تركيا تشارك في الحرب على «الدولة الإسلامية» لأسباب غير ما تظنون

الخميس 30 يوليو 2015 12:07 م

بعد شهور من التردد وافقت تركيا في 23 يوليو/تموز على مشاركة الولايات المتحدة في توجيه ضربات جوية مشتركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق.

ومع ذلك وفي أعقاب قصف مواقع التنظيم في سوريا سارعت أنقره إلى تحويل اهتمامها لضرب حزب «العمال الكردستاني» في العراق الذي يعد جناحه السوري، «وحدات حماية الشعب»، حليفا رئيسيا للولايات المتحدة في مواجهة «الدولة الإسلامية».

اُتخذ قرار ضرب حزب «العمال الكردستاني» بهدف تعزيز الوضع السياسي لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا قبل إجراء انتخابات برلمانية مبكرة. لكنه سيكون انتصارا باهظ الثمن. فمشاكل سوريا ستظل آثارها قائمة عبر الحدود التركية؛ الأمر الذي سيزيد من صعوبة التوصل إلى حل للصراع.

صراع في الداخل

ما زال الألم يعتصر الرئيس، «رجب طيب أردوغان»، من الانتخابات البرلمانية التي جرت في يونيو/حزيران. فقد أدت الانتخابات لخسارة حزب «العدالة والتنمية»، حليف «أردوغان»، في البرلمان الأغلبية التي كان يتمتع بها؛ وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات.

وقد مكنت زيادة في تأييد ذوي الأصول التركية لحزب «الشعوب الديمقراطي»، المؤيد لحزب «العمال الكردستاني» من اجتياز عتبة العشرة في المائة الضرورية لدخول البرلمان للمرة الأولى في خطوة أتاحت منصة جامعة مناصرة للسلام استهوت الناخبين المعارضين لـ«أردوغان» لأسباب مغايرة.

ومع ذلك فلم يكن فوز حزب «الشعوب الديمقراطي» ممكنا إلا لأن «أردوغان» أمضى السنوات الثلاث الأخيرة في التفاوض على السلام مع زعيم حزب «العمال الكردستاني»، «عبد الله أوجلان».

وساهم هدوء عنف الأكراد، الذي نجم عن ذلك، في تحسين صورة حزب «الشعوب الديمقراطي»، الذي كان يعتبر فيما سبق واجهة سياسية للمسلحين الانفصاليين.

ومنذ يونيو/حزيران، تحول «أردوغان» إلى إضعاف حزب «الشعوب الديمقراطي»، من خلال استعداء حزب «العمال الكردستاني» في الداخل والخارج.

بل إنه لم يفعل شيئا يذكر لمنع هجمات تنظيم «الدولة الإسلامية» على أنصار حزب «العمال الكردستاني» في تركيا، وفي الوقت نفسه ندد بمحادثات السلام مع هذه الجماعة.

وكان لهذه الإجراءات أثرها في فرض عزلة على «صلاح الدين دمرداش»، زعيم حزب «الشعوب الديمقراطي»، المؤيد للسلام؛ إذ قطعت دعم ذوي الأصول التركية عن الحزب قبل الانتخابات المبكرة.

وجاء التفجير الانتحاري الذي نفذه تنظيم الدولة الإسلامية في 20 يوليو/تموز في بلدة سروج الحدودية التركية هدية لإستراتيجية «أردوغان».

فقد اعتبر حزب «العمال الكردستاني» الأجهزة الأمنية التركية مهملة في أفضل الأحوال، ومتواطئة في أسوأها في الهجوم الذي سقط فيه 32 قتيلا من النشطاء المؤيدين لحزب «العمال الكردستاني».

والمنطق وراء هذا الاعتقاد هو أن الشرطة منعت بعض الأكراد ممن تربطهم صلات بحزب «العمال الكردستاني» من دخول المركز الثقافي الذي وقع فيه الهجوم، بينما تمكن المفجر الانتحاري من المرور.

ورد متشددون أكراد بقتل بعض رجال الشرطة التركية، والتحريض على حملة اضطرابات في مختلف أنحاء جنوب شرق تركيا ذي الغالبية الكردية.

في الوقت نفسه انتاب الذعر ذوي الأصول التركية لتدهور الوضع الأمني في البلاد.

وبدعوة الولايات المتحدة لاستخدام القواعد الجوية التركية في مهاجمة تنظيم «الدولة الإسلامية» (وهو تحول عكسي له أهميته في السياسة) طمأن «أردوغان» الناخبين في بلاده أنه يعمل على تأمين البلاد في مواجهة التهديد الإرهابي، وفي الوقت ذاته منح نفسه غطاء للعمل على إضعاف المعسكر القومي الكردي قبل الانتخابات.

حرب في الخارج

وستتضح في الأسابيع المقبلة التفاصيل الكاملة للصفقة الأمريكية التركية. وبشكل ما سيكون لأنقره رقابة على الأهداف الأمريكية. وسيتم الاعتراض على الضربات التي تساعد «وحدات حماية الشعب» على ربط الأراضي، التي تسيطر عليها، على امتداد حدود سوريا مع تركيا.

وسيمنع ذلك «حزب العمال الكردستاني» من تأسيس حكومة إقليمية كردية في سوريا على غرار الدويلة الكردية في العراق.

وفي عيون أجهزة الأمن التركية يعد هذا خطا أحمر؛ إذ أن وجود حلقة من الأراضي الخاضعة لسيطرة حزب «العمال الكردستاني» في سوريا سيشجع التيار الانفصالي في تركيا، ويضعف قدرة أنقره على السيطرة على حزب «العمال الكردستاني».

ومن ثم وكما أوضح بحث جديد لـ«تشاتام هاوس» فإن تركيا ستلعب دورا رئيسيا في تحديد مستقبل الأكراد وحملاتهم في سوريا.

غير أن التصدي لـ«الدولة الإسلامية» في سوريا سيكون شبه مستحيل دون تعاون حزب «العمال الكردستاني»، و«وحدات حماية الشعب». فالمسلحون المؤيدون لحزب «العمال الكردستاني» يقدمون الآن معلومات عن الأهداف لاستخدامها في الضربات الجوية الأمريكية على «الدولة الإسلامية».

ودون وجود مصادر أخرى يعول عليها للاستخبارات البشرية في البلاد لا توجد بدائل تذكر لهذا الترتيب. وبالمثل فقد وفر حزب «العمال الكردستاني» القوات البرية للسيطرة على الأراضي التي يتخلى عنها تنظيم «الدولة الإسلامية» بعد الضربات. وبغير هذا الدعم لا يمكن أن يكون للضربات الجوية أثر مستمر يذكر.

وسيصرف التركيز على «الدولة الإسلامية» وحزب «العمال الكردستاني» أنظار تركيا والغرب عن متابعة مصالحهما في الأجل الطويل المتمثلة في إنهاء الصراع السوري. فأي نهاية مستقرة لما يحدث في البلاد ستتطلب بالتأكيد إيجاد منطقة كردية خاصة.

لكن التدخل الأخير لن يفعل شيئا سوى تأخير هذا الأمر المرجح. وسيحتفظ حزب «العمال الكردستاني» بصلاته بـ«بشار الأسد» ومؤيديه من الإيرانيين والروس لشكه فيما إذا كانت الولايات المتحدة شريكا يعول عليه. ومن ثم ستتباعد إمكانية الوصول إلى تسوية لما بعد «الأسد».

وترى الولايات المتحدة أن سوريا مصدر للإرهاب بما يهدد استقرار الشرق الأوسط وسلامة الغربيين. وعلى النقيض فإن تركيا تخاف أكثر من أن يصبح هذا البلد أداة للتوسع الكردي.

ومع تزايد تدخل التحالف المعادي للدولة الإسلامية في سوريا سيجد أعضاؤه تعارضا في مصالحهم على نحو متزايد. وهذا يجعل وضع خريطة طريق لإنهاء الصراع أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. فبدونها ينذر تدخل التحالف في سوريا بإضعاف «الدولة الإسلامية» على حساب إطالة أمد الصراع في سوريا.

  كلمات مفتاحية

تركيا التحالف الدولي الدولة الإسلامية حزب العمال الكردستاني حزب العدالة والتنمية انتخابات برلمانية مبكرة

قطر تتحفظ على بيان الجامعة العربية: من حق تركيا الدفاع عن أمنها وحدودها

السياسة التركية بحاجة إلى «براغماتية أخلاقية»

الحراك العسكري التركي .. تداعيات سورية وعراقية وإقليمية