لعبة القرم.. هكذا ينتقل السجال بين تركيا وروسيا إلى أوكرانيا

الاثنين 17 فبراير 2020 07:58 م

"المجد لأوكرانيا".. عبارة رددها الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" أمام حرس الشرف في العاصمة الأوكرانية، كييف، لدى زيارته التي أجراها للبلاد الأسبوع الماضي، مؤكدا بذلك، وبطريق غير مباشر، على حضور البعد الروسي ضمن أجندة أهداف الزيارة بالنسبة إلى أنقرة.

فالعبارة تحمل شعارا وطنيا يرتبط في أوكرانيا بشكل وثيق بالمشاعر المعادية لروسيا وبمعركة أوكرانيا للاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ما اعتبره العديد من المراقبين رسالة مباشرة من "أردوغان" إلى موسكو بعد تصعيد قوات حليفها السوري "بشار الأسد" في إدلب ضد قوات الجيش التركي، ما أسفر عن مقتل 13 من جنوده.

كان هذا البعد الروسي حاضرا أيضا بشكل أكثر صرامة في تأكيد "أردوغان"، في مؤتمر صحفي عقده بإسطنبول قبيل توجهه إلى كييف، على أن "تركيا لم ولن تعترف بضم روسيا للقرم بطريقة غير شرعية"، مشيرا إلى أن مسؤولي بلاده يتشاورون مع نظرائهم الأوكرانيين حول معاناة أتراك شبه الجزيرة الأوكرانية.

في هذا السياق، ربط مركز "جيوبولوتيكال فيوتشرز" بين زيارة "أردوغان" إلى كييف وبين التحول الأخير في العلاقات التركية الروسية، مرجحا اقتراب البلدين من "مواجهة محتملة في سوريا وليبيا".

يدرك "أردوغان" أن أوكرانيا قضية حساسة بشكل خاص بالنسبة للكرملين، باعتبارها تمثل المنطقة العازلة الحرجة لروسيا مع الغرب، ما يعني أن الهيمنة عليها يمثل تهديدا لمصالحها الاستراتيجية في البحر الأسود، وعليه فإن بناء علاقات أوثق مع كييف يمثل فرصة لأنقرة باتجاه منع التوسع الروسي إقليميا، والذي يهدد مصالح أنقرة في سوريا وليبيا.

بخلاف ذلك، فإن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم أحاديا في 2014 وضع نهاية للتفوق البحري والاستراتيجي لتركيا في البحر الأسود، بذا فإن توطيد العلاقات مع أوكرانيا (التي تعتبر القرم منطقة محتلة من قبل روسيا) يكتسب أهمية متزايدة لدى تركيا، خاصة أن روسيا أصبحت، بعد ضم القرم، تمثل تهديدا عسكريا لدول البحر الأسود، بما فيها تركيا.

وبدون سيطرتها على القرم، سوف تفقد موسكو قدرتها على دعم حملتها العسكرية في سوريا عبر شرق البحر المتوسط.

وبإضافة حقيقة أن شبه الجزيرة كانت جزءا من أراضي الإمبراطورية العثمانية تاريخيا، فإن "القرم" باتت تمثل مفتاحا جيوستراتيجيا بالغ الأهمية لتركيا.

تعاون استراتيجي

في هذا الإطار، جاء توسيع التعاون بين تركيا وأوكرانيا؛ الذي بدأت خطواته الحقيقية في 2014 (عام ضم روسيا للقرم) وقفز بشكل نوعي مع إجراء جيشي البلدين مناورات بحرية مشتركة في البحر الأسود في مارس/آذار 2016، بعد بضعة أشهر فقط من إسقاط تركيا لطائرة عسكرية روسية بالقرب من الحدود السورية.

غير أن الاهتمام التركي تخطى حدود علاقات التدريب المشترك مع أوكرانيا إلى التعاون الحثيث في مجال صناعة الدفاع، إذ تعاونت شركة الدفاع الأوكرانية الحكومية "Ukroboronprom" مع شركات تركية العام الماضي، وأنشأ البلدان مشروعًا مشتركًا يركز على تقنيات الأسلحة والفضاء الدقيقة.

وتشارك أنقرة وكييف حاليا في مشاريع مشتركة لإنشاء طائرة نقل عسكرية من طراز "An-188" إضافة إلى أنظمة دفاع للمركبات المدرعة وأنظمة رادار.

وفي عام 2019، استحوذت أوكرانيا على طائرات مسيرة تركية الصنع من طراز "Bayraktar TB2"، وفي المقابل يتوقع المراقبون أن يساعد الخبراء الأوكرانيون تركيا في تطوير دبابة جديدة مصنعة محليا في تركيا.

وبذلك تحقق أنقرة هدفين في آن واحد: تعزيز اقتصاد أوكرانيا، العضو بحلف شمال الأطلسي "الناتو"، في مواجهة محاولات الهيمنة الروسية، وتجنب التعاون مع شركات الدفاع الروسية بقدر الإمكان.

وفي هذه العملية، يستفيد قطاع الدفاع الأوكراني، الذي تضرر من الانفصال التام عن الخبرة الروسية، من التعاون مع أحد شركاء الناتو.

تمتد الشراكة بين أنقرة وكييف إلى المستوى الاقتصادي أيضا، فقد أعلن "أردوغان" أنه اتفق مع نظيره الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي"، بشأن إبرام اتفاقية تجارة حرة بين البلدين، وتحدث عن فوائد إلغاء التأشيرة بينهما، منوها إلى أن "حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفع بنسبة 10.2% العام الماضي، ليبلغ 4.8 مليار دولار".

مواجهة متوقعة

لذا يرى الخبير بالشؤون التركية "سركيس قصارجيان" أن الموقف التركي من أوكرانيا يستهدف بالأساس التحسب لمواجهة محتملة مع روسيا - خاصة مع التطورات في سوريا وليبيا - بما يتناغم مع المزاج الأوروبي الرافض ضم روسيا لجزيرة القرم، وفقا لما أوردته وكالة أنباء آسيا.

ويشير "قصارجيان" في هذا الصدد إلى ما تمثله الأقلية التتارية الموجودة في القرم من إرث تاريخي لتركيا من جانب، وسياسة "أردوغان" القائمة على التضامن الإسلامي من جانب آخر، حيث يحرص الرئيس التركي على تبني قضايا الأمة الإسلامية سواء على مستوى الدول أو على مستوى الأقليات المتواجدة في مناطق متعددة حول العالم.

وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي الروسي "ألكسندر نازاروف" أن تشابكات المصالح التي دعمت علاقة التعاون الجزئي بين أنقرة وموسكو خلال السنوات الماضية مرشحة لعدم الاستمرار، خاصة بعدما خفضت تركيا من استيرادها للغاز الروسي عام 2019 بشكل كبير.

ويشير "نازاروف" إلى أن تأخير تنفيذ خط أنابيب "السيل الشمالي-2" أجبر روسيا على تمديد اتفاقها مع أوكرانيا بشان نقل الغاز الروسي إلى أوروبا لخمس سنوات، بشروط مواتية تماما لكييف، وهو ما يقلل من أهمية "السيل التركي" كمصدر للدخل بالنسبة لموسكو، وفقا لما أوردته شبكة روسيا اليوم.

على الجانب الآخر فإن صفقة استيراد تركيا لمنظومة الدفاع الجوير الروسية "إس-400" نُفذت فعليا، ومن غير المرجح أن يكون هناك اختراقات جديدة مهمة في مجال السلاح الروسي لتركيا، بحسب "نازاروف".

بلا مواجهة

لكن الخبير السياسي "فلاديمير جارالله"، يرى، في المقابل، أن تركيا ستحصل على كل ما تريده من أوكرانيا، مقابل كلمات التأييد لها في قضية القرم، من دون الدخول في مواجهة مع روسيا.

ويكمن السبب وراء ذلك إلى الوضع الدولي لتركيا، حسبما يرى "جارالله"، إذ إن أنقرة لديها قضية مشابهة للقرم في شمال قبرص، التي تعتبرها دولة مستقلة، ولكن لا يعترف بها أحد غير تركيا، بما في ذلك روسيا، ما يعني أن تصريحات "أردوغان" خلال زيارته لأوكرانيا يمكن قراءتها فقط في هذا الإطار، وبشكل منفصل عن باقي تشابكات المصالح بين أنقرة وموسكو في مناطق أخرى.

وفي الإطار ذاته، يرى الخبير الروسي "سيرجي بيلاشنكو" أن العلاقات التركية الأوكرانية ليس لها أي تأثير على العلاقات بين روسيا وتركيا، باعتبار أن أوكرانيا لا يمكنها أن تقدم لتركيا ما يغنيها عن مصالحها مع روسيا بمناطق النزاع.

ويشير "بيلاشنكو"، في هذا الصدد، إلى أن تصريحات "أردوغان" غالبا ما تكون تكتيكية ولا تعبر عن مواقف استراتيجية، ولذا كثيرا ما تأتي "متقلبة ولا يمكن الاعتماد عليها" على حد وصفه.

وتؤيد "أسلي أيدينتاسباس"، الزميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قراءة "بيلاشينكو"، باعتبار أن أنقرة "لا يمكنها تحمل تبعات عزل روسيا" متوقعة أن تنجو العلاقة بين البلدين حتى مع التوتر الحاصل في إدلب، وفقا لما نقلته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

القرم البحر الأسود الناتو

وزير خارجية أوكرانيا: نرحب بدعم تركيا وحدة أراضينا

حجم التجارة بينهما 2.27 مليار دولار.. أوكرانيا: نسعى لاتفاقية حرة مع تركيا

هل يعيد صراع أوكرانيا تعريف علاقات تركيا بالقوى العظمى؟