لماذا فشلت إدارة ترامب في حملات "أقصى ضغط"؟

الأربعاء 19 فبراير 2020 12:35 م

غالبًا ما تحمل مبادرات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الخاصة بالسياسة الخارجية نفس السمات بما في ذلك الضغط الاقتصادي للحصول على تنازلات قصوى.

من إيران إلى كوريا الشمالية إلى فنزويلا، تحول استخدام العقوبات، وهو عادة تكتيك يستخدم كجزء من استراتيجية أوسع، إلى إستراتيجية في حد ذاته.

ولكن الاستخدام المفرط للعقوبات يعرقل تحقيق أهداف إدارة "ترامب"، ويتسبب في معاناة إنسانية هائلة، ويخاطر بقدرة الإدارات المستقبلية على استخدام العقوبات كأداة في السياسة الخارجية.

يصف مؤيدو إستراتيجية "ترامب" النجاح الذي حققته العقوبات في شل الاقتصاد وإلحاق الألم الاقتصادي كدليل على نجاح السياسة، لكن تقييم نجاح الاستراتيجية يتطلب النظر إلى النتائج التي يتم الحكم عليها مقابل أهدافها.

لم يتم تحقيق أي من أهداف حملات "الحد الأقصى للضغط" الرئيسية الثلاثة التي شنتها إدارة "ترامب" على إيران، وكوريا الشمالية، وفنزويلا.

وقالت إدارة "ترامب" إن حملات "الضغط الأقصى" ستؤدي إلى اتفاق نووي شامل يضمن تخلي إيران عن استراتيجيتها الإقليمية، وتخلي كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية، وتنحي الرئيس الفنزويلي "نيكولا مادورو".

بدلاً من ذلك، فإن إيران أقرب إلى سلاح نووي مما كانت عليه في اليوم الذي تولى فيه الرئيس "ترامب" منصبه، وزاد مخزون الأسلحة النووية في كوريا الشمالية، وأصبح "مادورو" راسخًا في السلطة كما كان في اليوم الذي اعترف فيه "ترامب" بزعيم المعارضة "خوان جوايدو".

وبدلاً من اتباع نهج إدارة "أوباما" وتقديم فهم واضح لما هو مطلوب لرفع العقوبات خلال مفاوضات الصفقة النووية الإيرانية، قامت إدارة "ترامب" بتجميع قائمة من المطالب، التي هي بمثابة تغيير النظام.

لقد خلقت خطة "أوباما" إطارًا ناجحًا للمفاوضات النووية الإيرانية؛ رفع الضغوط الاقتصادية مقابل التوقيع على اتفاقية تفاوضية معقولة، لكن تخلي إدارة "ترامب" عن تلك الإستراتيجية، جعل الأمر بعيدا عن أي مقايضات معقولة أو يمكن تحقيقها، لقد أصبح جميع قادة هذه البلدان الآن راسخين أكثر.

عندما تعتمد قيادة ثورية لبلد ما على معاداة الولايات المتحدة لشرعيتها، وعندما تهدد العقوبات تلك الشرعية، فإنهم سيقاومون إلى أقصى حد ممكن وسيواجهون المعارضة، وعادة ما يكون ذلك بالعنف.

وبدلاً من إثارة التمرد ضد الزعماء المستبدين، فإن حملات "الضغط الأقصى" تضر بالأشخاص الذين يزعم مسؤولو إدارة "ترامب" أنهم يريدون دعمهم.

لقد تسببت العقوبات في أزمات إنسانية في فنزويلا وكوريا الشمالية، وبالرغم أن المساعدات الإنسانية والأدوية لا تتأثران بشكل مباشر بالعقوبات، فإن تأثير العقوبات على البنوك يجعل شراء الأدوية واستيرادها في هذه البلدان أمرًا صعبًا، إن لم يكن مستحيلًا، هذا يجعل معاناة السكان المحرومين والذين يكافحون من أجل الكفاح أكبر.

تشير التقارير إلى أن ما يصل إلى 4 آلاف شخص قد لقوا حتفهم في كوريا الشمالية بسبب العقوبات الأمريكية، وأشار تقرير صدر مؤخراً عن "هيومن رايتس ووتش" إلى أن النقص في الأدوية في إيران يعزى إلى حملة "الضغط الأقصى".

مثل هذا النقص يؤدي إلى عواقب مميتة، والأسوأ من ذلك هو أن منظمة إنسانية أمريكية غير ربحية، وهي لجنة خدمات الأصدقاء الأمريكية، كانت مستهدفة في تحقيقات العقوبات، ما يعني أنه بدلاً من إنفاق أموالها المحدودة على البرامج الإنسانية، كان عليها أن تنفق هذه الأموال على المحامين.

يمكن لمثل هذه المنظمات أن تشكل الأساس للتفاهم المتبادل وتحسين وجهة نظر الولايات المتحدة في أعين شعوب هذه البلدان، ولكن بدلاً من ذلك، فإن المنظمات التي تقدم الخدمات تعوقها العقوبات.

إن إحداث الألم على السكان من المرجح أن يولد الاستياء ويسمح للقادة باتهام الولايات المتحدة بمعاناة شعوبهم، وإن فرض عقوبات على صادرات النفط الإيرانية أو صادرات المنسوجات والفحم من كوريا الشمالية، ينتهي إلى إلحاق الضرر بالمجتمعات العاملة والطبقة الوسطى التي تدعي إدارة "ترامب" أنها تهتم بها.

ونادراً ما تؤثر الظروف الاقتصادية الخانقة على النخب التي تميل إلى الاعتماد على الوسائل الفاسدة والتحايل على الآليات المالية التقليدية لإثراء نفسها، وينتهي الأمر بمعاقبة السكان.

ولا يقتصر تأثير العقوبات على تقويض الرسالة التي تحاول الولايات المتحدة إرسالها، ولكن الاستخدام المفرط للعقوبات الأحادية قد يؤثر أيضًا على فائدة هذه الأداة في المستقبل.

تمتلك الولايات المتحدة القدرة على فرض رسوم اقتصادية مدمرة، كما أن تفوق الدولار الأمريكي يجعل العقوبات أداة جذابة، ومع ذلك، فإن الإفراط في استخدام تلك الأدوات، خاصة عند استخدامها لتهديد الشركاء والحلفاء، يهدد بتحفيز بقية العالم لإيجاد طرق للتغلب على هذه العقوبات.

لم يكن تنفيذ نظام INSTEX، النظام المالي الذي أنشأته أوروبا لتسهيل التجارة مع إيران، سلسًا، لكن وجوده يُظهر أن العالم يتزايد قلقًا من الطريقة التي مارست بها الولايات المتحدة ضغوطًا اقتصادية، وكما لاحظت "إليزابيث روزنبرغ" من مركز الأمن الأمريكي الجديد و"بيتر هاريل" في تقريرهما عن مستقبل الإكراه الاقتصادي الأمريكي، فإن روسيا والصين لديهما بالفعل آليات مالية للتحايل على العقوبات الأمريكية.

لا تشكل هذه الأنظمة بالضرورة تهديداً على المدى القريب للهيمنة المالية الأمريكية، لكن الاتجاهات تظهر أنه قد تكون هناك تصدعات في هيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي، والتي إذا لم تتم إدارتها ببراعة، يمكن أن تتسبب في كارثة على فعالية العقوبات الأمريكية في المستقبل.

مع استمرار حملات "الضغط الأقصى"، أصبح من الواضح أكثر فأكثر أن المخاطر تفوق بوضوح المكاسب.

يجب إعادة التفكير في الاعتماد المفرط للولايات المتحدة على العقوبات كأداة لفن الحكم، ويبدأ ذلك بفهم إخفاقات حملات "أقصى ضغط" لإدارة "ترامب".

إن السياسة التي تسبب الألم فقط دون تحقيق أي من أهدافها المعلنة تضر بمصالح الولايات المتحدة وترسخ موقف قادة الخصوم، وتولد الاستياء من خلال إلحاق الألم بالسكان، وتخاطر بفائدة العقوبات الأمريكية في المستقبل.

إن فشل حملات "أقصى ضغط" لإدارة "ترامب" يجب أن يجعل صانعي القرار في المستقبل يربطون أهدافهم مع إمكانياتهم، ويعيدون النظر في استخدام العقوبات كأداة لكل مبادرة في السياسية الخارجية.

المصدر | لوي ريكفورد | ناشيونال إنترست - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إدارة ترامب ضغوط اقتصادية عقوبات أمريكية

العقوبات الأمريكية على العراق.. تهديد جدي أم خداع واضح؟

ترامب يرفض ربط ظريف التفاوض برفع العقوبات

أمريكية من أصول أردنية في منصب حساس بإدارة ترامب