شرق المتوسط.. بحيرة غاز في طريقها للاشتعال

الأحد 8 مارس 2020 06:27 م

تزداد حدة الصراع على الغاز في منطقة شرق المتوسط، يوما بعد الآخر، بعد الكشف عن وجود احتياطات ضخمة تقدر بنحو 122 تريليون قدم مكعبة.

ويظهر الصراع جليا في تحرشات واستفزازات عسكرية، تظهر من آن لآخر بين السفن البحرية التركية واليونانية والقبرصية والإيطالية والإسرائيلية، وسط مساع عديدة من العديد من البلدان لعقد اتفاقات ثنائية لترسيم الحدود البحرية، وتشكيل تكتلات وتحالفات للسيطرة على الطاقة.

وفي نهاية فبراير/شباط، أعلن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على مسؤولين تركيين بدعوى مسؤوليتهما عن عمليات التنقيب التركية في البحر المتوسط، ليكتسب الصراع أبعادا دولية أكثر خطورة مع إلقاء أوروبا بثقلها في الصراع في مواجهة جهود تركيا للتنقيب عن الغاز قرب المياه القبرصية.

ولا تعترف تركيا بسيادة جمهورية قبرص اليونانية على كامل الجزيرة، وفي المقابل فإنها تعترف بدولة قبرص الشمالية التي لا تحظى باعتراف من أي دولة في العالم سوى تركيا.

وتقول أنقرة إنها تجري عمليات التنقيب في المياه الإقليمية للقبارصة الأتراك "الشماليين"، وهو ما يثير توترات مستمرة مع الحكومة القبرصية المدعومة من الاتحاد الأوروبي.

بخلاف ذلك، وقعت تركيا في 27 نوفمبر/تشرين الثاني اتفاقية لترسيم حدودها البحرية في ليبيا، وهو ما أثار توترات مع اليونان التي ادعت أن تقسيم الحدود التركي الليبي تعدى المناطق الاقتصادية الخاصة بها.

في ضوء ذلك، تبدو لعبة محاولا الطاقة في شرق المتوسط مرشحة للاحتدام في ظل تنافس العديد من القوى للحصول على أكبر حصة ممكنة في كعكة الطاقة المربحة في المنطقة.

منتدى الغاز

وفي عام 2014، سعت مصر إلى تدشين تحالف ثلاثي مع اليونان وقبرص؛ لترسيم الحدود البحرية، والتنقيب عن حقول الغاز، شرقي المتوسط، سعيا منها للتحول إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز.

وفتح اكتشاف شركة "إيني" الإيطالية لحقل "ظهر" الذي يحوى احتياطات تُقدر بثلاثين تريليون قدم مكعبة من الغاز، شهية مصر ودول أخرى للتعاقد مع شركات عالمية للتنقيب عن الغاز، وطرح مزايدات، وشراء سفن للاستكشاف، بل والتحرك عسكريا لحماية حصتها المحتملة من كعكة الغاز.

سرعان ما تطور الأمر، بخروج منتدى غاز شرق المتوسط إلى النور في يناير/كانون الثاني 2019، كأحد أهم أشكال التحالفات المعنية بتقاسم الكعكة الضخمة، بمشاركة كل من مصر والأردن واليونان وقبرص وإيطاليا والسلطة الفلسطينية و(إسرائيل).

وبموجب التحالف الجديد، فقد جرى عزل سوريا ولبنان وتركيا من المعادلة، ما دفع الأخيرة إلى عقد اتفاق مع ليبيا لترسيم الحدود البحرية بينهما، وهو اتفاق قوبل برفض مصري يوناني وقبرصي.

ودخل لبنان على الخط، بالإعلان قبل أيام، عن بدء شركة "توتال" الفرنسية، حفر بئر للتنقيب عن الطاقة في المياه الإقليمية على البحر المتوسط، قبالة شمال غرب العاصمة بيروت.

ويقدر إجمالي الاحتياطيات البحرية اللبنانية من النفط بحوالي 865 مليون برميل، ومن الغاز بحوالي 96 تريليون قدم مكعبة.

تكتلان رئيسيان

ويدفع الصراع حول الغاز في شرق المتوسط إلى صناعة تكتلين من القوى على الساحة، الأول مصر مع كل من (إسرائيل) وقبرص واليونان، والثاني يضم تركيا وليبيا وقبرص اليونانية.

أما لبنان فيبدو أنه لم ينضم بعد إلى تكتل بعينه، وربما يبحث عن تفاهمات بعيدة عن الصراع الدائر، بينما تبقى سوريا خارج دائرة المنافسة جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو 9 سنوات.

وراء ستار الكتلتين، تتنازع تركيا وحكومة قبرص اليونانية على حقوق التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط، حيث لا تعترف أنقرة بالحكومة القبرصية، وترى أن القبارصة الأتراك لهم حقوق مشروعة في ثروات المنطقة.

وهناك صراع سياسي محتدم بين تركيا ومصر، على خلفية عدم اعتراف أنقرة بنظام الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، الذي تولى الحكم بانقلاب عسكري، منتصف 2013، واستضافتها معارضين مصريين، وهو ما يغذي سخونة صراع الغاز بين الطرفين.

ويمتد التوتر إلى العلاقة بين لبنان و(إسرائيل)، على خلفية الصراع حول حقل "تمار" المُكتشف في يناير/كانون الثاني 2009، باحتياطي غاز يبلغ نحو 10 تريليونات قدم مكعبة، وحقل "ليفياتان" وتقدر مخزوناته بما لا يقل عن نحو 17 تريليونات قدم مكعبة.

كنز المتوسط

تفيد تقديرات أمريكية، بأن المنطقة تعوم فوق بحيرة من الغاز تكفي لسد حاجة الأسواق الأوروبية لمدة 30 عاما والعالم لمدة عام واحد على الأقل، بحسب هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية.

ويضم "كنز المتوسط" عددا من أبرز الحقول المكتشفة، منها حقل "غزة مارين"، داخل الحدود البحرية الإقليمية لقطاع غزة، باحتياطات تقدر بـ30 مليار متر مكعب من الغاز.

وهناك أيضا عدد من الحقول التي تسيطر عليها (إسرائيل) مثل حقل "داليت" بإجمالي احتياطي حوالي 0.53 تريليون قدم مكعبة، وحقل "تمار" واحتياطاته 280 مليار متر مكعب، وحقل "تانين" وتقدر احتياطاته بـ34 مليار متر مكعب، وحقل "كاريش" الذي يحوي 51 مليار متر مكعب، و"رويي" ومخزوناته 90 مليار متر مكعب من الغاز، والأهم، حقل "ليفياثان"، باحتياطات تقدر بـ620 مليار متر مكعب

وهناك حقل "أفروديت" القبرصي وتقدر احتياطاته بـ140 مليار متر مكعب من الغاز، وحقل "ظهر" المصري، أكبر حقل في شرق المتوسط، وتقدر احتياطاته بـ850 مليار متر مكعب من الغاز.

الخطير في الأمر، أن أغلب هذه الحقول، بخلاف الحقول ضئيلة الإنتاج، متنازع عليها، ولم تحسم ملكيتها رسميا بعد سواء بالقانون الدولي، أو الاتفاقات الثنائية، وصارت سياسة الأمر الواقع، هي الفيصل في التنقيب عن "كنز المتوسط".

الشركات الكبرى

تدير عمليات التنقيب في شرق المتوسط، شركات إيطالية وفرنسية وأمريكية وروسية، وهو ما يضع حكومات دول هذه الشركات ضمن داخل دائرة التنافس على الكعكة الثمينة.

ومن أبرز شركات النفط العالمية التي تدير عمليات التنقيب عن النفط والغاز في حوض شرق المتوسط شركة "إيني" الإيطالية وشركة "توتال" الفرنسية و"نوبل إنيرجي" الأمريكية و"نوفاتيك" الروسية و"بي بي" البريطانية، و"شل" الهولندية، الأمر الذي يعني أن الصراع على الغاز بات بنكهة دولية، وأن قوى غربية تتدخل اليوم في الصراع لحماية مصالح شركاتها في المنطقة.

أما التطور الأهم، فهو تمرير الكونجرس الأمريكي، قانون شراكة الأمن والطاقة شرق البحر المتوسِط، يونيو/حزيران الماضي، ويقضي بإنشاء مركز أمريكي للطاقة شرق المتوسط، لتسهيل التعاون في مجال الطاقة بين كل من أمريكا و(إسرائيل) واليونان وقبرص.

ويطالب القانون، الإدارة الأمريكية بتقديم استراتيجية لتعزيز التعاون الأمني والتعاون في مجال الطاقة مع دول حوض شرق البحر المتوسط، ما يرفع من احتمالات ومخاطر عسكرة التنافس في تلك المنطقة.

لكن تظل احتمالات التسوية قائمة، بين الدول المتنازعة، على قرابة تريليوني متر مكعب من الغاز الطبيعي تكتظ بها الحقول المكتشفة في المنطقة، ناهيك عن الاحتياطات التي لم يكشف عنها بعد.

وقد تكون منطقة شرق البحر المتوسط، نقطة تحول اقتصادية لبلدان المنطقة، لكن السباق المحموم حولها قد يحولها بدلا من ذلك إلى بؤرة صراع ملتهبة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

شرق المتوسط.. دول الخليج تعمق الصراع على غاز لا ناقة لها فيه ولا جمل