تركيا والقضية الفلسطينية.. تضامن إسلامي أم برجماتية سياسية؟

الاثنين 3 فبراير 2020 03:03 م

رغم تطور موقف تركيا تجاه القضية الفلسطينية منذ وصول حزب "العدالة والتنمية" للحكم في البلاد في عام 2002، وتصريحات زعيم الحزب "رجب طيب أردوغان" القوية فى أكثر من مناسبة ضد "الكيان الصهيوني".

ورغم أن تركيا، تعد واحدة من الدول القلائل في الشرق الأوسط التي رفضت على المستويين الشعبي والرسمي خطة السلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي أعلنها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، لكن الكثير من المراقبين يشككون في دعم تركيا للفلسطينيين بحجة أنه لا يتجاوز "الخطابات الرنانة في كثير من الأحيان".

وتواجه أنقرة الكثير من الانتقادات أيضا بسبب تمتعها بعلاقة رسمية مع تل أبيب، رغم أن هذه العلاقة تشهد توترات كبيرة في الآونة الأخيرة، حيث يرى البعض أن العلاقات الوطيدة التي تجمع حزب "العدالة والتنمية" بكل من السلطة الفلسطينية، وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، تعبر عن نوع من البرجماتية السياسية أكثر مما تعبر عن دعم حقيقي من أنقرة للقضية الفلسطينية.

في المقابل يرى آخرون أن تركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك الشجاعة للدفاع علنا عن حقوق الفلسطينيين، وأن الرئيس "أردوغان"، صاحب التوجه الإسلامي الواضح، يحمل تضامنا حقيقيا مع القضية الفلسطينية، ولكن مواقفه - كرئيس دولة - يقيدها غالبا الوضع الجيوسياسي لبلاده، وتحكمها المقررات الرئيسية المتفق عليها في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر خطة "حل الدولتين" بصيغتها الأساسية التي تقضي بانسحاب (إسرائيل) إلى حدود ما قبل عام 1967.

تطور علاقة تركيا بالقضية الفلسطينية

بالرُغم من أن تركيا كانت أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بـ(إسرائيل) سنة 1949، لكنه يمكن القول إن وصول حزب "العدالة والتنمية" التركي إلى الحكم في البلاد عام 2002، كان مصحوبا بانعطاقة حقيقية لتركيا تجاه التضامن مع القضية الفلسطينية.

ورغم عدم قدرة حكومة حزب "العدالة والتنمية" -في بداية حكمه- الحياد عن سياسة العلاقات الوثيقة بين أنقرة وتل أبيب، واستمرار العلاقات بين الجانبين في حالة نشاط في كافة المجالات الاقتصادية والاستثمارية والثقافية والعسكرية والأمنية، لكن علاقات الطرفين شهدت بعض البرود والاهتزازات في كثير من الأحيان بسبب القضية الفلسطينية.

لاحقا، نجح حزب "العدالة والتنمية"، في تغيير اتجاه البوصلة التركية الرسمية تجاه القضية الفلسطينية، إثر توجه الحزب لتعزيز "البعد الإسلامي" في سياسته الخارجية.

ومع توطيد الحزب لحكمه في تركيا، بدأت أنقرة تحدث نوعا من التوازن في علاقاتها الرسمية بين (إسرائيل) و(الفلسطينيين) بل إن منحني هذه العلاقة بدأ يميل بشكل أكبر نحو نوع أكبر من التعاطف مع القضية الفلسطينية، وتزايدت الزيارات الرسمية التركية للمسؤولين الأتراك إلى الأراضي الفلسطينية.

"حماس" والسلطة الفلسطينية

بعد فوز "حماس" بالانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، قررت حكومة حزب "العدالة والتنمية" دعوة وفد "حماس" لزيارتها في أنقرة 2006، وكانت تركيا أول محطة دولية تستقبل الحركة بعد الانتخابات الفلسطينية، ثم لعبت أنقرة لاحقا دورا في جهود المصالح بين حركة "حماس" والسلطة الفلسطينية.

ويمكن القول إن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (2008- 2009) كان نقطة تحول حقيقية في السياسة التركية تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام و"حماس"، وغزة بشكل خاص، حيث حمل "أردوغان" الدولة العبرية مسؤولية العدوان، واتهمها بشكل علني بعدم احترام شروط الهدنة، ووصف "أردوغان" الموقف الإسرائيلي بأنه "غير إنساني وظالم وغير مقبول"، ونتيجة لذلك، جمدت أنقرة نشاطها في مجال الوساطة بين دمشق وتل أبيب.

وفي تحول جديد انسحب "أردوغان" من منتدى دافوس الاقتصادي 2009 في سويسرا احتجاجا على منعه من التعليق على مداخلة لـ"شمعون برييز" بشأن الهجوم على غزة، وعلى المستوي الشعبي هرعت المنظمات التركية الرسمية والمدنية الخيرية إلى غزة مع قوافل المساعدات.

وبعد ذلك بعام وقعت حادثة سفينة مرمرة، والتي شهدت مقتل 9 أتراك وإصابة عشرات المتضامين مع غزة على يد الجيش الإسرائيلي، حيث ردت تركيا بسحب سفيرها ودعت إلى اجتماع عاجل بمجلس الأمن وأعلنت إلغاء 3 مناورات عسكرية مع (إسرائيل)، وتسببت في توتر ممتد حتى الآن.

ورغم القطيعة بين "حماس" والسلطة الفلسطينية، لكن العلاقة بين الأخيرة وحكومة العدالة والتنمية شهدت سلسلة تطورات متلاحقة، ذات أبعاد اقتصادية واستثمارية وجوانب تعليمية، ما يشير إلى تنام مطرد في هذه العلاقات.  

وقبل عامين صادقت الحكومة الفلسطينية على اتفاقية تشجيع الاستثمار المتبادل بين الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع تركيا، بهدف تشجيع المستثمرين الأتراك للاستثمار في فلسطين، والمحافظة على الاستثمارات الفلسطينية في تركيا، وحماية الاستثمارات المتبادلة بمختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية، وتوفير المناخ الإيجابي للمستثمرين من البلدين.

تركيا وصفقة القرن

وكامتداد لهذه المواقف الراسخة، كانت أنقرة واحدة من الدول القلائل التي لديها موقف رسمي رافض لخطة السلام الأمريكية المعروفة بصفقة القرن والتي أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تفاصيلها الأسبوع الماضي.

ووصف الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، خطة السلام الأمريكية المزعومة للشرق الأوسط "صفقة القرن"، بأنها "مشروع احتلال"، مشددا أن "القدس ليست للبيع، ولا ينبغي لأحد أن يكون وقحا بما يكفي للقول: "نعطيكم شيئًا، واتركوا هذه المناطق لنا".

وقال: "يطلقون عليها صفقة القرن، أي صفقة هذه! هذا مشروع احتلال.. نحن كأمة تركية نظرتنا اليوم إلى فلسطين هي نفس نظرة السلطان عبدالحميد الثاني".

ومضى قائلا: "قلتها في السابق وأكررها اليوم، إن القدس هي خط أحمر بالنسبة لنا.. أؤمن أن المئات والآلاف من الإخوة الفلسطينيين سيواصلون نضالهم حتى على حساب دمائهم، ونحن على استعداد لهذا أيضا".

على المستوى الشعبي شهدت العديد من الولايات التركية، الجمعة الماضي، مظاهرات كبيرة رافضة لصفقة القرن، ورفع المشاركون في الاحتجاجات أعلام فلسطين، وتركيا، ولافتات كتب عليها عبارات مناهضة للولايات المتحدة و(إسرائيل)، وشارك ممثلون عن أحزاب "العدالة والتنمية"، والحركة القومية، والشعب الجمهوري، والدعوة الحرة، والسعادة، وأحزاب سياسية أخرى في هذه الفعاليات.

وبالرغم من ذلك يري مراقبون أن التصريحات والمواقف التركية التي يغلب عليها البعد الإنساني لا يجب أن تأخذ البعض إلى قراءة خاطئة لسياسة أنقرة، التي - ورغم تحولاتها الإيجابية تجاه القضية الفلسطينية خلال السنوات الماضية - لكن رؤية الحزب الحاكم تتطابق في أسسها مع رؤية الأمم المتحدة لهذه القضية، ولا تتجاوز السقف الأممي وهو حل الدولتين، في سبيل إنصاف الحق الفلسطيني.   

وفى هذا الصدد يستشهد البعض بما أورده "أردوغان" في مقال له بصحيفة "الجارديان" عام 2003 عندما طالب حركة "حماس" بالجلوس على طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين، بما يخالف الموقع الثابت للحركة الذي يرفض التفاوض مع الاحتلال.

مصالح اقتصادية

منذ الاعتراف بـ(إسرائيل) في 1949، حافظت تركيا على علاقات سرية محسنة مع الكيان الإسرائيلي، لتجنب تأثير ذلك على علاقتها مع الدول العربية، وفي التسعينات ومع توقيع اتفاقية أوسلو سنة 1993 وصل حجم التبادل التجاري بين تركيا و(إسرائيل) إلى 200 مليون دولار ووقع البلدان اتفاقية التجارة الحرة في 1996.

وفي عام 2002 توترت العلاقات بين البلدين إثر قيام (إسرائيل) بمجزرة جماعية وعرقية في مخيم "جنين"، وبعدها وصف رئيس الوزراء آنذاك "رجب طيب أردوغان" ممارسات نظيره الإسرائيلي "أرييل شارون" بأنها ترقى لوصف "إرهاب دولة"، لكن ذلك لم يمنع من ازدهار التجارة الثنائية بين البلدين حيث وصلت إلى 2 مليار دولار سنة 2004.

وفي 2005 قام "أردوغان" بزيارة ذات بعد اقتصادي إلى (إسرائيل) هي الأولى له منذ وصوله للسلطة، وبرزت تركيا في 2006 كأكبر شريك تجاري للدولة العبرية في العالم الإسلامي حيث استوردت منها ما قيمته 859.3 دولار سنة 2006.

وعلى أثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2008- 2009 بجانب الأزمة الاقتصادية، تراجع حجم التجارة بين البلدين بشكل ملحوظ.

ويمكن القول إنه على الرغم من التوتر الكبير الذي ساد العلاقات التركية في نهاية 2008 ومطلع عام 2009 فإن العلاقات الاقتصادية استمرت على مستوى مرتفع نسبيا نظرا للطبيعة المركبة للعلاقة ونظرا لحاجة كلا من البلدين للآخر في العديد من الملفات الموروثة.

ولعبت السياحة دورا مهما في العلاقات التركية الإسرائيلية إذ سافر أكثر من 3 ملايين سائح إسرائيلي إلى تركيا بين 1990و 2004، وهو رقم مؤثر بالنظر إلى عدد سكان الدولة العبرية البالغ حوالي 7 ملايين.

وفي سنة 2009 ترك التوتر في العلاقات بين البلدين أثرة ولا سيما في قطاع السياحة، وبعد أن كانت الرحلات الجوية تقارب العشر رحلات أسبوعيا بلغت بالكاد في فبراير/شباط 2009 رحلة أو رحلتين، لكن اللافت أنه بعد 10 سنوات تقريبا ورغم التوترات الحالية بين أنقرة وتل أبيب، لكن بيانات وزارة السياحة التركية أكدت خلال عام 2019، زار عدد كبير من الإسرائيليين تركيا، ووفق تلك البيانات وصل في العام 2019 إلى تركيا 650 ألف إسرائيلي بزيادة قدرها 26% مقارنة بالعام 2018.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الفلسطينية التركية صفقة القرن «صفقة القرن» الأردن القضية الفلسطنية صفقة القرن رفض صفقة القرن صفقة القرن. سلمان دعم «صفقة القرن» مؤامرة «صفقة القرن»

كيف نقرأ ردود الفعل الخليجية على صفقة القرن؟

أردوغان: القدس من مقدسات المسلمين.. ولا قبول لصفقة القرن

زعيم المعارضة التركية: شبابنا ناضلوا بفلسطين وقضيتها مسألة شرف

بعد صعود وهبوط.. العلاقات التركية الإسرائيلية إلى أين؟