتصادية لا تفسر رغبة فودافون بالتخلص من أحد أكثر فروعها ربحية، ونتيجة لذلك، يرجح محللون أن هناك أبعادا سياسية لانسحاب الشركة العالمية من السوق المصري تتعلق برغبة المؤسسة العسكرية في السيطرة على سوق الاتصالات الحيوي، الذي يعد واحدا بين عدد قليل من الأسواق غير الخاضعة لهيمنة الجيش بشكل تام.

ويصعب تحديد حجم الإمبراطورية المملوكة للجيش المصري، لكن تقديرات مستقلة تشير أن الجيش يسيطر على ما بين 50 و60% من الاقتصاد الوطني.

ومنذ الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس المصري الحالي "عبدالفتاح السيسي" منتصف عام 2013، توسعت مشروعات الجيش، وباتت تسند إليه مشروعات وصفقات حكومية بالأمر المباشر.

وفي هذا السياق، حاول نظام "السيسي" بعد الانقلاب الاستحواذ على شركة فودافون عن طريق زيادة الحصة المملوكة للشركة المصرية للاتصالات (حكومية) في فودافون مصر، وصولا إلى نسبة 49%، لكن المجموعة المصرية اضطرت لاحقا إلى بيع نسبة 4% من أسهمها بعد أن احتجت  فودافون على "التغول الحكومي" وهددت باللجوء إلى الحكومة البريطانية، لتستقر نسبة الأسهم المملوكة للحكومة المصرية في الشركة عند 45%.

وفي عام 2016، أعلنت الحكومة المصرية طرح خدمات اتصالات الجيل الرابع، واضطرت الشركات الثلاث بالسوق المصرية، وكلها أجنبية (فودافون – أورانج – اتصالات)، إلى قبول العرض الحكومي المكلف، بعد أن هددت الحكومة بجلب شركات جديدة إلى السوق ومنحها رخصة خدمات الجيل الرابع.

وفي هذا التوقيت، ظهر لأول مرة اسم شركة الاتصالات السعودية "STC" كمرشح جديد محتمل لتقديم خدمات المحمول في مصر.

لكن هذه الفكرة خفتت في وقت لاحق، حيث قرر النظام في النهاية إطلاق شركة خدمات محمول مملوكة لـ"المصرية للاتصالات" وإعطائها ترخيص النشاط تحت اسم "وي"، وهو ما احتجت عليه الشركات الثلاث ولجأت إلى الضغط عبر الامتناع عن دفع نصف قيمة الحصول على رخصة خدمات الجيل الرابع، المقدرة بنحو 3.5 مليارات جنيه ( 222 مليون دولار تقريبا) إلى الحكومة المصرية.

وكان مالك شركة "موبينيل" للاتصالات، الملياردير المصري "نجيب ساويرس"، قد سجل احتجاجه على رخصة الجوال الرابعة في مقال نشره في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2014 بصحيفة "أخبار اليوم" (حكومية)، وحين تأكد من مضي الحكومة قدما في قرارها قرر بيع أسهمه في الشركة إلى "أورانج" الفرنسية في نوفمبر/تشرين الثاني من العام التالي (2015).

أما شركة اتصالات الإماراتية، فقد هددت القاهرة بالتحكيم الدولي في حال إصرارها على طرح الرخصة، بدعوى أنها تمثل إخلالا بمبدأ تكافؤ الفرص في السوق المصرية.

لكن القاهرة لم تأبه للاحتجاج هذه المرة، خاصة أن تراخيص الشركات الثلاث تنتهي بنهاية العام الحالي 2020، وقد بدأ النظام المصري بالفعل في وضع البدائل لعدم تجديد هذه التراخيص، وعلى رأسها إصدار رخصة أخرى لشركة جوال خامسة، مملوكة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش.

وبالنظر إلى أن جهاز المخابرات العامة المصري يملك حصة حاكمة في الشركة المصرية للاتصالات، وأن تلك الشركة لها حق ‏شراء أسهم فودافون العالمية في فرعها المصري ‏وفق مبدأ "الشفعة" الذي يقره القانون المصري، فضلا عن امتلاكها حق رفض بيع أسهم الشركة البريطانية لأي مستثمر، يمكن استشراف ملامح مشروع تأميم قطاع الاتصالات في مصر.

من هنا يمكن قراءة اتجاه فودافون الأم إلى إثيوبيا كبديل عن السوق المصرية، إذ توفر الأسواق الإفريقية وحدها حوالي 20% من إيرادات المجموعة.

عرقلة محتملة

وفي ضوء هذا المشروع السيادي للسيطرة على قطاع الاتصالات في مصر، يبدو من غير المرجح أن الحكومة المصرية سوف تسمح باستحواذ مجموعة "STC" على حصة حاكمة في شركة فودافون مصر.

جدير بالذكر أن عددا من الشركات الخليجية مثل "زين" الكويتية، و"إل تي سي" و"ليبارا" السعوديتيتن، عبرت عن رغبتها من قبل في الحصول على الرخصة الخامسة للجوال في مصر، لكن الحكومة فضلت منح هذه الرخصة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية.

يبدو السيناريو المرجح إذن أن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في مصر سوف يتدخل لعرقلة إتمام ‏عملية الاستحواذ المحتملة لشركة الاتصالات السعودية‎ "STC" ‎على حصة فودافون العالمية في فرعها المصرية، وهو ما ظهر في البيان الذي أصدره الجهاز الخميس (30 يناير/كانون الثاني)، وأكد فيه أن له "الحق في اتخاذ كافة ‏الإجراءات والتدابير اللازمة لحماية الأمن القومي والمصلحة ‏العامة للدولة، ومراعاة المنافسة وحماية المستخدمين".

وإزاء ذلك، فإن فودافون العالمية سيكون أمامها أحد خلين للتخارج من مصر، فإما أن تقنع شركة "STC" السعودية بالتنازل عن 5% من الأسهم التي ستستحوذ عليها، بما يعني منح الحكومة المصرية حصة حاكمة في الشركة، أو بيع حصتها إلى الحكومة المصرية بشكل كباشر مقابل (2.4 مليار دولار تقريبا) وهو مبلغ يمكن أن تغطيه الحكومة بسهولة عبر قرض دولي في ضوء ربحية الشركة.

"تمصير" وهمي

وفي حين يعتبر "تمصير" قطاع الاتصالات خطوة منطقية من وجهة نظر خبراء الأمن القومي، يرى اقتصاديون، بينهم الأستاذ بجامعة أوكلاند الأمريكية "مصطفى شاهين" أن فوائد هذه الخطوة سوف يتم ابتلاعها من قبل "الدولة العميقة"، وسوف تؤدي في النهاية إلى قتل المنافسة الاقتصادية في القطاع مما قد يتسبب في انهياره في النهاية.

ويؤيد "شاهين" تمصير قطاع الاتصالات، ولكن عبر الاستثمار من قبل القطاع الخاص، أو عبر أسهم يتم بيعها في اكتتاب شعبي تشرف عليه الحكومة، وفقا لما نقله موقع "الجزيرة نت".

لكن الخبير المصري يشير إلى أن الجيش هو العقبة أمام هذا التوجه، لأنه يستهدف قيادة الاقتصاد في مصر وضمان ولاء كل الشركات له بحيث يكون مسيطرا على كل الموارد الاقتصادية للدولة.

ولفت إلى أن "جنرالات الجيش أدركوا أن سيطرة القطاع الخاص على الاقتصاد كان أحد أسباب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 لذلك قرروا السيطرة على السوق".

ويرجح "شاهين" أن تكون فودافون تعرضت لمضايقات من شركة الاتصالات التي يمتلكها الجيش (وي)، فاستشعرت ما سيحدث لاحقا من ضغوط أكبر، مما دفعها للانسحاب من السوق المصرية.

ويؤكد ذلك ما ذكره حساب على موقع توتير باسم "مالك" يدعي أنه أحد الموظفين في شركة "فودافون مصر".

ووفقا لما أورده الحساب، فإن الحكومة المصرية استغلت اعتماد نشاط كل شركات قطاع الاتصالات على البنية التحتية للشركة المصرية للاتصالات، التي أصبحت منافسا رابعا فيما بعد تحت اسم (وي)، وقامت بتعمد تعطيل أعمالها، مضيفا أن الشركة البريطانية "تعرضت لأسوأ ظروف في الفترة الأخيرة، وتحملت مضايقات لا يتحملها أي مستثمر".

 

 

 

وبعد تداول النشطاء في مصر منشورات "مالك" على نطاق واسع، تم حذف الحساب من على موقع "تويتر" في ظروف غامضة.

جدير بالذكر أن "الخليج الجديد" لم يستطع التأكد بشكل مستقل من هوية حساب "مالك" ومدى مصداقية التغريدات التي أطلقها.

ومع ذلك، لا تزال جميع الأسئلة حول صفقة الاستحواذ السعودية على حصة فودافون مصر مطروحة على الطاولة؛ فهل سترضخ الشركة السعودية في النهاية لشروط جهاز تنظيم الاتصالات؟ أم يتجه السوق المصري إلى تأميم غير مباشر للقطاع مع انتهاء رخصة كل الشركات الأجنبية؟ يبدو أن علينا أن ننتظر حتى نهاية العام لمعرفة الخبر اليقين.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

فودافون مصر عبدالفتاح السيسي نجيب ساويرس شركة الاتصالات السعودية STC

تغريم فودافون مصر 597.4 ألف دولار لانقطاع الخدمة لساعات

المصرية للاتصالات لن تلجأ لحق الشفعة في صفقة فودافون

غضب سعودي من التدخل المصري في صفقة فودافون