زيارة ولد الغزواني.. حرب بن زايد ضد الإسلاميين تصل إلى حدود الأطلسي

الاثنين 3 فبراير 2020 03:35 م

بينما يقوم الرئيس الموريتاني "محمد ولد الشيخ الغزواني" بزيارة إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، بدأها السبت 1 فبراير/شباط، أعلنت أبوظبي، أمس الأحد، تخصيص ملياري دولار لإقامة مشاريع في موريتانيا، ما عزز المؤشرات بشأن تنامي النفوذ الإماراتي في موريتانيا على حساب نفوذ قطر وتركيا، خاصة في ظل الحملة السياسية التي تقودها نواكشوط ضد تيار الإسلام السياسي في البلاد.

وتعود تلك المؤشرات إلى فترة الرئيس الموريتاني المنتهية ولايته "محمد ولد عبدالعزيز"، الذي وطد علاقة شخصية متينة مع ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، وعمل على بناء شراكة استراتيجية مع محور "أبوظبي - الرياض"، مكنت الإمارات من إبرام صفقات بوتيرة متسارعة، ضمنت لها التغلغل بقوة في كل المجالات الاقتصادية والثقافية والعسكرية وحتى الإعلامية في موريتانيا.

فقد أفسح "ولد عبدالعزيز"، الذي أكد أكثر من مرة أنه سيحتفظ بدور سياسي واقتصادي في البلاد بعد مغادرته القصر الرئاسي منذ يوليو/تموز الماضي، المجال أمام المؤسسات الإماراتية لامتلاك العقارات والاستيلاء على الموانئ والمطارات، ما اعتبره عديد المراقبين زرعا للألغام تحت أقدام الرئيس الموريتاني الجديد؛ ليتسنى لـ"ولد عبدالعزيز" التحكم فيه لاحقاً وتوجيهه، عبر تحكمه الخلفي في المؤسسة العسكرية الحاكمة في البلاد.

وبلغ هذا النفوذ الإماراتي ذروته في أكتوبر/تشرين الأول 2018، عندما تنازلت موريتانيا عن إدارة مطار نواكشوط الدولي الجديد لشركة "أفروبورت أبوظبي" المختصة بإدارة المطارات في أفريقيا بحق امتياز مدته 25 سنة، تحصل موريتانيا بموجبه على 5% فقط من الإيرادات.

وجاء ذلك تزامنا مع حملة شنها المسؤولون الموريتانيون ضد تنظيم "الإخوان المسلمون" في البلاد، أغلقوا على أثرها العديد من المؤسسات والجمعيات الإسلامية، بدعم واضح من الإمارات، التي صعدت لاحقا من مساعداتها لموريتانيا، خاصة في المجال الصحي ومجال استثمارات البنية التحتية وقطاع الطاقة الشمسية.

وكانت نواكشوط قد فتحت أبوابها على مصراعيها، وتحديدا في يونيو/حزيران 2017، عندما أعلنت قطع علاقاتها مع قطر، تماهيا مع إعلان السعودية والإمارات ومصر والبحرين فرض حصار شامل على الدوحة.

في هذا السياق، يشير الخبير في السياسة الخارجية الإماراتية وكبير مستشاري معهد دراسات دول الخليج بواشنطن "تيودور كاراسيك" إلى أن الأسئلة حول الإسلام السياسي أدت إلى تقسيم الدول والمجتمعات العربية بشكل عميق واستقطاب المنطقة بشكل متزايد بين كتلة معادية للإسلاميين، تلعب أبوظبي دورًا رئيسيًا في قيادتها بدعمٍ من مصر والسعودية، وبين تحالفٍ قائمٍ بين قطر وتركيا، قدم دعمًا لمختلف الأحزاب الإسلامية في العديد من الدول العربية.

ولذا يعزو الكاتب والمحلل السياسي الموريتاني "عبدالله محمدو الشيخ المحفوظ" اختيار "ولد الغزواني" للإمارات كأول بلد عربي يزوره إلى المستوى الاستراتيجي للعلاقات بين الدولتين، مشيرا -في هذا الصدد- إلى احتضان نواكشوط مؤخرا مؤتمر العلماء الأفارقة المنظم من قبل منتدى تعزيز السلم بالمجتمعات المسلمة.

ويعد منتدى تعزيز السلم إحدى المؤسسات التي أقامتها الإمارات كبديل عن الأطر الإسلامية التي يشارك فيها "الإخوان المسلمون"، كالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومقره أبوظبي، ويتم قيادة المنتدى من قبل مجموعة من رجال الدين الصوفيين المدعومين من "بن زايد"، وهو ما تناوله "الخليج الجديد" في تقرير سابق (طالع).

ويشير المحلل السياسي الموريتاني "محمد ولد يحيى" إلى زاوية ثالثة لتنامي النفوذ الإماراتي في بلاده، تتعلق بالتنسيق بشأن ليبيا، خاصة أن زيارة "ولد الغزواني" للإمارات جاءت تالية لمشاركته في الدورة الثامنة "للجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى حول الوضع في ليبيا".

استغلال الأزمة

من الواضح أن أبوظبي تستغل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها نواكشوط لتوطيد نفوذها في بلد له أهمية كبيرة من الناحية الجيواستراتيجية، خاصة أن ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" يعتبر موريتانيا بوابة لتعزيز نفوذ بلاده في غرب أفريقيا.

جدير بالذكر أن الاتفاقات التي أبرمتها الإمارات مع النظام الموريتاني لم تخضع لأي مناقشة أو مراجعة قبل إبرامها، ولم يمر بعضها على البرلمان، على الرغم من تداعياتها المؤثرة على اقتصاد البلد وتوجهاته السياسية، وأصبح سفير أبوظبي لدى نواكشوط "عيسى عبدالله مسعود الكلباني" أكثر أعضاء السلك الدبلوماسي في موريتانيا لقاء بوزراء الحكومة.

وركزت تحركات "الكلباني" على الانتقال بالنفوذ الإماراتي المتنامي من دائرة الاقتصاد إلى المجالات الثقافية والإعلامية، عبر تمويل العديد من المراكز الأدبية مثل مجلس اللسان العربي، والفكرية (مراكز الدراسات)، وحتى العسكرية، بهدف إحكام السيطرة على صناعة القرار في نواكشوط.

وفي هذا الإطار، مولت أبوظبي كلية للدفاع في نواشكوط أطلق عليها اسم: "كلية محمد بن زايد"، وترددت أنباء في الأيام الماضية عن وصول وفد عسكري إماراتي إلى موريتانيا في مسعى لإنشاء مطار عسكري إماراتي في شمالي البلاد.

غير أن التغلغل الإماراتي لم يكن على حساب علاقات موريتانيا بقطر وتركيا فقط، بل على حساب العديد من القوى الدولية والإقليمية الأخرى، بما فيها فرنسا والسنغال، حيث يمثل إبرام التعاقدات دون التزام بقواعد المنافسة إخلالا بفرص المستثمرين من البلدين تحديدا.

وأدى منح أراض زراعية خصبة واسعة على ضفاف نهر السنغال إلى رجال أعمال إماراتيين إلى اندلاع احتجاجات من طرف السكان الأصليين، الذين اعتبروا أن تهجيرهم عن أراضيهم التي يعتاشون من خيراتها لمصلحة مستثمرين أجانب ظلماً وإضراراً بهم.

ويبدو أن باريس ودكار لم تشعرا بالرضا أيضا تجاه قرار نواكشوط منح الإمارات دورا في تسيير الأرصفة في ميناءي نواكشوط ونواذيبو الحيويين في البلاد، وكذا دخول أبوظبي على الخط مشروع ميناء "انجاغو" القريب من الحدود الموريتانية السنغالية، وكذا الامتيازات التي حصلت عليها أبوظبي في حقول الغاز المشتركة على الحدود بين البلدين.

ويشير المحلل السياسي "محمود علوش"، في هذا الصدد، إلى أن أبوظبي استطاعت انتهاك قواعد المنافسة العادلة بالاقتصاد الموريتاني عبر دبلوماسية تقوم على سخاء "المساعدات الاقتصادية" باعتبارها إحدى وسائل القوة الناعمة، وفقا لما أورده موقع "الخليج أونلاين".

وتعد هذه المساعدات "مغرية بالنسبة لدول فقيرة"، وهي لا تعد مساعدات في الحقيقية، إذ "لا شيء في العلاقات بين الدول دون مقابل"، بحسب "علوش"، الذي تساءل قائلا: "كيف الحال عندما نكون أمام هذا التنافس الإقليمي والدولي على منطقة هي بأمس الحاجة إلى المال؟".

قوة الساحل

ويعد دعم قوة مجموعة دول الساحل الأفريقي، التي تقودها فرنسا، أحد أهم أهداف النفوذ الإماراتي في موريتانيا، لاسيما وأن زيارة "ولد الغزواني" تأتي وبلاده على وشك رئاسة المجموعة، ما يعكس بعدا آخر في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين ومستوى التنسيق بينهما تجاه القضايا المرتبطة بأمن المنطقة والإقليم.

وفي هذا الإطار قرأ مراقبون، بينهم الباحث والخبير في الشأن الأفريقي "عباس محمد صالح"، أن الأنباء بشأن تمويل أبوظبي لمشروع تطوير مطار (قاعدة) عسكري في منطقة "التيارات الواسعة"، شمال الأراضي الموريتانية، تأتي في سياق تعزيز الإمارات لرعاياتها لقوة دول الساحل المشتركة.

ويلفت "صالح" إلى أن واشنطن متمسكة برفض دعم التمويل الأممي للقوة، لسببين، الأول هو وجود بعثة أممية في مالي منذ العام 2013، تواجه اليوم حرباً تكاد أن تخسرها، والثاني هو أن إدراة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تنطلق من سياسة انعزالية واضحة، وانسحاب تدريجي من الانخراط المباشر في اشتباكات المنطقة.

ويتأرجح الحديث عن تأسيس قاعدة عسكرية أجنبية في موريتانيا بين التأكيد والنفي، منذ أبريل/نيسان الماضي، عندما نقلت وسائل إعلام موريتانية ومغربية عن موقع "مغرب إنتلجنس'' أن وزير الخارجية السعودي آنذاك "إبراهيم العساف" طلب من سفارة بلاده في نواكشوط إصدار رأي بشأن رغبة المملكة في إنشاء قاعدة عسكرية بموريتانيا.

وأعاد الموقع الفرنسي التذكير آنذاك بإبرام الرياض ونواكشوط في يناير/كانون الثاني 2017 اتفاقية تعاون عسكري تتضمن التدريب العسكري وتبادل المعلومات الأمنية والدعم اللوجستي وتبادل الزيارات والخبرات والخدمات الطبية.

وبينما قرأ مراقبون الأنباء بشأن تأسيس المطار العسكري الإماراتي في سياق الطلب السعودي نفسه، نقلت الوكالة الموريتانية للأنباء (رسمية) عن مصدر وصفته بالـ"مقرب" من وزارة الدفاع الوطني نفيه "الشائعات التي تداولتها مؤخرا بعض المواقع الإلكترونية والصفحات الافتراضية حول إنشاء دولة الإمارات العربية المتحدة لقاعدة عسكرية شمالي البلاد".

وفيما يصدق مراقبون، بينهم الخبير العسكري والاستراتيجي "عبدالرحمن مكاوي" النفي الموريتاني، تؤكد صحيفة "Patriotique Algérie" الجزائرية، أن الجزائر تنظر بقلق كبير إلى الاجتماعات المنتظمة بين المسؤولين العسكريين الإماراتيين والموريتانيين لأجل وضع ترتيبات خاصة بإقامة المطار.

ونقلت الصحيفة عن مصادرها أن الجزائر طلبت من وزير الخارجية الإماراتي "عبدالله بن زايد" تقديم توضيحات بشأن طبيعة وأهداف التواجد العسكري الإماراتي عند حدودها الجنوبية، وذلك خلال زيارة الوزير الإماراتي الأخيرة للجزائر، واعتبرت ذلك "تهديدا إضافيا لأمن الجزائر وتطويقا لها".

وأيا ما كانت صحة التأكيد أو النفي، فالمؤكد أن نواشطوط تحولت إلى ساحة جديدة للتنافس الإقليمي، يبدو أن أبوظبي تتمتع فيها باليد العليا، على الأقل في الوقت الراهن.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

محمد بن زايد ولد الغزواني نواكشوط الإخوان المسلمين

الإمارات تخصص ملياري دولار لصالح موريتانيا