لماذا فشلت احتجاجات العراق فيما نجحت فيه تظاهرات السودان والجزائر؟

الأحد 9 فبراير 2020 05:23 م

اتسمت حركة الاحتجاج في العراق بالمرونة بشكل ملحوظ، فمنذ عدة أشهر، قام عشرات الآلاف من العراقيين في جميع أنحاء بغداد والجنوب بالاحتشاد ضد الحكومة، مطالبين بتحسين الخدمات والمساءلة والإصلاح الشامل للدولة العراقية.

ومنذ اندلاع الاحتجاجات، قُتل أكثر من 600 شخص وأصيب آلاف، وفقًا لمنظمات حقوق الإنسان، وكان من المتوقع أن تكون تداعيات اغتيال القائد الإيراني "قاسم سليماني" مؤشرًا لموت الحركة، لكن حتى ذلك فشل في إنهاء ما يعتبر أكبر حشد اجتماعي سياسي في تاريخ العراق.

غضب عميق الجذور

لا يمكن إلقاء اللوم على العراقيين بسبب رغبتهم في الحصول على المزيد من حكومتهم، فالعراق على شفا الانهيار الاجتماعي والاقتصادي نتيجة للبطالة، والتدهور الاقتصادي، والبنية التحتية المتداعية.

ومن المتوقع أن يرتفع عدد سكان العراق من 30 مليون نسمة حاليا إلى 50 مليون نسمة خلال عقد من الزمن.

وتقل أعمار أكثر من 60% من العراقيين عن 24 سنة، ويحتاج 700 ألف إلى وظائف كل عام، وقد فشلت الطبقة الحاكمة في العراق في الاستجابة لمطالب الشعب، وببساطة لم تعد هذه الطبقة تتمتع بالمصداقية، ناهيك عن قدرة تهدئة شعبها على الرغم من مئات المليارات من الدولارات التي تم إنفاقها خلال العقد الماضي.

افترضت الطبقة الحاكمة في العراق بشكل يفتقر للخبرة أن تهديد الإرهاب والحرب على "الدولة الإسلامية"، والصراع الطائفي يمكنه أن يحرف التركيز عن إخفاقاتها في الحكم والفساد المتوطن (المقبول سياسياً) إلى الأبد.

استفادت الطبقة السياسية من سردية انتشرت بين مؤيديها، بل بعض الدوائر السياسية في واشنطن وعواصم غربية أخرى، حيث وضعت مظالم البلد ومآسيه في كفة أمام استفحال الحرب الأهلية أو حكم البعث في الكفة الأخرى.

روجت هذه السردية المثيرة لفكرة أن الدولة والحكومة العراقية تم إحياؤها، ورُسّخَت بشكل خاص في ظل حكومة "حيدر العبادي" السابقة، لكنها تجاهلت القضايا الأساسية العميقة الجذور التي جعلت جيلًا كاملاً من العراقيين يتوقون إلى مستقبل أفضل.

فرص غير مواتية

لكن الفرص لا تقف بصف متظاهري العراق، فالبيئة الحالية لا تفضي إلى تفكيك (يعقبه إعادة بناء) للدولة أو نظامها السياسي، وهناك عدد قليل جدًا - إن وجد - من العناصر الفاعلة الرئيسية داخلياً وخارجياً، التي تريد تغييرًا ثوريًا يقوّض النظام السياسي لما بعد 2003 في العراق.

قد يتوجب على المحتجين في العراق أن يتصالحوا مع حقيقة أن المجتمع الدولي في الواقع أكثر انحيازًا للطبقة الحاكمة العراقية (يشمل ذلك حتى الميليشيات التي تقمعهم بوحشية) بشكل أكبر مما يعتقدون.

فهناك الكثير على المحك والكثير من المجاهيل الخطرة في مناخ ما بعد الحرب في العراق والمنطقة، ما يجعل أي جهات خارجية فاعلة تحجم عن التفكير جديًا في دعم محاولة لإصلاح النظام السياسي في العراق.

جزء كبير من التحدي الذي يواجه المتظاهرون هو أن النظام السياسي العراقي مصمم بطريقة تجعله منيعًا أمام إعادة هيكلة كبيرة.

هناك مجموعة كبيرة من الجهات الفاعلة الرسمية وغير الرسمية والجهات شبه الحكومية التي تهيمن على هياكل الحكم والسلطة وتشكلها وتديرها.

كما تعاني البلاد من تراكم يتعذر تغييره للأسلحة والجماعات المسلحة، وعدم وجود مؤسسات قادرة على البقاء، مع وجود سلطات بديلة متعددة تحل محل الدولة العراقية.

وتعتبر مناطق كثيرة خارجة عن نفوذ وسيطرة الحكومة، وهي المناطق التي تتوزع فيها السلطة بين الأحزاب والميليشيات والقبائل ورجال الدين.

ونتيجة لهذه الديناميات، وعلى عكس الاحتجاجات في الجزائر أو السودان؛ من المرجح أن تبقى النخب الحاكمة في العراق في السلطة حتى لو وصلت الاحتجاجات إلى كتلة حرجة.

بعبارة أخرى؛ فإذا لم يُدمّر النظام الحالي عبر غزو خارجي، أو حرب أهلية على نطاق البلد (والتي تتطلب في حد ذاتها منتصرًا حاسمًا)، أو ديكتاتورية أخرى تنشأ بانقلاب (وحينها سيكون حال العراقيين أسوأ مما هم عليه حاليًا)، فإن هذا النظام سيكون المنتصر.

ما يجعل الموقف محفوفًا بالمخاطر على المتظاهرين بشكل خاص هو الإفلات من العقاب الذي تتمكن به الميليشيات وقوات الأمن التي تفرضها الدولة من قمع المدنيين.

نفوذ الميليشيات

تهيمن على العراق الميليشيات غير الخاضعة للمساءلة، والتي تتمتع بسلطة ونفوذ كبيرين، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى أن هذه الجماعات قد استغلت هشاشة الدولة العراقية، وجمعت أسلحة كثيرة وموارد أخرى، واستفادت من رعاية خارجية من إيران، مستغلة كل ذلك لاكتساب التفوق السياسي.

على سبيل المثال، تشكلت قوات الحشد الشعبي التي يبلغ قوامها 100 ألف فرد كرد فعل على انهيار الجيش العراقي، عندما استولى تنظيم "الدولة الإسلامية" على الموصل في عام 2014، وتتولى قيادتها وتسيطر عليها الجماعات المتحالفة مع إيران التي كانت في طليعة حملة القمع العنيفة ضد المتظاهرين.

تكمن قوة قوات الحشد الشعبي أنها تندرج ضمن جيش العراق التقليدي؛ وبالتالي لم يعد من الممكن تصور أن يحمي الجيش المتظاهرين من فظائع الميليشيات الشيعية.

كانت الفكرة السائدة قبل الأزمة الحالية تتمثل في أن قوات الحشد الشعبي لم تكن قوة متجانسة وشملت مجموعات قومية أو متحالفة مع الدولة بشكل يمنع وكلاء إيران من احتكار السلطة داخل المنظمة، وأن هذه المجموعات ستعمل كعازل يحمي الشعب العراقي من العنف والفظائع.

لكن هذه كانت آمالًا في غير محلها عوّلت على تعدد مكونات قوات الحشد الشعبي، والحقيقة هي أن عزم وكلاء إيران المطلق وقسوتهم في استغلال منظمات قوية مثل قوات "الحشد الشعبي" لم يكن يضاهيه أحد، وقد تم الاستهانة بهذا بشكل كبير في تحليل هذه الأمر.

غياب الغطاء السياسي

لم تعد الاحتمالات في صف المتظاهرين بشكل أكبر لأنهم فقدوا على الأرجح مصدّهم الوحيد الأكثر أهمية أمام الميليشيات التي كانت مسؤولة عن قتل وجرح المدنيين.

فقد كان "مقتدى الصدر" وحركته الصدريّة عامل مهم لحماية المحتجين من هذه المليشيات، لكن الاتفاق الذي أبرم الأسبوع الماضي بين "الصدر" والحكومة العراقية ووكلاء إيران أدى إلى سحب رجل الدين لدعمه للمحتجين.

إن الطبيعة غير المتبلورة لحركة الاحتجاج تعني أن صفوفها ستستمر في الانتفاخ، حتى بدون دعم قوة اجتماعية وسياسية كبرى مثل الصدريين؛ لكن فكرة أن الحراك لا يزال قادر على البقاء والحفاظ على نفسه دون عباءة واقية من واحد على الأقل من الجهات الفاعلة السياسية الرئيسية في البلاد هي فكرة غير معقولة وغاية في الخطورة.

ومع ذلك، ربما يكون للمتظاهرين بعض الحظوظ، فالعراق معروف بسمعته السيئة في صفقاته السياسية وائتلافاته الهشة، وبالتالي؛ إذا كان هناك شيء واحد يمكن للمتظاهرين الاستفادة منه؛ فهي الفرص التي قد تُلقَى في طريقهم نتيجة الطبيعة الانقسامية للمشهد السياسي.

يحتاج المحتجون إلى حشد الدعم بشكل عاجل من ممثل سياسي عراقي كبير واحد على الأقل في أعقاب تخلي "الصدر" عن دعمهم.

قد يشمل ذلك أيضًا مؤسسات رئيسية مثل الجيش العراقي الذي دربته الولايات المتحدة، والذي قاتل وكلاء إيران في الماضي.

وبالرغم من أنه لا يزال من غير المحتمل أن يتدخل الجيش، فإنه ليس مستبعدًا خاصة إذا كان هناك بعض الدعم النشط من جهات خارجية مثل الولايات المتحدة.

النهج الصفري أخطر عدو

لكن النهج الصفري الذي تتبعه حركة الاحتجاج (الدعوة إلى الإصلاح الشامل للنظام السياسي) يجعلها أسوأ عدو لنفسها، وغياب جهد متضافر لحشد دعم كبير داخل الساحة السياسية العراقية يجعلهم ضعفاء للغاية ومعرضين للقوى الخبيثة.

علاوة على ذلك، فإن الاحتجاجات ليست منفصلة عن الديناميات المحلية والإقليمية الأخرى، بما في ذلك التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.

كان الهجوم الصاروخي على السفارة الأمريكية من قبل الميليشيات المدعومة إيرانيا في الأسبوع الماضي، متبوعًا على الفور بحملة قمع صارمة ضد المحتجين.

ويمكن للصراع الأوسع نطاقًا بين الولايات المتحدة وإيران، أو أي اندلاع لموجة تصعيد أخرى، أن يمنح الوكلاء الإيرانيين الستار الدخاني المثالي لإطلاق حملة عنيفة موسعة تسعى إلى إنهاء الاحتجاجات بشكل حاسم.

يمكن أيضًا تحديد مصير المحتجين بعيدًا عن مرأى ومسمع وسائل الإعلام عبر صفقات الغرف الخلفية، والاغتيالات، وعمليات الاختطاف، والهجمات العرضية التي تُشن في الظلام الدامس.

الأسابيع القادمة حاسمة

ستكون الأسابيع المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كانت حركة الاحتجاج في العراق يمكنها أن تحافظ على استمرارها، والأهم من ذلك، أن تتمكن من أن تحرز على الأقل بعض الأهداف التي تركز على تحسين الحكم وإصلاح الدولة.

قد تتجه الحكومة بشكل متزايد إلى العنف، لكن دراسات الحالة من جميع أنحاء العالم والأدبيات العلمية حول حركات الاحتجاج تظهر أنه في حين أن الإكراه قد يقلل الاحتجاج مؤقتًا، لكنه غير فعال في تحييدها بشكل كامل.

على المدى البعيد، يزيد القمع من المعارضة التي تمكّن حركات الاحتجاج من إحياء نفسها، وفي كل مناسبة تعتمد الحكومة العراقية على القمع، من المحتمل أن يقوم المتظاهرون بتكييف استراتيجياتهم وتعزيز مرونتهم نتيجة لذلك.

المصدر | راني علاء الدين | لوفير - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مظاهرات العراق مليشيات الحشد الشعبي الحكومة العراقية

بومبيو: المظاهرات العراقية هدفها حكومة دون نفوذ إيراني

حقوق الإنسان العراقية تكشف أحدث حصيلة لضحايا الاحتجاجات

مظاهرات السودان تحصد جائزة التصوير الصحفي 2020 

بالفيديو.. الآلاف يتظاهرون بذكرى انتفاضة أكتوبر في بغداد ومحافظات عراقية