لماذا عاد الملثمون لاستهداف خط الغاز المصري الإسرائيلي؟

الثلاثاء 11 فبراير 2020 08:00 م

"والله زمان وبعوده".. تعليق تردد كثيرا عبر وسائل التواصل الاجتماعي في مصر بعدما فجر مسلحون ملثمون، مساء 3 فبراير/شباط، خط الغاز الرابط بين مصر و(إسرائيل) بالقرب من منطقة بئر العبد بمحافظة شمال سيناء المصرية، في عودة لمشهد تكرر نحو 27 مرة بين عامي 2011 و2012.

وأثارت عودة المشهد تساؤلات لدى المعلقين عن دلالة تكراره ومغزى توقيته، خاصة بعدما أعلن فرع تنظيم "الدولة" في مصر، المعروف إعلاميا باسم "ولاية سيناء"، في 4 فبراير/شباط، مسؤوليته عن استهداف خط الغاز؛ إذ أن التنظيم دأب، خلال السنوات الماضية، على استهداف جنود الجيش المصري دون أنابيب الخط، حتى بعد الإعلان عن صفقة استيراد مصر للغاز من (إسرائيل) في مارس/آذار 2017.

وفي أعقاب التفجيرات التي تعرض لها له خط عسقلان-العريش في السابق، كانت المسؤولية توجه لمجموعة من "الملثمين" مجهولي الهوية، إلى أن أعلنت الشركة المصرية القابضة للغاز، في أبريل/نيسان 2012، إلغاء اتفاق تصدير الغاز المصري لـ(إسرائيل)، الذي كان قد أُبرم في عهد الرئيس المصري الأسبق "حسني مبارك"؛محتجة بالمخاوف الأمنية المتعلقة بالتفجيرات المتتالية لخط الأنابيب.

وكان اتفاق الغاز المصري الإسرائيلي من بين أبرز الملفات التي أُثيرت بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر، وعلى أثره صدر حكم قضائي في يونيو/حزيران 2012 ضد وزير البترول المصري الأسبق "سامح فهمي" ورجل الأعمال "حسين سالم"، بالسجن 15 عاما بتهمة التورط في قضية فساد كلفت الدولة خسائر ناهزت المليار دولار. لكن بعد قرابة 3 سنوات من النقض وإعادة المحاكمة، تمت تبرئة المتهمين في فبراير/شباط 2015 في عهد الرئيس الحالي "عبد الفتاح السيسي".
ويعبر عودة تنظيم "الدولة" لاستهداف خط الغاز المثير للجدل عن رغبة التنظيم في استغلال السخط الشعبي تجاه بدء مصر استيراد الغاز من (إسرائيل) عبر جلب القضية إلى الواجهة مجددا.

  • تقديرات واهية

في سبتمبر/أيلول 2018، أعلنت القاهرة الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي وعدم الحاجة للاستيراد، بعد بدء الإنتاج من حقل "ظُهر" المكتشف في 2015. وعلى عكس التوقعات بعد هذا الإعلان، تم توقيع اتفاق لبيع الغاز الإسرائيلي إلى مصر عام 2017، بدعوى "إعادة تصديره" إلى أوروبا بعد إسالته، بما يجعل مصر مركزا إقليميا للطاقة، ويجعلها لاعبا قويا في الانتفاع من حقول الغاز في شرق البحر المتوسط.

وأكدت الحكومة المصرية، آنذاك، أنها ستوجه واردات الغاز الطبيعي هذه إلى مجمعين لإسالة الغاز الطبيعي وصناعات البتروكيماويات، أحدهما في محافظة دمياط، والآخر في إدكو بمحافظة الدقهلية.

غير أن الاتفاق الثلاثي، الذي وقعته اليونان وقبرص اليونانية و(إسرائيل) في 2 يناير/كانون الثاني الماضي، بهدف تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، قضى على أحلام القاهرة، حسب خبراء أكدوا أن الاتفاق يجعل مركز الطاقة الإقليمي في دولة الاحتلال وليس في مصر.

وفي هذا الإطار، اعتبر أستاذ الاقتصاد المصري "أحمد ذكرالله" أن خط "إيست ميد" يشير إلى أن مصر "كانت تراهن على المجال الإقليمي الخطأ، وأن منتدي المتوسط، الذي سعت لتكوينه مع اليونان وقبرص اليونانية و(إسرائيل)، لم يكن لهدف اقتصادي، وإنما من باب المكايدة السياسية مع تركيا"، وفقا لما نقله موقع "عربي 21".

ولفت "ذكرالله"، في هذا الصدد، إلى أن دعم الإدارة الأمريكية للاتفاق الثلاثي بين (إسرائيل) وقبرص اليونانية واليونان بقانون حماية خاص، يعني بوضوح أن مصر "لن تكون مركزا إقليميا للطاقة، وأن كل الأموال التي تم إنفاقها على محطات الإسالة والتسهيلات التي منحها نظام السيسي لشركات التنقيب عن الغاز بشرق المتوسط لم تكن قائمة على دراسات جدوى اقتصادية وأمنية وعسكرية واستراتيجية".

  • ذريعة للتعليق

في ضوء ذلك، قد تمثل عودة تفجيرات خط الغاز المصري الإسرائيلي مجددا فرصة للنظام المصري للتملص من اتفاق الاستيراد، كما جرى في 2012، أو تعليقها في الوقت الراهن؛ استنادا إلى "المخاطر الأمنية المحدقة"، وهو ما يفسر تسليط وسائل الإعلام المصرية الضوء على الحادث بشكل مكثف.

ويتوافق هذا التحليل مع ما ذهب إليه "زاك جولد"، من شركة الاستشارات الأمنية "CNA"، عندما تحدث عن مسؤولي النظام المصري قائلا: "إذا كانوا غير قادرين على حماية أنفسهم وبنيتهم التحتية، فسيكون من الصعب عليهم حماية هذه البنية التحتية لخطوط الغاز"، وفقا لما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.

ومن شأن تعليق استيراد الغاز أن يمثل ورقة ضغط لضم مصر إلى الاتفاق الإسرائيلي مع اليونان وقبرص اليونانية من جانب، أو فتح المجال لمراجعة استراتيجية يمكن للقاهرة إجراؤها باتجاه التعاون مع تركيا، من جانب آخر.

ويشير "ذكرالله"، في هذا الصدد، إلى ما طرحه مستشار الرئيس التركي للشؤون السياسية "ياسين أقطاي" حول ضرورة التوافق والتعاون المصري التركي، في موضوع غاز المتوسط، معتبرا إياه حلا جيدا يساعد مصر في الخروج من هذا المأزق.

 ويؤكد الخبير الاقتصادي أن الأفضل للنظام المصري هو أن يوجه السياسة لخدمة الاقتصاد وليس العكس؛ "لأن سياسته القائمة جعلت مصر خارج المعادلة".

ويدعم هذا التوجه تقييم خبراء اقتصاديين، بينهم "إبراهيم نوار"، و"إبراهيم زهران"، اللذين أشارا إلى أن فكرة "مركز الطاقة" التي روج لها "السيسي" ليست مجدية اقتصاديا في ظل امتلاك مصر لـ20% فقط من مصانع إسالة الغاز؛ ما يعني أنه حتى في حال إنشاء المشروع فإن 80% من عائداته ستكون لصالح الشركات الأجنبية.

وتساءل الخبيران عن سر تصميم الدولة على استيراد الغاز من (إسرائيل) إذا لم يحقق المشروع أي فائدة لمصر والمصريين.

ليس ثمة إجابة رسمية عن التساؤل حتى الآن، لكن إمكانية تكرار مشهد استهداف "الملثمين" لخط الغاز في سيناء ومدى قدرة مصر على تجاوز صراعها الإقليمي مع تركيا والتعاوت معها بشأن غاز المتوسط، تعد أسئلة هامة ستجيب عنها أحداث الأشهر المقبلة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الغاز المصري تنظيم الدولة إيست ميد

إسرائيل تجني أول مليار دولار من تصدير الغاز لمصر والأردن