كيف اختلف استهداف سليماني عن عمليات الاغتيال الأمريكية الأخرى؟

السبت 8 فبراير 2020 04:34 م

في 27 ديسمبر/كانون الأول، جرى استهداف قاعدة أمريكية شمالي العراق بـ30 صاروخا، مما أدى إلى إصابة عدد من الجنود ومقتل المقاول "نورس حميد"، وهو عراقي أمريكي يبلغ من العمر 33 عاما، وكان يعمل مترجما عربيا في القاعدة.

وقال مسؤول من وزارة الدفاع الأمريكية: "لقد كانوا يعتزمون إلحاق المزيد من الأذى"، وردا على ذلك، أرسل الجنرال "كينيث ماكنزي"، قائد القيادة المركزية، مجموعة من الخيارات إلى الجنرال "مارك ميلي"، رئيس هيئة الأركان المشتركة.

وكان أحد الخيارات، التي تم عرضها على "ترامب"، قتل عدد محدود من أعضاء ميليشيا تدعمها إيران تعرف باسم كتائب "حزب الله". لكن "ترامب" اختار طريقا أكثر عقابا.

وفي 29 ديسمبر/كانون الأول، شنت الولايات المتحدة غارات جوية على 5 مواقع للميليشيات في العراق وسوريا، مما أسفر عن مقتل 25 من أعضاء المليشيا وجرح أكثر من 50. واعتقد الجيش الأمريكي أن الغارات الجوية ستوقف دورة العنف.

وبدلا من ذلك، أثارت موجة من المشاعر المعادية لأمريكا في العراق. وعشية رأس السنة الميلادية الجديدة، بعد جنازة لضحايا الغارات، قام أنصار "حزب الله" في العراق بمسيرة إلى مقر السفارة الأمريكية في بغداد، وأضرموا النار في منطقة الاستقبال، وأجبروا أفراد الأمن على العودة إلى المجمع.

ولم يتم اقتحام السفارة مطلقا، لكن الصور من بغداد كانت تذكرنا بصور "هجوم بنغازي". واعتقدت الاستخبارات الأمريكية أن المنظمين كانوا يقصدون عرضا محدودا للاحتجاج، وأنه قد خرج عن نطاق السيطرة.

ولم يكن هذا مجرد تحذير، بل تحول إلى تهديد. وفي قناة "فوكس نيوز"، قال وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" إن أنصار "حزب الله" ذهبوا إلى السفارة بتحريض من "قاسم سليماني".

كان "ترامب" في "مار لاجو"، حيث عرض عليه "ميلي" ووزير الدفاع "مارك أسبير"، وزير الدفاع، شرائح تعرض الردود المحتملة. وفي إحدى الشرائح تم اقتراح جولة أخرى من الغارات الجوية على قواعد الميليشيات وغيرها من الأهداف. وأبرزت المجموعة التالية المزيد من الخيارات المرتجلة، وهي مجموعة من عمليات "القتل المستهدف" (الاغتيال) التي لم يتوقع القادة أن يأخذها "ترامب" بجدية. وأظهرت 3 صور، 2 منها لاثنين من قادة الميليشيات، وصورة لـ"سليماني".

وعلى الرغم من أن "سليماني" كان له منصب في الحكومة الإيرانية، إلا أن مسؤول الدفاع الأمريكي قال إنه يمكن أن يتم اغتياله بشكل قانوني لأنه "شخصية مزدوجة"، حيث يوجه الوكلاء في العراق ولبنان وسوريا واليمن، الذين يمكن اعتبارهم، أهدافا إرهابية مشروعة. وكانت الولايات المتحدة تتعقب تحركات "سليماني" منذ فترة طويلة قبل التفكير في استهدافه، وتم تجميع سجل حوله يسميه الجيش "نمط حياة سليماني".

وأخبر مسؤولو الاستخبارات "ترامب" أن "سليماني" كان يخطط لهجمات من المحتمل أن تقتل مئات الأمريكيين في المنطقة، رغم أن التفاصيل الدقيقة غير معروفة.

وقالت "جينا هاسبل"، مديرة "سي آي إيه" لـ"ترامب" إنه من غير المرجح أن ترد إيران على قتل "سليماني" بالانتقام على نطاق واسع، وأن المزيد من الأمريكيين كانوا عرضة لخطر القتل، في الهجمات التي يُزعم أن "سليماني" كان يخطط لها، أكثر مما قد يحدث من الرد الإيراني المحتمل على اغتياله. وأكدت أن "خطر عدم التحرك يفوق خطر العملية نفسها".

واختار "ترامب" خيار "سليماني". وفي القيادة المركزية، كان الضباط مندهشين؛ حيث طلبوا رؤية أمر رسمي كتابي، وسارعوا إلى إعداد خطة، تُعرف باسم "مفهوم العمليات". وبحلول المساء التالي، كانت لديهم معلومات استخباراتية تبين أن "سليماني" كان في بيروت، يزور "نصر الله"، زعيم "حزب الله" اللبناني، وأنه يعتزم المرور عبر دمشق في طريقه إلى العراق.

وكموقع للقتل، تم استبعاد دمشق. نظرا لأن المجال الجوي غير آمن. وفي العراق، على النقيض من ذلك، كانت لدى الولايات المتحدة مجموعة كاملة من القوة النارية الأمريكية. وأوضح مسؤول الدفاع: "كان لدينا نافذة على الهدف لوقت قصير إذا أردنا انتهاز هذه الفرصة".

ووفقا للاستخبارات الأمريكية، كان من المقرر أن يصعد "سليماني" على متن طائرة تجارية في مطار دمشق الدولي في رحلة مدتها 90 دقيقة إلى بغداد. وجرى التخطيط لضربة صاروخية على قافلته بعد هبوطه في العراق. وتم إبقاء الخطة سرا، حتى على المسؤولين في وزارة الخارجية المكلفين بتأمين السفارة في بغداد، رغم أن الإدارة حذرت "نتنياهو".

وفي الأشهر التي سبقت مقتله، روج "سليماني" لنفسه باعتباره رجلا مطلوبا. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أجرى الإعلام الحكومي الإيراني معه مقابلة نادرة، وصف فيها لحظة من الخطر في عام 2006، عندما كان هو و"نصر الله" في بيروت وشاهدوا طائرات إسرائيلية بدون طيار تحلق في السماء فوقهما، تستعد لقتلهما. وقد هربا عن طريق الاختباء تحت شجرة ثم لاذا بالفرار، بمساعدة "عماد مغنية"، عبر سلسلة من المخابئ السرية، التي سمحت لهما، كما قال بـ"خداع العدو".

وبعد أيام قليلة من تلك المقابلة، أعلنت الحكومة الإيرانية اعتقال 3 من المشتبه بهم في مؤامرة مفترضة لقتل "سليماني"، والتي كانت تنطوي على حفر نفق إلى موقع نصب تذكاري يتم افتتاحه لوالده الراحل ثم تفجير قنبلة أثناء الحفل.

بعد أعوام من العمل في السر، أصبح "سليماني" غير مهتم بإخفاء مكان وجوده. وذكر مسؤول من وزارة الدفاع الأمريكية ذلك، قائلا: "أعتقد أن سليماني لم يكن يفكر حتى في أننا قد نتخذ مثل هذا الإجراء".

وعندما استقل "سليماني" رحلته الأخيرة، استقرت طائرات أمريكية من طراز "MQ-9 Reaper" في العاصمة العراقية. وفي الساعة 12:36 صباحا، هبطت رحلته في مطار بغداد الدولي. وسارعت سيارتين إلى قاعدة الدرج، حيث استقبل "أبو مهدي المهندس" "سليماني". وكان لدى قادة العملية الأمريكية أوامر بألا يواصلوا الهجوم إذا كان سيعرض أرواح أي من كبار مسؤولي الحكومة العراقية للخطر. لكن تم اعتبار "المهندس" ضحية مقبولة.

وصعد الرجلان، إلى السيارتين، واتجهت القافلة إلى الطريق إلى المدينة. وفي الساعة 12:47 صباحا، بينما كانت القافلة تمر بصفوف من أشجار النخيل، انفجر أول صاروخ تم إطلاقه على السيارات، مما أدى إلى اشتعال النار فيها وفي كل شيء، وتم قتل 10 ركاب.

وفي وزارة الخارجية، تبادل بعض ضباط الأمن رسائل البريد الإلكتروني بسرعة، بعد أن علموا بالهجوم فقط من تغريدة لصحفي عراقي، وتساءلوا عما إذا كانت السفارة في خطر. وأمروا العاملين في بغداد بأخذ الحيطة والحذر.

وقبل وقت قصير من تأكيد "البنتاجون" للأخبار، غرد "ترامب" بصورة للعلم الأمريكي. وفي وقت لاحق، في خطاب ألقاه للمانحين في "مار لاجو"، أعاد ذكر العملية، مشيرا إلى أن ضابطا عسكريا كان يخبره بما يحدث بشكل مباشر: "لديهم ما يقرب من دقيقة واحدة للعيش يا سيدي. 30 ثانية، 10، 9، 8. حدث الانفجار. لقد ماتوا يا سيدي".

واختلفت عملية "سليماني" اختلافا كبيرا عن أنماط "القتل المستهدف" الأمريكية منذ عام 2002. فلم يكن "سليماني" قائدا لعصابات لا تتبناها الدولة، بل كان ممثلا رفيع المستوى لواحدة من أكثر الدول اكتظاظا بالسكان في الشرق الأوسط، وليست في حرب تقليدية مع الولايات المتحدة بالرغم من مشاركتها العميقة في "دعم الإرهاب".

المصدر | آدم إنتوس - نيويوركر - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مقتل سليماني دونالد ترامب عمليات اغتيال

إيران: دم سليماني بداية لنهاية المستكبرين

حزب الله اللبناني يتولى توجيه المليشيات العراقية خلفا لسليماني

إنتيلجنس أونلاين: إيران تقترب من كشف العملاء الذين باعوا سليماني