فك شفرة أحلك ليلة قضتها تركيا

السبت 29 فبراير 2020 11:37 ص

استيقظت تركيا يوم 28 فبراير/شباط على يومها الأكثر كآبة في الصراع السوري، حدادا على مقتل 33 جنديا على الأقل في هجوم عنيف الليلة السابقة في إدلب؛ ما أدى إلى رفع التوترات مع موسكو ودمشق إلى مستوى غير مسبوق.

  • ما الذي حدث بالضبط في 27 فبراير؟

في حوالي الساعة الـ5 مساءً، كانت كتيبة المشاة التركية، المؤلفة من حوالي 400 جندي، هدفا لغارة جوية على طريق "باليون"، على بعد حوالي 5 كم شمال كفر نابل جنوبي محافظة إدلب. ووفقا لمصادر محلية اتصلت بها "المونيتور"، قامت 4 مقاتلات روسية، اثنان من طراز "سوخوي 24" ومثلهما من طراز "سوخوي 22"، بشن هجمات مكثفة على أهداف تابعة للجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا جنوبي إدلب في حوالي الساعة 11 من صباح ذلك اليوم.

وقالت المصادر إن نفس المقاتلات أصابت القافلة التركية في عمل منسق. أولا، أجبر قصف أخف نسبيا من طائرات "سوخوي 22" القافلة على التوقف، وبعد ذلك تكثف القصف؛ مما أجبر الجنود على اللجوء لعدة مبان على جانب الطريق.

من المحتمل أن يكون ما حدث بعد ذلك هو إسقاط الطائرات الروسية قنابل ارتجاجية من نوع  "KAB-1500L" وهي مجموعة متنوعة من القنابل المتطورة الموجهة بالليزر والقادرة على اختراق عمق يصل إلى 20 مترا؛ حيث انهار مبنيان في الهجوم ليبقى الجنود الأتراك تحت الأنقاض.

وقالت موسكو في 28 فبراير إن الطائرات الروسية لم تنفذ ضربات في المنطقة، وأن روسيا بذلت قصارى جهدها لضمان توقف قوات النظام السوري عن إطلاق النار للسماح بإخلاء القوات التركية. ومع ذلك، قالت موسكو إنه لا ينبغي أن يكون الجنود الأتراك في المنطقة؛ حيث كانت عمليات مكافحة الإرهاب جارية، معتبرة أن أنقرة فشلت في نقل معلومات حول وجودهم مسبقا.

ورغم المكالمة الهاتفية اللاحقة بين الرئيسين التركي والروسي، يبدو أن التصعيد هو خطوة روسية مدروسة ومحسوبة جيدا. ومن الصعب اعتبار موقف موسكو أمرا مفروغا منه كدليل على استعدادها للتراجع لإيقاف تصعيد الأزمة.

وصل العدد الرسمي للقتلى الأتراك إلى 33 صباح 28 فبراير، فيما وصل عدد المصابين إلى 60 جنديا، من بينهم 16 أصيبوا بجروح خطيرة. وما زال من غير الواضح ما إذا كان هناك جنود محاصرين تحت الأنقاض حتى الآن. ووفقًا لمعلومات غير مؤكدة حصلت عليها "المونيتور"، فإن عدد القتلى الفعلي يتراوح بين 50 و55.

ما الذي دفع روسيا إلى الرد بعنف واستفزاز أثناء قيام وفد روسي بإجراء محادثات في أنقرة في محاولة لتخفيف التوترات في إدلب؟

تصاعدت الأوضاع منذ 20 فبراير/شباط، عندما قُتل اثنان من طاقم دبابة تركية في غارة جوية جنوبي إدلب. تصاعد الموقف أكثر في 25-26 فبراير، عندما شنت قوات الجيش السوري الحر، بدعم من الجيش التركي، هجوما مضادا في منطقة النيرب التي تم السيطرة عليها والمضي نحو سراقب، التي تقع عند تقاطع الطرق السريعة "إم 4" و "إم 5" الاستراتيجية.

وصلت الأمور إلى ذروتها في صباح 27 فبراير، عندما ذكرت وسائل الإعلام الروسية أن المقاتلات الروسية التي تحلق فوق جنوب إدلب أصبحت هدفا لإطلاق نار كثيف من أنظمة الدفاع الجوي المحمولة من المناطق العسكرية التركية. في الوقت نفسه، ووردت أنباء أن منظومات الدفاع الجوي المحمولة وهجمات الطائرات بدون طيار هددت قاعدة "حميميم"، وهي منشأة عسكرية روسية رئيسية في سوريا.

تزعم مصادر روسية، اتصلت بها "المونيتور"، أن أكثر من 15 هجوما من منظومات الدفاع الجوي المحمولة، نفذتها القوات التركية مباشرة، وقد استهدفت طائرات روسية وسورية تشن غارات جوية في جنوب إدلب بعد ظهر ذلك اليوم، وأن بعض الطائرات الروسية تعرضت لأضرار أثناء المناورة هربًا من الحريق، وعندما وصلت الهجمات على الطائرات وقاعدة "حميميم" إلى كثافة لا تُطاق، تعرضت القافلة التركية في الساعة 5 مساءً للقصف.

بعد الهجوم، رفضت موسكو طلب أنقرة بفتح المجال الجوي لإدلب أمام طائرات الهليكوبتر التركية لنقل الجرحى. ونتيجة لذلك، تم نقل القتلى والجرحى عن طريق البر إلى مستشفى في "الريحانية"، وهي بلدة حدودية تركية تبعد حوالي 70 كم عن المنطقة.

عقد الرئيس "رجب طيب أردوغان" اجتماعا أمنيا طارئا في أنقرة بعد الحدث بفترة قصيرة. من اللافت للنظر أن أنقرة اتهمت النظام باعتباره المسؤول، دون الإشارة إلى روسيا، في ردود الأفعال الأولية، متعهدة بالانتقام القوي.

وكانت هذه علامة مهمة على أن أنقرة غير راغبة في قطع العلاقات مع موسكو على الفور؛ مما يشير إلى أنها ستحافظ على خطاب تلقي فيه باللوم على النظام في الهجوم على الرتل التركي.

بعد وقت قصير من علم الجمهور التركي بوجود ضحايا على وسائل التواصل الاجتماعي، تم إبطاء الإنترنت في جميع أنحاء البلاد وتعرضت وسائل الاتصال المستخدمة على نطاق واسع مثل "تويتر" و"واتساب" للتقييد.

 بمعنى آخر، يبدو أن السلطات عرقلت مصادر المعلومات البديلة، بينما بدأت وسائل الإعلام التقليدية في نشر تقارير ولقطات عن القوات التركية وهي تضرب قوات النظام السوري.

 كما قام رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة، "فخرالدين ألطون"، بتغريد سلسلة من الرسائل، متعهدا برد قوي على "النظام القاتل"، ومؤكدا عزم أنقرة على عدم سحب قواتها من إدلب.

  • ماذا يمكن أن يحدث بعد ذلك في إدلب؟

الصورة على الأرض واضحة: تخوض أنقرة الآن حربا تقليدية مع دمشق، وإن كانت حربا غير معلنة، وقد وصلت إلى حافة المواجهة التقليدية مع موسكو. يمكن اعتبار إلقاء اللوم على النظام بمثابة جهد مستمر لإبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع موسكو. ومع ذلك، فإن الإشارات الواردة من موسكو ليست مشجعة للغاية.

يبدو أن اللقاء وجها لوجه بين "أردوغان" و"بوتين" هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تنهي الأزمة التركية الروسية الآن. ووفقا لرئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فإن الزعيمين "اتفقا على اللقاء في أسرع وقت ممكن" خلال مكالمتهما الهاتفية، الجمعة، لكن بيان "الكرملين" كان أكثر غموضا، حيث قال إنهما اتفقا على "دراسة إمكانية" عقد مثل هذا الاجتماع.

لا شك أن حصيلة القتلى تمثل ضربة قوية لأنقرة، لكن موسكو نفسها ربما لم تتوقع مثل هذه النتيجة الدموية. من الواضح أن الهجوم سيؤدي إلى امتداد التوترات خارج إدلب.

من المرجح أن تتعرض تركيا لضغط متزايد لسحب وجودها العسكري في جيب درع الفرات ومنطقة عفرين إلى الغرب من نهر الفرات وحتى من مناطق شرقي النهر التي سيطرت عليها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

والسؤال الأكثر أهمية الآن هو ما إذا كانت أنقرة مستعدة لإنهاء وجودها العسكري في سوريا. يبدو أن هذا غير مرجح في المستقبل القريب. ستسعى أنقرة على الأقل إلى المساومة والحصول على بعض التنازلات من موسكو للانسحاب التدريجي لقواتها.

يبدو أنه من غير المحتمل حدوث تصاعد كبير في الاشتباكات في الأيام القليلة المقبلة، وسيحاول الفاعلون على الأرض -أنقرة ودمشق وموسكو وطهران- تحديد مواقفهم وفقا لتحركات بعضهم البعض.

وعلى الرغم من آمال أنقرة في الحصول على دعم غربي، فمن غير المحتمل أن يشارك حلف الناتو والولايات المتحدة عسكريا في الأزمة على الفور. ربما يتبع كلاهما نهج "الانتظار والترقب" لفترة من الوقت للحصول على صورة أفضل حول تطور أزمة أنقرة وموسكو.

المصدر | متين غورجان/المونيتور- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأزمة بين تركيا وروسيا العلاقات التركية الروسية معركة إدلب

تحركات روسيا وتركيا المقبلة ستحدد نهاية الحرب السورية