معركة ترامب مع الحرس الثوري الإيراني بعد قاسم سليماني

الثلاثاء 4 فبراير 2020 05:38 م

تنتهج إيران والولايات المتحدة مسارا تصادميا منذ وصول الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2017. وانسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في مايو/أيار 2018، وأعادت فرض العقوبات المشددة على طهران. وواجه الإيرانيون ضغوط العقوبات بسلسلة من الإجراءات، منذ مايو/أيار 2019، بما في ذلك الهجمات التي طالت سفن نفطية في مياه الخليج، وإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار في يونيو/حزيران، والهجمات الصاروخية الجريئة وغير المسبوقة على اثنين من المنشآت النفطية السعودية في سبتمبر/أيلول.

كانت دورة التصعيد استراتيجية عالية الخطورة لكلا الجانبين. واختارت إدارة "ترامب" عدم تخفيف حملتها "أقصى ضغط" على إيران حتى تأتي الأخيرة ذاعنة إلى طاولة المفاوضات للتفاوض بشكل شامل حول القضايا التي تهم الولايات المتحدة.

ورغم ذلك، اتخذت الولايات المتحدة خطوة مفاجئة في 3 يناير/كانون الثاني باغتيال اللواء "قاسم سليماني"، قائد "فيلق القدس"، التابع للحرس الثوري الإيراني، والعقل المدبر لمشروع إيران التوسعي الأيديولوجي الإقليمي.

أُصيبت طهران بالصدمة، ولا يزال من السابق لأوانه الحكم على تأثير اغتيال "سليماني". لكن الأمر المؤكد هو أن إدارة "ترامب"، على عكس أي إدارة أمريكية قبلها، تخوض المعركة ضد النظام الإيراني بشكل مختلف.

وتأتي وفاة "سليماني" في وقت تتعرض فيه الجمهورية الإسلامية لضغط شعبي هائل في الداخل وفي المنطقة. وهي لحظة حاسمة لأصحاب القرار في الحرس الثوري الإيراني، الذين يحتاجون إلى حساب ردهم بعناية في الأسابيع والأشهر القادمة.

  • رد طهران على اغتيال "سليماني"

لا تزال طهران مشغولة باكتشاف كيفية اغتيال "سليماني" بهذه الطريقة، ومن الذي ساعد الأمريكيين في هذه العملية. وتوجد الكثير من التكهنات أيضا في إيران حول ما الذي دفع "ترامب" للقيام بذلك في ذلك الزمان والمكان بالتحديد. لكن هناك شيء واحد مؤكد هو أن عدم قدرة النظام الإيراني على التنبؤ بـ"ترامب" أعطاه سببا قويا للتصرف بحذر في رده، وقد فعل ذلك.

وفي 7 يناير/كانون الثاني، أطلق الإيرانيون 16 صاروخا باليستيا على قاعدتين في العراق. وقرر الإيرانيون إخبار العراقيين الذين أبلغوا الأمريكيين بإطلاق الصواريخ الوشيك. وفي 8 يناير/كانون الثاني، ألقى الرئيس "ترامب" خطابا قال فيه إن إيران استسلمت للولايات المتحدة، وإنه لن تكون هناك حرب. وكان بإمكانه فعل ذلك؛ لأنه لم تقع إصابات في صفوف الأمريكيين. وفي الواقع، ألقى "ترامب" الخطاب الذي كانت طهران تأمل فيه.

ولفهم حسابات إيران والموقف الحالي، علينا أن ننظر إلى بعض العوامل. كان على المرشد الإيراني "علي خامنئي" أن يمنع الحرب مع الولايات المتحدة بأي ثمن. وكان عليه أيضا أن ينقذ ماء وجهه ويظهر بعض الشجاعة لشعبه ومؤيديه في المنطقة، مثل "حزب الله" في لبنان. وحقق إطلاق الصواريخ على قواعد تضم قوات أمريكية في العراق ذلك، حتى عندما سخر منه الإيرانيون المناهضون للنظام على أنها مجرد مسرحية.

وفي النهاية، كانت الضربة الصاروخية تتعلق بتوطيد سلطة النظام في الداخل أكثر من الانتقام. ورأى "خامنئي" والحرس الثوري الإيراني في وفاة "سليماني" فرصة لضخ بعض الشرعية الشعبية مرة أخرى إلى نظام لا يتمتع بشعبية كبيرة. لكن إسقاط طائرة أوكرانية مدنية على يد الحرس الثوري، في 8 يناير/كانون الثاني، والاحتجاجات التي أعقبت ذلك؛ جعل تنفيذ مشروع "القومية" الذي يخطط له "خامنئي" أكثر صعوبة.

ولم تكن الأكاذيب الأولى لنظام طهران حول ما حدث للرحلة الأوكرانية محرجة بشكل كبير فحسب، بل قد تثبت قريبا أنها كانت عامل حشد أكبر لغالبية الإيرانيين في المعارضة أكثر من جنازة "سليماني" بالنسبة إلى مؤيدي النظام في الجمهورية الإسلامية.

ويوجد جانب أيديولوجي إقليمي لرد إيران. وكان قرار إطلاق الصواريخ على الأمريكيين ردا على مقتل "سليماني" يهدف إلى تعزيز مكانتها في المنطقة. وهذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها الجيش الأمريكي لمثل هذا الهجوم. وذكر النظام الإيراني على وجه التحديد بعض البلدان، بما في ذلك الإمارات، كأهداف مستقبلية للرد الإيراني إذا استمرت في التعاون مع الأمريكيين.

وكانت الإشارة إلى دبي وحيفا من قبل وسائل الإعلام الإيرانية تهدف بالتأكيد إلى إثارة حالة من الذعر في الإمارات و(إسرائيل). وبشكل عام، جعلت التهديدات الإيرانية قادة دول المنطقة يعيدون النظر في سياساتهم تجاه إيران ودعمهم لواشنطن في مواجهة طهران.

ومع ذلك، في أعقاب الهجمات الصاروخية التي شنها الحرس الثوري الإيراني، كانت هناك تكهنات واسعة النطاق في الولايات المتحدة بأن الإيرانيين لم ينتهوا من الرد بعد. وكان هناك توقع في واشنطن أن تطلب إيران من ميليشياتها الشيعية العراقية مهاجمة القوات الأمريكية والمصالح الأمريكية في العراق. ولم يحدث هذا حتى الآن بأي طريقة لافتة.

وفي الواقع، صرح نائب الرئيس الأمريكي "مايك بينس" لوسائل الإعلام الأمريكية بأن أجهزة الاستخبارات الأمريكية لديها معلومات تشير إلى أن الإيرانيين طلبوا من حلفائهم من الميليشيات العراقية عدم مهاجمة أهداف أمريكية في العراق. وإذا كان هذا صحيحا، فيشير هذا إلى أن الإيرانيين قلقون جدا من قيام الولايات المتحدة بشن هجمات في إيران إذا قامت الجماعات الموالية لها في العراق بمهاجمة أهداف أمريكية هناك.

بمعنى آخر، تريد إيران خفض درجة التصعيد والعودة إلى مستوى "التوترات الخاضعة للسيطرة" كما كان من قبل. وهي تريد لعب اللعبة الطويلة وعدم تحمل مخاطر غير ضرورية لتحقيق نتائج فورية. وفي هذه الأثناء، سخر "قيس الخزعلي"، أحد قادة المليشيات العراقية الموالية لإيران، وهو رئيس "عصائب أهل الحق"، من رد الحرس الثوري الإيراني، وقال إن جماعته "كانت لتفعل أكثر بكثير من مجرد إرسال بعض الصواريخ" إلى الأمريكيين .

ويثير بيان "الخزعلي" مسألة مدى سيطرة إيران على بعض الجماعات الشيعية العراقية القريبة من طهران. ونظرا لأن اواشنطن ستحمل طهران، وخاصة الحرس الثوري، المسؤولية، فإن أي أعمال متهورة تقوم بها الميليشيات الشيعية العراقية أصبحت الآن مشكلة حقيقية لإيران.

  • مهمة الحرس الثوري المحلية

ويخضع سلوك الحرس الثوري الإيراني وجدول أعماله الداخلي لمزيد من التدقيق من قبل الشعب الإيراني. وفي آخر احتجاجات عامة في طهران، شبه أحد الهتافات الشعبية الحرس الثوري بتنظيم "الدولة". وقد أصبحت مهمة الحرس الثوري الإيراني جدلا رئيسيا في حد ذاتها.

فمن ناحية، يؤكد المنتقدون المحليون أن تدخلات الحرس في العملية السياسية تتعارض مع مبدأ "عدم تدخل" القوات المسلحة في السياسة المنصوص عليها في "العهد السياسي والإلهي" لمؤسس الجمهورية الإسلامية الراحل "الخميني". وعلى هذا النحو، فإن وجهة النظر هذه تؤكد أن النشاط السياسي العلني للحرس الثوري الإيراني يمثل أحد أهم التحديات التي تواجه الشخصية السياسية للجمهورية الإسلامية نفسها.

ومن ناحية أخرى، في النظرة العالمية للقيادة العليا الحالية للحرس الثوري، يجب مواجهة أي تحد محلي أو أجنبي للنظام الشيعي بأي ثمن. لكن ليس كل أعضاء الحرس الثوري، المقدّر عددهم بـ 125 ألفا، يشعرون بنفس الطريقة.

وظهرت أدلة على وجود تيار إصلاحي قوي في الرتب الدنيا للحرس للمرة الأولى في أعقاب الانتخابات الرئاسية في عامي 1997 و2001، عندما قيل إن غالبية الرتب أيدوا المرشح الإصلاحي "محمد خاتمي". ولطالما حاولت جماعات المعارضة الإيرانية استغلال هذه الانقسامات. وكانت العديد من التصريحات العلنية لقادة المعارضة والأصوات البارزة، مثل "رضا بهلوي" نجل الشاه الراحل، وغيره من منتقدي النظام الموجودين الآن في الشتات، تهدف إلى تقسيم الرأي السياسي داخل الحرس الثوري.

ومثل هذه المبادرات المستمرة أمر مفهوم. فهناك أصوات قليلة جدا في المعارضة، سواء داخل إيران أو في الشتات، قد تدافع عن التمرد المسلح ضد إيران المدعومة من الحرس الثوري. وبدلا من ذلك، تسعى المعارضة لتشجيع الهاربين من الحرس للانضمام إلى المعارضة.

وقد يعني الانشقاق في هذا السياق عدم الامتثال لأوامر من الرتب العليا، ويجب أن يتحقق هذا بوجود جاذبية للرسالة السياسية للمعارضة بدلا من الأوهام المتمثلة في إمكانية كسب صراع مسلح ضد النظام وملحقاته العسكرية المختلفة في ظل الظروف الحالية. ومع ذلك، في حين أن الانقسامات الداخلية كانت موجودة دائما في صفوف الحرس الثوري الإيراني، تمكنت قوة النخبة حتى الآن من تجنب الفوضى التنظيمية في ردها على المعارضة والضغط الأمريكي.

  • المضي قدما

ولدى "خامنئي"، وبالتنسيق السياسي الوثيق مع قيادة الحرس الثوري، مخطط بسيط للبقاء على المدى القصير؛ يتمثل في القضاء على أي احتجاج ضد النظام. وفي الوقت نفسه، إجراء تغيير سياسي محدود؛ ما يعني أن "خامنئي" قد يقبل الحاجة إلى بعض التغييرات، لكن النظام لن يقدم تنازلات علنية. وبدلا من ذلك، فإن خطته عبارة عن مجرد إجراء تغييرات تكتيكية للحد من الإحباط المتراكم في المجتمع مع التظاهر بأن الغضب العام والاحتجاجات العامة هي جزء من مؤامرة بقيادة أجنبية.

ومن الاستراتيجيات الأخرى الواضحة لدائرة "خامنئي" والحرس الثوري الإيراني تقديم خيار سيئ وأسوأ للشعب الإيراني. و"الخيار السيئ" هو أن يتحلى الشعب الإيراني بالصبر ويقبل الوضع لأن البلد يُقال إنه في حالة حرب ضد الولايات المتحدة، لكن، كما يزعم معسكر "خامنئي"، فإن هذا سيتم حله قريبا، وسوف تبقى الجمهورية الإسلامية على قيد الحياة. أما "الخيار الأسوأ" فهو نجاح المؤامرات الأجنبية، وأن تصبح إيران سوريا أخرى.

وتعد المزاعم الأخيرة من جانب طهران بأنها صادرت أسلحة مقدمة من الولايات المتحدة، قادمة من العراق، جزءا من هذه الخطة. ويأمل "خامنئي"، والحرس الثوري الإيراني، أنه من خلال الاحتجاج بشبح "الحرب الأهلية" التي يحرض عليها الأجانب، يمكنهم تحييد جزء كبير من الجمهور الإيراني. ويعلم النظام أن الإيرانيين غاضبون من الوضع، لكنهم يخشون فكرة الحرب الأهلية أكثر من الاضطرار إلى العيش مع الوضع الراهن.

ومع ذلك، يبدو واضحا للجميع، باستثناء "خامنئي" والحرس الثوري الإيراني، ومجموعة صغيرة من المتعصبين للنظام، أن الوضع المحلي في إيران يتحرك في اتجاه الخروج عن السيطرة. وقد أصبح إسقاط الطائرة الأوكرانية أكثر من مجرد فشل قيادة في الجيش الإيراني. إذ سلط الحادث والتعامل معه الضوء على حقيقة أن الجمهورية الإسلامية تنجرف عن مسار السيطرة.

وتشير الجهود العقيمة التي بذلتها القيادة العليا للبحث عن وسيلة للتستر على الحادث لمدة 3 أيام إلى نظام سياسي غير قابل للمساءلة. ومع ذلك، وللمرة الأولى منذ فترة طويلة، يبدو أن نظام "خامنئي" غير متأكد مما يجب عمله. وفي وسائل الإعلام الإيرانية، لا سيما في الشتات، يشبه الحادث "لحظة تشيرنوبيل" للجمهورية الإسلامية. بعبارة أخرى، سيتردد تأثير هذه الحادثة في الأشهر القادمة، وسيضعف الغراء الذي يربط النظام، ويدفعه في النهاية نحو الانهيار. إنها حقا لحظة حاسمة للجمهورية الإسلامية.

وبغض النظر عن حقيقة كونها "لحظة تشيرنوبيل" بالنسبة للنظام أم لا، فلا يزال يتعين الانتظار والترقب. ولا يبدو أن "خامنئي" انخرط حتى الآن في أي لحظة للتفكير. وبدلا من ذلك، أشرف ببساطة على جهود النظام لفعل كل ما هو ضروري للهروب من اللوم.

و"خامنئي" ليس "جورباتشوف"، وهو ليس جاهزا بعد أو غير قادر على قبول حتمية الإصلاح السياسي. وبصفته شخصا مشتغلا بالسياسة، وكان في قلب عملية صنع القرار في إيران منذ عام 1979، فسيقوم بمزيد من القمع لمواصلة المسيرة.

إنها استراتيجية محكوم عليها بالفشل في النهاية، لكن "خامنئي"، البالغ من العمر 80 عاما، يعتقد أنه ليس لديه خيار سوى المثابرة. والآن، يبدو أن قادة الحرس الثوري سيرافقونه في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر إلى الأمام.

المصدر | أليكس فاتانكا/ معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مقتل سليماني العلاقات الإيرانية الأمريكية علي خامنئي

دبلوماسي إسرائيلي يلمح لاغتيال نصرالله على غرار سليماني

ذا أتلانتيك: استراتيجية ترامب تجاه إيران ليست ناجحة كما يعتقد

هل يكون العراق ساحة للمواجهة الإيرانية الأمريكية المقبلة؟

مزاعم جديدة يرددها ظريف عن سليماني

تفاصيل مثيرة حول عملية اغتيال فتحت الطريق لقتل سليماني

كيف اختلف استهداف سليماني عن عمليات الاغتيال الأمريكية الأخرى؟

جيروزاليم بوست: الخطأ الاستراتيجي الأكبر لإيران

ظريف: لهجة التواصل بين إيران وأمريكا تدهورت

إيران تتهم السعودية وأمريكا بتسليح متمردين جنوب شرقي إيران

واشنطن: 15 مليون دولار لأي معلومة عن الحرس الثوري الإيراني باليمن

الجزيرة تحذف مقطعا تضمن تمجيدا لقاسم سليماني

إيران تنشر معلومات جديدة عن جاسوس سليماني

ردا على مقتل سليماني.. واشنطن تتهم طهران بالتخطيط لاغتيال سفيرها في جنوب أفريقيا