نيويورك تايمز: خطة ترامب للشرق الأوسط تكشف الحقيقة القبيحة

الاثنين 10 فبراير 2020 03:21 م

أصدر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، في 28 يناير/كانون الثاني، خطته من أجل السلام في الشرق الأوسط والتي يُطلق عليها "صفقة القرن". وتدعو الخطة إلى إقامة دولة فلسطينية في أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، على أن تكون القدس، بما في ذلك مدينتها القديمة، عاصمة غير مقسمة لـ(إسرائيل)، ويكون لـ(إسرائيل) حق ضم جميع المستوطنات، وكذلك وادي الأردن، الذي يشكل ما يقرب من ربع الضفة الغربية، بما في ذلك حدودها الشرقية مع الأردن، وخلق "دولة أرخبيل" فلسطينية غير متجاورة، يحيط بها بحر من الأراضي الإسرائيلية.

وأعلن "ترامب" أن الولايات المتحدة ستعترف بالسيادة الإسرائيلية على جميع الأراضي التي حددتها الخطة لـ(إسرائيل). وبعد ذلك بوقت قصير، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بضم جميع المستوطنات ووادي الأردن اعتبارا من الأسبوع التالي لإعلان الخطة.

واحتفل أعضاء اليمين الإسرائيلي وغيرهم من المعارضين لحل الدولتين بالصفقة باعتبارها النهاية لإمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة. وأدان اليسار الإسرائيلي، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وغيرهم من مؤيدي حل الدولتين، الخطة لنفس الأسباب، ووصفوها بأنها المسمار الأخير في نعش حل الدولتين.

إذن كان هناك اتفاق بين المؤيدين والمنتقدين على حد سواء على أن الاقتراح يمثل خروجا كبيرا عن عقود من السياسة الأمريكية والدولية. ولكن هل الخطة هي حقا نقيض نهج المجتمع الدولي القديم تجاه الصراع؟ أم أنها في الواقع تحقيق عملي لهذا النهج؟

ولأكثر من قرن، دعم الغرب الأهداف الصهيونية في فلسطين على حساب السكان الفلسطينيين الأصليين. وفي عام 1917، وعدت الحكومة البريطانية بإنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، حيث كان اليهود يشكلون أقل من 8% من السكان. وبعد 30 عاما، اقترحت الأمم المتحدة خطة لتقسيم فلسطين؛ حيث يتم منح اليهود، الذين يشكلون أقل من ثلث السكان، ويملكون أقل من 7% من الأراضي، غالبية الأرض.

وخلال الحرب التي تلت ذلك، احتلت (إسرائيل) أكثر من نصف الأراضي المخصصة للدولة العربية؛ حيث مُنع 80% من الفلسطينيين الذين طُردوا مما أصبح الحدود الجديدة لدولة (إسرائيل) الوليدة من العودة إلى ديارهم. ولم يساهم المجتمع الدولي في دفع (إسرائيل) لإعادة الأراضي التي استولت عليها، أو السماح بعودة اللاجئين.

وبعد حرب عام 1967، عندما احتلت (إسرائيل) الـ22 من مساحة فلسطين المتبقية، وكذلك شبه جزيرة سيناء من مصر، ومرتفعات الجولان من سوريا، أقامت (إسرائيل) مستوطنات غير قانونية في المناطق التي احتلتها، وأنشأت نظاما به قوانين منفصلة لمجموعات مختلفة، أي الإسرائيليين والفلسطينيين، رغم أنهم كانوا يعيشون في نفس المنطقة.

وفي عام 1980، ضمت (إسرائيل) القدس الشرقية رسميا. وكما هو الحال مع النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، كان هناك بعض الإدانات الدولية، لكن الدعم المالي والعسكري الأمريكي لـ(إسرائيل) لم يتوقف أبدا.

وفي عام 1993، منحت اتفاقات "أوسلو" حكما ذاتيا محدودا للفلسطينيين في جزر صغيرة منفصلة ومتناثرة من الأرض. ولم تطالب الاتفاقات بتفكيك المستوطنات الإسرائيلية، أو حتى وقف نمو المستوطنات. وقدم الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" أول خطة أمريكية لإقامة دولة فلسطينية عام 2000. وذكر أن المستوطنات الإسرائيلية الكبيرة سيتم ضمها إلى (إسرائيل) وأن جميع المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية المحتلة سيتم ضمها أيضا.

ونصت خطة "كلينتون" على أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وتحتوي على منشآت عسكرية إسرائيلية، وكذلك قوات دولية في وادي الأردن لا يمكن سحبها إلا بموافقة (إسرائيل). وكما هو الحال مع "صفقة القرن"، أعطت هذه الخطة، التي شكلت أساس كل تلك النتائج اللاحقة، الفلسطينيين مزيدا من الحكم الذاتي، ووصفت ذلك بالدولة.

ويوجد الآن فلسطينيون أكثر من اليهود يعيشون في الأراضي الخاضعة لسيطرة (إسرائيل)، وفقا لإحصاءات الجيش الإسرائيلي. وسواء في رؤية "ترامب" أو "كلينتون"، فقد حصرت الخطط الأمريكية معظم مجموعة الأغلبية العرقية في أقل من ربع الأراضي، مع فرض قيود على السيادة الفلسطينية بعيدة المدى؛ لذلك يمكن وصف النتيجة على نحو أكثر ملاءمة بـ"حل نصف الدولة".

وتنطوي خطة "ترامب" على العديد من الأخطاء الشديدة؛ فهي تمنح الأولوية للمصالح اليهودية على المصالح الفلسطينية. وهي تكافئ وحتى تحفز المستوطنات، ونزع الملكية من الفلسطينيين. لكن أيا من هذه السمات للخطة لا تبتعد كثيرا عن الأساس الذي بُني عليه الماضي.

وتضع خطة "ترامب" مجرد اللمسات الأخيرة على منزل قضى المشرعون الأمريكيون، الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء، عشرات الأعوام في بنائه. وخلال العقود القليلة الماضية، عندما استولت (إسرائيل) ببطء على الضفة الغربية، حيث وضعت أكثر من 600 ألف مستوطن في الأراضي المحتلة، زودت الولايات المتحدة (إسرائيل) بالدعم الدبلوماسي، وحق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والضغط على المحاكم الدولية وهيئات التحقيق كي لا تلاحق (إسرائيل)، فضلا عن مليارات الدولارات من المساعدات السنوية.

وتحدث بعض الديمقراطيين، الذين يترشحون الآن لمنصب الرئيس، عن رفضهم للضم الإسرائيلي، لكنهم حتى لا يقترحون شيئا لوقف ذلك. وهكذا، يمكن للديموقراطيين مثل السيناتور "آمي كلوبوشار" أن تعلن معارضتها للضم، وتصدير خطاب ينتقد خطة "ترامب" بسبب "تجاهلها للقانون الدولي"، في الوقت الذي شاركت فيه أيضا في رعاية قرار لمجلس الشيوخ "يعبّر عن اعتراضه الشديد" على قرار مجلس الأمن الدولي لعام 2016 الذي طالب (إسرائيل) بوقف النشاط الاستيطاني غير القانوني.

ويقول ديمقراطيون آخرون، مثل السناتور "إليزابيث وارين" و"بيت بوتيج"، إنهم لن يكونوا على استعداد لتقديم الدعم المالي الأمريكي للضم الإسرائيلي. لكن هذا ليس أكثر من صيغة بسيطة تتيح لهم أن يبدوا قاسيين، في حين لا يهددون شيئا، لأن المساعدة الأمريكية لـ(إسرائيل) لن تذهب، على أي حال، مباشرة نحو المهام البيروقراطية التي تنطوي عليها الخطة، مثل نقل السجل العقاري للأراضي في الضفة الغربية من الجيش إلى الحكومة الإسرائيلية.

وبصرف النظر عن الإشارات الغامضة باستخدام المساعدات كورقة نفوذ، فلم يقدم أي مرشح للرئاسة، باستثناء السيناتور "بيرني ساندرز"، مقترحات من شأنها أن تبدأ في التقليل من التواطؤ الأمريكي في الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين.

وتبقى تصريحات المعارضة للضم بلا فائدة عندما لا تكون مصحوبة بخطط لمنعها أو عكسها؛ مثل حظر المنتجات الاستيطانية، وتخفيض المساعدات المالية لـ(إسرائيل) بالمقدار الذي تنفقه في الأراضي المحتلة، وسحب أموال صناديق التقاعد الفيدرالية وحكومات الولايات من الشركات العاملة في المستوطنات غير الشرعية، وتعليق المساعدات العسكرية حتى تنهي (إسرائيل) العقاب الجماعي لمليوني شخص محاصرين في غزة، وتمنح الفلسطينيين في الضفة الغربية نفس الحقوق المدنية الممنوحة لليهود الذين يعيشون بجانبهم.

إن خطة "ترامب"، مثلها مثل عملية السلام التي استمرت لعقود، تمنح (إسرائيل) غطاء لإدامة ما يعرف بالوضع الراهن؛ حيث تملك (إسرائيل) السيادة الوحيدة التي تسيطر على المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، وتحرم الملايين من عديمي الجنسية من الحقوق المدنية الأساسية، وتقيد حركتهم، وتجرمهم لمجرد الكلام الذي قد يضر "بالنظام العام"، وتسجنهم في "احتجاز إداري" إلى أجل غير مسمى دون محاكمة أو تهمة، وتنزع عنهم أراضيهم، وكل ذلك أثناء وجود قادة في الكونجرس والاتحاد الأوروبي والكثير من بقية العالم يشيدون بهذه المهزلة ويشجعونها، معربين عن التزامهم باستئناف "مفاوضات ذات مغزى".

ويحب المدافعون عن (إسرائيل) أن يقولوا إن (إسرائيل) حالة فريدة، وهم على حق. فـ(إسرائيل) هي الدولة الوحيدة التي تمارس الاحتلال العسكري الدائم، مع قوانين تمييزية لفئات منفصلة تعيش في نفس المنطقة، في حين يخرج الليبراليون في جميع أنحاء العالم لتبرير أفعالها والدفاع عنها، بل وحتى تمويلها.

وفي ظل عدم وجود سياسات داعمة لها أنياب حقيقية، فإن النقاد الديمقراطيين لخطة "ترامب" ليسوا أفضل بكثير من الرئيس الأمريكي. ربما منهم من لا يدعم الضم والخضوع للسياسات الإسرائيلية، لكن أفعالهم تدعم كل ذلك بكل تأكيد.

المصدر | ناثان ثرال - نيويورك تايمز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

صفقة القرن الإدارة الأمريكية دونالد ترامب

مرزوق الغانم يلقي وثائق صفقة القرن في سلة القمامة

الأردن.. انطلاق فعاليات مؤتمر برلماني عربي لبحث صفقة القرن